أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن رفاعي - في معتقلي الصحي















المزيد.....

في معتقلي الصحي


مازن رفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2785 - 2009 / 9 / 30 - 10:37
المحور: الادب والفن
    


في معتقلي الصحي " غرفة العناية القلبية المشددة"
لم يكن إلى جانبي سوى المرحوم والدي، والمرحومة والدتي،



اليوم لم يزرني احد من الأصدقاء، والمعارف في المشفى
فاخترعت زوارا من بنات أفكاري وجيرانهم ،
الذين وهبوني وقتهم ،وعواطفهم وأمنياتهم،
وسهرت معهم حتى مطلع الفجر .
الممرضات حولي كما كن حول هارون الرشيد محظياته ،
ولكني لا املك ما أمنحهم سوى الابتسامة ،
الأماني نامت ، والأحلام غفت ، ورسول الفرح كان سرابا .



لم أختر أن اسجن نفسي في مملكة الألم،
ولكن جلاد المرض حكم علي بذلك،
عشت غريبا ويبدو إني سأموت غريبا.



عشقت الانتظار...
فحياتي كانت كلها محطات انتظار لقطار أحلام غير خط سيره المعتاد،
وهاهو الانتظار يصادقني اليوم،
فانتظر
على الموقف هنا ،
موعدي مع الموت،



انتظرته وفتحت له ذراعي مرحبا،
ولكنه اعتاد الغدر !
لم يأتي إلي في ذاك المساء ،
واختار بدلا مني - انا من تحداه وفتح ذراعيه لاستقباله-
رجلا كان يقبع بجواري ،

وأخذه معه في رحلته المسائية ،
وتركني انتظر في الغرفة مع أموات يقاسمونني الهواء ،
وبقايا أحياء يقاسمونني الأمنيات والآمال .



ربما لو خيرني لاخترت الرحيل الأبدي.
من هذه الأرض الموبوءة

بجراثيم المال، وفيروسات الغرائز،
لذهبت معه راضيا مرضيا ،
داخلا جنات موعودة..

وبعد أن ودعت أحلامي وأقلامي،
لم يكن بإمكاني التقدم في المستقبل ورؤية الآتي،
فقررت العودة بسنواتي إلى الوراء ،
وبدلا من هجرتي إلى مملكة الصمت،
هاجرت إلى مملكة الأشباح والذكريات .

فاجتررت ذكريات أهلي
هم من علمني
الصدق في زمن الكذب.
الوفاء في زمن الخداع.
الخير في زمن الشر.
الحنان في زمن القسوة.
الرحمة في زمن الظلم.
قلت لهم : سامحكم الله فقد ولى زمن الأنبياء .

واجتررت ذكريات أصدقائي
كانوا دائما يلومونني على طيبتي .
ويخبروني بان الحياة معركة .
وان الدنيا غابة بشرية .
ومن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب.
قلت لهم : الحمدلله عشت حياتي بكل أبعادها .
الطهر والبراءة والمحبة والتسامح والأمانة والصدق كانوا زملائي .
والندم لم يعرف يوما طريقا إلي روحي .
كرهت أكل لحم أخي ميتا .

واجتررت ذكريات من اختاروني لأكون عدوا له .
الحاسدون حاولوا نثر الأتربة السوداء على ثوبي الأبيض،
ولكني وعلى الدوام كنت دائما
من يتقبل الإساءة دون أحقاد .
ويكظم جبالا من الغيظ.
وينشد المثالية الصوفية في طباعه وأخلاقه.
وكنت دائما من يوصف حتى من قبلهم
بالأمانة والأخلاق السمحة وحسن العشرة وعمق التفكير.

قلت لهم : اليوم سأرحل عنكم.
فقد آن موعدي مع فراق الروح الأبدي.
وغدا ستزورون التاريخ كعادتكم.
كما فعلتم مع هارون وعلي.

عقوقكم فواتير تسلمتها لطمات على وجداني.
كوني مصاب بجذام الحق، لا يعطيكم الحق في إعدامي على مقاصلكم .
كوني لا أوافق على آثامكم ، لا يعني أني تافه، مزجور، مجلود، مقتول، مذبوح.
نحرتموني ولكنكم لم تحسنوا الذبح .
بصركم ارتد حسيرا كسيفا.

رقة الوحوش التي ترسمونها على وجوهكم
تجعلني امكث في عرين الألم .
وفي داخلي آهة وحسرة وصرح من التوتر ،
وصبر يحرق القلب.
وحروف دامعة تجعل الوجع يئن ألما.

حاملوا المال كعادتهم يتنافسون على قهر من لا يحوزه.
حسدوني على أجرة يوم العطلة

التي اقبضها دون أن اعمل!
ولكن أن ينكد عليك أمنياتك وأحلامك 12 شخصا في الحياة ،
خير وأبقى من أن يحملك ستة أشخاص إلى اللحد.

الماسي في الحياة يتربع حطب المال على عرش أسبابها ،
وانتم لستم سوى إمعة حمالين للحطب.
أقول لكم اليوم

ومن سرير العبور إلى عالم الموت .
لستم سوى مهرجين في سيرك السلطان.
وهمكم الوحيد هو إضحاكه على خيبتكم ،وقلة حيلتكم.

وأقول لجميع عملاء الدنيا أبشركم بالرحيل الأبدي.



عدت في رحلتي عبر الزمان والمكان،
من مملكة الأشباح والذكريات،

إلى السرير ،وغرفتي، وجسدي

الذي عروه من الثياب، استعدادا للرحلة القادمة ،
بعد خبرة 45 عاما من القتال المستمر، لكسب معركة الحياة وجولاتها.
الهث بزفرات عبرت صحراء المرض فازدادت جفافا. .
ابصق العالم من فمي ،كما ابصق علكة فقدت حلاوتها.

الصمت في الغرفة يرخي سدوله على الجميع ،
لا طعام، ولا شراب، لا هواء ،ولا رفيق إلا الألم والأمل.
عيناي تطليا النوم ،

ولكن الجسد يحاول أن يرى النور من جديد ،
فانام وأنا محدق العينيين في شمس آفلة.

بعد ليلة صارع فيها القلب أمواج المرض ،
فاستسلم لموجة قوية

أرست قاربه المهترء على شاطئ الموت،
استعديت للنوم الأخير .
واستعد جسدي للتلحف بالشر اشف الترابية ،
الموت له طعم ونكهة ورائحة خاصة،



لكن في تلك الليلة عايشت مخلوقا غريبا ،
لا هو الموت ،ولا هو الحياة .
أماني نامت فصحت على صوت أنينها ،
وجعي انتحر في مقلة الصمت، فلم يصرخ دمعا ،
حروف غضبي أغلقت معابر الكلام ،
فسكبت نفسي حبرا على ورق ،
فما يكتب بشجن يقرأ به !

الموت يغادرني ولكنه قادم يوما ما لا محالة،
ليسدل أستاره على الفصل الأخير من مسرحية الحياة ،
ريحه ستمزق أشرعة النوافذ ،
ورغم العرق الذي سيبذله الأطباء والممرضون ،
فان النصر سيكون له.

ويوما ما ستكون آخر الكلمات :
بل الرفيق الأعلى .
ياموت ياموت .
هذا ماجناه علي أبي ولم اجني على احد.
اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل.
صفقوا أيها الأصدقاء … لقد انتهت الكوميديا.
لقد حاولت بشدة أن افعل الصواب.
اعلم انك جئت لتقتلني… أضغط الزناد أيها الجبان، فلن تقتل إلا مجرد رجل.

الموت صديق مخلص بعد الحياة.
لذلك علي أن أعانقه وأصاحبه،
لأنه الوحيد الباقي معي بعد أن يغادر الجميع،
لا وقت لدموع الهزيمة، أمام قلة الحيلة .
فنحن مسكونون بالرحيل،
وأشدنا ذكائنا أكثرنا إحساسا بالغربة.
نحن في هذه الدنيا عابروا سبيل،
سواء امتلكنا غربة الضياع ،او غربة الطريق ،

قطرات المحاليل في الوريد،
كقطرات الري بالتنقيط ، او كحنفية.
تعد على رتمها دقائق الليل الراحل ،
فتساعدك على الهروب من المصير.
الصبح يتنفس
واللون الأبيض ينتصر على كل مقاييس التنفس والضغط
ثلاثة أيام في هذه الغرفة الحميمة ،
كانت دقائقها أعواما .


وفي اليوم الاخير
لبست جسدي من جديد،
وخرجت من المشفى
تاركا الألم مصطحبا الأمل.
متنميا للجميع طول العمر والبقاء




#مازن_رفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاة والدي
- ابنتي سارة
- الغد يوم آخر
- رسالة أم لولدها
- موعد مع الخيانة
- ابو المجاري


المزيد.....




- إلغاء حفل استقبال -شباب البومب- في الكويت جراء الازدحام وسط ...
- قيامة عثمان الحلقة 160 مترجمة باللغة العربية وتردد قناة الصع ...
- قمصان بلمسة مغربية تنزيلا لاتفاق بين شركة المانية ووزارة الث ...
- “ألحقوا اجهزوا” جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 للشعبتين ...
- الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال ...
- مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم ...
- قال إن وجودها أمر صحي ومهم الناقد محمد عبيدو يعدد فوائد مهرج ...
- ركلها وأسقطها أرضًا وجرها.. شاهد مغني الراب شون كومز يعتدي ج ...
- مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن رفاعي - في معتقلي الصحي