ميمون المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 2785 - 2009 / 9 / 30 - 01:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تمهيد
تأتي هاته المحاولة المتواضعة التي ترصد تجربة الطلبة القاعديين، بمناسبة مرور 30 سنة على ظهور الطلبة القاعديين، وتجد مبررها في واقع الغموض الذي لف هاته التجربة، التي لا يمكن حصرها في مقال واحد، أو في عمل فردي مثل هدا العمل. ونعتبر هاته المحاولة مجرد استفزاز لكافة المناضلين الدين ساهموا في تجربة الطلبة القاعديين من اجل تمحيص وتسليط الضوء على هدا التاريخ الذي شابه مجموعة من المغالطات، التي لا زالت موجودة خاصة عند الجيل الصاعد من الطلبة القاعديين. نعترف أن هاته المحاولة تشوبها مجموعة من النواقص حيث يغلب عليها في بعض الأحيان الطابع السردي، وعدم وقوفها على مجموعة من المحطات المهمة و المحورية في تاريخ الطلبة القاعديين، ودالك راجع بالأساس للنقص المهول في المعطيات التي تؤرخ لهاته التجربة. وقد اعتمدنا في هدا المقال على مجموعة من الوثائق و الأوراق التي كتبت عن الحركة الطلابية بشكل عام وعن القاعديين بشكل خاص، وعلى الموروث الشفهي كذلك لعدة اعتبارات سنذكرها في ما بعد.
تقديم
1- الأهداف
* تناولنا لتاريخ القاعديين ليس من باب تقديس هاته التجربة أو الحنين لها، رغم فرادتها و نوعيتها لا على المستوى المحلي أو العالمي.
* من اجل توضيح و تمحيص هدا التاريخ الذي عرف التحريف و التشويه و الاسترزاق.
* من اجل استخلاص الدروس والعبر من النجاحات و الأخطاء و الإخفاقات على حد سواء, لما فيه مصلحة الحركة الطلابية و الحركة الجماهيرية بشكل عام.
* من اجل استفزاز كافة المناضلين- وهده هي المسالة المهمة في هدا البحث- الدين ساهموا في تبلور هاته التجربة من قريب أو من بعيد, وكل الغيورين عليها, من اجل المساهمة في هدا العمل و الذي لا يجب أن يبقى بأي حال من الأحوال عملا فرديا, نظرا لحجم الأخطاء و المغالطات التي تنسب للطلبة القاعديين.
2- أما فيما يخص الصعوبات التي واجهتنا في هدا البحث, فنوجزها في ما يلي׃
* صعوبات تتعلق بمسالة التأريخ بشكل عام, بما هو علم له قوانينه وضوابطه العلمية.
* النقص الهائل في الوثائق المؤرخة لتجربة القاعديين .
* غياب وثائق لبعض وجهات النظر التحريفية التي خرجت من جسم الطلبة القاعديين, بسبب عدم قدرتها عن الإفصاح عن مواقفها والدفاع عنها بشكل مكتوب.
* المقالات والوثائق المتوفرة, اغلبها ناقص الصفحات, أو ممحية نتيجة لعوامل الزمن. والبعض الآخر غير معنون و غير مؤرخ.
* التشويه الذي تعرض له تاريخ القاعديين سواء من طرف المرتدين أو التحريفيين.
3- سنحاول تقسيم تاريخ الطلبة القاعديين إلى 6 مراحل:
* المرحلة الأولى من 1969 إلى 1979 مرحلة ما قبل الولادة.
* المرحلة الثانية من 1979 إلى 1984 مرحلة المخاض و الولادة.
*المرحلة الثالثة من 1984 إلى 1990 مرحلة النضج.
* المرحلة الرابعة من 1990 إلى 1995 مرحلة تكالب المؤامرات.
* المرحلة الخامسة من 1995 إلى 2000 .
كما انه تم تذييل هدا البحث, بملحق رقم1 يضم البرنامج الديمقراطي القاعدي، وملحق رقم2 لشهداء الحركة الطلابية.
المرحلة الأولى من 1969 إلى 1979 مرحلة ما قبل الولادة
يشكل الطلبة القاعديون الامتداد النوعي و الموضوعي للطلبة الجبهويين, لهدا فلا يمكن تناول القاعديين دون الحديث عن الطلبة الجبهويين.
من هم الطلبة الجبهويون ?
أسس طلبة منظمة إلى الأمام، التي تأسست في 30غشت 1970 ومنظمة 23 مارس، التي تأسست في دجنبر 1971 - والتي انشقت عنها فيما بعد منظمة لنخدم الشعب- الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين في دجنبر1970, وقد عرفوا في أدبيات أوطم بالطلبة الجبهويين. و قد تشكلت أولى الأنوية و المجموعات الطلابية، التي انبثق عنها ما سيعرف فيما بعد بالحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم) في المواقع الجامعية فاس, الدار البيضاء, الرباط على اثر انسحابهم من الحزب الشيوعي المغربي و الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (ا و ق ش) أواخر الستينات, في ضل ظروف دولية وعربية و محلية نوجزها فيما يلي ׃
الشروط الدولية :
* الثورة الثقافية في الصين, و الصراع الذي كان يخوضه الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية على المستوى العالمي، خاصة ضد تحريفية خروتشوف، و زمرة تيتو...
* انتفاضة الطلاب في ماي 1968.
* النهوض العارم الذي عرفته حركات التحرر الوطني في العالم : نيكاراغوا، لاوس، الكونغو، غينيا بيساو...
* النصر الذي حققته الثورة الكوبية و الفيتنامية و الكورية...
الشروط العربية :
* هزيمة يونيو 67، و التي جسدت هزيمة و فشل البرجوازية الصغيرة، و عجزها في قيادة حركة التحرر الوطني.
* انطلاق الثورة المسلحة الفلسطينية سنة 65، و انتقال مجموعة من التنظيمات الفلسطينية و العربية من الفكر القومي إلى الماركسية اللينينية و تثبيتها و الدفاع عنها.
* النهوض النوعي الذي عرفته حركات التحرر الوطني : جبهة ضفار...
* انفضاح الأطروحات التحريفية للأحزاب الشيوعية العربية، خاصة موقفها المتخاذل والذيلي من القضية الفلسطينية.
الشروط المحلية :
* المد الجماهيري الواسع الذي عرفه المغرب، والذي توج بانتفاضة 23 مارس المجيدة، التي أشعل شرارتها الأولى التلاميذ و الطلبة، و ما فتئت أن انضمت لها كافة شرائح الشعب المغربي.
* المواقف المتخاذلة و المتذبذبة للقوى الإصلاحية، من قضايا الشعب المغربي عموما، و من انتفاضة 23 مارس بشكل خاص.
وقد شارك مناضلو الحملم في المؤتمر 13 لاوطم المنعقد في 23 غشت 69، كمناضلين لعدم تبلور الشكل التنظيمي الذي يجمع هؤلاء المناضلين، وقد استطاعوا من تمرير مجموعة من المواقف, خاصة الموقف من القضية الفلسطينية, وقد اعتبر المؤتمر 13 مؤتمر القضية الفلسطينية. و سنتطرق بشكل مختصر لأهم ما جاء به من خلاصات :
1- حدد تجليات الأزمة :
- على المستوى السياسي القمع الموجه ضد القوى التقدمية و الوطنية.
- على المستوى الاقتصادي التبعية للامبريالية.
- على المستوى الاجتماعي تفاقم البطالة و تردي الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية.
2- سطر برنامجا نضاليا دعا القوى التقدمية للالتفاف حوله :
- النضال من اجل الدفاع عن المصالح الاجتماعية و النقابية للطبقات الكادحة.
- النضال من اجل الديمقراطية و الحريات العامة..
- دعم الثورة الفلسطينية عسكريا و ماديا، و ربطها في إستراتيجية الثورة العربية.
3- اعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية, انطلاقا من وحدة العدو: الامبريالي، الصهيوني، والرجعية العربية.
4- اقر كافة اللجان الملغاة في المؤتمر 12 لاوطم.
5- قام بتثبيت و تأكيد المبادئ 4 لاوطم.
بعد المؤتمر 13، سيدعو النظام إلى مناظرة بمدينة افران سنة 1970، بمشاركة طلبة حزب التحرر و الاشتراكية المنسحبين من المؤتمر 13. وهي المناظرة التي بموجبها تم فصل نضالات الطلبة عن التلاميذ, كما أنها قامت بإلغاء المدرسة العليا للأساتذة, و معهد السوسيولوجيا بناء على مقررات الندوة.
كما أن الطلبة الجبهويين شاركوا في انتخاب مندوبي المؤتمر14 لاوطم المنعقد في غشت 1970, إلا أنهم انسحبوا من المؤتمر.
شكل المؤتمر 14 تراجعا عن مقررات المؤتمر 13، وحتى عن مقررات المؤتمر 9 فعلى :
* المستوى السياسي : رفع شعارات النظام (الانفتاح السياسي) و (التصالح الوطني)...
* المستوى التنظيمي :
- تهميش مجالس المناضلين و لجان الأقسام و لجان اليقظة.
- إعطاء لجنة التنسيق الوطنية دورا استشاريا.
- إلغاء الفروع، مع غياب كل من مندوبي المدرسة المحمدية للمهندسين, المدرسة العليا للأساتذة, المعهد الوطني للإحصاء, كلية الآداب الرباط.
- إعطاء اللجنة التنفيذية السلطة التقريرية و التنفيذية على المستوى الوطني.
- إعطاء التعاضديات السلطة التقريرية و التنفيذية على المستوى المحلي.
و عملت الحركة الطلابية بقيادة الطلبة الجبهويين، على تجاوز مقررات المؤتمر 14، عبر خوضها لإضرابات طويلة النفس، التفت فيها الجماهير الطلابية حول قيادة الجبهويين، و هو ما حدا بالنهج البيروقراطي الذي ساد في المؤتمر 14، إلى تأخير انعقاد المؤتمر 15 لسنة كاملة قصد الحد من هدا الوعي و هاته الحركة.
و في دجنبر 1970 شارك الطلبة الجبهويون، في انتخاب مندوبي المؤتمر 15، وتقدموا بلوائح مشتركة تحت أسماء مختلفة من كلية لأخرى، و قد حملت لائحة كلية الآداب بالرباط اسم (جبهة الطلبة التقدميين) وفازت بأغلبية ساحقة.
انعقد المؤتمر 15 في غشت 1972, و تميزت الفترة التي عقد فيها المؤتمر على المستوى الوطني بمد جماهيري واسع... و تصدع النظام (انقلاب الصخيرات71, و انقلاب الطائرة 72)...
وقد انسحبت فصائل النهج البيروقراطي من المؤتمر، نظرا لنظرتها الهيمنية على أوطم (إما الهيمنة أو الانسحاب) ، حيث تمكنت لائحة الطلبة الجبهويين من قيادة المنظمة، برئاسة الرفيق عبد العزيز لمنبهي احد أقطاب منظمة إلى الأمام.
وقد شكل المؤتمر قفزة نوعية في تاريخ الحركة الطلابية، حيث سجل الحد الفاصل مع المفاهيم و الممارسات الإصلاحية و الاحتوائية، عبر :
- إنتاج تصور ثقافي متقدم، يعكسه شعار: جامعة موازية من اجل ثقافة شعبية.
- إنتاج تصور لطبيعة التعليم يعكسه شعار : من اجل تعليم شعبي، عربي، ديمقراطي، علمي، علماني، وموحد.
- إنتاج فهم متقدم لعلاقة التلاحم بين الحركة الطلابية و الحركة الجماهيرية، يعكسه شعار: لكل معركة جماهيرية صداها بالجامعة.
- دعم و مساندة حركات التحرر الوطني, و التأكيد على أن القضية الفلسطينية, قضية وطنية, و خلق لجنة فلسطين.
- تجسيد وحدة الحركة الطلابية, في مقولة : وحدة- نقد- وحدة.
- تثبيت الآليات التنظيمية, التي توفر للجماهير الطلابية مشاركة واسعة في التسيير والتقرير و التنفيذ.
وقد اعتبرت فصائل النهج البيروقراطي المؤتمر15 (مؤتمر الخيانة). كما لم تلتزم بمقرراته، فدرالية أوربا الغربية التي أنشاها المؤتمر6 لاوطم في 1961, والتزمت بتطبيق مقررات المؤتمر14, مما أدى إلى انشقاق الفدرالية وظهور فدراليتين لأوربا الغربية.
مباشرة بعد المؤتمر ستشن قوى القمع حملت شرسة من الاعتقالات و الاختطافات في صفوف مناضلي الحملم، و مختلف القوى الديمقراطية, و مناضلي أوطم. توجت باعتقال رئيس أوطم عبد العزيز لمنبهي، و نائبه عبد الواحد الراضي,في يناير 1973, وتوج هدا المسلسل بحظر أوطم في 24 يناير من نفس السنة.
بالموازات مع هدا اتخذ النهج البيروقراطي من الحظر القانوني على أوطم, ذريعة للتهجم على المؤتمر15, و الهجوم على قيادته محملينها المسؤولية في دالك. و لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصل ممارسة النظام اتجاه الحركة الجماهيرية مند الاستقلال الشكلي, عن الحظر القانوني, هاته الممارسات التي اتخذت طابعا شموليا مع مطلع السبعينات من القرن الماضي. ويأتي حظر المنظمة, و اعتقال ما تبقى من مسئولي و مناضلي أوطم, كتتويج لهده الممارسات، والحملات التي تعرضت لها الجماهير الشعبية.
وقد تميزت السنوات الأولى من الحظر بالركود النسبي, رغم ما تخللها من بعض المعارك التي خاضتها بعض الكليات وأساسا المدارس والمعاهد العليا من اجل حل مشاكلها المادية الملموسة, و إحيائها ليوم 24 يناير.
و في سنة1974 أسس مجموعة من المناضلين المتعاطفين مع الحملم (مجالس النضال السرية) -عن كتاب محمد ضريف الحركة الطلابية-, التي واجهة الحظر القانوني, بالإضافة إلى مواجهة (الإصلاح الجامعي) موسم 76/77, الذي تمثلت أهم بنوده التصفوية في : تقزيم المنح, حذف وجبة الغداء للقاطنين, إصلاح نظام الامتحانات, تقليص نفقات التعليم.. بالإضافة إلى مواجهتهم المجالس الادراية المشبوهة، التي تفاعل معها طلبة التحرر و الاشتراكية. في حين انتهجت باقي فصائل التوجه البيروقراطي سياسة الكيل بمكيالين, بين قبول (الإصلاح الجامعي) و اعتباره خطوة من اجل استرجاع أوطم, و الرفض الخجول لمراسيمه التطبيقية.
و قد احتدم الصراع بين التوجه البيروقراطي و التوجه الديمقراطي, حول الشكل التنظيمي القادر على استيعاب أوسع الجماهير الطلابية, من اجل استرجاع المنظمة. حيث اعتبر التوجه البيروقراطي, التعاضديات الفوقية هي الكفيلة بتاطير نضالات الحركة الطلابية, في حين اعتبر التوجه الديمقراطي أن هاته التعاضديات غير قادرة على استيعاب و تأطير الطاقات النضالية, واعتبر هاته الأخيرة مجرد وسيلة لفرض الرقابة و الحجر على القواعد الطلابية. إلا انه لم يرق إلى طرح بديل متكامل, يستند إلى الواقع الذاتي و الموضوعي للحركة الطلابية, مكتفيا بالإشارة إلى مجالس المناضلين و مجالس الطلبة - للمزيد انظر مقال اللقاءات 6 للطلبة القاعديين-.
كما لعبت المدرسة المحمدية للمهندسين, و التي كانت تعتبر إحدى معاقل المناضلين الماركسيين اللينينيين, دورا رياديا في التصدي لهاته المخططات, و النضال من اجل رفع الحظر القانوني و الدعوة للتنسيق عبر مجلتها (آمفي).
وقد أطرت هاته المجالس, النضالات التي خاضها طلبة كلية العلوم و الآداب بالرباط موسم 76/77، وقد أجهضت هاته التجربة الجنينية الاعتقالات الواسعة في صفوف المناضلين في نفس الموسم (مجلة آمفي, العدد21 في يناير 1979).
و في 20/25 يناير 1978, دعا مجلس التنسيق الوطني, لإضراب عام وجد تجاوبا واسعا على الصعيد الوطني, إلا أن المهرجان الذي دعا له هدا الأخير في 8 ابريل 1978 بمدرج المغرب العربي بكلية الحقوق بالرباط, عرف هجوما من طرف عناصر ظلامية مدعومة بالبوليس السري، وقد تزعم هدا الهجوم ع الإله بن كيران الذي كان يشغل حينها مدير جريدة الإصلاح.
و بعد فشل الشكل الجنيني للتنسيق موسم 76/77, الذي دعت له المدرسة المحمدية للمهندسين, استأنف التنسيق في الموسم الموالي -أي موسم77/78- بين مكاتب جمعيات المدارس و المعاهد العليا, الذي دعا إلى تأسيس مجالس و لجان لتأطير نضالات الحركة الطلابية, إلا انه اتخذ نفس مسار سابقه, بعد التحاق بعض التعاضديات التي أصرت على دفع مجلس التنسيق للوقوع في الفوقية.
توجت هاته النضالات التي قادها ما سمي في تلك المرحلة الطلبة اللجانيين و الطلبة المجالسيين برفع الحضر القانوني على اوطم في 9 نونبر 1978.
#ميمون_المغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟