أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين شبّر - موقف علي الخفي في مقتل عثمان بن عفان















المزيد.....


موقف علي الخفي في مقتل عثمان بن عفان


حسين شبّر

الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 16:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


هو ابـن عم النبي محمد - - ، ولد قبل البعثة النبوية بعشـر سنين
وأقام في بيت النبوة فكان أول من أجاب الى الاسلام من الصبيان ، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وزوجته فاطمة و والد الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة.
ان أول ذكر من الناس آمن بالرسول - - وصدق بما جاءه: علي بن أبي طالب ، وهو يومئذ ابن عشر سنين ، فقد أصابت قريشاً أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال الرسول للعباس عمه : يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمـة ، فانطلق بنا إليه فلنخفـف عنه من عياله ، آخذ من بنيـه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفهما عنه فقال العباس : نعم فأخذ الرسول عليا .
ولما آخى الرسول - - بين أصحابه قال لعلي :( أنت أخي ) وكان يكتب للرسول - ، وشهد الغزوات كلها ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول - - في أهله وقال له : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
وكان مثالا في الشجاعة و الفروسية ما بارز أحد الا صرعه ، وكان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة قال فيه النبي -:( من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله )
دعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزوجته فاطمة وابنيه ( الحسن والحسين ) وجلَّلهم بكساء وقال :( اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرْهُم تطهيراً ) وذلك عندما نزلت الآية:( إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت )
في ليلة الهجرة ، اجتمع رأي المشركين في دار الندوة على أن يقتلوا الرسول - - في فراشه ،
ونام علي -رضي الله عنه- تلك الليلة بفراش الرسول ، واستطاع الرسول الخروج من مكة ، وفي الصباح تفاجأ المشركون بعلي في فراش الرسول وأقام علي - - بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن الرسول - الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها لحق به الى مكة
لقبه الرسول بأبي تراب
في غزوة خيبـر قال الرسـول صلى اللـه عليه وسلم- :( لأُعْطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويُحبه الله ورسوله ، يفتح الله عليه ، أو على يديه ) فكان علي هو المُعْطَى وفُتِحَت على يديه ‏


بعد مقتل عثمان - - سنة ( 35 هـ ) بويع بالخلافة

ذهبت عائشة - الى مكة المكرمة لتأدية العمرة في شهر محرم عام 36 هجري ، ولما فرغت من ذلك عادت الى المدينة ، وفي الطريق علمت بمقتل عثمان وكانت من المحرضين علية, واختيار علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ، فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام - - وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص على الذين شاركوا في قتل الخليفة عثمان ، وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ، والانتظار حتى تهدأ نفوس المسلمين ،وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير أنهم لم يوافقوا على ذلك واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع أتباعهم,
خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك عائشة ، ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ، ولكنه لم يلحق بهم ، فعسكر بقواته في ( ذي قار ) قرب البصرة ، وجرت محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم وبذلك بدأت موقعة الجمل,

قرر علي بن أبي طالب - - ( بعد توليه الخلافة ) عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام ، غير أن معاوية رفض ذلك ، كما امتنع عن مبايعته بالخلافة ، وطالب بتسليم قتلة عثمان - ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ، وحقن دماء المسلمين ، ولكنهم رفضوا فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة المسلمين ، والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ، وبدأ بينهما القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري )

اعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا - - على قبوله ، وخرجوا على طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة (النهروان) عام 38 هجري ، وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية, لم يسلم الخليفة من شر هؤلاء الخوارج اذ اتفقوا فيما بينهم على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص في ليلة واحدة ، ظنا منهم أن ذلك يحسم الخلاف ويوحد كلمة المسلمين على خليفة جديد ترتضيه كل الأمة ، وحددوا لذلك ثلاثة من بينهم لتنفيذ ما اتفقوا عليه ، ونجح عبد الرحمن بن ملجم فيما كلف به ، اذ تمكن من طعن علي - - بالسيف وهو خارج لصلاة الفجر من يوم الجمعة الثامن عشر من رمضان عام أربعين هجرية بينما أخفق الآخران.

هذه نبذة قصيرة عن أهم المحطات في حياة علي رجعنا فيها الى تاريخ الطبري فعلي له منزلة كبيرة وعظيمة عند أهل السنة فهو ابن عم الرسول وزوج فاطمة ووالد الحسن والحسين وهو الخليفة الراشدي الرابع كما أنه من المبشرين بالجنة ، أما عند الشيعة فمنزلة علي ترقى فوق كل منزلة فهو الولي والوصي وهو الإمام المعصوم ووالد الحسن والحسين و الأئمة من بعدهم وقد جاءت امامته بالنص الواضح الجلي الذي لا يختلف عليه أحد .وهو الأديب البليغ العابد العارف المجاهد البطل الذي نصر الله به بيضة الإسلام الى غير ذلك . اذن علي يمر هنا في الوعي الاسلامي برمته مرورا مرعبا وخاصة عند الشيعة الذين هم شيعته . فعند الحديث عن هذه الشخصية يجب أن نحاذر كثيرا .
نعود الى سؤالنا الذي أنهينا به المقال السابق هل وصى الرسول الى علي أم لم يوصي ؟ ولماذا لم يرد نص واضح في القرآن على هذه الوصية دون لوي أعناق النصوص أو اخراجها عن دلالتها العامة ؟ وهل علم الصحابة بهذه الوصية فخالفوها .؟ ثم ألا تتضاد الوصية لعلي مع مبدأ الشورى الذي قرره القرآن في اختيار الحاكم ؟ ثم السؤال الأهم ما موقف علي من حادثة مقتل عثمان بن بعفان وهي الحادثة التي أدت الى مقتل علي في النهاية وأثارت عليه الحروب من كل جانب ؟ نبدأ بالسؤال الأول والذي هو مدار هذا الحديث هل وصى الرسول الى علي ؟
نذهب الى كتب السنة لنلحظ ما الذي تقوله

1ـ روى الثعلبي في تفسيره وفي كتابه المناقب، و، وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب، والمير علي الهمداني في مودة القربى / المودة السادسة، كلهم عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص) لما عقد المؤاخاة بين أصحابه، قال: هذا علي أخي في الدنيا والآخرة وخليفتي في أهلي ووصيي في أمتي ووارث علمي وقاضي ديني، ماله مني مالي منه، نفعه نفعي وضره ضري، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني.
لماذا ينتزع عمر الخلافة من علي وهو راوي هذا الحديث ؟

2ـ خصص الحافظ سليمان القندوزي في كتابه ينابيع المودة بابا في الموضوع وهو: الباب الخامس عشر في عهد النبي (ص) لعلي (ع) وجعله وصيا هكذا عنونه، ثم نقل فيه عشرين خبرا ورواية عن طريق الثعلبي وشيخ الإسلام الحمويني والحافظ أبي نعيم، وأحمد بن حنبل وابن المغازلي والخوارزمي والديلمي، وأنا أنقل إليكم بعضها:
عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان: سل النبي (ص) عن وصيه. فقال سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ فقال: يا سلمان! من وصي موسى؟ فقال: يوشع بن نون، قال (ص): وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي، علي بن أبي طالب.
ألم يبلغ هذا الحديث اسماع أبي بكر والصحابة المجتمعين في السقيفة ؟
هذا الحديث! أخرجه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 26، وأخرجه أيضا ابن المغازلي في مناقبه.

3ـ وينقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده عن بريدة قال: قال النبي (ص): لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي.
هذا الحديث أخرجه العلامة الكنجي أيضا في كتابه كفاية الطالب بسنده عن بريدة عن أبيه، وبعد نقله قال: هذا حديث حسن، أخرجه محدث الشام في تاريخه، كما أخرجناه سواء.
دلالة واضحة لا تقبل التفسير والتأويل

4ـ ونقل شيخ الإسلام الحمويني عن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): أنا خاتم النبيين، وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين.
ونقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي أيضا بسنده عن أم سلمة ـ أم المؤمنين ـ قالت: قال رسول الله (ص): إن الله اختار من كل نبي وصيا، وعلي وصيي في عترتي
وأهل بيتي وأمتي بعدي.

6ـ ونقل عن مناقب ابن المغازلي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: قال علي (ع) في بعض خطبه: أيها الناس! أنا إمام البرية، ووصي خير الخليقة، وأبو العترة الطاهرة الهادية، أنا أخو رسول الله (ص) ووصيه ووليه وصفيه وحبيبه، أنا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين.
حربي حرب الله وسلمي سلم الله وطاعتي طاعة الله وولايتي ولاية الله، وأتباعي أولياء الله، وأنصاري أنصار الله.

7ـ وروى أيضا ابن المغازلي بسنده عن ابن مسعود عن النبي (ص) أنه قال: انتهت الدعوة إلي وإلى علي، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا.

8ـ روى المير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الرابعة / عن عتبة بن عامر الجهني قال: بايعنا رسول الله (ص) على قول: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا نبيه وعليا وصيه فأي من الثلاثة تركناه كفرنا الخ...، وبعدها روى عن علي (ع) عن رسول الله (ص) قال: إن الله تعالى جعل لكل نبي وصيا، جعل شيث وصي آدم، ويوشع وصي موسى، وشمعون وصي عيسى، وعليا وصيي، ووصيي خير الأوصياء الخ....

9ـ نقل القندوزي في الباب الخامس عشر من ينابيعه عن أبي نعيم الحافظ انه روى في حلية الأولياء بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله ( ص): إن الله عهد إلي في علي عهدا وقال عز وجل: إن عليا راية الهدى، و إمام أوليائي، و نور من أطاعني، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين. من أحبه أحبني و من أبغضه أبغضني. فبشره بذلك، فجاء علي فبشره بذلك، فقال: يا رسول الله! أنا عبد الله و في قبضته فإن يعذبني فبذنبي، و إن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي وأكرم بي. قال (ص): قلت: اللهم أجل قلبه و اجعله ربيعة الإيمان فقال جل شأنه: قد فعلت به ذلك. ثم قال تعالى: إن عليا مستخص بشيء من البلاء لم يكن لأحد من أصحابك! فقلت: يا رب، إنه أخي ووصيي، فقال عز وجل: إن هذا شي‏ء قد سبق في علي ، إنه مبتلى و مبتلى به.

10ـ ونقل القندوزي أيضا في الباب عن مناقب الموفق بن أحمد الخوارزمي روى بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال: أن فاطمة سلام الله عليها أتت في مرض أبيها (ص) وبكت، فقال رسول الله (ص): يا فاطمة! إن لكرامة الله إياك زوجتك من أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما، إن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا، ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أزوجه إياك و أتخذه وصيا. قال القندوزي: وزاد ابن المغازلي في المناقب: يا فاطمة! إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين و لا يدركها أحد من الآخرين، منا أفضل الأنبياء و هو أبوك، و وصينا خير الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا خير الشهداء و هو حمزة عمك، و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء و هو جعفر ابن عمك، ومنا سبطان وسيدا شباب أهل الجنة ابناك، والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة يصلي عيسى بن مريم خلفه وهو من ولدك. قال القندوزي: وزاد الحمويني: يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يا فاطمة! لا تحزني و لا تبكي فإن الله عز وجل أرحم بك و أرأف عليك مني و ذلك لمكانك مني و موقعك من قلبي.
قد زوجك الله زوجا وهو أعظمهم حسبا و أكرمهم نسبا، و أرحمهم بالرعية و أعدلهم بالسوية و أبصرهم بالقضية. انتهى ما نقله القندوزي

لنا هنا أن نضع كل هذه الأحاديث وغيرها على محك السؤال والشك بصحتها ، ذلك لو أنها ثبتت بهذا المستوى النقلي عن الرسول لماذا خالفاها المسلمون جميعهم واختاروا الخلفاء الثلاثة وهم يعلمون أن الرسول قد أوصى لعلي بهذا الشكل الواضح والصريح والذي تدل قرينته على وضوحة تماما دون أدنى مواربة تذكر.
لماذا لم يرد نص واضح في القرآن على الوصية لعلي ؟ وهو سؤال نقف عنده طويلا ذلك أن مسألة في غاية الحساسية كهذه يتعلق بها أمر الأمة وصلاح حالها أمر أخطر بكثير من . ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ) أنه أمر يتعلق بمستقبل الدولة والخلافة والأمة ونظام الحكم ....الخ .
ولنا هنا أن نسأل لماذا لم يطالب علي بحقه بالخلافة بناء على هذه الوصية ؟ من كنت مولاه فعلي مولاه . أم أن الأمور كانت قد فلتت من بين يديه وهو يعلم ذلك . فعمد الى وسائل أخرى للقبض على الإمامة في نهاية المطاف .

نحن نعلم أن علي لم يبايع أبي بكر طيلة الستة شهور الأولى من حكمه ولم يجلس إليه على الرغم من مطالبة ابي بكر له مرارا وتكرارا بضرورة المبايعة حتى أجبر عليها جبرا وسيق اليها سوقا رغما عن أنفه ، ولما بايعه إنكفأ الى داره لم يخرج منها الا نزرا، الى ان مات ابو بكر بعد أن أوصى لعمر بالخلافة وهنا أيضا لم يبايع علي عمر الا مكرها ، ما الذي يوحيه ذلك ؟ أن علي كان يرى أنه أحق بالخلافة منهما . وأنه أخذ يفكر في ذلك الوقت بالأساليب الممكنة للوصول الى سدة الحكم . لكنه اصطدم بمعوقات كثيرة وكبيرة ليس هنا محل بيانها . وواتته الفرصة عندما كان واحدا من الستة الذين حددهم عمر ليكون منهم الخليفة لكن سؤ حظه أوقعه هذه المرة مع مجموعة من الكارهين له . ففلتت الخلافة من بين يديه مرة ثانية ، وهنا عمد الى الوسيلة الأكثر ضمانا وحيوية وتحقيقا للهدف ، لابد من رسم استراتيحية محكمة للثورة على الخليفة وقتلة إنها الوسيلة الوحيدة للقبض على السلطة . وهذا ما حدث بالفعل .
ذلك أن المشكلة الكبيرة تكمن في أن المصادر السنية والشيعية على السواء كانت قد صمتت تماما عن ذكر أي دور لعلي في مقتل عثمان ذلك الحدث الذي يعتبر هو العلامة الفارقة التي راحت تغير شكل التاريخ الاسلامي وتحرفه عن مساره الطبيعي أو الذي كان يمكن أن يكون كذلك . سنعمد هنا في هذا القراءة العجلى لتفكيك هذه النصوص لبيان ما ظلت تخفيه وتستبعده من دائرة الواقع التاريخي في تواطئ ظاهر من كلا المدرستين ذلك لو أننا نظرنا الى اقوال علي فيما بعد الحدث فإنها تشير الى دوره الكبير والجلي الواضح فمثلا قوله الذي كان كرره: أما والله لقد تقمصها أبن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا ، ينحدر عني السيل ولا يرقي الى الطير فسدلت دوناه ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيعا الكبير ويشيب فيها الصعير ويكدح فيها مؤمن حتي يلقى ربه.
كانت هذه حاله مع أبي بكر الذي أوصى لعمر وهذه كانت حاله كذلك مع عمر الذي أوصلها بطريقة محكمة الى عثمان ، ومع عثمان أجتمعت له كافة الأسباب أو استطاع أن يخلقها أو يوفر الظروف المناسبة لتطويرها حتى تصل الى الطريق المسدود تماما هذا اضافة الى اجتماع الأنصار وهو العنصر المهم الذي كان يفتقده سابقا, ومكوث علي طيلة الأزمة في داره لا يبرحها .
ثم أن هذا التحليل لمستوى الحدث السياسي الكبير ولما سوف يحدث مستقبلا هو ما جعل عليا يتوارى خلف الأبواب ولا يظهر كيد مؤسسة وصانعة للحدث الكبير . هذا ما نلاحظه مثلا في أن قادة الثوار قتلة عثمان هم اقرب المقربين إليه وهم خاصة خاصته وحواريه مما يعني أنهم لا يمكن أن يصدروا إلا عن توجيه منه ودعم منقطع النظير وعن إيمانهم الشديد بأحقيته بالخلافة . قهم الذين روجوا لمقولة علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار :
فمن هم القتلة ؟

محمد بن ابي بكرــ : المتهم الأول بالقتل يعد من حواري علي ولعظيم ثقة علي به ولاه على مصر وكتب الى أهل مصر قائلا : أحسنوا أهل مصر مؤازرة محمد أميركم واثبتوا على طاعته تردوا حوض نبيكم . ولما أن قتل في مصر قال فيه الأمام علي : استشهد محمد بن ابي بكر فعند الله نحتسبه ( ولدا ) ناصحا وعاملا كادحا ( وسيفا قاطعا ) وركنا دافعا . وكان كما هو معروف ربيبا علي ، ومحمد هذا كان هو أول من باشر عملية الأقتحام والقتل .

عمار بن ياسر ــ المتهم الثاني والذي قال عن الرسول تقتلك الفئة الباغية ، والذي قال عنه كذلك .: يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كانت فاتبع عليا فإن معه الحق . وهذا يعني أن عمارا في تحركه ذلك لم يكن يصدر الا عن أوامر علي ، لقد كان علي يقول دائما عندما يذكر عمار لقد كان موته رزية كبرى . ودور عمار كان كبيرا في تأليب الثوار المستمر على فتل عثمان . ولمن أراد الاطلاع على هذا والاستزادة فعليه الرجوع الى المصادر التاريخية الاسلامية وقراءة خطب وأقوال عمار المشهورة والمتناثرة بين أغلب المصادر تلك

مالك الأشتر ــ المتهم الثالث هو قائد جيش الكوفة الذي حاصر دار الخلافة ثم صار قائدا لجيش علي ، ومن بعد مقتل محمد بن ابي بكر ولاه علي على مصر فمات مسموما في الطريق . وهذا يعكس مدى أهمية الرجل وقربه من علي الذي قال فيه يوم موته : لم تلد النساء كمالك ، ولله لو كان جبلا لكان فندا ، ( أي أوحدا ) ولو كان حجرا لكان صلدا ما جزعت على أحد حزعي عليه ..... الخ .

عمرو بن الحمق ــ المتهم الرابع عده بعض الرواه أن منزلته من علي كمنزلة سلمان الفارسي من الرسول محمد ، وقد شارك في حروب علي كلها ولقد تمنى علي لو كان في جيشه مئة من أمثال عمرو ، لقد كانت العلاقة التي تربط الأثنين كبيرة ومميزة .

حكيم بن جبلة العبيدي ــ المتهم الخامس ، قائد جيش الثوار القادم من البصرة ، له منزلة كبيرة عند علي حتى أن علي ذكره في بعض شعره وهو قائد الجيش الذي واجه طلحة والزبير في معركة الجمل الأصغر حيث قتل في هذه المعركة . وقد كان حزن علي كبير على هذا الفارس ،
وكما جاء في كتاب التأويل لآحمد البحراني ، إن ترجمة سيرة الصف الأول من الرجال البارزين في حدث يوم الدار تكشف بأن هؤلاء الرجال على صلة وطيدة بعلي ، وإن قيادتهم لأفواج الثائرين القادمة من الأمصار ومشاركتهم الفعلية في الأقتحام وانجاز مهمة الأغتيال وتموقعهم في المناصب الرفيعة في تركيبة الجيش الذي قاده علي وفي جهاز الدولة الذي شكله وما قال فيهم من أقوال تبين مكانتهم وتبرز علاقتهم الشخصية والحميمية به .
هنا نرى ان هذه البطانة هي بطانة علي التي يتداول معها كافة الأمور بالأمس في السر وعندما استتب له الأمر كان يتداول معهم كافة أمور الدوله في العلن . ولا يتردد المحلل في الحكم على حركة البطانة الصانعة للحدث الكبير بأنها صادرة عن تخطيط وتوجيه مسبق من القيادة السياسية والمرجعية الفكرية التي يؤمنون بها ويتحركون وفق توجيهاتها ,وبعد قتلهم عثمان لوو أعنة خيولهم قاصدين دار علي . وقد حدث الأغتيال في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وهي الذكرى السادسة والعشرين لحدث غدير خم ...... المشهور . وهذا التوقيت للحدث في قتل عثمان بعد حصار طويل كان قد مدد ليتوافق مع الذكرى تلك لايمكن عزاؤه للصدفة بل يمكن القول أنه كان مخططا له بشكل دقيق ولذلك دلالة عميقة لمن أراد أن يسعى للحقيقة . ولعل أقلها أن الحق عاد لصاحبة بعد طول أناة .
إن الوضع السياسي المضطرب هو الذي منع علي من التصريح بأنه كان وراء مقتل عثمان ولكنه كان يوحي في كلامه الى ذلك من مثل قوله أجهز عليه عمله. وأن عثمان جلس في غير مجلسه وصارع الحق حتى صرعه الحق .... ألخ . فعلي هو الحق والحق هو علي .

ولنا في الحوار الذي جري بين عمار بن ياسر ممثل علي وعمرو بن العاص ممثل معاوية اثناء حرب صفين دلالة تشي بما نذهب اليه :
قال عمرو بن العاص لعمار : ما ترى في قتل عثمان ؟
قال عمار : فتح لكم باب كل سوء .
قال عمرو فعلي قتله ؟
قال عمار بل الله قتله .
قال عمرو اكنت فيمن قتله ؟
قال نعم .
قال فلم قتلتموه ؟
قال : أراد أن يغيير ديننا فقتلناه .
قال عمرو لمن حوله الا تسمعون ، قد اعترف بقتل عثمان ؟
قال عمار لقد قالها فرعون من قبلك لقومه ألا تسمعون ؟
قال عمرو : لبئس ما فعلتم ؟
قال عمار : ولحسن ما صنعنا ، لقد أعدنا الحق الى الحق .
قال : وأي حق تقصد ؟
ٌقال : أو لم تسمع الى قول الرسول الحق مع علي وعلي هو الحق .
قال بلى سمعت .
قال فلم تخالف ما سمعت .
قال : ما في سعتي ,
قال يا عمرو هلكت وأهلكت .

وقد بلغ ما جرى بينهما معاوية فقال هلكت العرب إن أخذتهم خفة العبد الأسود .
يتبين لنا من هذا الحوار مسؤلية عمار بن ياسر المبشر بالجنة في مقتل عثمان المبشر بالجنة وأن علي المبشر بالجنة هل هو من يقف وراء مقتل عثمان المبشر بالجنة.
ولنا عودة الى معاوية بن أبي سفيان في قراءة لا تخلو من دهشة الحقيقة .ما الذي فعله هذا الرجل وكيف استولى على الخلافة ؟ وكيف ورثها ؟ ولمن ورثها ؟ وكيف غير مبدأ الشورى



#حسين_شبّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السؤال المحرم هل تمت خلافة ابي بكر بالنص أم بالأختيار وهل تم ...
- أزمة الحوار بين المثقفين
- نظرية الانفجار العظيم بين العلم و الدين والفلسفة
- أعذرني أيها السومري سلام طه فأنا لم أفهمك
- اللامرجوع عنه في وعي المثقفين العرب
- وقفة قصيرة مع الحلاج
- إشكالية الأستشراق عند الكاتب تيسير الفارس


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين شبّر - موقف علي الخفي في مقتل عثمان بن عفان