أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حميد الهاشمي - سؤال العنف في الشخصية العراقية















المزيد.....

سؤال العنف في الشخصية العراقية


حميد الهاشمي
مختص بعلم الاجتماع

(Hamied Hashimi)


الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 04:56
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هذا التساؤل الذي يثار باستمرار وخاصة عندما تبرز الى الواجهة مشاهد العنف التي تقع بين الحين والآخر بين الاطراف المتنازعة على الساحة العراقية، سواء الداخلية منها ام الداخلية – الخارجية.
وتترى التحليلات بين الغث والسمين، بين العاطفية المبنية على اسقاطات الحب او الكراهية، الغضب او الاسترخاء، الاجتهادات الطائشة المبنية على انفعالات متأثرة بالمشاهد او القصص المعروضة، او ما مبني على اساس نعرة طائفية او عرقية (ومعظم اصحاب هذا الاتجاه هم من غير العراقيين). ومنها ماهو مبني على اساس تأويلات وقوالب جاهزة واحكام مسبقة تتعلق بالطبيعة البشرية مثلا او الالتجاء الى حوادث تاريخية مجتزأة لبعض مشاهير شعراء او ادباء او شخصيات تاريخية ويبنى على اثرها تفسير سؤال العنف في الثقافة العراقية.
ومع ذلك فهناك بعض ما كتب في هذا الموضوع وهو يلامس جوانب علمية ويصيب جزءا كبيرا من الحقيقة.
حري بنا ان نذكر هنا ان المجتمع العراقي ليس متفردا بظاهرة العنف هذه، بل هناك مجتمعات يشكل العنف سمة ثقافية بارزة في حياتها، وهناك حمامات من الدماء جرت وتجري في بقاع اخرى من العالم مثل اندونيسيا ابان احداث تيمور الشرقية وما بعدها، وفي سيراليون وليبريا ورواندا، ويوغسلافيا وكولومبيا والهند وباكستان وغيرها. ورغم ان ما يجري من عنف في العراق لم يصل الى درجة سفك الدماء تلك وان العنف فيه من نوع "قيمي" في الاغلب، وليس من النوع المبني على اساس العداء الطائفي او العرقي او الحرب الاهلية المنظمة.
كما ان شواهد السلب والنهب مثلا هي مناظر مألوفة في ظروف الحروب او حالات الأزمات الاقتصادية. ولنا أمثلة فيما حدث في يوغسلافيا وفي لوس انجيليس في اميركا مثلا خلال الاحداث التي وقعت في بداية التسعينات من القرن الماضي وفي الارجنتين في مستهل الالفية الثالثة، حيث نهبت الكثير من المحلات التجارية، وجرت محاولات لنهب البنوك والدوائر الرسمية. لكن العراق واقع تحت دائرة الضوء بسبب موقعه الجغرافي وعمقه الحضاري ودوره في التاريخ وثرواته المتعددة، وصلاته الوثيقة بجيرانه من دول الجوار او دول العالم الاخرى.

عن أي عنف نتحدث؟
المقصود هنا بالعنف هو الممارسات السلوكية القاسية والتي تشكل سمات بارزة في الطابع العام للثقافة في بلد او منظومة ثقافية لجماعة اجتماعية ما، وان هذه السمات السلوكية العنيفة تكون غالبا هي البديل في حل النزاعات والتخاصمات ومهما كانت درجة هذه المنازعات. وان هذه المنازعات تتسم بسهولة تطورها من النزاع السلمي البسيط الى الطابع العنيف والمتسم بالوحشية في النيل من الخصم. وان هذه الحلول تكون في الغالب بديلة عن القانون الوضعي او الشريعة الدينية او العرف الاجتماعي، حيث الخروج السريع على وسائل الضبط الاجتماعي المتعارفة.
ولعل للمنظومة القيمية دور كبير في ضبط وتسيير وتوجيه مثل هذه الممارسات السلوكية. وبالحفاظ على ديمومتها في الغالب.

وطبقا لأبرز علماء الاجتماع في العراق والمنطقة العربية في القرن العشرين الدكتور علي الوردي، فإن للمفاهيم والقيم القبلية ذات الجذور البدوية الشائعة الى حد كبير ولو بدرجات متفاوتة بين المناطق الجغرافية ومن الريف الى الحضر والمدن تأثير كبير على سلوك وبناء شخصية الفرد العراقي خاصة والعربي عامة بما في ذلك ضبط سلوكه وطبيعة أفعاله وردود افعاله وموجهاتها. (راجع معظم طروحات عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي في أغلب مؤلفاته، حيث يؤكد على تغلغل قيم البداوة في الشخصية العراقية).
ومعروف ان القيم البدوية تحمل جوانب سلبية كبيرة مثلما تحمل جوانب ايجابية. وقد ورد ذم الاعراب وهم البدو في القرآن الكريم كما هو شائع " الأعراب اشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله" (التوبة 9 : 97 ). وبإمكان مجادل ان يقول ان ذلك كان يمثل مرحلة تاريخية من حياة البدو او الاعراب، ومن الظلم الآن ان يستمر هذا الحكم الذي كان مقصود به الاجداد وليس الاحفاد انطلاقا من باب "لاتز وازرة وزر اخرى"، او ان هذا الحكم يأتي في باب الاحكام المسبقة والقوالب الجاهزة ضد "الآخر"، لكن الرأي الذي نرد به هو مقولة توينبي بان البداوة "حضارة جامدة". ( Toynbeeفي الوردي: 1996 أ: ص 34)

وبالفعل فان المتأمل لحياة البادية يجدها لم تتغير لا من نواحيها المادية ولا غير المادية بالمقارنة مع عهودها الماضية وخاصة من محيطها الداخلي ، فالأزياء والمسكن وأدوات الطبخ ووسائل وأدوات الإنتاج ومصادر الرزق والمعيشة هي هي لم تتغير اللهم إلا بعض مدخلات الحضارة التي جاءتهم من خارج محيطها (البادية)، وقد تقبلها البدو لأنها ضرورية لهم مثل السلاح الشخصي الذي يحتاجونه على الدوام، وسيارة الحمل التي تساعدهم في تنقلهم المستمر. (الهاشمي: 2001)
ويرى الوردي أن "محور الثقافة البدوية أو طابعها العام يمكن إجماله بكلمة واحدة هي التغالب" (الوردي: 1996 ب، ص38) وذلك انطلاقا من كونها أحد المركبات والتي تحتوي خصالا أو سمات ثقافية والتي تتبع عادة في ألأنثروبولوجيا الثقافية كمنهج في دراسة المجتمعات.
ويضيف الوردي : " أن مركبات الثقافة البدوية هي ثلاثة: 1- العصبية 2- الغزو 3- المروءة. والملاحظ أن طابع التغالب موجود في جميع هذه المركبات الثلاثة، فالفرد البدوي يريد أن يغلب بقوة قبيلته أولا، وبقوته الشخصية ثانيا وبمروءته أي بتفضله على الغير ثالثا.
ولا يقر الوردي بان البداوة مرحلة اجتماعية مرت بها جميع الأمم قبل دخولها في مرحلة الحضارة. ويتفق مع من يقول بان : " البداوة ليست مرحلة ضرورية من مراحل التطور الاجتماعي، وليس من المحتوم على كل أمة أن تمر بها خلال تطورها عبر التاريخ. إن البداوة في الواقع نظام اجتماعي لا ينشأ إلا في الصحراء ، وهو لا يتغير أو يتطور ما دام باقيا فيها. " (الوردي: 1996 ب، ص38).
وكتفسير موضوعي لسلوك البداوة هذا وتناقضه فإن البدوي يستخدم القوة والسلاح حسب اجتهاده في ظل غياب قواعد تحميه او تفصل في قضاياه الخصامية او تردعه، وان كانت هناك قواعد عرفية فهي عرضة للكسر وصعوبة التطبيق وذلك لاتساع مدى الصحراء وصعوبة تتبع الجاني. وان نوع التتبع والقصاص الذي سوف يتخذ سوف يكون حازما حيث يخضع لمزاج وحالة من يطبقه (الآخذ بالثأر) عادة. وهنا يتجسد دور الثأر كوظيفة ضبط اجتماعي في ظل قانون يشبه "شريعة الغاب". بمعنى ان قيمة العرف تتدنى وخاصة في مثال الثأر كوسيلة ضبط اجتماعي كما ذكرنا وذلك بسبب غياب السلطة التنفيذية المحايدة.
وتحصيل حاصل فإن غياب القانون الوضعي او ضعفه في منطقة او بلد ما يوجد وسائل ضبط بديلة من اجل الحفاظ على النظام الاجتماعي فيه. وهكذا نطل العشيرة برأسها كل مرة يغيب فيها القانون في العراق لتأتي لنا بقوانينها الكيفية التي تحدثنا عنها في حالة البداوة.
ولا غرابة ان نرى او نسمع ب" تجمع عشائر بغداد او عشيرة فلان في بغداد" مثلا او المدن العراقية الاخرى، وهو الامر الذي ينبغي ان تخجل منه النخب المتعلمة والسلطات المعنية والمكلفة بحفظ الامن في العراق عامة. حيث مدن ومراكز حضرية عمر بعضها آلاف السنين والاخر مئات السنين في الاقل ولا زالت تلوذ بالعشائر. وتطأطئ برأسك احيانا عندما يسألك سائق تاكسي في بغداد او غيرها من مدن العراق عندما يسألك: من اي اعمام انت؟ !! اي من اي عشيرة انت، والامر لا يتعلق بعدم انتمائك لعشيرة او جهلك بهذا النسب لكن السئ ان تكون هويتك على اساس العشيرة لا مركزك الاجتماعي او العلمي او انتماءك لمدينتك او منطقتك مثلا. ولكن مهلا !! ما هو جواب من لم يعرف بعشيرته او ان الانتماء العشائري بالنسبة له شئ سخيف ولا يعترف به؟
الامر لا يشكل إختزالا لهويتك الوطنية او المهنية مثلا انما هو مؤشر ضعف الأمن بالدرجة الاولى بالنسبة للعراقيين على الارجح لانهم باتوا في مرحلة ما خاصة (سبعينات وثمانينات القرن الماضي) خارج هذا السؤال اطلاق باستثناء بعض المناطق الغارقة في البداوة الحقيقية او الريفية الشبه معزولة.
وفي حالة غياب الامن ترسخ سلوك العنف بعمق ثقافي (بدوي) يجدر هنا التشديد عليه ويتمثل هذا في التشفي الكامل عند الثار او الانتقام، حيث تزغرد فيه نساء ذوي المنتقم وينزعن سوادهن كإعلان عن إنتهاء الحزن على من يثأر لأجله.
ويرى مثل هؤلاء ان اللجوء الى القانون لأخذ الحق ذلة وقلة حيلة. وبالتلي فإن أمر التعبير عن الاحتجاج بالوسائل السلمية مثلا هو أبعد ما يكون ناجم عن الايمان به، وإذا ما استخدمت هذه الطريقة (التظاهر سلميا) فهو يكون بصيغة إظهار التحدي وإنذار الآخر، وغالبا ما شهدنا خلال المظاهرات التي تخرج الى الشارع العراقي، وخاصة تلك الموجهة ضد قوات الاحتلال من يحمل السلاح، ويطلق الرصاص او يستخدم اساليب عنيفة في التعبير عن مطالبه، بل يتهئ للمظاهرة وكانه خارج لمعركة. ولعل لإرث الدكتاتورية في العراق دور في هذا حيث كان اطلاق الرصاص الحي هو الرد على كل مظاهرة تخرج ضد النظام السابق.

وقد تزاوجت هذه القيم مع ظروف عسكرة المجتمع العراقي والتي تركت تراثا من اساليب وثقافة الاخضاع بالقوة وما يترتب عليها من اساليب استخدام منطق القوة. والطريف هنا ان يكون العراق قد شهد اول اشكال التجنيد الاجباري في التاريخ وذلك في عهد الملك البابلي حمورابي الذي حكم للفترة (1792ق.م – 1750ق.م)، وان العراق شهد اول اشكال التجنيد الاجباري في الاسلام في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي (فترة حكمه 694 م- 714 م)، وفي العصر الحديث كان التجنيد الاجباري مبكرا في المنطقة قد سن في العراق ايام حكم الوالي العثماني مدحت باشا (حكمه 1869م-1872م)على بغداد، وان اول انقلاب عسكري في المنطقة قد وقع على يد بكر صدقي في عام 1936. ومن ثم توالي الانقلابات العسكرية (1958، 1963، 1968). وحروب العراق المتعددة (1980-1988 ضد ايران، 1990 غزو الكويت، 1991 ضد التحالف الدولي، حصار متعدد الاطراف والاشكال من عام 1990 الى 2003، حرب عام 2003) هذا اضافة الى الحروب الداخلية ضد الاكراد في الشمال والعرب في الجنوب ضد السلطة المركزية في بغداد.
وقد شهدت مرحلة هذه الحروب عسكرة متصاعدة بكل مايعنيه مفهوم عسكرة المجتمع وما يترتب عليها من تسلح وافراغ خزينة الدولة واستدانة من دول مختلفة وتجييش لمختلف فئات الشعب (راجع بحث حميد الهاشمي : عسكرة المجتمع العراقي – رؤية انثروبولوجية في مظاهرها وآثارها السلبية: مجلة علوم انسانية الالكترونية www.uluminsania.com ، العدد السابع، آذار – مارس 2004)

ومن ابرز تداعيات عسكرة المجتمع العراقي في مجال سلوك العنف في الشارع العراقي هي توتر المزاج العام للمجتمع وسرعة الاستثارة بسبب الحالة العسكرية. وثقافة العنف والقتل التي تشبع بها الشباب جراء تعايشهم مع الحروب والتنازع واسلوب استخدام القوة واستعراضها.
كما ان لكثرة الانقلابات العسكرية التي شهدها العراق او التناوب بالقوة بين موازين القوى المتعاقبة، خلقت ثقافة الانتقام والاستئثار.
ومما لا يخفى ايضا ان اخضاع الناس بالقوة وبالترهيب، وطول امد هذا الاضطهاد، كرس هستيريا الانتقام التي نراها على شاشات التلفزيون احيانا، حيث يقفز البعض وبينهم أطفال للأسف على جثث الضحايا في عمليات العنف التي يشهدها العراق اليوم.
والشئ المهم الآخر هو ان منطق عدم التوازن في القوة بين الأطراف المتحاربة أو اسطورة القوة لدى الآخر (الأميركان)، هو أحد الدوافع الرئيسية لهذه المشاهد، حيث أن الطرف الضعيف لم يكد يصدق ما رآه من أنه قد اوقع كل هذا الضرر بالآخر (قتل مجموعة من أفراده واحراق مركبتهم مثلا او اسقاط طائرة مروحية ..الخ).
وعليه فإن تلاقح القيم البدوية مع مفاهيم العسكرية اضافة الى النقاط الاخرى المضافة أظهر لنا نماذج سلوكية تتسم بالعنف في ظل غياب القانون او ضعفه، يغي ذلك في كثير من الاحيان الجهل بالنصوص الدينية وتأويلها وفق أغراض ومصالح ضيقة تدار من خارج العراق في اغلب الاحيان. وقد اصبح العراق ساحة حرب لأطراف كثيرة من خارجه وميدان تجارب لاسلحة بما فيها اسلحة الاعلام التي تريد مكاسب شخصية أحيانا.

دور الأنتلجنسيا العراقية في التصدي لظاهرة العنف:
لعل من ابرز المهام التي تقع على عاتق النخبة العراقية هي اشاعة ثقافة التسامح وسيادة القانون، ونبذ العنف بكافة اشكاله، واستبدال النزاع المسلح بالنزاع السلمي الذي يأخذ أشكال التنافس الاخرى من قبيل اللجوء الى الورقة الانتخابية وطاولة الحوار ويتطور هذا من خلال قيام تنظيمات حزبية ومنظمات ونقابات مهنية وتيارات فكرية تساهم في عملية استلام السلطة في العراق وتحقيق استقلاله التام.
وفيما يتعلق بدور النخبة المتعلمة والمثقفة خاصة عملية ترسيخ دولة القانون وتحقيق سيادتها هيبتها، يجدر هنا الأشارة الى دور المفكرين على مر التاريخ ابتدءا من سبارطة في اشاعة السلم حيث كانت سبارطة " أكثر المدن صراعاً وقتذاك والتي كانت تعيش موجة عنيفة من الاضطرابات السياسيّة، ونتيجة لهذه الصراعات نتجت حالات كثيرة من التصفيات الجسدية. (...) وفي ظل هذه الفوضى برز مفكرون حاولوا التأكيد على سيادة القانون على الجميع وأنه مبدأ فاعل في تنظيم المجتمع وأن الجميع ملزمون بإحترامه لأنه الضامن الوحيد لحياة سليمة، وقد تبنى هذه الدعوة رجال السياسة لليونان الكبرى من أمثال: تيتري )من أهل أسبارطة) وصولون من أهل أثينا، وزالوكوس من أهل لوكريس سنة 663 ق.م، وخارونداس من أهل كاتان سنة 036 ق.م، و دراكون سنة 126 ق . م حتى صرح هيرودوت في اواسط القرن الخامس قبل الميلاد بقوله - لا سيد علينا إلا القانون - وثلّة من الفلاسفة الكبار مثل فيثاغورس وهرقليطس وبقوله : - على الشعب أن يقاتل من أجل القانون كما يقاتل من أجل سور المدينة- . وأرسطو بقوله : - ليس هنالك من نظام يمكن تصوره خارج القانون- . وعلى كلّ حال فقد حاول جميع هؤلاء القيام بنهضة جريئة وعملاقة في تلك الأجواء الخانقة وأن يفرضوا تشريعاً عاماً على جميع المواطنين يحكم أصول الترافع لدى الجهاز القضائي وحفظ الحقوق الخاصة مثل الحقوق الأسرية والروابط الإجتماعية وأن ينظموا الاختصاصات التقليدية للمحاكم الموجودة بتنسيق صلاحياتها وأن يقيموا في النهاية ضرباً من التوازن بين الطبقات الإجتماعية المهمة بتوزيع المواطنين توزيعاً أكثر تناسباً في داخل هذه الطبقات وكذا الأعباء المدنيّة والمسؤوليات السياسّية". (http://www.al-asfoor.net/books/drasat-bohouth/syasa.htm)
وعلى النخبة المثقفة في العراق توجيه دفة الحكم المقبل باتجاه تاسيس قيم وتقاليد بل ممارسات فعلية للديمقراطية وتنميتها من خلال المؤسسات التعليمية وافساح المجال لمؤسسات المجتمع المدني لان تلعب دورا كبيرا في ذلك. تلك القيم التي تبنى على اسس مغايرة الى حد كبير لما هو سائد من قيم العنف والتعسف ومصادرة الآخر والتي ساهمت الديكتاتورية وعسكرة المجتمع في ترسيخها في الذهنية والممارسة الحياتية للمواطن العراقي. وعليه مطلوب مراجعة شاملة وباستمرار لهذه المنظومة القيمية ورصدها ومحاولة التأثير فيها في العمق، وان الحلول هنا ليست طوباوية بل هناك آليات تكفل النتائج المرجوة الى حد كبير.
ومن هذه اللآليات:
محاولة تفكيك البنى القبلية ومفاهيمها ومنظومتها السلطوية، وذلك بمحاولة اختراقها عن طريق تحرك الاحزاب لكسب الافراد القبليين وخصة ذوي النفوذ منهم ويجدر هنا الحذر من قبلنة (نسبة الى القبيلة) الاحزاب، بل الهدف هو جعل ولاءات المنتمين للاحزاب وهو ميكانزم هام يحقق هدفا مزدوجا يتضمن اضافة الى ما ذكر ضمان اصوات اكثر حين تدق ساعات الحسم والاحتكام الى الورقة الانتخابية بدلا من رصاص البنادق.
رسم خطط لتنمية شاملة تتضمن جوانب الحياة العديدة ومنها الاقتصادية من اجل انقاذ الشباب من الوقوع في حبائل الحركات الارهابية والمتطرفة التي تغذي دائرة العنف.
الزامية التعليم ومدها الى مرحلة عمرية معقولة (16 سنة) مثلا ولكلا الجنسين وعدم التهاون في تطبيقه، وسن قوانين تجرم العنف بانواعه ومنه (العنف القيمي) ان صحت العبارة وهو العنف الاسري او القرابي والقائم على قواعد وقيم قبلية تتعلق بغسل العار والثأر واستخدام العنف تجاه الزوجة والابناء بحجة التربية مثلا وغيرها.
كما ويتطلب الحذر الشديد ازاء اقحام الجيش في السياسة او تدخله، وعليه فاننا بانتظار مواثيق شرف يعلنون فيها التزامهم بالابتعاد عن التدخل في السياسة. اما فيما اذا رغبوا ذلك فعليهم نزع البدلات العسكرية والتقدم كمدنيين وطرح مشاريعهم ومشاركاتهم بطريقة ديموقراطية.
إن العراق اليوم على اعتاب مرحلة تتطلب البناء على قواعد علمية وقيم العدالة الاجتماعية والديموقراطية. ولا يتحقق ذلك دون جهود وتضحيات كبيرة مبنية على اساس من محاولة نسيان الماضي وأزماته والاستفادة من تجارب الامم الكبرى التي نهضت من حطام الحروب وويلاتها وبنت امجادها بجهود ابنائها وهي ليس ببعيدة عنا ومنها كل من ألمانيا واليابان اللتين خسرتا الحرب العالمية الثانية عام 1945، وكسبتا مستقبلا افضل لشعبيهما معلنتين نزع البدلة العسكرية وارتداء اللباس المدني او لباس العمل والذي جعلهما اكثر مهابة واحتراما الآن.
* ايلاف: الأحد الاثنين 23 / 24 مايو 2004
المراجع:

القرآن الكريم، سورة التوبة.

الهاشمي، حميد: 2001: الدكتور علي الوردي رائد الدعوة لعلم الاجتماع العربي، بحث منشور في مجلة شؤون اجتماعية الاماراتية، العدد 70، ص ص 157-164.

الهاشمي، حميد: عسكرة المجتمع العراقي رؤية انثروبولوجية في مظاهرها واثارها السلبية: بحث منشور في مجلة " علوم انسانية" الالكترونية www.uluminsania.com : العدد 7 ، آذار– مارس 2004.

الوردي، علي: 1996: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، طبعة إيران (انتشارات المكتبة الحيدرية)، قم .

Toynbee, Arnold: Study of History: Smervell Abridgement, vol. 1, p. 164 في، الوردي: 1996: في الطبيعة البشرية: دار كوفان: لندن، ص34.

http://www.al-asfoor.net/books/drasat-bohouth/syasa.htm



#حميد_الهاشمي (هاشتاغ)       Hamied_Hashimi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للتخلص من ازدواجية المعايير- فرصة ذهبية لكل اعلامي عربي
- إنقلاب مقتدى الصدر: لماذا؟
- المجتمع العراقي وتأهيل المرأة الى سدة الحكم
- مسؤولية منظمات المجتمع المدني تجاه المرأة العراقية
- المرأة ومأزق تلازم القيم العشائرية والتفسيرات الدينية
- على هامش ما كشفه رجل الاعمال اللبناني قبل يومين ما الذي كان ...
- مشروع مقتدى الصدر ، هل هو مطلب شعبي أم مراهقة سياسية؟
- هل العراق حقا بلد الفرص الضائعة؟ !!


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حميد الهاشمي - سؤال العنف في الشخصية العراقية