أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مشير سمير - معايير النضج النفسي (5) وجود معنى وأهداف غيرية للحياة والقدرة على إنجاز تلك الأهداف














المزيد.....

معايير النضج النفسي (5) وجود معنى وأهداف غيرية للحياة والقدرة على إنجاز تلك الأهداف


مشير سمير

الحوار المتمدن-العدد: 2781 - 2009 / 9 / 26 - 19:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من الثابت علمياً أن الإنسان يحتاج إلى أن يشعر بالقيمة وبالإنجاز لكي تكون حياته سوية وناضجة. إلا أن الاحتياج للقيمة وللإنجاز في الحقيقة ليسا إلا احتياجان يعبران عن دافع ومحرك أعمق داخل الإنسان، وهو احتياجه إلى أن يدرك أن هناك معنى ومغزى من وجوده في الحياة وأن يجد ذلك المعنى لكي يشعر بقيمة حياته، وليس العكس. فمجرد إنجازات الإنسان في الحياة مهما إن كانت قيمة تلك الإنجازات لا تستطيع أن توجـِد أو تخلق أو تحقق المعنى أو المغزى من حياة هذا الإنسان، ولكن إدراك هذا المعنى يدفع الإنسان إلى الإنجاز والشعور بالقيمة بالتالي.
فالإنسان إذن دائم التساؤل، حتى وإن لم يعي ذلك، عن معنى الحياة ولماذا هو يعيش ولماذا وُجِدَ من الأساس. فالإحساس بمعنى الحياة الشخصية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإحساس الإنسان بالقيمة، أي أن "المعنى والغرض" هو الذي يحرك داخل الإنسان الإحساس بالقيمة. فإن لم يجد الإنسان المعنى من حياته والهدف (الغرض) الذي يعيش لأجله فبديهياً يشعر بالتفاهة والفراغ واللاقيمة، مهما إن أنتج أو أنجز في الحياة.

ويقول لنا الطبيب النفسي فيكتور فرانكل صاحب كتاب "الإنسان يبحث عن المعنى" الذي سجل فيه خبرته كسجين في أبشع المعتقلات النازية "أوشفيتز" كأكبر شهادة لهذه الفكرة الجوهرية إذ استطاع أن يجد غرض ومعنى يجعله يستمر يحيا ويجد قيمة لحياته وسط معسكر الاعتقال النازي، يقول لنا أنه من أهم خصائص هذا الهدف الذي لابد أن يجده الإنسان لحياته أن يكون غير ذاتياً وأعلى من الإنسان، أي أن يكون هدفاً خارجياً عن ذات الإنسان وأعظم منه. فالأهداف الذاتية لا تكفي لتحقيق الإحساس بالقيمة والإنجاز الذي يحتاج إليهما الإنسان لكي تكون حياته متزنة وسوية. فالإنسان، بحكم طبيعته البشرية، يجد نفسه أصغر من أن يكفي نفسه كما ذكرنا سابقاً. فلكي ما يشعر بالامتلاء والكفاية لابد وأن يبحث عن معنى وغرض وأهداف حياته خارج محدودية ذاته. فلا يكفي الإنسان أن يحيا لأجل عمل جيد وناجح ولأجل تكوين أسرة طيبة وعلاقات حسنة وناضجة أو حتى ممارسة أنشطة اجتماعية أو مجرد طقوس دينية إيجابية، كل هذه الأشياء لا تصلح في حد ذاتها أن تكون هي المعنى والمغزى من حياة هذا الإنسان ما لم تكن نابعة من غرض أكبر وأسمى خارجي عن دائرة محدودية الإنسان. فكل هذه الأهداف لم يكن الإنسان ليحتاج إليها لو لم يكن قد وُجـِدَ من الأصل. ولكنه قد وُجـِدَ، فلابد إذاً من أنه قد وُجـِدَ لغرض آخر أكبر من تلك الأهداف، أكبر من وجوده هو، وفي وجوده هذا تأتي تلك الأهداف الثانوية!

* وكلما كانت أهداف الإنسان أكبر وأسمى منه - ضمنياً خارجة عن ذاته، كما قال فرانكل، كلما ازداد بديهياً إحساسه بالمعنى وبالتالي بالقيمة. ويجدر بنا في هذا السياق الإشارة إلى أن سمو الهدف الذي يعيش لأجله الإنسان إنما يُكسِب حياة الإنسان قدرة على تحمل آلام الحياة، كما يقول فرانكل: "إني أجرؤ على القول بأنه لا يوجد في الدنيا شئ يمكن أن يساعد الإنسان بشدة على البقاء حتى في أسوأ الظروف، مثل معرفته بأن هناك معنى لحياته."(1)

إذن فالشخص الناضج لديه أهداف يحيا ويكافح لأجلها تكسب حياته المعنى، بما يشتمل عليه ذلك الكفاح من قدرة على ضبط النفس ودأب مستمر على الإنجاز. فالشخص الناضج الذي لديه أهدافاً سامية غير ذاتية يحيا لأجلها لابد وأن يضبط نفسه في كل شئ، وهنا القدرة على الإنجاز، لأجل السعي على تحقيق تلك الأهداف، كما يبدو واضحاً لنا في الاستعارات البلاغية في كتابات بولس الرسول، فيلسوف المسيحية، لمشهد البطل الرياضي الذي يضبط نفسه في كل شئ بلا كلل من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافه (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 9: 24-27)، كما يتفق قول بولس الرسول هنا مع فيكتور فرانكل في أن قيمة الهدف وسموه يعطي الإنسان القدرة على الكفاح والمثابرة (أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً (جائزة) يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى)، بالإضافة إلى الإحساس باليقينية التي يحتاج إليه الإنسان (إذاً أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين).
أيضاً من خلال الصور المجازية السابقة، وتلك التي سجلها بولس أيضاً في رسالته إلى أهل فيلبي (3: 10-15) نستطيع أن نستنتج ما تحدث عنه العلماء، من أن الإنسان الناضج لابد وأن يتمتع بالقدرة على الإنتاجية والإنجاز (أسعى نحو الغرض …) لكي يشعر بقيمة ومعنى وجوده كما قلنا سابقاً. فإن لم يستطع الإنسان أن يحرز أي إنتاج أو إنجاز له تجاه أهدافه الغيرية في الحياة لتعثرت وتعرقلت بشدة مسيرة نضجه الشخصي.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فرانكل، فيكتور. "الإنسان يبحث عن المعنى". ترجمة: طلعت منصور. دار القلم. الكويت 1982








#مشير_سمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معايير النضج النفسي (4) الواقعية والقدرة على التعايش مع الحي ...
- معايير النضج النفسي (3) الحدود السليمة والصحية في العلاقات – ...
- معايير النضج النفسي (3) الحدود السليمة والصحية في العلاقات – ...
- معايير النضج النفسي (3) الحدود السليمة والصحية في العلاقات – ...
- معايير النضج النفسي (2) القدرة على التفرد Individuation ومقا ...
- معايير النضج النفسي (1) - العلاقة الصحية/السليمة مع الذات
- ليه لازم؟


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مشير سمير - معايير النضج النفسي (5) وجود معنى وأهداف غيرية للحياة والقدرة على إنجاز تلك الأهداف