أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبده وازن - محمد الماغوط... قومياً؟














المزيد.....

محمد الماغوط... قومياً؟


عبده وازن

الحوار المتمدن-العدد: 2770 - 2009 / 9 / 15 - 00:34
المحور: الادب والفن
    


الإثنين, 14 سبتمبر 2009
لم يكن محمد الماغوط يكفّ حتى في أيامه الأخيرة، عن ترداد حكاية «صوبيا» الحزب القومي، حتى أضحت هذه الحكاية من مأثوراته الطريفة. ولعل إصراره على سردها مرة تلو أخرى لم يعنِ البتة إنكاره ماضيه القومي ولا التنكّر لانضوائه في صفوف الحزب، بل كان يسعى عبر هذه الحكاية، الى القول إن التحاقه بهذا الحزب لم يكن إلا مصادفة، ولم تكن «الصوبيا» في مركز الحزب في قريته السلمية إلا ذريعة للسخرية من هذا الانتماء الذي لم يكن عقائدياً ولا فكرياً... فذلك الفتى الفقير ابن السادسة عشرة، وجد في مركز الحزب المجاور لمنزله الدفء الذي كان محروماً منه والذي كانت توفره «صوبيا» الحزب، فلجأ إليه هرباً من البرد القارس.

أما إنكاره قراءة كتب الزعيـــم انطون سعادة، فيمكن تصديقه وعدم تصديقه في آن واحد. فالقصائد والمقالات التي دأب على كتــابتها منذ العام 1950 في صحف عدة ومنها «البناء» صحيفة الحزب القومي، لم تحمل أثراً من فكر صاحب «المحاضرات العشر» ولا من الفكر القومي بعامة.

كان من الصعب فعلاً على شاعر مثل محمد الماغوط أن يستمر في الحزب القومي ولا في أي حزب آخر. فهذا الشاعر المتمرد والساخر بألم ومرارة والمحتج على الحياة نفسها وليس فقط على بؤسها، يستحيل عليه أن يجد نفسه شخصاً حزبياً أو «رفيقاً»، منضبطاً ومطيعاً، ومأسوراً داخل عقيدة ما، هو البدوي الفطري، الحزين والمقهور الذي لم يشغله سوى همّين، الخبز والحرية. وقد كان طوال حياته شاعراً حراً أقصى الحرية، شاعراً متحرراً من أسر الشعر نفسه، من قيوده ومعاييره الجاهزة، ومن الأفكار الجامدة والأيديولوجيا والتاريخ... وقد عاش حرّيته وكأنه يتنفسها عزيزياً في الحياة كما في الكتابة.

الكلام عن «قومية» محمد الماغوط أعاد إحياءه كتاب الباحث جان دايه «محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي» الذي صدر قبل أيام. كان من المقدر أن تنطوي حكاية شاعر «حزن في ضوء القمر» عن «صوبيا» الحزب مع رحيله وتصبح من حكايات الماضي، لكن جان دايه شاء أن يعيده الى صفوف الحزب «ملقناً» إياه درساً في الذاكرة والمناقبية الحزبية. وفعلاً نجح في إعادته الى الحزب مستعيداً صورة محمد الماغوط القومي الذي كان في مقتبل حياته الشعرية والصحافية. وقد جمع داية ما توافر له من مقالات الماغوط وقصائده التي دأب على كتابتها في الصحف بدءاً من العام 1958، وفي مقدّمها جريدة «البناء» التي كانت أحد أبرز منابر القوميين السوريين.

كان محمد الماغوط في السادسة عشرة عندما التحق بالحزب القومي. هذا العمر بدا مؤاتياً جداً لهذا الفتى كي ينضم الى جماعة شعر أنه ليس غريباً عنها. لكنه حتماً لم يكن بالحزبي الرصين والملتزم. ويكفي تذكّر حكايته الثانية التي رواها مراراً أيضاً عن سرقة مال الحزب لشراء «بنطلون». وإذا افترضنا أنه هجر الحزب بعد أن توقّف عن الكتابة في «البناء» عام 1962 فهو يكون أمضى فيه قرابة اثني عشر عاماً، وهذه أعوام غير قليلة ولا يمكنها أن تمرّ غفلاً من دون أن تترك أثراً في هذا الشاعر الشاب.

لكن ما يدفع الى الاستغراب أنها لم تترك فيه فعلاً، أثراً ولو ضئيلاً. والشاهد الأول على هذا اللاأثر ديوان «حزن في ضوء القمر»، البديع والفريد، الذي بدا خلواً من أي أثر قومي، سواء في الموقف أو الرؤيا لئلا أقول «المضمون». ويمكن القول إن شعر الماغوط في هذا الديوان ذو بعد «إنسانوني» شامل يناقض الدعوة القومية، وغدا الشاعر فيه شخصاً صعلوكاً بوهيمياً، يرود الشوارع والأرصفة، جائعاً ومقهوراً، معترضاً وساخراً ومارقاً... إنها الصورة «المضادة» للشاعر القومي، المناضل والمثقف وصاحب الأخلاق الحميدة، المرتبط بتراثه في ما يضم من حكم وأساطير. وتجلّى خروج الماغوط عن «المثال» القومي في السجال الذي قام بينه وبين شاعر كان أنموذجاً للشاعر القومي هو خليل حاوي، وقد خلع صاحب «نهر الرماد» عن الماغوط رفيقه، صفة الشاعر، وعن شعره صفة الشعر، ناعتاً قصائده بـ «المنثورات». وأخذ عليه أيضاً خلو منثوراته هذه من المفاهيم الحضارية، ومزجه فيها «بين الوحل والعطر والبول وضوء القمر». أما الماغوط فلم ينثنِ عن السخرية منه ومن فكره الأسطوري ونزعته الحضارية، داعياً إياه الى الخروج الى الحياة الحقيقية، حياة الناس والأرصفة والآلام اليومية.

ربما لو قدّر للشاعر محمد الماغوط أن يعلم بما فعل جان دايه لغضب في قبره ولما وفّر صديقه - بحسب ما يقول داية - من الكلام القاسي. فهو لو شاء أن ينشر مقالاته الأولى تلك وما كتب من قصائد في يفاعته، لجمعها هو بنفسه وأصدرها في كتاب خلال حياته. ولعله يعلم جيداً أن هذه المقالات والقصائد ضعيفة جداً وهزيلة حتى في سخريتها وغير جديرة بالخروج من عتمة الإدراج. لكن هذه «الجناية» ليست قدر محمد الماغوط وحده بل هي قدر الأدباء جميعاً الذين ما إن يرحلوا حتى تمتد الأيدي الى أوراقهم الأولى التي لم يشاؤوا أن يخرجوها الى الضوء.




#عبده_وازن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نجهل الأدب الأفغاني؟
- شاعر البدايات الدائمة
- سنة الجائعين
- الروائية المنسية منى جبّور كتبت -فتاة تافهة- في السادسة عشرة ...


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبده وازن - محمد الماغوط... قومياً؟