باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2747 - 2009 / 8 / 23 - 05:52
المحور:
كتابات ساخرة
في قناة فضائيّة أجنبيّة تتبع أحدى دول الغرب الضّال أو الكافر يعلن صحافي في برنامج إخباري باقتضاب و بدون إطناب عن تقدّم الأبحاث عندهم و اكتشاف أدوية جديدة لمقاومة و وقف نموّ بعض أنواع الأمراض السّرطانيّة و بالتّالي تحسين طرق العلاج و أساليب السّيطرة على المرض الخبيث، و في المقابل في مكان ما من العالم العربي الإسلامي و من خلال قناة إسلاميّة يعلن مقدّم برنامج أو صحافي آخر بحماسة بالغة أنّ العلماء في أحد بلدان أتباع الدّيانة المحمّديّة ما زالوا يتدارسون و يختلفون حول قضيّة قيادة المرأة للسّيارة، و وفقا لتعقيد القضيّة و أهمّيتها و شأنها و أبعادها الخطيرة على دار الإسلام فإنّ أولئك العلماء و هم جهلاء أسوأ أمّة أُخرجت للنّاس عجزوا عن الخروج من قاعاتهم المترفة و فنادقهم الفخمة المرصّعة بالنّجوم برأي موحّد فيما بينهم و عليه فقد اضطرّ جهابذتهم في نهاية الجدل و المداولات العلميّة الّتي جرت بينهم طبقا لعلوم الكتاب و السّنة و اعتمادا على قانون "درأ المفاسد أولى من جلب المصالح"...اضطرّوا في النّهاية إلى تصنيف المسألة في خانة الشّبهات أو البدع الّتي أتى بها العصر الحديث و ترك أمرها لاجتهاد المجتهدين و تقوّل المتقوّلين من حكماء الأمّة و ورثة الأنبياء فيها...!!
أنظر أخي القارئ الكريم إلى هذه المفارقة العجيبة الغريبة...باقي أمم و شعوب الأرض و الّذين نعتبرهم نحن المسلمين إمّا من الضّالّين أو من المغضوب عليهم، يعتبرون قيادة المرأة للسّيارة أمرعاديّ بديهيّ و لا تشكّل عندهم قضيّة أو مسألة تستوجب رأي الشّرع و علماءه من التّيوس و الثّيران الفطاحل، بل أنّ النّساء في بلدانهم فضلا على قيادتهنّ للسّيارة و الموتوسيكل و الدّراجة الهوائيّة و السّكوتر و غيرهم فإنّهنّ يقدن الطّائرات الحربيّة و يقصفن بها مدننا في العراق و أفغانستان و غزّة و ....
حصل الجدل نفسه في السّابق أوّل ما وصل جهاز الهاتف و التّلفاز و الجوّال إلى أرض الرّمال في شبه الجزيرة العربيّة و اُعتبرت تلك الإنجازات و الإبداعات الكُفريّة بِدع و كلّ بدعة كما نعرف ضلالة و كلّ ضلالة في النّار أعاذنا اللّه و إيّاكم منها...حتّى أنّ بعض علماء السّعوديّة الجهلاء الّذين لا زالوا يعيشون في عهد قريش و بني كُليب أفتوا دون تردّد بحرمة ركوب الموتوسيكل لأنّه حسب الكتاب و السّنة حمار الشّيطان...!
و قبل أن تزداد حاجتهم لعدد من منجزات و بِدع الغرب الكافر الأخرى و تمرّ على جهالتهم و حمقهم الأيّام و السّنوات و يتبيّن لهم عجزهم عن الاستمرار في العيش بدون تلك المصنوعات البِدعيّة و من ثمّة فقد بدأوا شيئا فشيئا حسب إلحاح الحاجة و ازديادها في التّراجع عن فتاويهم الغبيّة و نسخها بأخرى متساهلة بالاعتماد طبعا على عِلم الناسخ و المنسوخ و هو عِلم تستفرد به أمّة الإسلام دون غيرها و قد يوازي عندها أو يناهز علوم الذرّة أو الفضاء عند باقي أمم و شعوب الأرض الكافرة....؟!!
المرأة شرّفها إسلام المشايخ و أعاد لها كرامتها و حقوقها و الدّليل أنّه حوّلها إلى كائن شيطانيّ يستشرفه الشّيطان، و لم يتردّد دعاته و أوصياءه (دين الإسلام) في وصمها بوصمة "المرأة عورة" و تكريس هذه المقولة و تسويقها بقوّة و سلطان العقيدة إلى أن ارتهنت مُكرَهة أو مختارة و هي حيّة تُرزق لكيس قمامة أو كفن أسود تغطّي به عورتها أو وصمتها و تخفي شيطانها و تموّه به عن باقي شياطين الإنس و الجنّ...!!
"المرأة عورة" وصمة عار المرأة الأبديّة، و حجابها الّذي صمّمه الأوصياء على الدّين و حوّلوه إلى موضة و تقليعة العالم الإسلامي الأولى و الّذي أعتبره زنزانة عقلها و إرادتها...هذا المظهر المقيت (حسب رأيي) الّذي رهنوا به عفّتها و شرفها و تديّنها و جَعَلَ العُقد و الهواجس و المخاوف تستحوذ على فكرها و على نفسيتها من المهد إلى اللّحد...بوصمة "المرأة عورة" و تقليعة الحجاب الّتي نشرتها و عوّمتها عصاتهم السّحريّة لقال اللّه قال الرّسول، يلوّحون بها ليل نهار في وجوه أتباعهم و مُصدّقيهم فيسحرون بها عقولهم و يعطّلونها، و بفضل ما أتاحته لهم وسائل الإتّصال و تقدّم العلوم و الاكتشافات الّتي مكّنهم منها الكفّار و الملحدون و الزّنادقة و سكّان ديار الكفر و الضّلال رغم أنّ كبير الجغاليل (زغلول النّجار) و أمثاله ما انفكّوا يفاجئون شعوب المسلمين و يبهرونهم بأنّ كلّ منجزات و مخترعات غير دار الإسلام موجودة في قرآننا و أحاديث نبيّنا قبل 1400 سنة إمّا بشكل تلميحات أو تصريحات، أمّا لماذا لم يتأوّلوها (تجّار العجز العلمي أولئك) أو يستنبطوها مباشرة و بأنفسهم من الكتاب و السّنة و يسبقون الغرب إليها و بالتّالي يسجّلون براءات إختراعها و اكتشافها للّه و لرسوله و للمسلمين فهذا محيّر و يدعو للتّساؤل....؟!
أعود و أقول أنّهم جعلوا من الأنثى كائنا ذليلا مقهورا مدمّر الكرامة و الإنسانيّة و لا غاية لشخصيّتها المداسة إلاّ خدمة الرّجل و تلبية نزواته الشّبقيّة...النّساء عندنا نحن معاشر المسلمين ببركة الشيوخ و بفضلهم و بفضل توجيهاتهم و تذكيرهم و دروس الوعض و الإرشاد الّتي لا تنقطع، هنّ مخلوقات شيطانيّة تفسد الوضوء و الصّلاة بمجرّد المصافحة أو المرور قرب المصلّي...لا انصلاح لحالهنّ لأنّهنّ خُلقن من ضلع أعوج، لذلك انحصرت مهمّتهنّ في خدمة الرّجال بصيغة الزّوجات الحرائر أو بصيغة الإماء و الجواري و مِلك اليمين و السّبايا الّتي تُغنم في الحروب و الغزوات الجهاديّة المباركة للمسلمين و لعب دور شبيه ببالوعات و مواسير الصّرف الصّحي لاستفراغ مكبوتات الذّكور الجنسيّة...كلّ ما فعله أولئك الّذين يسمّونهم علماء و هم في حقيقتهم جهلاء و دجّالون و ناشرون للجهل و العمى بين المسلمين طلبا لمتع الحياة من مال و نيك و شهرة...كلّ ما فعلوه بالمرأة و بشخصيّتها يصبّ جميعه في سياق تحويلها إلى موضوع جنسي شيطاني و سيرة حياتيّة لا تتعدّى علاقة خادم بمخدوم أو بالأحرى راكب بمركوب...؟!
و الأغرب أنّ النّاس غالبا ما تجرفهم عواطفهم الدّينيّة فيكون تأثّرهم أكثر و أبلغ بمسوّقي النّكت و الخزعبلات و الدّجل و الأكاذيب التّي يتصدّر ترويجها و نشرها كما نعلم مجموعة متكاثرة متناسلة من المتاجرين بالدّين و المتهافتين على الشّهرة و المال فتجد المؤمنين يطلقون على أحدهم إسم عالم أو علاّمة أو آية اللّه العظمى أو المرجع الأعلى و غير ذلك، أمّا رائد الفضاء و المفكّر و الكاتب و الفيلسوف و الشّاعر و الطّبيب و خبير الرّياضيات أو الفيزياء أو الأحياء و أيّ مبدع و صادق و باحث عن كرامة و حرّية و رخاء الإنسان خاصّة إن كان من غير دار الإسلام فيطلقون عليه إسم كافر أو زنديق أو ضالّ...؟!
#باهي_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟