|
فتح تستعيد زمام المبادرة
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 07:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال نقاشات مع قيادات الحزب الشيوعي السوفيتي في موسكو لم يجد القيادي الفتحاوي نمر صالح ما يرد به على مجادليه سوى الاشارة الى حاجتهم لاجتياز دورة في اطر فتح يتعرفون خلالها على الحياة الداخلية للحركة .
وفي العقود التي مرت بعد اطلاق " ابو صالح " عبارته التي ارضت شعور الفرادة والتميز لدى كوادر يسار الحركة على حركة اليسار الفلسطيني جرت في النهر مياه كثيرة .
فلم تعد موسكو قبلة الشيوعيين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وفي غفلة من الزمن امتطى القيادي الفتحاوي شعارات الاصلاح والتغيير ليجد نفسه خارج حركته التي خبر مسالكها وشعابها ، وانتقل مركز القرار الفلسطيني الى الضفة الغربية في خطوة يتيمة على طريق الافلات الجزئي من دكتاتورية الجغرافيا ، التي واجهها الزعيم المؤسس ياسر عرفات بشعار القرار الفلسطيني المستقل .
لكن الجدل الذي رافق انعقاد المؤتمر العام السادس للحركة في بيت لحم ، استدعى عبارة القائد الفلسطيني ، الذي اعتزل العمل السياسي ، بعد بضعة سنوات من مغادرته حركته ، رافضا التحول الى اداة رخيصة لدى انظمة العسكرتاريا التي تعتاش على القضية الفلسطينية وتوازنات قواها السياسية .
فالمنطق الذي تعاملت من خلاله بعض مراكز القوى في المنطقة ، وادواتها الفلسطينية ، وواجهاتها الاعلامية مع مؤتمر الحركة لم يبتعد كثيرا عن آليات الاستشراق السوفيتي الذي عانى منه طرفا العلاقة .
احد ملامح الاستشراق السياسي التي ظهرت بوضوح عشية انعقاد المؤتمر ولدى بدء جلساته تمثل في نزعة انتظار حدث دراماتيكي يؤدي الى تفجير المؤتمر وانشقاق الحركة .
وسواء كان انتظار المنتظرين تعبيرا عن رغبة في وضع نهاية لحركة فتح ، او نتيجة لغياب المعلومات ، والجهل بالتفاصيل ، كشف غربة اصحابه عن واقع جديد في طور التشكل .
فالحركة المرشحة للانشقاق اثبتت قدرة على تجميع طاقاتها ، والتقاط زمام المبادرة ، وقدرة على التعاطي مع حقائق المرحلة ، وحشر خصومها في الزاوية الضيقة .
ولقدرة فتح على اجتياز اكثر المنعطفات حدة باقل قدر ممكن من الخسائر قصة بدات منذ تاسيسها .
اهم فصول هذه القصة البعد التعددي في تكوين الحركة الذي افتقرت اليه معظم فصائل العمل الوطني الفلسطيني .
واتاح هذا البعد ـ الذي لم يتم التوقف عنده مع موجة انكماش الاحزاب الايديولوجية التي اعقبت انهيار المنظومة الاشتراكية ـ هامشا واسعا من امكانيات الخلاف الداخلي دون حدوث انقسامات حقيقية .
فالقواسم المشتركة المطلوبة لتعايش التيارات تحت سقف الحركة المرتفع قليلة لدرجة رواج مقولة مفادها ان كل فلسطيني فتحاوي الى ان يثبت العكس .
ومثلما هي العادة في الحركة التي اخذ مؤتمرها العام السادس بعدا وطنيا ، يتابعه الفلسطينيون في مختلف اماكن تواجدهم ـ باعتباره حدثا مصيريا ـ ترتفع الاصوات داخل الاطر ، ويضطر البعض للحرد السياسي ،والعودة ، وفي بعض الاحيان المغادرة والاعتكاف .
الا ان تجارب الانشقاق كانت تنتهي الى طريق مسدود وسرعان ما تتلاشى لتصبح عبئا على صانعيها .
ومع تكرار تجارب الانشقاق الفاشلة تحولت مقولة " فتح لا تقبل القسمة الا على واحد " الى ما يمكن اعتباره واحدة من مسلمات العمل السياسي الفلسطيني .
لذلك تعامل المطلون على مسيرة الحركة وطرق اتخاذ القرار فيها مع زوبعة فاروق القدومي التي سبقت المؤتمر باعتبارها تغريد خارج السرب .
كما جرى التعامل مع توازنات مروان البرغوثي ومحمد دحلان والحرس القديم التي ظهرت في المؤتمر على انها واحدة من تجليات خلاف الصوت المرتفع .
اكثر التقديرات بؤسا عبر عنها موقف حركة حماس حين ساومت على خروج كوادر فتح في القطاع الى الضفة الغربية للمشاركة في المؤتمر .
فقد انقسمت اسباب المساومة بين الحصول على مكاسب تتعلق بالافراج عن ناشطي حماس في الضفة الغربية واعاقة انعقاد مؤتمر فتح لتبقى رهينة ضعف التنسيق بين اطرها واجهزتها .
لكن الاصرار على انعقاد المؤتمر ، وتقديم الرئيس محمود عباس خلال جلسته الاولى خطابا عصريا ، يرضي قواعد حركته ، وعواصم الدول المؤثرة في تطورات اوضاع المنطقة ، احدث انقلابا في وعي حركة حماس .
ففي تطور لفت انظار المتابعين خرج ممثل حماس في لبنان اسامة حمدان على وسائل الاعلام ليطالب بتوقيع اتفاق مصالحة فور انعقاد اللقاء المقبل في القاهرة وعدم اهدار الوقت في الحوار .
وكان واضحا ان الخروج المفاجئ لرجل الاعلام الاول في الحركة محاولة لانتزاع زمام المبادرة بتحميل فتح مسؤولية اعاقة الحوار .
كما سبق ظهور حمدان قيام حماس بشن هجوم تحريضي على الرئيس محمود عباس تضمن رفضا ضمنيا لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قبل التوصل الى عدد من التوافقات .
الا ان التحريض الذي تقمص دور الدفاع عن مشروع وطني لا تؤمن به حماس كان مثيرا لسخرية القواعد الفتحاوية الغاضبة على منع كوادرها في قطاع غزة من الوصول الى بيت لحم .
ولم يخل الامر من تندرات كوادر فتح على انتقادات حماس لتقلص حضور خيار الكفاح المسلح في خطاب عباس امام المؤتمر .
فالمعروف عن حركة الاسلام السياسي الفلسطيني الاولى انها انهت عمليا هذا الخيار ، بمنع تنفيذ العمليات العسكرية من قطاع غزة اثر استيلائها عليه، وسعيها لاقناع الحكومة اليمينية في اسرائيل ، سرا عبر وسطاء متقاعدين ، وعلنا من خلال تصريحات يطلقها قادة الحركة بين الحين والاخر بفكرة الدولة المؤقتة .
النتائج العكسية التي نجمت عن محاولة حماس الفاشلة لاعاقة عقد مؤتمر حركة فتح ، والتأثير في نتائجه لم تقف عند شعورها بخيبة الامل ، وهزال خطابها السياسي الذي لا يخلو من دلالات على ازمة تفكير ، وعجز عن تقدير الواقع ، وصعوبة قراءة المعادلات السياسية المتحولة في الاقليم والعالم .
فقد عززت نتائج ممارساتها وجهة النظر الفتحاوية الداعية الى البحث عن وسائل وخيارات اخرى غير جولات الحوار الفاشلة لانهاء الاوضاع الشاذة التي يعيشها قطاع غزة .
وفي مقدمة الخيارات المرجح ان تدرسها القيادة الفلسطينية بدقة خلال المرحلة المقبلة في حال استمرار تهرب حماس ومماطلتها في التوصل لاتفاق مصالحة اعلان قطاع غزة اقليما متمردا .
مثل هذا الخيار يعني من بين ما يعنيه تزايد عزلة حركة حماس خلال المرحلة المقبلة .
فالحليف الايراني الذي يوفر لها هامشا للحركة يغرق في ازمات ما بعد الانتخابات الرئاسية ، والسوري يقلب خياراته التي تشمل من بين ما تشمله توسيع القنوات مع الولايات المتحدة والدخول في مفاوضات مع اسرائيل ، والقطري مجبر على التعامل مع تحول المعادلات الاقليمية،وقوة الدفع الاميركية ، بقدر اكبر من الحذر .
والوضوح الذي تتعامل به القيادة الفلسطينية مع حماس والجهود الدولية والاقليمية الداعمة للتسوية لا تترك امام حركة الاسلام السياسي الفلسطيني هوامش واسعة للمناورة .
فالقراءة المتأنية لخطاب الرئيس محمود عباس لدى افتتاحه المؤتمر العام السادس لحركة فتح تكشف عن ملامح اولية للمرحلة المقبلة لا تستطيع حركة حماس تجاهلها .
بعض هذه الملامح اصرار الرئيس عباس على اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، واشارته الى ان قيام الدولة الفلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967 بات مسألة وقت ، وتأكيده على نهاية زمن التحكم الاسرائيلي بالخيارات الدولية ، واضطرار اسرائيل في المرحلة المقبلة للانسجام مع الاجماع الدولي .
كما تمتلك حركة فتح ـ صاحبة المشروع الوطني الفلسطيني ـ رؤية متكاملة للحل ، عملت خلال العقود الماضية،وان كان بشكل متقطع ، على مراكمة احتمالات نجاحها .
ولا شك في ان تطور بحجم التقاء المشروع الوطني الفلسطيني مع رغبة القطب الكوني الوحيد في تسويات اقليمية شاملة ، واستعدادات عواصم الاقليم ـ المعتدلة والممانعة ـ للتعاطي مع التسوية ، بالشكل الذي يجنبها الخروج عن سياقات التوجه العالمي ، يتطلب تجديد في ذهنيات التعامل مع الواقع الجديد .
الا ان حسابات حماس قصيرة المدى ، ورؤيتها " الطالبانية " للاحداث ، وعدم ادراكها للمتغيرات ، وتحولات المصالح ، وعجزها عن تقبل الاخرين ، والتعايش معهم على ارضية الشراكة الوطنية ، يبقيها في دوامة محاولات اعاقة التوجهات العالمية بتخريب الوضع الداخلي .
واللافت للنظر ان محاولة حماس اعاقة عقد المؤتمر السادس لحركة فتح ، والتأثير في نتائجه ، ترافقت مع اتهامات التطرف ، التي وجهتها الحكومة اليمينية الاسرائيلية لخطاب الرئيس عباس ، الذي ابقى على الكفاح المسلح ، باعتباره ارثا فتحويا ، ومطالبات المستوطنين باعتقال مشاركين في المؤتمر .
لكن ردود الفعل الاسرائيلية لم تحرك ساكنا لدى المؤتمرين الذين يرون في ارث حركتهم ، بما في ذلك خيار الكفاح المسلح صمام امان لوحدتها ، وضمانة لاستمرار خطها الواقعي .
ففي ظل غياب الانجاز النهائي للتسوية السياسية يبقى تنوع اشكال الكفاح شكلا من اشكال الواقعية السياسية ، وان كان النضال السلمي الاكثر جدوى في اقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية الفلسطينية ، وحشد التأييد العالمي الى جانب الحق الفلسطيني .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلام الخريف !!
-
تغريبة القدومي تعري الاعلام العربي
-
قلق التسوية
-
فوبيا سحب الجنسية
-
الارتدادات العربية للمأزق الايراني
-
متاهة الوطن البديل
-
سباق شرق اوسطي في المتاهة الاميركية !!
-
اوباما في دائرة الشك العربي
-
معادلات جديدة ... لمرحلة مختلفة
-
موسم الهجرة الى واشنطن
-
قمة -العوالم- العربية
-
مصالحات الوقت الضائع
-
بوابة السلام الاقتصادي
-
تسونامي الغموض الاميركي
-
قبل اطلاق رصاصة الرحمة على خيار الدولتين
-
سلام مشوه ... وازمات برسم التصدير
-
ايران تخطف القطار الفلسطيني
-
ازمة الخيارات الفلسطينية مع تلاشي حل الدولتين
-
ضيق الخيال الايراني
-
في نهج الاقصاء الحمساوي
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|