|
سباق شرق اوسطي في المتاهة الاميركية !!
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2637 - 2009 / 5 / 5 - 09:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتيح اطار التحركات السياسية في المنطقة تسارع تجاذبات محاولات "خلط الاوراق " و " اعادة ترتيب الاولويات " مع تضارب مؤشرات الاهتمام الاميركي بالقضايا الشرق اوسطية .
ففي المشهد الاميركي " المطاط " هوامش تكفي لاستمرار مساعي الضغط على واشنطن في المدى المنظور .
ويزيد من اغراءات الضغط على الموقف الاميركي ، لاستمالته الى احد جانبي الصراع ، تحول البيت الابيض الى عنصر الحسم الاكثر حضورا ، وربما الوحيد في معادلة عملية السلام ، الخاضعة على الدوام لمتغيرات اقليمية ودولية ، يصعب اللحاق بها .
كما ينطوي غموض الموقف الاميركي ، ومؤشراته المتضاربة ، على رسائل ضمنية تفيد بان امكانية اقناع البيت الابيض باي من وجهتي النظر تبقى اكثر حضورا قبل ان تبلور ادارة الرئيس باراك اوباما ـ التي انهت المئة اليوم الاولى في البيت الابيض ـ سياسة خارجية واضحة المعالم .
يضاف الى هذه العوامل ايضا ادراك مختلف الاطراف لاهمية عامل الوقت في تحديد معالم النجاح والفشل.
فمن ناحيته يرى محور الاعتدال العربي ، الاكثر احساسا بخطورة عامل الزمن على خيار الدولتين ان تاخير الحل يبقي المجال مفتوحا على مصراعيه امام الاستيطان ، ومصادرة الاراضي ، وتهويد القدس .
وفي المقابل يحرص الجانب الاسرائيلي على استغلال الوقت الى اقصى الحدود لفرض واقع جديد على الارض .
جوهر السياسة التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية للاستفادة من عامل الوقت يقوم على خلط اكبر قدر ممكن من الاوراق ، واشغال المجتمع الدولي بها ، لتجميد اي جهد حقيقي لتحريك عملية السلام .
واللافت للنظر ان الجهد الاكبر من عملية الخلط التي يتبعها الجانب الاسرائيلي يدور حول تركيز الاضواء على خطر التسلح النووي الايراني ، مستفيدا من الادارة الايرانية لهذا الملف ، التي تقوم على التصعيد لتصدير ازمة الملالي الداخلية ، وتجيير شعارات العداء للغرب واسرائيل في صراع اجنحة النظام المقبل على انتخابات رئاسية .
فهناك حاجة تبادلية بين ايران واسرائيل لتسخين هذا الملف ، وان اختلفت الحدود التي يرغب كل من الطرفين في الوصول اليها ، حيث تطمح القيادة الاسرائيلية لمنع تضخم القدرات العسكرية الايرانية الى حد الحصول على سلاح نووي ، فيما يدلل تذبذب التصريحات الايرانية ، وطرق استخدام طهران لبؤر التوتر الاقليمية على ان سقف طموحاتها يصل الى الحصول على دور اقليمي معترف به كونيا، وربما تقاسم النفوذ في المنطقة مع اسرائيل .
وحين يجري الحديث حول آليات الصراع الاسرائيلي ـ الايراني تطفو على السطح سوريا التي اعتادت على لعب دور بيضة القبان في مختلف الصراعات والازمات التي تشهدها المنطقة .
الا ان الجانب الاسرائيلي يبدي حذرا كبيرا في التعاطي مع هذا الملف وهو يوغل في لعبة خلط الاوراق .
فقد وضع خطوطا عريضة للتحرك السلمي باتجاه دمشق تتمثل في الاعلان عن استعداده لمفاوضات غير مشروطة ، ويقترن هذا الاستعداد مع رفض لاعادة الجولان ، الامر الذي يعني اغلاق الباب فعليا امام دمشق المتمسكة بالعلاقة مع طهران وحماس وحزب الله .
غير ان السياسة السورية التي اعتادت مقايضة الحلفاء والاعداء بمصالحها ، وتخشى المضي في عملية سلام تؤدي الى تسوية حقيقية ، تحرص على ابقاء الباب مفتوحا امام التفاوض المباشر وغير المباشر مع الجانب الاسرائيلي .
والواضح ان مواربة دمشق لباب التفاوض مع اسرائيل تهدف بالدرجة الاولى للابقاء على قنوات الاتصال المفتوحة مع الولايات المتحدة وضمان البقاء خارج اطواق العزلة الدولية .
اضافة الى الدفع باتجاه التصعيد ضد طهران ، وشيطنة دمشق ، تأخذ لعبة خلط الاوراق التي تتقنها الحكومة الاسرائيلية اشكالا اخرى حين توضع حجج التهرب من استحقاقات المسار التفاوضي الفلسطيني على المحك .
فقد تجاوز الجانب الاسرائيلي ذريعة رفض خيار الدولتين ـ الذي اعلنت الادارة الاميركية تمسكها به ـ بذرائع اخرى قد تكون اكثر قبولا لدى المجتماع الدولي في المرحلة المقبلة .
وتطمح حكومة نتنياهو من خلال التجاوز الذي تمثل بالحديث عن صياغة رؤية سلام اسرائيلية ، تضع خيار الدولتين بعين الاعتبار ، للالتفاف على اية ضغوطات اميركية محتملة ، والدخول في مفاوضات تمتد الى ما لا نهاية ، اسلحتها خلل التمثيل الفلسطيني الناجم عن حالة الانقسام بين رام الله وغزة ، والضغط للاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة ، الامر الذي رفضه الرئيس محمود عباس جملة وتفصيلا .
في مقابل هذا الخلط يخوض محور الاعتدال العربي ممثلا بالاردن والسعودية ومصر حربا دبلوماسية حقيقية لتثبيت اسس عملية السلام في المرحلة المقبلة والحد من الاستخدامات الانية والنفعية للقضية الفلسطينية .
وكان واضحا من خلال لقاءات الملك عبدالله الثاني ، وتصريحاته التي اعقبت عودته من الولايات المتحدة ان هناك عددا من العناصر يركز عليها تحرك السلام العربي .
اولى هذه العناصر ابطال محاولات بنيامين نتنياهو خلط الاوراق الاقليمية مع قرب العد التنازلي لتوجهه الى البيت الابيض .
فلم يكن غائبا على العاهل الاردني وهو يحذر من اعطاء الولايات المتحدة الاولوية للملف النووي الايراني خطر تأجيل تسوية القضية الفلسطينية .
ولا شك ان مثل هذا التحذير يلقى صدى لدى الادارة الاميركية لا سيما وانه جاء من عاصمة اعتدال تدرك حجم الاضرار التي تلحقها السياسة الايرانية بالاوضاع الاقليمية .
الى جانب التحذير من اجندة الاولويات التي يحاول نتنياهو تسويقها في واشنطن ، وللحيلولة دون ادخال المفاوضات المطلوب اطلاقها بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في دائرة مفرغة حرص العاهل الاردني على الاشارة الى ضرورة ان تتسم مفاوضات السلام المقبلة بالجدية .
ولم يغفل الملك عبدالله الثاني خلال تحركات البناء على ما تم انجازه في واشنطن عن التأكيد على خيار الدولتين .
من منطلق حرصها على اطلاق عملية السلام ابدت الرياض مرونة في التعاطي مع طريقة التفكير الاميركية تجاه عملية السلام دون التفريط بما جاء في مبادرة السلام العربية .
بدت هذه المرونة واضحة في الخطاب السياسي للقمة الاردنية ـ السعودية التي عقدت في الرياض ، والذي وسع الارضية السياسية لتسوية القضية الفلسطينية ، من خلال المزاوجة بين مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية .
وبالاضافة الى محاولة دفع الادارة الاميركية لخطوات جدية باتجاه تحريك عملية السلام ، لا تخلو اللغة السياسية التي يستخدمها تيار الاعتدال العربي من محاولة قطع الطريق على نتنياهو وحشره في الزاوية توطئة لجره الى طاولة المفاوضات .
خطوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقطع الطريق على نتنياهو اخذت منحى مختلفا بمحاولته الالتفاف على الانقسام الداخلي بتشكيل حكومة موسعة وضمان دعم عربي ليظهر بصورة الشريك المقنع في عملية السلام .
لكن خارطة التحرك العربي لا تخلو من حقول الغام ، بينها العربي ، والاقليمي ، والدولي .
فهناك ما يكفي من المؤشرات التي توحي بان الادارة الاميركية ما زالت في طور تقليب الخيارات وهي تستقبل قادة المنطقة .
ومن غير المستبعد ان تستمر عملية تقليب الخيارات الاميركية عدة اشهر مع تشتت بوصلة البيت الابيض بين بؤرة التوتر الافغانية ، والتصعيد الداخلي الباكستاني ، والملف النووي الايراني ، وعملية السلام .
كما تزيد اخفاقات الادارات الاميركية السابقة في دفع عملية السلام على المسار الفلسطيني طوال العقدين الماضيين من تردد اوباما حينما يتعلق الامر بتفعيل الدور الاميركي لتسوية القضية الفلسطينية .
ويمكن اضافة الكوارث الاقتصادية والصحية التي يشهدها الكوكب الى تطورات الاحداث في البؤر الاقليمية الساخنة التي تحد من الاهتمام الكوني بالقضية الفلسطينية .
فقد استحوذت الازمة المالية العالمية ، وانفلونزا الخنازير على المؤتمر الصحفي الذي عقده اوباما اثر مرور مئة يوم على دخوله البيت الابيض ، علاوة على اتساع حضور الوضع الداخلي الباكستاني والايراني في دائرة الاهتمام الاميركي .
وتشكل مثل هذه الاجواء بيئة مثالية لتهرب نتنياهو من عملية السلام ، والمماطلة في التجاوب مع استحقاقاتها ، والمضي قدما في مصادرة الاراضي والاستيطان وتهويد القدس ، توطئة لخلق واقع جديد على الارض ، وفرضه على العرب .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوباما في دائرة الشك العربي
-
معادلات جديدة ... لمرحلة مختلفة
-
موسم الهجرة الى واشنطن
-
قمة -العوالم- العربية
-
مصالحات الوقت الضائع
-
بوابة السلام الاقتصادي
-
تسونامي الغموض الاميركي
-
قبل اطلاق رصاصة الرحمة على خيار الدولتين
-
سلام مشوه ... وازمات برسم التصدير
-
ايران تخطف القطار الفلسطيني
-
ازمة الخيارات الفلسطينية مع تلاشي حل الدولتين
-
ضيق الخيال الايراني
-
في نهج الاقصاء الحمساوي
-
افق عربي ... لعراق مختلف
-
حول صورة العربي في فضائية العالم
-
ازمات المركز ...ومأزق الاطراف
-
قلة الاستيعاب في صحافة الاعراب
-
عار الصحافة العربية
-
حماس تواجه الواقع باختزال التاريخ
-
ديمقراطية الامعاء الخاوية
المزيد.....
-
بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل
...
-
عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل
...
-
افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو
...
-
حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر
...
-
قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع
...
-
الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي
...
-
قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ
...
-
النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط
...
-
وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو
...
-
فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|