|
|
عندما تدور النواعير في الصحراء
قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2730 - 2009 / 8 / 6 - 02:45
المحور:
كتابات ساخرة
ما الذي نرجوه عندما تدور النواعير في الصحراء؟ولو قدر لها ودارت في الصحراء فهل سترفع لنا ماءا يحي الله به الأرض بعد موتها؟ أو أنها سننثر علينا ترابا فتعصف علينا العواصف كالتي ابتلينا بها في سنواتنا الأخيرة. لا ليست هذه ولا تلك، فالنواعير لا تدور إلا حيث الفرات لتسقي الأرض و تروي البشر. أقول لا يمكن للنواعير التي تدور في صحراء السياسة القاحلة حتى ولو جرى فيها نهر كالنهر العظيم الذي شقه القذافي في صحراء ليبيا. علينا أن نتذكر بان الحضارة والصناعة والتكنولوجيا قد قضت على نواعيرنا برغم محبتنا لها حد العشق،وجاءئنا بالآلات والمكائن والمعدات المتطورة، ولم تبخل التكنولوجيا ولن تبخل في يوم من الأيام علينا بكل ما هو جديد، ولن تعجز عن التغيير في مجال من مجالات الحياة. ولكن !!! ستظل التكنولوجيا والعلم عاجزين عن تغيير ما في العقول وما بالنفوس التي لا تريد أن تعي الحقيقة وتعيش الواقع فتغير ما بها ،تنفيذا لقوله تعالى :"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". ربما سيكتشف لنا المؤرخون والآثاريون في القادم من الأيام عن مكتشفات آثارية وعن أطلال من بينها (دالية) لنواعير في صحراء نجد وعسير أو في الصحراء الكبرى أو في صحرائنا الغربية، كانت تدور قبل خمسة آلاف سنة بعد أن عرفنا من التاريخ ما كان عليه العقل البشري في تلك العصور الحجرية. ولكن!!! لن يكشف لنا عن (العوبر)،ولا عن(الشريجة) ولا عن (مربط الليف) ولا عن (القوق) فكل هذه لم تكن موجودة، بل أن ما كان هو عقول تدور في أفق تلك العصور، لا تعرف من الدنيا سوى الاقتتال والصيد، وان تحاوروا وتوافقوا، و تحالفوا وأتلفوا ، فأنهم يتفقون على المشاعية بالمرأة فتصبح الواحدة ملكا للجميع. ربما يحلم البعض فيتصور نفسه ناعورا يدور في الصحراء،و ربما تخيل ذلك وهو يستمع إلى أطلال إبراهيم ناجي بصوت أم كلثوم فتهيأت له دوال ٍ من خيال وهوى.وربما سيقول قائل إنه الخيال وهو حق لكل من يريد أن يتخيل ويتصور نفسه ما يشاء،أقول نعم هو حق ولكن!! علينا أن نمارسه في حيزه وأن نعيش الواقع الذي نحن فيه ، وان نكون شجاعنا، ونسفر عن وجوهنا، ونقول كلمة الحق التي نريد بها الحق لا الباطل. وأن نكون واضحين فيما نقول ونفعل وفيما نسعى إليه. لقد اخبرنا التاريخ بان هناك من رجال الدين الأفذاذ من أعطى في السياسة دروسا وفي الوطنية منهاجا حتى صاروا مضربا للأمثال، وربما تخيل لبعض رجالاتنا من المعممين أو ممن تزين بالكوفية والعقال وارتدى العباءة المطرزة، ورتب لحيته وشذبها، أنه المنقذ الوحيد لهذا الشعب المظلوم. وانه خليفة الله في الأرض وانه المتصدي للغزو الصليبي،وبدونه لا تقوم للشعب والوطن قائمة. فصار محللا في السياسة كل حرام ،ومحرما في الدين كل حلال ، وهو في كلتا الحالتين لا يفقه شيئا، فهو في سياسته بعيد عن السياسة ،وهو في دينه بعيد عن الدين، وكأنه يدور في (دولاب الهوا) ضانا أنه ناعورا يرفع الماء إلى حيث الحياة . أقول قولي هذا وأنا أقرأ لنوع من البشر يريدون ولا يريدون .يحبون ويكرهون على وفق مزاجهم.و يعيشون بعقول العصور الخوالي. يريدون من الدولة راتبا، و موادا تموينية ،ونفطا وكهرباءا، وتعليما لأبنائهم، ودواء لنسائهم، وتقاعدا لكبارهم ،وصحة وعافية دائمة لهم. يريدون هذا كله باسم الحق والقانون . ولكنهم يلعنون الحكومة وكأنها ليست من الدولة. ينظرون إلى الصبايا في الفضائيات، ويعتبرون المرأة بقرة. يتزوجون ويمارسون... و ينامون تحت التكييف، ويركبون احدث السيارات ،ويتنعمون بنعم صنعها الصليبون، و لكنهم يلعنون (الصليبيين). يلبسون هم ونساؤهم الملابس الداخلية ، الرقيقة ، الشفافة، الملونة الزاهية ،المصنوعة في مصانع الكفار الصينيين، والمطرزة بأنامل حسناوات طوكيو، والمعطرة بعطر سمراوات دلهي الذميات، ويلعنوهن ،ويلعنون دينهم، لكنهم يستحلونهن لو ملكتها أيمانهم .ويصرن أمهات أولاد إن أنجبن منهم ولدا في فراش ملك الإيمان، وربما يصبح احدهم خليفة أو وال ٍ، أو أمير، أو سلطان .لا ادري ما الذي يريده أمثال هؤلاء. هل يريدون منا أن نظل نجتر البطولات والكرامات، والعالم يخطو في كل ثانية مليون خطوة في طريق التقدم؟ أريد هؤلاء أن تبقى الحياة واقفة لا تسير إلا بإرادتهم المتحجرة الواقفة على بضع معلومات أكل الدهر عليها وشرب .وأن لا نفكر ولا نخطو خطوة إلا بمباركة أسيادهم ممن جعلوا الإسلام تجارة، والدين سلعة، ويتحدثون باسم الله وباسم الدين وباسم الصحابة والأولياء الصالحين وهم ابعد من يكونون عن الله وعن أنبياءه وعن كتبه . أقول لهؤلاء والى من يتبعهم ،علينا جميعا أن نؤمن بأن الحياة حق وان الموت حق وأن العيش لكل الناس مهما اختلفت دياناتهم وقومياتهم ومذاهبهم وطوائفهم حق .وأدعو كل هؤلاء لأن يسموا الأشياء بأسمائها . وأن يعوا حقيقة أن زمن النواعير والطواحين قد ولى،ولن يعود ماض ٍ تولى ، وان يتذكروا أننا الآن في زمن جعل العالم قرية صغيرة. وعلى هؤلاء وأمثالهم ان يأمروا الناس بالبر ولكن !!! أن لا ينسوا أنفسهم.
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيت ، وأنا، والزعيم
-
ربي اجعل هذا البلد آمنا
المزيد.....
-
العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى
...
-
هل أصبح كريستيانو رونالدو نجم أفلام Fast & Furious؟
-
سينتيا صاموئيل.. فنانة لبنانية تعلن خسارتها لدورتها الشهرية
...
-
لماذا أثار فيلم -الست- عن حياة أم كلثوم كل هذا الجدل؟
-
ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
-
مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-
-
ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟
...
-
الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس
...
-
أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
-
يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
المزيد.....
-
الضحك من لحى الزمان
/ د. خالد زغريت
-
لو كانت الكرافات حمراء
/ د. خالد زغريت
-
سهرة على كأس متة مع المهاتما غاندي وعنزته
/ د. خالد زغريت
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
المزيد.....
|