أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مَنْ يَنْقَعُ غُلَّةَ الصَّادِي؟!















المزيد.....



مَنْ يَنْقَعُ غُلَّةَ الصَّادِي؟!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2722 - 2009 / 7 / 29 - 07:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 20-26 يوليو 2009
الإثنين
برغم مفاصلتهما، لم يذهب الخيال بالسيِّد مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمَّة ـ الإصلاح والتجديد، إلى أبعد مِمَّا ذهب، قبله، بالسيِّد الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمَّة القومي. فالأخير كان أفتى لجماهير بحر ابيض: "أكلو توركم وادُّوا زولكم!"، أي خذوا الرشوة، في الانتخابات المقبلة، لكن صوِّتوا لمن شئتم! وها هو مبارك قد أجاز، أيضاً، لجماهير الهُدى، بغرب المناقل، أخذ الرشوة، على أن يصوِّتوا بقناعاتهم (أجراس الحريَّة، 6/6/09). سوى أن كلاهما صمت، للغرابة، عن شرط (القسَم) المقترن بأخذ المال، مع أن هذا هو مربط الفرس!
مهما يكن من أمر، فإن هذه الرخصة العجيبة صادرة، بلا شكَّ، عن إدراك يقيني لمدى استضعاف الفقر للناخب! كما ولا بُدَّ أن الزعيمين، عند إصدارها، قد أدارا في ذهنيهما، ربَّما لأوَّل مرَّة، أحد أعقد أسئلة (الحداثة) في مستوى الممارسة الديموقراطيَّة، والتي ما تنفكُّ تطرح تحدِّياتها على مجتمعاتنا؛ وهو سؤال القدر المتوفر من (الحريَّة)، لدى المواطن، كي يحسم (خياره)! ولا نقصد بـ (الحريَّة)، هنا، ما تبيح النصوص الدستوريَّة والقانونيَّة، على أهميَّتها، بل المحفز الداخلي، عقلاً ووجداناً، لتقديس هذا (الخيار)، بالغاً ما بلغ الإغواء بغيره! فالأمر قائم، إذن، لا في التشريع، وإنما في المفارقة الكامنة بين (الاحساس) الحضري الكاسح، منذ فجر الاستقلال، بجدوى الديموقراطيَّة، حتى أضحت قانوناً ثابتاً لتطوُّرنا السِّياسي، وبين مستوى (الوعي) الاجتماعي العام، السائد، والمحكوم، ما يزال للأسف، بأشراط (ثلاثي التخلف): الفقر والجهل والمرض!
يمكننا، بالطبع، وبكلِّ سهولة، تقرير مسئوليَّة الشموليات المتطاولة، قياساً إلى الديموقراطيات الثلاث القصار، في القعود بهذا (الاحساس) عن بلوغ (الوعي) العميق بالقيمة الحقيقيَّة للديموقراطيَّة. لكن ذلك لن يعدو كونه محض شقشقة بـ (نصف الآية)! فثمَّة، أيضاً، مسئوليَّة الأحزاب التقليديَّة نفسها، والتي لطالما أصمَّت آذانها عن سماع التحذير من مخاطر النزوع التاريخي إلى (الشكلانيَّة) في خبرة الممارسة الديموقراطيَّة، فضلاً عن تأثير (ثلاثي التخلف) هذا، والذي بلغ، الآن، أعلى مستوياته منذ الاستقلال!
من هنا، فقط، يمكننا تتبُّع جدليَّة هذه المفارقة، لنرى، بوضوح، أن (الشكلانيَّة) المفتقرة للمحتوى الاجتماعي، ترتدُّ، بمجاز القانون الفيزيائي البسيط، المرَّة تلو المرَّة، إلى صدر النظام الديموقراطي، بسبب فشل الأحزاب التقليديَّة الكبيرة في مجابهة هذا (الثلاثي)، فما تلبث الجماهير التي تكون قد أفلحت في هزيمة الشموليَّة، واسترداد الديموقراطيَّة، أن تصاب بالإحباط والقنوط من انتظار المردود المستحقِّ لها من كدحها، فيشيع، في كلِّ مرَّة، مناخ مواتٍ للإطاحة، عسكريَّاً، بالنظام الديموقراطي، والعودة بالبلاد إلى مربَّع الشموليَّة الأوَّل!
ظلت الأحزاب التقليدية، في سالف تلك الخبرة، تعوِّل على مناطق الإنتاج الحديث في تفجير الثورات، لكنها سرعان ما تنقلب للتعويل على مناطق القطاع التقليدي في اكتساح الانتخابات! وكانت الحكومات التي تشرف على ترتيب تلك الانتخابات حكومات تكنوقراط إنتقاليَّة غير متهومة، رسميَّاً على الأقل، بالانحياز لحزب ما. وفي ذات الوقت لم يكن ميسوراً التأثير على الجماهير، بنفوذ الطائفة أو القبيلة، إلا للأحزاب التقليديَّة المستندة إلى هتين المؤسَّستين! فالإسلامويون، بتعليمهم الحديث، ودعاواهم (الحداثويَّة)، على الأقلِّ في وجه الطائفيَّة والقبليَّة، لم يكن بمستطاعهم بلوغ شئ من منعة زعماء الطوائف أو شيوخ القبائل! أما الشيوعيُّون، فقد ظلوا، بطبيعة تكوينهم الأيديولوجي، ومنطق توجُّههم السياسي، بعيدين عن هذا الضرب من التأثير. لذا ظلَّ كلا الإسلامويين والشيوعيين يجابهون المتاعب في دوائر الريف، بينما يستطيعون المنافسة، إلى حدود متفاوتة، في دوائر الحضر.
لكن الواضح، الآن، أن تلك المعادلة قد اختلت. فالإسلامويون (اكتشفوا!) أن (مفتاحهم!) لـ (التمكين!) هو جهاز الدولة! فعمدوا للسيطرة عليه بالقوَّة الحربيَّة، متخلين عن شعاراتهم القديمة، ومختزلين (حداثويَّتهم) في محض قشور العمران، والتعليم الخاص، والسَّيَّارات الفارهة، وبعض مظاهر الرفاه، داخل بيوتهم فقط، وفي نطاق أسرهم وحدها، وإنْ بذائقة مختلف عليها، معيارها (الثروة) فحسب، من أيِّ طريق جاءت، خصوصاً بعد أن تغيَّرت، خلال ما يربو على ربع القرن، خصوصاً بعد انفرادهم بالسلطة، طوال العقدين الماضيين، التركيبة الذهنيَّة لقياداتهم، وكوادرهم، والقوى الاجتماعيَّة الداعمة لهم، حيث بسطت (الطفيليَّة) سيطرتها على أقسام الرأسماليَّة الأخرى، وتحولت الدولة (الراعية) إلى دولة (ريعيَّة)، وتغيَّرت بالتبعيَّة، تركيبة المدن التي تريَّفت بالكامل، أو كادت، كما تغيَّرت طبيعة الحياة الاجتماعيَّة في الريف نفسه؛ وأصبحت دروب الإثراء تمرُّ عبر المال العام والمؤسَّسات الحكوميَّة؛ وتخلخلت بنية المنظومة الاجتماعيَّة الأخلاقيَّة في المدينة والريف على السواء، ليضحى شعارها الأوحد هو (الهَبَرُو مَلو)!
ولأن الناس، من قديم الأزمان، "قدْ ذهَبُوا إلى مَن عِندَه الذهَبُ!"، خصوصاً في إطارات البنيات الهشَّة للوعي الاجتماعي، فقد أضحى الإسلامويُّون منافسين خطرين للأحزاب الكبيرة في مواقع نفوذها التقليدي!
في الأثناء دُمِّر قطاعا الصحَّة والتعليم، وانهارت خدمات المياه والكهرباء، واستشرى الفقر في مفاصل الحياة، وأصبح السودان، بالمختصر المفيد، طارداً للآلاف من أبنائه وبناته. ولقد أفزعني، مؤخَّراً، خريج شاب جاء يستنصحني أن أقول له سبباً واحداً لاستمرار بقائه في السودان، مشترطاً، فقط، ألا أكلمه عن (الوطن) أو (الوطنيَّة)! وعندما فكرت جيِّداً، لم أجد، بالفعل، ما أغويه به على صرف هاجس الهجرة، سوى ذينك وحدهما!
ولئن كانت الديموقراطيَّة هي حاضنة (الحداثة) التي أفرزتها الثورة الصناعيَّة في الغرب، فإن القليل الذي (غزا) أريافنا من مفردات (الحداثة)، دخلها مع الحركات المسلحة، عبر فوهات البنادق، في حروب تتكاثر ولا تنقص، وتتفاقم ولا يخفت لها دوي! ولئن كانت (الرِّعاية الاجتماعيَّة) من أركان الإسلام، قبل أن تصبح بعض ثمرات (الحداثة)، حتى في احتمالها الرأسمالي، فستكفيك، اليوم، لإدراك مآلاتها في سودان النخبة الإسلامويَّة الحاكمة، إلتفاتة، ولو عابرة، إلى استغاثات المعدمين تنضح بها صحف الخرطوم، بل مجرَّد التأمُّل في وجوه أغلب الناس، لا حشود المتسوِّلين وحدهم، ليستخذي وجودك، فتكره اليوم الذي ولدت فيه!
لن يكون للانتخابات معنى إلا إذا استهدفت جعل الحياة ذاتها، في السودان، دَعْ وحدته، جاذبة. ولن يصبح ذلك كذلك، ما لم نحسن تحوُّلنا ديموقراطياً. ولن نحسن التحوَّل الديموقراطي بمحض النصوص الدستوريَّة والقانونيَّة، على أهميَّتها، وإنما من خلال التمتع، فعلياً، بـ (حريَّة الاختيار) التي هي الشرط الأوَّل لسداد الممارسة الديموقراطيَّة، بما في ذلك الانتخابات. فكيف لنا بانتخابات يعبِّر المواطنون، من خلالها، عن خياراتهم بحريَّة؟!
هذا هو السؤال ـ الإشكاليَّة الذي ينطرح، الآن، موضوعيَّاً، ولا بُدَّ، أكثر من أيِّ وقت مضى، في مقدِّمة هموم المعارضة بأسرها، وإنْ كان، باستثناء رخصة الزعيمين، ما يزال حبيس حظيرة المسكوت عنه، رغم كونه المسمار الرئيس الذي يستوجب الضرب على رأسه، والبلاد مقبلة، خلال بضعة أشهر، على انتخابات، بل وعلى استفتاء قد يقرِّر مصير وحدتها نفسها!
لكن (رُخصة الزعيمين)، في ظلِّ شروط (ثلاثي التخلف) الراهنة، وعلى خلفيَّة (رهبة المؤمنين) من مغبَّة (الحنث باليمين!)، ليست سوى آليَّة لا طائل من ورائها، دَعْ ما تنطوي عليه من شبهة التحريض الذرائعي على انتهاج سلوك الخصم الذي يصعب إسناده إلى أيِّ مبدأ قويم!

الثلاثاء
مرَّت بنا، الأحد قبل الماضي، الذكرى الثامنة والعشرون لحركة 19 يوليو (التصحيحيَّة المجيدة)، رعى الله ذكر قادتها وأبطالها وشهدائها.
وهي (تصحيحيَّة)، ليس بأيِّ معنى غير ذيَّاك الذي قصد إليه مفجَّروها الذين كانوا، قبلها، بعضاً مِمَّن تحمَّلوا وزر انقلاب مايو 1969م؛ فيبقى المحكُّ هو ما هدفوا إليه هُم من إبراء ذمَّتهم من ذلك الوزر، لا مجرَّد واقعة تفجيرها كانقلاب على انقلاب!
و(مجيدة) لكونها حاولت، باكراً، بتضحيات جسيمة، وبسالة نادرة، كسر شوكة دكتاتوريَّة كانت، وقتها، ما تزال تنمو وتترعرع، تماماً كما الحنش الفاتك في البراري الموحشة!
مع ذلك ما يزال شعبنا مفتقراً إلى الاطمئنان على تمام إلمامه بما جرى! وهو اطمئنان كان مستحقاً له، في الحقيقة، منذ ذلك الوقت، لولا أن النميري عَمَد لإخفاء المعالم، وطمس الحقائق، والتكتم حتى على قبور الشهداء، بعد (محاكمتهم!) في لهوجة صوريَّة خليقة بعصابة، لا بدولة!
ومن أهمِّ الوقائع التي أراد النميري طمسها واقعة (بيت الضيافة) التي راح ضحيَّتها نفرٌ من أبناء الشعب والجيش، دون أن (يتكرَّم!) هو بالكشف ولو عن تقارير اللجان التي كوَّنها بنفسه للتحقيق بشأنها، مؤثراً (استثمارها!)، في احتفالاته الموسميَّة، كمحض رمز يكرِّس أكذوبته حول مسئوليَّة العسكريين الشيوعيين والديموقراطيين عنها .. حتى لو ذهبت (الحقيقة التاريخيَّة) .. إلى الجحيم!
غير أنَّ الشهادات المحايدة ما انفكت تتواتر، من كلِّ حدب وصوب، تبرِّئ ساحة عسكر 19 يوليو، وتصفع هشاشة أكذوبة الدكتاتور! ولعلَّ أحدث هذه الشهادات إفادة الرقيب السابق بمصنع الذخيرة، عثمان الكودة، بقناة النيل الأزرق، مساء الإثنين 13/7/09، وقد فاصل الشيوعيين من أزمان، فليس ظنيناً في ولاء أو مصلحة!
لقد تلقيت، مؤخَّراً، مهاتفتين ودودتين من بريطانيا، أولاهما من أماني، إبنة الشهيد فاروق حمد الله الذي أعدمه النميري، والأخرى من عثمان، إبن الشهيد، أيضاً، مصطفى أورتشي، الذي قتل ببيت الضيافة. كلا المكالمتين أثارت لديَّ، علِمَ الله، كوامن أشجان وأحزان لا تمايز بينها. فهذي إبنة تيتمت، وذاك إبنٌ تيتم، ولم يقدَّر لأيٍّ منهما أن يدرك من أبيه غير بضع تصاوير، وذكريات أمِّ مفجوعة، وربَّما بقايا ثياب تعبق، ما تزال، بعطر حنان مجهض! ولذا فكلاهما يتحرَّق ظمأ لمعرفة الحقيقة المجرَّدة، كفلذة كبد، لا كمشتبك في عراك سياسي!
لله درُّكما، أماني وعثمان، كلاكما صادٍ، ومعكما بنات وأبناء وذوو كلِّ الشهداء، ونحن أيضاً، بل شعبنا بأسره .. فمَن ينقع غلة الصادي؟!

الأربعاء
(التحكيم)، وطنياً كان أم دولياً، مؤسَّسياً أم حرَّاً، هو قضاء (خاص). لكنه لا يختلف عن قضاء (المحكمة)، وطنيَّة أم دوليَّة، إلا بكون أطرافه هم مَن تلتقي إراداتهم على اللجوء إليه، والموافقة على هيئته، واقتسام مصروفاته، والقانون الموضوعي الذي يطبقه، وقواعد الإجراءات والإثبات التي يتبعها، وأن تنظر الهيئة نزاعهم بتفرُّغ تام، وتفصل فيه بسرعة نسبيَّة، خلال زمن معلوم، مع المحافظة على خصوصيَّة وسريَّة وقائعه وأحداثياته، إلا ما اتفقوا على تعميمه منها، ويكون قرارها نهائياً، إلا ما جاز الاعتراض عليه أمامها هي نفسها، بشروط محدَّدة، على رأسها البطلان. أما في ما عدا ذلك فلا تمييز بين (التحكيم) و(المحكمة)، من حيث التزام كليهما بالقانون، ومبادئ العدالة، وإحكام صياغة نقاط النزاع في حدود صلاحياتهما واختصاصاتهما، ووزن البيِّنات، وقواعد إصدار الأحكام، وما إلى ذلك.
المسألة الأساسيَّة التي أحالها طرفا (نزاع أبيي) إلى (هيئة التحكيم الدوليَّة الدائمة بلاهاي) هي النظر في ما إنْ كانت (لجنة الخبراء) قد تجاوزت أم لم تتجاوز صلاحياتها بترسيم حدود مشيخات دينكا نقوك التسع التي ألحقت بكردفان عام 1905م. وبافتراض أن تلك هي نقطة النزاع الرئيسة، فقد كان على الهيئة تتبع الحقيقة (القانونيَّة)، فحسب، أينما اتجهت، والفصل في النزاع على أساسها وحدها، خلال الزَّمن المحدَّد، وتحت مجهر القانون ومبادئ العدالة، فقط، دون أيِّ اعتبار آخر!
لم يتيسَّر لي، حتى الآن، الاطلاع المتمكث على حيثيات القرار. لكن ثمَّة ملاحظتين أوليَّتين، مِمَّا وفرته، حتى الآن، أجهزة الإعلام والصَّحافة، على النحو الآتي:
الملاحظة الأولى: أن الهيئة تجاوزت اختصاصها، بأن حادت عن (التحكيم) إلى (التوفيق) بين طلبات الطرفين؛ وذانك عملان مختلفان تماماً، بالأخصِّ من حيث (الإثبات). ولعلَّ هذا هو، بالتحديد، ما عناه السيِّد عون الخصاونة، المحكم صاحب الرأي المخالف، بقوله عن القرار إنه "مدفوع بالرغبة في تحقيق نتيجة ما، ولا يرتكز على إثباتات، وعلى العكس من ذلك تناقضه جملة وقائع وإثباتات تؤدي إلى نتيجة مخالفة لما توصَّلت إليه الأغلبيَّة".
مهما يكن من أمر، فالعنوان الأكثر ملائمة لهذا القرار هو (النفط مقابل الأرض)، على حدِّ الصياغه السديدة للعمدة عبد الجليل!
الملاحظة الثانية: أن طرفي هذا (التحكيم/التوفيق)، الحكومة والحركة الشعبيَّة، هما طرفان بالوكالة افتراضاً. أما الطرفان الأصيلان، وهما (دينكا نقوك) و(المسيريَّة الحُمُر)، فلم يعبأ أحد بسؤالهما، دَعْ سماعهما! ومِمَّا يؤكد ذلك، للأسف، أن أهمَّ ما أهمَّ الطرفين بالوكالة، ليست حقائق التاريخ والاجتماع وسبل كسب العيش في واقع المجتمع المحلي، بل الظفر السياسي والاقتصادي، في المستوى الفوقي لرؤية المركزين المتقابلين، الخرطوم وجوبا!
ولعلَّ هذا ما يفسِّر غبطة المركز الأوَّل لثلاثة مكاسب: التأكيد، ولو جزئياً، على صدقيَّة قوله الذي فجَّر النزاع، أصلاً، بأن (لجنة الخبراء) تجاوزت صلاحياتها؛ وحصده لحقل نفط هجليج؛ وحصوله على رقعة بمساحة لبنان؛ مقابل غبطة الطرف الآخر بضمِّ أبيي إلى الجنوب، بالمشيخات التسع؛ وبامتداد جغرافي على الأرض يصل إلى خط عرض 10.10 شمالاً؛ فضلاً عن حقل نفط دفرة؛ وعلى رقعة بمساحة بلجيكا!
أما أهمُّ ما أهمَّ الطرفين الأصيلين المُغيَّبين فهو ملكيَّة المراعي، ومصير حركة المراحيل شمالاً وجنوباً! فلدى المسيريَّة، مثلاً، عشرة ملايين رأس من الأبقار، هي التي تجسِّد، لا النفط، معنى حياتهم بالمدلول الثقافي، وقد درجوا على التوغل بها، زهاء ثمانية أشهر في السنة، إلى ما وراء بحر العرب والرقبة الزرقاء، في أراض قد تبترها، كما بضربة سيف، نتيجة استفتاء 2011م، في ما لو جاءت لصالح الانفصال، لا قدَّر الله، ليصبح السودان سودانين تخضع علاقاتهما لقواعد القانون الدولي العام!
صحيح أن هذه القواعد تنصُّ، كما أشار القرار بحق، على عدم جواز تأثر الحقوق التقليديَّة للرعاة بترسيم الحدود، مستقبلاً، بين الدَّولتين. لكن هذه النصوص التي يمكن تلخيصها، الآن، بعبارات موجزة، قد يستغرق تطبيقها، غداً، دهوراً تنسلخ في مغالطات لا تنتهي حول تفسيراتها المتباينة، وستنسلُّ الروح، حتماً، ريثما يتمُّ حسمها ما بين الاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدوليَّة، والمفاوضات الشَّاقة، وربَّما الحرب .. في أسوأ الحالات! فما يكون مصير الناس وقطعانهم خلال سنوات نزاع (دولي) متطاول كهذا، مع تفاقم الزَّحف الصحراوي، وتآكل الغطاء النباتي، يوماً عن يوم؟!
يعزُّ على المرء، يميناً، أن (ينعق)، كما (طائر الشؤم)، في بيت (الفرح)! لكن .. ما كان أغنانا عن كلِّ هذا لو أننا اهتدينا بحكمة طيِّبَي الذكر دينق مجوك وبابو نمر، فأبعدنا (لهب) التربُّح السياسي والقانوني، منذ البداية، عن (قماشة) التعايش الإثني الرقيقة في أبيي!

الخميس
شدَّ انتباهي العنوان الرئيس لعدد هذه الصحيفة الصادر صباح أمس الأربعاء: (والي الخرطوم يستبق الانتخابات بخطة سباعيَّة للخدمات)!
أما في متن الخبر فقد (كشف!) سيادته لقادة الصحافة وأجهزة الإعلام، في لقاء تفاكري (يُقرأ: دعائي!)، عن خطة ولايته، في (يوم الوقفة!) هذا، ".. للإرتقاء بالتعليم، والصحَّة، والكهرباء، والمياه، والأمن، والتنمية العمرانيَّة، و(كلَّ!) احتياجات المواطنين .. ولتعيين 3000 معلم، وإجلاس الطلاب، وإكمال نقص الكتاب المدرسي، وتشييد مدارس جديدة، وتأهيل المدارس التي تحتاج إلى صيانة .. وإنشاء 46 مركزاً صحياً، واستيعاب 200 طبيب عمومي، و50 اختصاصياً، وعدد من القابلات في وظائف ثابتة .. واتباع سياسة جديدة للمواصلات، و(تجميل!) الولاية بإحلال التاكسي .. وضمان الانسياب المروري بتركيب كاميرات مراقبة، وتأهيل جسري القوات المسلحة والنيل الأزرق، وتصميم عدد من الكباري الطائرة والأنفاق .. والتصديق لكلِّ محليَّة بمبلغ 400 ألف جنيه لمجاري الأمطار، وحفر آبار جوفيَّة لحلِّ قضيَّة مياه الشرب، وتحسين العلاقة المتوترة بين المحليات والمواطنين"! وفي لحظة من أندر لحظات انكشاف العقل الباطن، ختم سيادته وعوده الباذخة هذه قائلاً: "الولاية تعمل على (تهيئة المسرح قبل الانتخابات!) .. الخ" (الأخبار، 22/7/09).
نحيت الصحيفة جانباً، وفكرت: (مسرح) يُهيأ، إذن، و(مسرحيَّة) تعدُّ، و(انتخابات) على الأبواب!
ولم أعرف هل أضحك أم أبكي، حين تذكرت، فجأة، حكاية مرشح الشرق الذي لم يكن خياله يسعفه، كلما أزف موعد الانتخابات، بغير تكرار وعده للناخبين، المرَّة تلو المرَّة، بأنه سيشيِّد لهم (كوبري!) بين بورتسودان و .. جدَّة!

الجمعة
منذ إعلان وزير الثقافة المصري، بعد ظهر الخميس 26/6/09، عن فوز د. سيد القمني بجائزة الدولة التقديريَّة في حقل العلوم الاجتماعيَّة، وردود أفعال المتشدِّدين الإسلامويين لا تتوقف، جاعلة من الحدث مناسبة جديدة لاستعار حملة الملاحقة الظلاميَّة ضدَّ هذا المفكر المرموق، حيث تولى كبرها، هذه المرَّة، يوسف البدرى، عضو المجلس الأعلى للشُّئون الإسلاميَّة، رافعاً دعوى (حسبة) لسحب الجائزة من القمني، بزعم كفره!
بالمقابل ندَّد آلاف المثقفين المصريين والعرب بحملة البدري ورهطه، واتهموا الرَّجل بأنه مجرَّد محترف لبيع الرُّقيات الشرعيَّة نظير خمسة آلاف جنيه للرُّقية الواحدة! كما ندَّدوا بتقاعس السُّلطة عن حماية الحرِّيَّات والحقوق المكفولة دستورياً ودولياً، مِمَّا عدُّوه تحالفاً ضمنيَّاً مع التطرُّف الديني الذي أضرَّ بالإسلام، على مدى أربعة عشر قرناً، بأكثر مِمَّا فعل أعداؤه! وطالبوا بتطهير مناهج التعليم من أفكار التعصُّب التي تفرِّخ إرهابيين، لا علماء، وبتنزيه الإعلام من تهمة التآمر لقمع ثقافة حريَّة التفكير والتعبير واحترام الآخر، وبتجريم استخدام منابر العبادة والإعلام للترويج للتكفير والقتل والكراهية، وبالحدِّ من محاولة إرخاء ستارة من الظلام الشامل على المجتمع باستخدام دعاوى (الحسبة) في مطاردة المفكرين والمبدعين.
حملة البدري تقع، في حقيقتها، ضمن ذات السياق الذي كفر وقتل، من خلاله، محمود محمد طه، مثلما كفر واغتيل د. حسين مروَّة، ومهدي عامل، وفرج فودة، وعلولة، رائد المسرح الشعبي الجزائري، وبو خبزة رائد فكر الحداثة في الجزائر، ومثلما جرت محاولة اغتيال نجيب محفوظ بسلاح أبيض، بسبب روايته (أولاد حارتنا)، ومثلما كفر وهُدِّد الطيِّب صالح، بسبب روايته (موسم الهجرة إلى الشمال)، بفتوى سليمان الخراشي!
قبل ذلك وبعده طال التكفير والتهديد جبران، وأبو ماضي، والشَّابي، وعلي عبد الرَّازق بسبب كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، ود. طه حسين بسبب كتابه (في الشِّعر الجَّاهلي)، وسلامة موسى، والحكيم، ونزار، وإحسان، ويوسف إدريس، وأدونيس، وفؤاد زكريا، والعروي، والجابري، ومنيف، والغيطاني، وسميح القاسم، ودرويش، بسبب قصيدته (أحد عشر كوكباً)، مع مارسيل خليفة الذي وضع موسيقاها وأنشدها، ومحمد خلف الله، ود. نصر أبو زيد، ود. العشماوي، وخليل عبد الكريم، وأسامه عكاشة، وحيدر حيدر، بسبب روايته (وليمة لأعشاب البحر)، ود. نوال السعداوي، ود. جابر عصفور، وعادل إمام، وبعض مالكي القنوات الفضائيَّة، ومؤخراً حلمي سالم، بسبب قصيدته (في شرفة ليلى مراد) التي نشرتها مجلة (إبداع)، فلحق طرف السَّوط بالمجلة نفسها، ورئيس تحريرها أحمد عبد المعطي حجازي!
وفي سودان أواخر القرن التاسع عشر كفر مشايخ أزهريُّون الإمام المهدي، ممالأة للحكم التركي، مِمَّا حدا به لتكفيرهم، بالمقابل، قائلاً، في ما أورد د. أبو سليم، ضمن (منشورات المهديَّة)، إن ".. من شك في مهديتي كفر بالله ورسوله، ومن عاداني كافر، ومن حاربني يُخذل في الدارين، وأمواله وأولاده غنيمة للمسلمين"!
وفي مطلع القرن العشرين بارك (مجلس علماء جامع أم درمان)، برؤية تكفيريَّة واضحة، تنكيل الإدارة الاستعماريَّة بالشيخ على ود عبد الكريم الذي كان يحرِّض على مناهضتها، حتى لقد لاحظ تيم نبلوك، في كتابه (صراع السُّلطة والثروة فى السودان، 1990م)، أن تلك الفتوى الدينيَّة منحت ذلك التنكيل السياسى "بُعده الشَّرعى"!
وفي 1970م كفر (علماء السودان) جماهير الأنصار فى أحداث الجزيرة أبا، حيث وصفوا مجابهتهم لانقلاب النميري، وقتها، "بالفتنة المتدثرة بثوب الاسلام"، ووصفوا "مبادئ مايو" بأنها "لا تخرج عن مبادئ الاسلام .. لذلك فإن الوقوف بجانبها واجب دينى قبل أن يكون واجباً وطنياً، والخروج عليها خروج على أمر الله، ومخالفة صريحة لأهداف ومبادئ الاسلام!" (الأيام، 3/4/1970م).
وكان التيجاني يوسف بشير قد تعرض، في أواخر عشرينات القرن المنصرم، للتكفير والتهديد، مثلما تعرَّض لهما عبد الرحيم أبو ذكرى في أواسط ستيناته!
وخلال العقد الماضي أغتيل الفنان خوجلي عثمان، وجرت محاولة لاغتيال الفنان عبد القادر سالم، كما تمَّ تكفير وقتل مصلين من أنصار السُّنة في مساجد مختلفة بالعاصمة وخارجها!
وفي سياق الصِّراع السياسي الراهن كفر وهُدِّد د. حيدر ابراهيم علي، والحاج ورَّاق، وعصمت الدَّسيس، ود. فاروق كدودة، وكاتب هذه السطور، حيث دعا متطرفون إلى قتلهم مقابل عشرة مليون جنيه للرأس! كما كفر وهُدِّد بالقتل ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبيَّة، بل وجرت محاولة عمليَّة لتنفيذ هذا التهديد بزرع قنبلة في مكتبه قبل أسابيع قلائل، كما اغتيل قبله، فعلياً، محمد طه محمد احمد، رئيس تحرير صحيفة الوفاق!
وطال التكفير والتهديد حتى د. الترابي، باني حركة الإسلام السياسي الحديثة في السودان، لكن (بعد!)، وليس (قبل!) إخراجه من السُّلطة نفسها التي أسَّسها، وتربَّع، السنوات الطوال، على قمَّة مرجعيَّاتها، في ما يشبه (ولاية الفقيه)! فقد كفره (مجمَّع الفقه الإسلامي) حين وصف آراءه بأنها "تصادم القرآن والسنة!"، ودعاه إلى "التوبة إلى الله من التقوُّل عليه بغير علم، وتضليل المسلمين!"، وحرَّض السُّلطة على "التعامل معه بما يقضى الحقُّ ويوقف الشرَّ!" (الصحافة، 20/4/2006م). كما وصفته (الرابطة الشَّرعيَّة للعلماء والدُّعاة بالسودان)، بأنه "كافر مرتد يجب أن يعلن توبته، مفصَّلة، على الملأ، ويتبرَّأ .. أمام أهل العلم"! وطالبت بالحجر عليه وعلى كتبه ومقابلاته (السودانى، 23/4/2006م). وبمناسبة إبرام حزبه، فى 19/2/2001م، بجنيف، مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبيَّة تقضي بعدم التمييز بين (المواطنين) على أساس (الدِّين)، أدانته (هيئة علماء السودان)، فى 22/2/2001م، معتبرة المذكرة "فتنة وبغياً ومُهدِّداً للشَّريعة وللسُّلطة الاسلاميَّة!"، وخلصت إلى وجوب "استتابته حتى يثوب إلى أمر الله والسُّلطان!"، ودعت السُّلطة لأخذه "بالحزم والحسم .. ولا عدوان إلا على الظالمين!" (المصدر). أما (المجلس الأعلى للحجِّ والدَّعوة والأوقاف) فقد وصفه "بالخروج عن الملة!"، ووجَّه "بتبنى حملة لتوضيح جريمته!"، داعياً الدَّولة "لاتخاذ إجراءات قويَّة .. لردعه" (المصدر). وهاجمه أبو نارو وعبد الحى يوسف وآخرون لتأييده حركة (طالبان)، إثر 11 سبتمبر، معتبرين موقفه "مزايدة .. وشنشنة فى المكر"، وبأنه يبغي الأمر عوجاً، ويريد أن يتخذ "بين الكفر والاسلام سبيلاً!"، مطالبين حزبه بإعلان "البراءة منه ومن مقولاته الإلحاديَّة"!
من جانبه لم يقصِّر د. الترابي في مبادلة تلاميذه السابقين تكفيراً بتكفير، حيث اعتبر إبعاده من السُّلطة "محاولة لإبعاد كلمة الاسلام وأصل الدين!" (الشارع السياسى، 13/2/2000م)، ووصف حديثاً منسوباً لنائب رئيس الجمهورية، الأستاذ علي عثمان طه، في ندوة له بجامعة الخرطوم، عن "إمكانيَّة التفاوض مع حركة قرنق حول فصل الدين عن الدولة"، بأنه "كفر ببعض الكتاب وإيمان ببعضه!" (الصحافة ، 21/2/2000م)، وذلك رغم رأي الترابي القديم الذي أورده محمد الهاشمي الحامدي في كتابه (حسن الترابى: آراؤه واجتهاداته فى الفكر والسياسة)، حيث وصف نزعات (التكفير) بأنها ".. أمراض تصيب المسلمين كما أصابت قبلهم أهل الكتاب"!
وامتدَّت أذرع طاحونة التكفير هذه، متجاوزة الأفراد، لتشمل أطراً تنظيميَّة بأكملها، كجماعة أنصار السُّنة، والحزب الشيوعي، والجبهة الديموقراطيَّة للطلاب، وكلِّ "أحزاب ومعتنقي الديمقراطيَّة والإشتراكيَّة والموالين للنصارى!"، على حدِّ تعبير فتوى نشرت في 4/6/2003م، دون أن تحرِّك السلطات ساكناً لحماية المستهدفين بها!
لكن هذا وغيره ليس سوى محض غيض حديث من فيض قديم ابتليت به الدَّولة في المنطقة الإسلاميَّة، طوال تاريخها، حيث ظلت تشهد، منذ ابتداء أمرها، هذه النزعات التي لا يتوانى أصحابها في استخدام كلمة الله العليا ضمن أدوات الصراع الدنيوي، مِمَّا لطخ هذا التاريخ، في مختلف مراحله، بدم الآخر المختلف في الرأي، دونما استثناء حتى لصحابة أجلاء، وفيهم مبشَّرون بالجَّنَّة، بل فيهم ثلاثة من أصل أربعة خلفاء راشدين! فقد اغتيل عمر، سنة 23هـ، بطعنة من أبي لؤلؤة، وهو قائم يصلي بالناس الفجر. وكفر وقتل عثمان، سنة 35هـ، وهو محاصر في بيته، وقاتله، عمرو بن الحمق، لا يستنكف أن يعلن في الملأ أنه إنما فعلها "في سبيل الله"! كما كفر واغتيل علي، غدراً، سنة 40 هـ، وهو يتوضأ لصلاة الفجر، على يد الخارجي القارئ عبد الرحمن بن ملجم، إثر اعتبار الخوارج قبول الكرَّار للتحكيم بينه وبين معاوية، في موقعة صفين، كفراً بواحاً!
ولم ينجُ من طاحونة التكفير هذه، وما تستتبع من قتل وتنكيل، أئمَّة فقهاء كبار، كمالك الذي ناشته سياط التكفيريين على كبرة وضعف، والبخاري الذي شهد على كفره ثلاثة ألف (عالم!)، فنفى إلى حين وفاته! وابن حنبل الذي سُجن، بعد تكفيره، وأجبر على السير، مقيَّداً بالجنازير، من طرطوس إلى بغداد، حيث ضُرب بالسِّياط تحت الشَّمس، وهو صائم، فى أواخر رمضان! وإلى أولئك، أيضاً، ابن حزم الذي نفى إلى أحراش شلا بأسبانيا، وابن تيمية الذي سُجن وعذب حتى مات، وابن القيم الذي سجن وعذب وأحرق، والسهرودى الذي سُجن وقتل خنقاً، والتبريزى الذي سُلخ جلده حياً، والغزالى الذي أحرقت كتبه، والأمثلة بلا حد!
المشكلة، إذن، ليست عارضة، والهجمة على القمني لم تقع، فحسب، بسبب منحه جائزة الدولة، وإنما الصحيح أن تقرأ على خلفيَّة مجمل تلك التواريخ الحافلة، للأسف، بمثل هذا النوع من الممارسات المعطوبة باسم الدين الحنيف، فالواجب المقدَّم على سواه، في هذا الصراع الطويل، هو "ألا نسمح بأن تصيب عقولنا الرطوبة"، وفق نصيحة سديدة للشهيد مهدي عامل!

السبت
من موقعه كرئيس للجنة (التجمُّع الوطني الديموقراطي) السياسيَّة، أدلى الأستاذ فاروق أبو عيسى، ضمن حوار الصحفي عبد الوهاب همَّت معه (سودانايل، 22/7/09)، بإفادات تكتسي أهميَّة خاصَّة، وتعتبر الأولى من نوعها، ونعيد التنويه بها هنا .. للذكرى والتاريخ!
قال أبو عيسى، ضمن إفاداته غي المسبوقة: "حاولنا كثيرا تحريك (التجمُّع)، لكن الميرغني ظلَّ يقدِّم أسباباً بعضها غير مقبول! وتعيق تفعيل التجمُّع"!
وقال: "نحن كوَّنا التحالف الجديد لنتحرَّك، لأننا لا يمكن أن نظل أسرى للتجمُّع الذي لا يتحرك، وغير الموجود في الساحة"!
وقال، ردَّاً على سؤال المحرِّر حول موقف قيادة التجمُّع من التهديد الأمني الذي تعرَّض له مؤخَّراً: "قيادة التجمُّع، وأنا مساعد رئيسه، لم تصدر، حتى الآن، أيَّ بيان! ورئيسه نفسه لم يقل كلمة! في حالة التجمُّع من الأفضل أن نسكت"!
وحين استوضحه المحرِّر عمَّا إذا كان يعني بالسكوت إعلان وفاة التجمُّع أم إعداد التجمُّع لعُدَّة أخرى، أجاب بغبن جلي: "أنا لا أعرف له موتاً أو إعداداً لشئ! هو جسم لا يتحرك، فماذا نفعل له"؟!
وعمَّا إنْ كان بمقدورهم تخطي رئيس التجمُّع لفعل شئ، قال: "لا .. لأن هناك لوائح عملوها"! ثمَّ طلب من المحرِّر أن يضع خطاً تحت كلمة (عملوها)!
مع ذلك، فإن أكثر ما أثار استغرابي أن أبو عيسى، عندما استوضحه المحرِّر حول قبول التجمُّع بالمشاركة في الحكومة بوزارتين، لم يقل إن التجمُّع غير مشارك في الحكومة، أو أن هيئة قيادته قرَّرت عدم المشاركة، أو أن المشاركة قرَّرها الميرغني منفرداً، حيث عرض إحدى الوزارتين على أبو عيسى، فرفضها التزاماً بقرار هيئة القيادة، بينما قبل عبد الرحمن سعيد تولي الأخرى!
لم يقل أبو عيسى شيئاً من ذلك رغم أن تلك هي الحقيقة التي كنت نقلتها عنه ذات رزنامة سلفت، فلماذا، تراه، أحجم عن روايتها بنفسه، حين تهيَّأت له الفرصة لذلك، خصوصاً لمَّا انتقد له المحرِّر استنكاف قادة التجمُّع عن تقبل النقد، فاكتفى بحديث غائم مقتضب، وإنْ كان ختمه بسؤال بدا كما لو كان منتزعاً من سياق غير مفصح عنه: "ولماذا لم تأخذوا موقفي الرافض لتولي إحدى الوزارتين، وهو موقف إيجابي"؟!
نعم، كان ذلك، بالحق، موقفاً إيجابياً؛ على أن الأكثر إيجابيَّة أن يضعه أبو عيسى في سياقه، وألا يسمح للآخرين بـ (دغمسة) الحقائق، فواجبه يحتم عليه الكشف عنها، صراحة، وألا يسمح بتصوير موقفه الإيجابي ذاك كموقف شخصي، بل كالتزام مبدئي بقرار مؤسَّسي!

الأحد
عاد بيكاسو إلى بيته بصحبة صديق، ليجد اللصوص اقتحموه وسرقوه. وبعد تفقد أشيائه ظهر عليه الضيق الشديد، فسأله الصديق منزعجاً:
ـ "هل سرقوا شيئا مهماً"!
ـ "كلا .. أغطية الفراش فقط"!
فعاد الصديق يسأل مندهشاً:
ـ "وإذن .. لماذا أنت مغتم هكذا"؟!
فأجاب بيكاسو:
ـ "لأن الأغبياء لم يسرقوا أيَّاً من لوحاتي"!

***




#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُلبَةُ الأَقلامِ الخَشَبِيَّةِ المُلوَّنة!
- المُتَهَادِي كَمَا القَمَر!
- أَيُّ الكُلْفَتَيْنِ أَفْدَحُ؟!
- المَارْتِنيكي!
- هَذِي .. بِتِلْكْ!
- بَيْضُ الأَوزِ فِي أَحْشَاءِ الكَرَاكِي!
- يَايْ .. مَساكينْ يَا بَابِيْ!
- قِيَامَةُ الزِّئْبَق! - فَصْلٌ مِن سِيرَةِ مَرْجَانْ مُورْغَ ...
- رُوليت رُوسِي!
- تَنَطُّعَاتُ البَاشَا!
- مُعَلَّقَاً بِخُيُوطِ الشَّمْسِ الغَارِبَةِ .. مَضَى!
- دَائِرَةُ الطَّبَاشِيْرِ القُوْقَازِيَّةْ!
- غَابَةُ المَسَاءِ تَحْمِلُ العُشَّاقَ للنُجُوم!
- عَمَلُ النَّمْل!
- هُولُوكُوسْت!
- كَدُودَة: ذَاكِرةُ الأَبَديَّة!
- كُونِي: هَجَمَ النَّمِرُ!
- المَتَاريسُ الَّتي ..!
- مَنْ اشتَرَى التُّرام؟!
- مُتَلازِمَةُ هُوبْرِيسْ!


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مَنْ يَنْقَعُ غُلَّةَ الصَّادِي؟!