أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العريس - ((قوة الظلمات» لتولستوي: الفن المبدع لخدمة إصلاح المجتمع















المزيد.....

((قوة الظلمات» لتولستوي: الفن المبدع لخدمة إصلاح المجتمع


إبراهيم العريس

الحوار المتمدن-العدد: 2706 - 2009 / 7 / 13 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


السبت, 11 يوليو 2009

«إن هناك ملايين وملايين منكن أيتها النساء وأيتها الفتيات. لكنكن جميعاً مثل حيوانات الغابة، ما إن تُولد الواحدة حتى تموت. تموت من دون أن تكون قد رأت شيئاً أو سمعت أي شيء. أما الرجل فإن في إمكانه أن يتعلم شيئاً؟ إن لم يكن في أي مكان آخر، فعلى الأقل في الحانة، أو إن حالفه شيء من الحظ: في السجن. أو في الجيش، كما حدث لي أنا شخصياً. فماذا عن المرأة؟ إنها لا تعرف شيئاً عن الرب القدير، لا تعرف يوماً من يوم آخر...». بهذه العبارات يتحدث بمرارة شديدة ميتريخ أحد العاملين في تلك المزرعة التي تشكل مكان أحداث واحدة من أقوى المسرحيات التي كتبها ليون تولستوي، ضمن إطاره همه الفكري - والفني كذلك - العام الذي كان يرمي من خلاله، الى القول إن المرأة ليست مستضعفة في طبيعتها بفعل وضع بيولوجي ما، بل إن المجتمع وقوة الظلمات فيه هي التي تحطمها من مهدها الى لحدها، كما تحطم الفقراء جميعاً والأميين جميعاً. ومن هنا لم يكن تولستوي عشوائياً في اختياره «قوة الظلمات» عنواناً لهذه المسرحية الدرامية ذات الفصول الخمسة التي كتبها عام 1886، والتي ما إن ظهرت حتى منع عرضها أو تداولها في طول روسيا وعرضها، من قبل السلطات وبتحريض من الكنيسة.

> «قوة الظلمات» مسرحية مملوءة بالجثث والشر والقتل. ومملوءة بالشخصيات التي تقدم على أفعالها ومواقفها وكأن قدراً صاخباً يحركها، إنما من دون أن يخلو الأمر من شخصيات أخرى، طيبة تمثل الطيبة الطبيعية المعهودة في عالم الفلاحين الروس في الأزمان الخالية. بيد أن التوازن، في المسرحية، مختل تماماً بين الأشرار والطيبين. علماً أن عدد النساء، اللواتي يوجه اليهن ميتريخ الحديث على الطريقة التي حورناها أعلاه، أكبر من عدد الرجال، مع حرص تولستوي على أن يكون الجنسان متساويين بالنسبة الى مسألتي الخير والشر. والحقيقة أن أول ملاحظة يمكن إيرادها في صدد هذه المسرحية أنها - وعلى رغم امتلائها بالحوارات والخبطات المسرحية - تبدو للوهلة الأولى وكأنها رواية طويلة ضلت طريقها فوصلت الى خشبة المسرح، أو أنها في الحقيقة لم تصل حتى العام 1902، حين ساد جو ليبرالي تنفيسي بعض الشيء في روسيا، سمح للرقابة بأن تخفف من قبضتها، أما التقديم الأول لها فكان في «مسرح الفن» العريق في موسكو من اخراج قسطنطين ستانسلافسكي. ولعل من المفيد أن نذكر هنا أن ستانسلافسكي كان أولاً قد أراد تقديم المسرحية في عام 1859، الذي كان أول أعوام تخفيف حدة الرقابة، لكنه طلب من تولستوي أن يجري تعديلات تطاول بضعة سطور من حوارات الفصل الرابع، لكن تولستوي رفض إجراء أي تعديل، فتوقف المشروع ليستأنف بعد ذلك بسنوات، لكن العرض الأول ذاك لم يكن ناجحاً، بل وجهت الى المخرج انتقادات كثيرة، أكثرها طاول أداءها شخصياً لدور ميتريخ، الذي ليس دوراً أساسياً في المسرحية على أية حال.

> الشخصية المحورية في «قوة الظلمات» هي شخصية نيكيتا، المزارع الفقير الذي أتى ليعمل في مزرعة السيد الثري بيوتر، بعد أن كان قد أفسد فتاة صغيرة في قرية أخرى حملت منه. في البداية أتى نيكيتا عاملاً، من دون أن يتنبه أحد الى قدرته على إغواء النساء. وهنا في القرية، ها هو يعمل مع بيوتر، حيث تغرم به زوجة هذا الأخير، واجدة لديه عطفاً تفتقده لدى زوجها القاسي الأرعن والذي يعاملها كما الخادمة هو وابنتاه، من زوجة سابقة له. غير أن نيكيتا ليس مقطوعاً من شجرة، بل وراءه أبوه الطيب آكيم، الفقير انما الشريف والذي يلح عليه أن يقترن بالحبيبة المغدورة الحامل مارينا، اصلاحاً لغلطته معها. وإذ يبدي نيكيتا للحظات نوعاً من التجاوب مع أبيه تتدخل أمه القاسية الشريرة لردعه عن ذلك. في تلك الأثناء تكون آنيزيا، زوجة بيوتر قد أقدمت على قتل هذا الأخير بغية الحصول على ما لديه من ثروة... وذلك بتأليب من نيكيتا الذي كانت تعتقد أنه سيكون لها انطلاقاً من اعلانه حبها، ثم انطلاقاً من طمعه المتوقع في الثروة التي ورثتها. وفي البداية يمكن أن يكون نيكيتا قد أحب المرأة بعض الشيء، لكنه لاحقاً وإذ يملي عليه وعيه أنه، هو، شريكها في الجريمة في شكل وبآخر، يتحول حبه لها الى كراهية ويضحي راغباً في التخلص من علاقته بها، بخاصة أنه يتخذ لنفسه هنا عشيقة هي آكولينا، المراهقة الابنة الكبرى للمغدور بيوتر من زوجته الأولى. وسرعان ما يحدث أن تحمل آكولينا الطرشاء والحمقاء، ما يشعل الفضيحة في دائرة ضيقة أولاً، ويرغم آنيزيا على أن تصبح خادمة لها ولعشيقها، انطلاقاً من عدم قدرتها على مقاومة حبها لنيكيتا.

> في تلك الأثناء يكون العجوز آكيم والد نيكيتا قد جاء الى القرية ساعياً وراء الحصول على بعض المال من ابنه كي يشتري حصاناً يحتاج اليه. فبالنسبة اليه صار نيكيتا ثرياً، غير أنه يلاحظ مدى الفساد الذي صار عليه ابنه فيحاول أن ينقذه منه.. بيد أنه إذ يفشل في ذلك يغادر المكان غير آسف. وبعد ذلك، يكون قد آن الأوان لاندلاع فضيحة حمل آكولينا، إذ وضعت الطفل، الذي ستخبر آنيزيا متواطئة مع أم نيكيتا، هذا الأخير، بأنه ولد ميتاً ويتعين عليه الآن دفنه. فيطيع الشاب امرأته وأمه ولكنه حين يبدأ بدفن الوليد يلاحظ أنه حي، فيجن جنونه، لكنه بدلاً من انقاذ الطفل يقتله، ويزداد جنونه.. ومنذ تلك اللحظة لا يقر لنيكيتا قرار.. انه في كل لحظة لا يرى سوى شبح الطفل يلاحقه، وصراخه يصم أذنيه.. لقد فقد كل شيء حتى القدرة على الراحة والنوم.

> وعلى حالة نيكيتا هذه يفتح الفصل الأخير من المسرحية.. وهو فصل يدور في معظمه من حول عرس آكولينا، فهي درءاً للفضيحة قبلت أن تتزوج شاباً من الجيران الفقراء.. وها هي التحضيرات تقوم الآن في القرية، حيث الكل حاضرون باستثناء نيكيتا، الذي بات يهيم على وجهه حول المكان مرتعباً، نادماً حزيناً، وطفله القتيل يلاحقه. وفي النهاية لا يعود في وسعه أن يستمر على تلك الحال، بل يستغل فرصة الجمع في العرس ويقف وسط الناس ليصرخ معترفاً ليس فقط بقتله طفله، بل كذلك بكل ما اقترف من جرائم في شكل مباشر أو بمساهمة منه.. كما يعترف بإساءته الى أبيه والى كل شخص دنا منه. وعلى هذا تنتهي هذه المسرحية القاسية التي اعتبرها كثر صورة للفقر والجهل والجشع.. ولعل أبلغ ما قيل من حول هذه المسرحيات هو «أن الواحد لا يكفيه أن يكون فناناً مبدعاً حتى يكتبها، بل إنها تتطلب أيضاً مؤلفاً ذا روح انسانية عميقة التعاطف مع البشر وأحزانهم وآلامهم.. ومن الواضح أن تولستوي كان يمتلك هذه الروح، كما كان يمتلك ملكة الخلق الإبداعي.. هو الذي كان يعرف أن كارثة حياة الفلاحين لا تكمن فقط في الشر المقيم والموروث، بل كذلك في وجود قوة الظلمات التي تضغط عليهم طوال حياتهم، منتزعة من داخلهم كل ما هو إنساني جارة اليهم حتى حضيض الحضيض».

* هذه المسرحية التي قدمت للمرة الأولى في أميركا بلغة اليديش، كما قدمها ارفين بسكاتو، للمرة الأولى في ألمانيا في مسرحه «البروليتاري»، قائلاً إن هدفه من ذلك «تحويل عمل ذي أساس فني الى رسالة سياسية»، كتبها تولستوي (1828 - 1910) وهو يقترب من الستين من عمره، أي خلال تلك الحقبة الأكثر خصوبة ونشاطاً، حيث راحت تختلط لديه أمور المجتمع مع شؤون الفن في شكل واع، وبدأ يجد امكانية أن يستخدم الفنون، بل أكثرها شعبية، لإصلاح المجتمع. ومن هنا تحتل هذه المسرحية مكانة أساسية، وربما تأسيسية أيضاً في عالمه الكتابي، كما أنها احتلت في تاريخ الأدب الروسي مكانة لا تقل عن مكانة أعمال روائية كبرى لتولستوي مثل «البعث» و «آنا كارينا» و «الحرب والسلم».



#إبراهيم_العريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيطان والمرأة والمتسوّلون الثلاثة في حدائق عدن
- «هدير الأمواج» لكاواباتا: هواجس الحب والشيخوخة والموت
- «أسطورة مدينة كيتاج» لرمسكي - كورساكوف: الله لا يحب دموع الح ...
- «تعيش لترويها» لماركيز: الكاتب يحلم حياته في كتاب ذكرياته
- المفكرة والمناضلة اليسارية نوال السعداوي: قضية المرأة سياسية ...
- ألف وجه لألف عام - بؤس الفلسفة : ماركس يرد علي برودون ويؤسس ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العريس - ((قوة الظلمات» لتولستوي: الفن المبدع لخدمة إصلاح المجتمع