أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العريس - «هدير الأمواج» لكاواباتا: هواجس الحب والشيخوخة والموت















المزيد.....

«هدير الأمواج» لكاواباتا: هواجس الحب والشيخوخة والموت


إبراهيم العريس

الحوار المتمدن-العدد: 2705 - 2009 / 7 / 12 - 02:07
المحور: الادب والفن
    



الجمعة, 10 يوليو 2009

في عام 1972، حين رحل كاواباتا عن عالمنا عن عمر يناهز الثالثة والسبعين، وبعد أربعة أعوام من نيله جائزة نوبل للآداب التي كان أول أديب ياباني ينالها، قيل إنه مات انتحاراً، إذ استنشق كميات كبيرة من الغاز. ولكن في المقابل أصرت أسرته في ذلك الحين على أن موته كان حادثاً عرضياً وأنه لم ينتحر. صحيح أن كثراً لم يأخذوا برأي العائلة مصرين على حسبان كاواباتا واحداً من الأدباء اليابانيين الكبار الذين اعتادوا أن يموتوا طوعياً - بحسب كتاب فرنسي شهير حول هذا الموضوع -، أي انتحاراً. ومع هذا ظل الكلام الرسمي يميل الى شيء من الالتباس، موحياً بأن الأمر قابل للسجال وأن أي كلام حوله يبقى غير مؤكد. غير أن هذا الحكم يظل على شيء من التناقض مع الاستنتاج الذي يصل إليه المرء، من ناحية حين يقرأ أعمال كاواباتا، لا سيما الأخيرة منها وبخاصة «هدير الجبل»، ومن ناحية ثانية حين يقرأ ما كتبه تاكيو أوكونو، كاتب سيرة كاواباتا باليابانية، من أن هذا الأخير ظل خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حياته مهووساً بانتحار صديقه يوكيو ميشيما، وبأن مئات الكوابيس ظلت تزوره ليلياً، ما كان يشكل عبئاً يومياً على حياته. والمعروف أن كاواباتا كان دائم الحزن والرعب خلال السنوات التي تلت انتحار ميشيما (1970). وكان بالكاد يقدم على كتابة نص جديد له، فإذا كتب نصاً كهذا، ملأه بالحزن والرعب والموت. بيد أن هذا لم يمنع هذا الكاتب الياباني الكبير من أن يبذل قصارى جهده خلال تلك السنوات لدفع دور النشر الأجنبية، في أوروبا وأميركا وغيرهما، الى ترجمة المزيد من الأعمال الأدبية اليابانية الى لغات العالم. صحيح أنه كان يفعل هذا كواجب بصفته رئيساً لنادي القلم الياباني، لكنه كان يفعله أيضاً لإيمانه بأن انتشار الأدب الياباني في الخارج سيؤمّن له ازدهاراً وتقدماً من خلال احتكاك أصحابه بالآداب الأخرى.

> وهنا، في عودة الى الحديث عن موت كاواباتا وعلاقته بأدبه، نتوقف عند الرواية التي أشرنا إليها بصفتها الأكثر إيحاءً بذاتية ذلك الموت، حتى وإن كان لا بد من الإشارة الى أنها كتبت ونشرت قبل رحيل الكاتب بعقد ونصف عقد من السنين، حيث من المعروف أن كاواباتا نشرها مسلسلة بين عامي 1949 و1954، قبل أن تنشر في كتاب. واللافت هنا هو أن هذه الرواية التي يكاد موضوعها أن يكون الأكثر انحصاراً في الزمان والمكان بين روايات كاواباتا كافة، هي الأطول بين رواياته كلها، إذ إن عدد صفحاتها - في اليابانية - يصل الى أكثر من 250 صفحة، بينما نعرف أن الأطول بين روايات كاواباتا الاخرى لا يزيد عدد صفحاتها على المئة. وعدا هذا، يقول لنا عرض لشخصيات الرواية وأماكنها، انها تكاد تفيض عدداً عن ملحمة كاملة. فهناك عشرات الشخصيات الرئيسة، وعشرات الأماكن. ناهيك عن أن هذه الرواية العائلية المدينية، ليس فيها جبل يلعب دوراً رئيساً ولا هدير حقيقي لهذا الجبل. ذلك أن الجبل وهديره موجودان فقط داخل رأس الشخصية الرئيسة، وهي شخصية كهل في الثانية والستين من عمره. وقبل أن نواصل الحديث عن رواية «هدير الجبل» لكاواباتا، لا بد من الإشارة الى أن المخرج الكلاسيكي الياباني ناروزي، قد حولها الى فيلم عام 1954، فور اكتمال نشرها مسلسلة، ولكن، بعدما استبعد منها عشرات الشخصيات والأمكنة وأسماء الأزهار والحيوانات التي تحفل بها الرواية أصلاً.

> في العام الذي كتب فيه كاواباتا روايته هذه، كان لا يزال في أواسط سنواته الخمسين. ومع هذا، فإن كثراً من النقاد اعتبروا شخصية الكهل في الرواية، صورة عنه على رغم فارق السن بينهما. وقد رأى هؤلاء النقاد بشكل خاص أن الهواجس والكوابيس والسفر بين الذكريات والإحساس بدنو الموت... الماثلة كلها في الرواية من خلال تأملات البطل شنغو أوغاتا الذي بدأ يشعر، باكراً بعض الشيء، بدنو السنوات الأخيرة من حياته، هي هي تلك التي كان كاواباتا قد بدأ يعبر عنها منذ حين في معظم ما يكتب. فإذا أضفنا أن كاواباتا كان في ذلك الحين قد بدأ يحس بمقدمات داء باركنسون الذي ظل يحدس بإصابته به من دون أن يصيبه فعلاً، يمكننا أن ندرك الترابط بين البطل وخالقه. أما هذا البطل فهو رجل أعمال ناجح في حياته العملية، يروي لنا الآن حكاية وأجواءها عائلته، في الوقت الذي يقترب هو فيه، من سن التقاعد. والحقيقة أن ما يرويه لنا شنغو، بسيط من ناحية الأحداث: ففي حياته العائلية هناك زوجته يازوكو، وابنه شويشي، الذي يتسلم أعمال والده تاركاً زوجته كيكوكو في البيت كما جرت التقاليد. وفي البيت أيضاً ابنة شنغو فوزاكو، التي تعيش مع طفلتيها ساتوكو وكوينكو في بيت العائلة بعدما طلقت زوجها. وسط هذا الحضور العائلي يعيش شنغو إذاً ويتأمل ويفكر ويتذكر. لكن الذكريات ليست وحدها ما يشغل باله: يشغله أيضاً مصير ابنته المطلقة، ثم كذلك خيانة ابنه شويشي لزوجته كيكوكو. وإذ يحاول الأب الاستعانة بسكرتيرة مكتبه، التي صارت سكرتيرة لابنه، كي يعيد المياه الى مجاريها بين الابن والكنّة، يجد نفسه، من طرف خفي جداً، يشعر بانجذاب الى تلك الكنّة، لعله يجد بما يفكر بديلاً لانجذابه المحرم والخبيث الى ابنته، بل لعله - يفكر من ناحية أخرى - بديل لحبه السابق - والمحرم جزئياً هو الآخر - لأخت زوجته التي رحلت منذ زمن. إن شنغو يشعر الآن، ليس فقط أنه لا يحب زوجته، بل إنه لم يحبها أبداً. لكن طيبته وتردده، جعلاه وهو شاب يرضى بالزواج منها والتخلي عن حبه لاختها (مع العلم أن هذا كله بقي خفياً في ثنايا أفكاره... وبقي مطوياً مع الزمن حتى تفتح الآن)... وها هو الآن وقد قربه الشعور بالموت والمرض من حال تحرر قصوى في أفكاره، ها هو يستعيد الحب القديم، من طريق حب محرم جديد. والحقيقة أن هذه الاستعادة هي التي تأخذ الآن بتلابيبه، جاعلة إياه، ليس فقط يترحم على الأيام الماضية، بل يسائل نفسه عن معنى الحب والزواج والمرض والخوف والشيخوخة، وكل هذه الأمور التي تصنع كينونة الإنسان، ناهيك عن تأمله لجدوى الحياة العائلية ومعاني الفشل والنجاح، من خلال تأمله وحدة ابنته الراهنة، وخيانات ابنه ولا مبالاة زوجته.

> من حول هذا الموضوع، الذي يبدو في بعض الحسابات عادياً وتكاد لا تخلو منه رواية لكاتب يشعر أنه قد أضحى في خريف العمر، كحال كاواباتا في ذلك الحين، بنى هذا الأخير رواية تضج بالحياة، وتكاد تكون، في جانب أساسي منها صورة متكاملة للمجتمع الياباني المديني، ودراسة لسيكولوجية شعب بأكمله. ذلك أن شنغو، يمر في رحلة تجواله الراهنة بين الأهل والأصدقاء، وكذلك في رحلته المكوكية بين الأزمان، يمر بشتى فئات المجتمع وطبقاته، ويمر بأماكن لا تعد ولا تحصى، وهو يتوقف في كل مكان، ومع كل شخصية متأملاً واصفاً. إن هذا كله يجعلنا نشعر وكأننا أمام رواية اجتماعية، ومع هذا يقتضي الانصاف أن نقول إنها في نهاية المطاف، رواية حول الشيخوخة ودنو الموت ومعنى الوحدة والنجاح.

> تعتبر هذه الرواية واحدة من أجمل وأهم روايات يازوناري كاواباتا (1899 - 1972)، الكاتب الذي ولد في أوزاكا، وتيتم حين كان في الرابعة، ليعيش مع جدّيه، اللذين سيكونان مصدر إلهام له، وأصلاً بنى عليه شخصيات عدة في رواياته التي سيبدأ كتابتها لاحقاً على رغم أن جدته ماتت وهو في السابعة، فيما مات جده قبل أن يبلغ هو الخامسة عشرة من عمره. وقد اضطر بعد ذلك أن يعيش وحيداً ومتنقلاً، حتى وصل الى طوكيو عام 1917 حيث التحق بالجامعة دارساً العلوم الإنسانية واللغة الإنكليزية. وبعد تخرجه اتجه الى الأدب وراح يكتب في مجلة «بونجي شونجو» وغيرها حتى أصدر عام 1926 كتابه الأول «الفتاة الراقصة من إيزو». وبعدها لم يتوقف عن الكتابة وإصدار أعماله تباعاً حتى سنواته الأخيرة.

[email protected]



#إبراهيم_العريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «أسطورة مدينة كيتاج» لرمسكي - كورساكوف: الله لا يحب دموع الح ...
- «تعيش لترويها» لماركيز: الكاتب يحلم حياته في كتاب ذكرياته
- المفكرة والمناضلة اليسارية نوال السعداوي: قضية المرأة سياسية ...
- ألف وجه لألف عام - بؤس الفلسفة : ماركس يرد علي برودون ويؤسس ...


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العريس - «هدير الأمواج» لكاواباتا: هواجس الحب والشيخوخة والموت