أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رسميه محمد - دروس وتجارب عملية في محاربة الفساد















المزيد.....



دروس وتجارب عملية في محاربة الفساد


رسميه محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2696 - 2009 / 7 / 3 - 09:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد يمثل الشر الأساس في عصرنا وهو يكشف عن وجهه القبيح في كل مكان على النطاق العالمي وإن كان بدرجات متفاوتة ومستويات مختلفة- وقد نشر العديد من الدراسات والابحاث في موضوعة الفساد وأثره المدمر للمجتمعات. وفي هذا الاطار يستعرض الدكتور تيزيني في الفصل الثاني من كتابه المعنون ( من ثلاثية الفساد الى قضايا المجتمع المدني) أسباب الفساد والياته ونتائجه. ويذكر الكاتب من الاسباب الهامة لهذا الانتشار وبينها ظاهرة الصمت والخوف في المجتمع العربي بصورة منظمة في أوساط الناس، حيث يفضل الناس العيش صامتين ومنغلقين في بيوتهم، على أن يصرحوا بكلمة حول الفساد قد تقودهم الى أنفاق مظلمة لمدة طويلة دون مساءلة أو محاكمة. ومن الاسباب شن حرب نفسية ضد المتلقي تهدف الى تدمير المبادئ والشعارات التي طالما حملها في ضميره وفي قلبه ودافع خلال المعارك الوطنية عنها. وعن آليات الفساد يشير المؤلف الى أنها تعبر عن نفسها استنادا الى المثل القائل (جوع كلبك (مواطنك) يتبعك. وهذا يعني ضعه في دائرة الخوف وانتزع حقوقه وحشره في عنق الزجاجة، ودعه يلهث وراء اللقمة والدفء ليتحول الى ديوث يعرض ( خدماته) لمن يطلبها، أو، وهذا هو الاهم، اجعل منه هذا او ذاك تصل الى الهدف المحقق(1).
ويذكر الدكتور سمير أمين في معرض تحليله للظروف التي سبقت انهيار الاتحاد السوفيتي أن الاتحاد السوفيتي قد تمسك بمبدأ المركزية الى أخر يوم من أيام وجوده. فظلت قرارات السلطات العليا تتحكم في خيارات الوحدات الانتاجية والاقاليم - وفي غياب اصلاحات صحيحة. وشقت مقتضيات الوضع طريقها من خلال اسلوب أخر، ألا وهو الالتجاء الى ممارسات غير مشروعة، فتتغاضى السلطات عنها وتتجاهل انتشارها في شكل اليات أسواق سوداء موازية للمعاملات الرسمية، وترتيبات تقوم بها مراكز وقوى محلية بالاتفاق بينها. فظل مبدأ وحدة الحزب( مقدسا)، ولكن الحزب نفسه تدهور حتى أصبح تكتل مافيات تحتشد حول شخصيات أصحاب النفوذ(2)
وتتحدث هيلين كارير داتكوس في الفصل الثاني من كتابها ( نهاية الامبراطورية السوفياتية ) عن حكم المافيا والفساد الذي كان شائعا عاما ولكنه كان مغلفا بالطغيان والكذب، حيث كان النظام السياسي الذي ينادي بالمساواة يتخفى على امتيازات النخبة الحاكمة، وهو الذي يشجع كل انواع اساءة التصرف والتهريب والفساد. و يبدو أنها تستخلص من ذلك أن الفساد كان في الواقع أهم الاسباب التي أدت الى تقويض الاتحاد السوفيتي من داخله والى تفكيكه من حالته التي كان عليها كثاني دولة عظمى في العالم الى مجموعة دويلات من طراز مايسمى بالعالم الثالث(3)
ولكن أيا كانت الاسهامات الفكرية التي تناولت موضوعة الفساد، فانها تبدو مختلفة بموازاة ماقدمه بيتر أيغن مؤسس منظمة الشفافية العالمية في كتابه الموسوم
(شبكات الفساد والافساد العالمية)، حيث قدم أجوبة على الاسئلة ذات العلاقة بهذا الموضوع من الوجهة العملية.
يصف الكاتب في هذا الكتاب الاثر المخرب الفتاك للفساد ولكنه يبين على الوجه الصحيح تماما كيف يستطيع المجتمع المدني أن يتصدى لهذا الشر المستطير. ويوضح المؤلف تجربته مع بعض أصدقائه في تأسيس منظمة الشفافية العالمية، التي أصبحت منظمة غير حكومية ومن أوفر المنظمات حظا في مكافحة الفساد مع وجود فروع وطنية لها في نحو مئة بلد من بلدان الارض. وفي عام 2002 حصلت هذه المنظمة على جائزة كارل برتلزمن.
ويعد الاطلاع على هذا الكتاب ذا أهمية كبيرة لنا خاصة في الظروف الراهنة التي يعيشها العراق بعد ان أصبحت ظاهرة الفساد متفشية في الدولة والمجتمع، حيث اصبح العراق يحتل المرتبة الثانية في الدول الاكثر فسادا حسب تقرير الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية في سبتمبر 2008.
يتألف الكتاب من 386 صفحة ويتضمن على 22 عنوان مع ملحق- و صدرت الطبعة الاولى من الكتاب عام 2005 . لقد كان من الطبيعي أن يحظى هذا الكتاب باهتمام الكثير من الشخصيات المهمة. فتحت عنوان (العالم المشترى) كتب رئيس جمهورية المانيا السابق مقدمة الكتاب قائلا ( لقد لبثت منظمة الشفافية العالمية، منذ سنوات تواصل تقدمها لوقف الفساد وأن المرء يوشك أن يتوصل الى الاعتقاد بأنها حرب ضد طواحين الهواء, فنحن بشر لا ملائكة- وقد أمسك بيتر أيغن مع زوجته العظيمة السيدة يوتا بزمام المبادرة من أجل المحاربة المنهجية لهذا الوباءن وباء الفساد، وجمع أيغن الوانا من الخبرة والتجارب من كل أرجاء العالم. وهو يتحدث عن ذلك في كتابه الذي يمثل الموضوعية الصارمة التي يتحلى بها كتاب علمي يحظى بالشعبية. ويقرأ الكتاب في الوقت ذاته، كما تقرأ أية رواية مشوقة جدا. وهو يقتفي أثار هذه العلة في كل القارات. وقد ظفر في كل مكان بمن يقاتلون الى جانبه، ومن بينهم صحفيون ومحامون من ذوي الضمير، ومواطنون من كل طبقات المجتمع ... الخ.
ويستدرك قائلا إن التصدي للفساد لايعني فقط التلويح بالهراوات الاخلاقية لكي نجعل من أنفسنا قديسين. ولكن هذا يقتضي وقف الاستغلال الاناني للسلطة ومساعدة الضعفاء على الوصول الى الفرص التي تتوافر لهم، وهذه مهمة تفرض علينا، نحن معشر المواطنينن العمل من أجل مصلحة القانون، وفي سبيل الشفافية والعدالة.
في القسم الاول من الكتاب يتحدث بيتر عن ظروف عمله في المصرف الدولي، وكيف أن كلمة الفساد لم يكن لها وجود في الاستعمال اللغوي، وأنهم كانوا على علم بأن الرشوة في كل مكان وأنها تعوق كثيرا من مجهوداتهم التنموية إن لم تكن تجعل نجاحهم مستحيلا. ومع ذلك فلم يستطيعوا التحدث في ذلك الا في الخفاء، اذ لم يسمح بالتعرض له، بل كان من المحرمات. ولذلك عندما حاول الالتزام بالعمل في الاطار الخاص حظر عليه أيضا بموجب مذكرة رئيس المصرف الدولي بصريح العبارة، لان سياسة الدائرة القانونية في المصرف كانت تقوم على أن هذا سيعد تدخلا سياسيا في الشؤون الداخلية في كل دولة من الدول على حدة، وهو تدخل كان محظورا بموجب نظام المصرف.
ويؤكد بيتر أيغن أن وعي الناس الذي يعتبر أن الفساد أمر باطل ومخالف للقانون كان مفقودا بشكل كامل حينذاك، وما يفتقده الناس ينظر اليه على أنه شيئ تافه، وبذلك لايعرفون مضمونه بشكله الصحيح، باعتبار أن الفساد يعود بالموت والوبال على النطاق العالمي، وأنه يدمر قيما هائلة من الاقتصاد القومي، ويعوق تطور دول العالم الثالثن وأن الفساد يدمر المشروعات النزيهة، ويشوه التنافس، ويؤثر في سياسة الدول ذات المراكز القيادية، ويقوض أسس الديمقراطية، كما تستغله الجريمة المنظمة والارهاب.
إن الحادي عشر من ايلول جعل الفساد يظهر في مظهرجديد كل الجدة، اذ لم يعد الفساد مجرد جريمة اقتصادية فحسب، بل بات من الواجب النظر اليه بوضوح كامل على أنه أداة الارهابيين. و كما عبر عن ذلك رلند نوبل، الامين العام للانتربول، اذ قال "ماذا تجدي التجهيزات التقنية للشرطة اذا كان أعضاؤها فاسدين، واذا كان بامكان الارهابيين أن يتحاشوا كل اجراءات البحث والاجراءات الامنية من خلال افساد أولئك الذين يفترض أن يحولوا بينهم وبين أعمالهم". كما ينبه المؤلف الى تحد آخر للشفافية يتمثل في غسيل الاموال الذي هو أحد أركان الاجرام والارهاب المنظم. ويؤكد على ضرورة التقدم الاقتصادي لبلدان العالم الفقيرة بغية الحيلولة دون نشوء تلك الاحوال التي تؤدي أول ماتؤدي الى الارهاب والاجرام المنظم. فمن أجل حماية البيئة أيضا، ومن أجل العثور على الاموال التي نهبها حكام العالم الثالث أو أغتصبت أو أسيئ استعمالها، من أجل كل هذا خرج بفكرة صغيرة كما يقول هي الشفافية العالمية، ليطورها الى حركة على النطاق العالمي.
ويشير أيغن أن هذا ما أراد أن يسرده في الكتاب وهي قصته الى حد ما، غير أنها قصة الالاف من البشر الذين يلتزمون في كل يوم بقضية ما، حيث تبلغ من قناعتهم بها أن فريقا منهم يضحي حتى بحياته من أجلها. وهكذا قرر بيتر أيغن مغادرة المصرف الدولي في بداية التسعينات جراء خيبة أمله لعدم الاقدام على فعل شيء في مضمار مكافحة الفساد، وأسس مع بعض أصدقائه منظمة الشفافية العالمية.
ويقر الكاتب أن قراره هذا قد جاء بتأثير من زوجته التي كانت يسارية الانتماء وطبيبة ولكنها لم تفكر بمهنتها كوظيفة أو كوسيلة للكسب المادي بل كرسالة انسانية نبيلة. ويذكر أنها كانت تضع عمله في البنك الدولي موضع الشك أكثر من مرة، وكيف أنها كانت تقول له أننا اذا ما تواطئنا مع الحكام والطغاة من أرباب الثروةن خسرنا مصداقيتنا لدى أهل البلد وفي العالم. ويؤكد أنها منذ عام 1965 كانت تقف متظاهرة مع عربة الاطفال أمام أبواب المبنى الذي كان يتناقش فيه مع الوفد الامريكي. وكانت تلتزم حتى وفاتها عام 2002 بقضية المرضى والبشر المحرومين في كل أرجاء العالم. ويضيف قائلا بينما كان هو يعقد الاجتماعات والمؤتمرات مع حكام البلدان الافريقية والامريكية اللاتينية، كانت هي تعمل في الاحياء الفقيرة القذرة وكانت تواجه بؤس الحياة اليومية. وبعد أن أقنعته بالاستغناء عن عمله وراتبه في المصرف الدولي. عاشت معه في غرفة صغيرة تحت السطح. ولم يكن يملك عندما بدأ العمل بتأسيس منظمة الشفافية سوى هاتف وجهاز فاكس. ويوضح بيتر أيغن الصعوبات والمعوقات والعراقيل التي اعترضته اثناء شروعه في العمل، والموقف السلبي للمصرف الدولي تجاه عملهم, والذي وصفه بأنه أكثر من عدائي. ويذكر ميخائيل فيهن المدير السابق للمصرف الدولي والرئيس بعد ذلك للشفافية العالمية في المانيا قائلا انه عندما سألني بيتر عن رأي في مبادرة عالمية ضد الفساد كنت أكثر من متشكك. لقد قلت له أنت امرؤ تستحوذ عليه الاوهام، فلا تغمس يديك في هذا فلا فرصة لك ... الخ.
ومنذ ذلك الوقت بدا يضحك عليه أناس لايحصون عددا كونه مثاليا. غير أنه استطاع اقناع كثير من الناس الطيبين جدا، والذين يتميزون بالاهتمام وتوافر الدوافع لديهم بأفكارهن وحملهم على التعاون معه.
وقبل انعقاد المؤتمر التاسيسي للشفافية العالمية وضعت أهداف محددة لها:
1- اختراق جدار الصمت الذي يحيط بالفساد بالحديث المفصل في الموضوع, ومن الوجهه المهنية. 2- ادراك واقع الفساد ادراكا مشتركا، وتعريفهن والكشف عن أوجه النقص في الاجراءات التي تتخذ ضده على الصعيد القومي والدولي. 3- تشكيل ائتلافات ضد الفساد بان يجري الجمع بين الاطراف المختلفة وأن تجري في الوقت نفسه تعبئة موارد من أجل المنظمة الجديدة. 4- لفت أنظار وسائل الاعلام الى أخطار الفساد والكشف عن الاضرار التي يسببها، ولاسيما في البلدان النامية. ¬
وتحت عنوان عدة محاربي الفساد يشير المؤلف الى أنهم منذ البداية كان لديهم حساب حسي ملموس الى حد بعيد، اذ أن توجهاتهم كانت تتلخص بضرورة بعث الوعي تجاه الضرر الذي يلحقه الفساد، وبنفس الوقت نشر ثقة معينة من أن في وسع المرء أن يقوم بشيء ضده. ولذلك حاولوا في مرحلة مبكرة انشاء أدوات يكون هذا ممكنا بها. ولقد أنشات الشفافية العالمية سلسلة بأكملها من الطرائق، وفي مقدمتها جميعا ميثاق الاستقامة ومبادئ العمل والتجارة من أجل مواجهة الرشوة، اضافة الى وسائل أخرى تبتكرها الفروع الاخرى للشفافية المنتشرة في أماكن عديدة. ويؤكد بيتر ايغن أن من أهم اصدارات منظمة الشفافية العالمية التي تبينت فعاليتها كتاب المصدر وكتاب عدة محاربي الفساد. وكتاب المصدر يتضمن ستة من الاركان التي تعد ضرورية للقضاء على الفساد داخل دولة من الدول، أو لتضييق نطاقه على الاقل. وعلى هذا يعد من الامور الحاسمة أن القيادة السياسية تتخذ موقفا مناهضا للفسادعلانية. ولكي لا تظل المسألة مقصورة فقط على الاعترافات الكلامية ينص الركن الثاني على برامج حكومية لوضع الاستراتيجية المناهضة للفساد موضع التنفيذ، الامر الذي لابد من أن يكون بذاته مرتبطا باعادة صياغة الادارة وصياغة الدوائر الرسمية، وهذه هي النقطة الثالثة. ولابد، في الوقت ذاته، من وضع قوانين متماشية مع هذا وتنفيذها أيضا. والنقطة الخامسة هي أنه لابد من تنوير السكان وافساح المجال لهم للوصول الى المعلومات الضرورية. أما العمود السادس فهو المؤسسات التي لابد من أن تتمثل مهمتها في مكافحة الفساد لا اكثر. ويستطرد الكاتب قائلا انه لما كان التفوه بهذا الكلام أسهل من تنفيذه فأن كتاب المصدر يشير الى تقديراته في صدد الاصلاحات الضرورية التي يجري تفصيل الكلام فيها في نحو 400 صفحة. ويصف كتاب المصدر مدى علاقة تكوين الارادة السياسية بمكافحة الفساد وكيف يستطيع شعب من الشعوب أن يناضل بالوسائط الديمقراطية في سبيل الشفافية والاستقامة، ذلك أن الارادة السياسية لاتكفي لدوام مكافحة الفساد، بل لابد من أن ينهض بعبئها الشعب أو المجتمع المدني. وعندما تقرر الحكومة بناء على ضغط من داخل البلاد وخارجها أن تقوم بعمل شيئ ما ضد الفساد يكون كل فرد مطالبا بذلك، والا فلن تزيد الحكومة على أن تتصرف في اطار مصلحتها الخاصة. ويقتبس أيغن فقرة من كتاب المصدر بهذا الخصوص تنص( ينبغي للمواطنين كونهم المستفيدين من اصلاح ما الا يكونوا متلقين سلبيين لاثار الاصلاح فقط، بل محامين فاعلين عنه، وحراسا على تنفيذه. وما من شك أن المطالبات بالاصلاح تأتي من جانب المواطنين الناشطين سياسيا حصرا، أي أولئك الذين يعرفون حقوقهم ويعرفون مسؤولية ممثلي الشعب، الامر الذي يقتضي من جديد ايقاظ وعي لدى عامة الناس والمحافظة عليه). ويشير أيغن الى الشروط الاولية اللازمة لبناء نظام وطني للاستقامة والتي تتمثل بحكومة منتخبة ديمقراطيا، التوزيع التقليدي للسلطات الى تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة. ويصف كيف تستطيع هذه الاجزاء المكونة للديمقراطية أن تفعل فعلها بمشاركة من صحافة حرة وانتخابات حرة وادارة مستقلة، ومع عناصر أخرى مثل سلطات مكافحة الفساد، اضافة الى ضرورة ارتباط القطاعين العام والخاص أحدهما بالاخر واعتمادهما على التعاون. ويؤكد ايغن أن هذا الاستعداد للتعاون لا يفيد في مكافحة الفساد فحسب، بل هو ضروري ضرورة مطلقة للحفاظ على الديمقراطية. ويقول أيغن أن كتاب المصدر يتطرق أيضا الى أمثلة ملموسةن ومنها التشريع الخاص بمناهضة الفساد الذي يمارس في كثير من البلدان، وأن منظمة الشفافية تقوم أيضا بتعميم التجارب الناجحة في محاربة الفساد وتوثقها في الملحق. ويستحسن بيغن مبادرة بعض الدول الغربية التي تطبق تعليمات مكافحة الفساد الواردة في كتاب المصدر- أما كتاب ( عدة مكافحة الفساد ) فتكمن فيه أكثر الادوات تباينا، وهي التي تحاول جميعا، بطرق مختلفة، أن تجيب على سؤال كيف أحارب الفساد¬ بأساليب عملية ملموسة. ويمكن أن أورد بعض النماذج التي يتضمنها كتاب( عدة مكافحة الفساد)- وهي كما يلي:

- اقامة منتديات عامة
- جمع المعلومات الرسمية
تقيم الجماعات حملات للحصول على معلومات رسمية. واذا تم لها الحصول عليها- من خلال الحق الشرعي -- فانها تاخذ هذه المعلومات وتذهب بها الى المسؤولين . ومن خلال اجتماعهم تتم المساءلة ليشرحوا ويفسروا سبب عدم ذهاب المال الى مساره الذي كان من المفروض ان يصل اليه. وبالتالي دعوتهم لتغيير سلوكهم.
- من يطلق الصفارة
أكثر الطرق فعالية التي يمكن أن ينتهجها الافراد هي القاء اللوم واصدار الشكاوي عند رؤيتهم لحدوث الفساد. لكن هذا الامر يمكن أن يكون صعبا اذا كان يختص برئيسك أو من هو أعلى منك. وهذا معناه أنه مادام الناس ليس لديهم الشجاعة لمواجهة رؤسائهم فلن تحدث أية اصلاحات. ولذا فعليك أن تبادر بالمناقشات في داخل المؤسسة التي تعمل بها مع أصدقائك لتعرف ما اذا كانت اليات الشكوى موجودة أم لا ومدى صلاحيتها ومصداقيتها اذا كانت موجودة، ثم تحدد بعد ذلك مع رفاقك امكانية أي منكم لاحداث التغيير المناسب ليكون هو أول من يطلق الصفارة.
اذا كنت تعمل في قسم معروف عنه أنه صاحب سمعة سيئة فعليك أن تنظم الى جماعة صغيرة من زملائك لتشكلوا سويا( دائرة النزاهة) متفقين على عدم الاندماج في أية نشاطات فاسدة وعلى تأييد بعضكم بعضا. ضع لافتة على هذا المكتب الذي يجمع النزهاء تقول: منطقة خالية من الفساد. واكتب لافتات تقول ( لاتعرض أي رشاوي لاننا لانقبل الرشاوي) أو( الرشاوي غير ضرورية) أن اجورنا تدفعها الحكومة لنقوم بخدمتكم ... الخ. شجع زملاءك في الاقسام الاخرى ليقوموا بنفس العمل. ازرع بذور النزاهة في الهيكل الاداري. حاول اقناع مديريك بهذه الممارسات.
وفي موقع اخر من الكتاب يشير ايغن الى ان الفساد يزدهر في الخفاء والعدد المجهول من ظاهراته كبير جدا. وحتى المدعون العامون الناشطون ورجال الشرطة يجدون مشقة كبيرة في التغلغل للوصول الى هذا المجهول، والكشف عن حوادث الفساد لان الفساد العريض يجري التخطيط له بيد طولى وينفذ بدقة متناهية. ويجري على المدى الطويل وبعناية انشاء العلاقة الوثيقة مع الادارة ومع الموظفين المنتدبين، ومع الاحزاب السياسية من اجل جعل هذه الروابط مفيدة بطريقة مبنية على التواطؤ في وقت محدد. ومن أجل ذلك فانهم في منظمة الشفافية العالمية يحتاجون الى أناس يتحلون بالجرأة والقيم الاخلاقية الرفيعة، ولايسكتون مهما تكن الظروف التي يقعون فيها عن حوادث الفساد. وتسميهم منظمة الشفافية مخبرين لانهم ينفخون في صفارة الانذار دون مراعاة لسلامتهم. ويسوق الكاتب العديد من الامثلة على شخصيات من هذا النوع من الذين اختاروا سلوك الطريق غير المريح واتباع ماتمليه ضمائرهم، وبعضهم دفعوا حياتهم ثمنا لالتزامهم. وتخصص منظمة الشفافية العالمية جوائز استقامة لشخصيات من هذا النوع وهي جوائز معنوية تقديرا لجرأتهم وتضحياتهم لان أمثالهم يظهرون كيف يستطيع المجتمع المدني أن يصمد في وجه البنى الادارية الفاسدة ويفرض نفسه. كما تحدد المنظمة الشروط التي بموجبها تمنح هذه الجوائز. ويؤكد ايغن انهم يلتزمون بتوفير الحماية للذين يطلقون صفارات الانذار بالكثير من الترتيبات والاجراءات، ومنها توفير هواتف مغفلة الاسماء لهم. وتحت عنوان كول والطغمة من اصحاب المصالح والتبعات يتحدث الكاتب عن فضائح فساد ملموسة طالت بعض الاحزاب في المانيا وهما الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاجتماعي الديمقراطي. ويشير تقرير لجنة التحقيق في التبرعات المثبت نصه في الكتاب( أن الاتحاد المسيحي الديمقراطي كان يستأنف في ظل قيادة ( المستشار) الدكتور كول في الثمانينات والتسعينات السير على هدى نظامه المالي غير المشروع الذي وضعه في الماضي وفقا مخطط مرسوم من دون توقف ولا هوادة. وكان يضمن عدم اكتشاف هذا باجراءات اضافية تتمثل في اسدال الحجب والاستار عليه، على أن نظم تسجيل الحسابات باسم طرف أخر في المانيا وسويسرا مع تمويهها بواسطة وكيل مؤتمن كانت تجري بواسطتها تصفية حسابات في الداخل والخارج بمبالغ تصل الى الملايين نقدا تثبت وجود موازيات للممارسات العملية التي يعرفها المجال الخاص بالجريمة المنظمة وغسيل الاموال).
ويشير ايغن الى أن كول قد أقر في مقابلة صحفية بأنه قبل اثناء تقلده زمام منصبه نحو مليون مارك في صورة تبرعات وحدث ذلك في الخفاء متخطيا كل هيئات الحزب باسلوب غير مشروع وكان في هذا انتهاك لقانون الاحزاب. على ان المستشار الاتحادي السابق الذي مازال يرفض التصريح باسماء المتبرعين مدعيا انه قد اعطى لهم كلمة شرف ان لايذكر اسمائهم مازال مقتنعا بانه لم يتقبل رشوة. ولم يجر دحض مقولته المركزية التي أدلى بها أمام لجنة التحقيق في تبرعات الحزب وهي أنه لم يكن قط في حياته السياسية كلها متوافر للابتياع. ويعلق بيتر متهكما: يبدو من الواضح لكل المراقبين أن كول الشريف كان لايدع التبرعات التي تبلغ الملايين تؤثر في تصرفه في حياته السياسية، وحتى الجهات المختصة بالملاحقة الجنائية ترى هذا على هذه الصورة، كما هو واضح لان سلسلة الاجراءات القانونية بحق كول توقفت. ويلاحظ ايغن ان تأويل نتائج لجنة التحقيق في قضية كول قد تباينت تبعا لاولويات السياسة الحزبية. أما رأي منظمة الشفافية كونها منظمة غير حكومية لاتسترشد بتوجيه صادر عن سياسة حزبية واضح. وفي ذلك يقول ميخائيل فيهن أن حالة كول حالة فساد لالبس فيهاز وهنا لاتخالجنا أي شكوك. فحسب تعريف منظمة الشفافية ( يعد من الفساد استخدام مركز السلطة من أجل المنفعة الخاصة. وعندما يعمد رجل الى اتراع خزينة حزبه بالمال لكي ينتخب مرة اخرى فهذه منفعة خاصة ايضا. كما ان كلمات لجنة التحقيق في التبرعات الموجهة الى الحزب تدعم هذا التقدير( تنطلق اللجنة من منطلق ان الرئيس مارس, بوساطة الاموال , نفوذا على تكون الارادة داخل الحزب في الاتحاد المسيحي الديمقراطي لمصلحة كول . وساند في اثناء ذلك مساندة مالية أصدقاء للحزب هم موضع الترحيب عنده. واللجنة ترى من بواعث الهواجس والشكوك الى أقصى الحدود أن تستبعد أجهزة الرقابة في الاتحاد المسيحي الديمقراطي من الميدانو وأن يضرب عرض الحائط بالقواعد والاصول الحزبية, كالنظام الاساس في الحزب ونظام تمويله.
ويشير أيغن أن التحقيق في الفضيحة كان يقود الى اكتشاف فضائح أخرى تجر معها على الدوام رؤوسا كبيرة من الشخصيات الكبيرة في الاتحاد المسيحي الديمقراطي. ويذكر أن الفضائح قد طالت أيضا الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي كان يقف على أي حال وصفحته بيضاء, حيث تسربت ثمانمئة الف مارك في صورة تبرعات الى الصندوق الحزبي للحزب الاجتماعي الديمقراطي، لكي يغدو من الممكن بناء محرقة للقمامة فائضة عن الحاجة. وتقبل أعضاء الحزب أيضا بعد هذا ايصالات مقابل التبرعات الوهمية الملفقة ليصرحوا بها عند التصريح الضريبي على أنها نفقات. ويتناول الكاتب ردود فعل الجمهور الالماني الذي هزته هذه الفضائح لدرجة أن الرئيس الاتحادي يعين لجنة طرحت مقترحات لاصلاح قانون التبرعات للاحزاب. وعلى هذه الاساس أصدر مجلس النواب الالماني قانونا دخل حيز التنفيذ وأخذ في الفقرة (25) من القانون بضوابط يفترض أن تحول دون حدوث حالات أخرى من طراز حالة كول. وبعد صدور القانون المذكور يعلق رئيس قسم الشفافية في المانيا عليه قائلاانهه لن يستغرق الامر زمنا طويلا الى أن نشهد فضيحة مع القانون الجديد والامر الحاسم هو ارادة الحزب أن تحمي تنظيمها وقواها القيادية من أثر النفوذ الاقتصادي، وعلى أن القانون لايسمح المجال لتجلي هذه الارادة.
ويؤكد ايغن أن حجم الفضائح في المانيا يكشف أن ثمة فسادا متراكما في هذه البلاد أيضانوانهم في منظمة الشفافية كانوا يتوقعون ذلك. وسبق أن حذروا منذ سنين من تأثير الضربة التي ترتد على صاحبهان أي من تأثير الوهم الذي يوحي بتأثير المؤسسات التي تمارس الفساد في الخارج ممارسة منتظمة تماما تدبر أمورها في الوطن باخلاقية مختلفة كل الاختلاف. وهي ملاحظة دقيقة من وجهة نظري باعتبار أن الانسان لايمكن أن يتجزأ وبالتالي فأن أخلاقه وقيمه لايمكن تجزئتها أيضا.
وتصوغ منظمة الشفافية العالمية مقترحات شروط وضوابط لتبرعات الاحزاب تتضمن تحديد مصادرها ومقاديرها وشفافيتها. وفي هذا الصدد تقترح أن تنشر الاحزاب تقرير تفصيلي عن التبرعات الكبيرة وكيفية التصرف بها في الانترنيت. ويؤكد بيغن أن قانون حرية تداول المعلومات توفر للمواطنين امكانية الوصول للمعلومات، والتي تعد ضرورية لتمكين جماعات المجتمع المدني من الكشف عن حالات الفساد, كما ان حرية تداول المعلومات تمتد الى ماهو ابعد كثيرا من حظر الفساد لانها تتقمص روح الديمقراطية هناك حيث يستقر الجزء الاكبر من المصالح العامة - أي الادارة العامة- ثم ان تجربة البلدان الاسكندنافية خاصة تكشف عن أن المجتمع المنفتح المتميز بالشفافية هو الوسيلة المثلى ضد الفساد المنتشر على نطاق واسع. وفي فهرس ادراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية تتبوا هذه اللدان المقام الاول.
ويبدو من تناول الكاتب لموضوعة التمويل المالي للاحزاب وتبيانه لضرورة توخي الشفافية فيه ليس فقط لاعضاء الحزب بل للرأي العام ايضا. انه يقود القارئ الى الاستنتاج بان هذا الموضوع على درجة كبيرة من الحساسية والخطورة، اذ يمكن ان يستخدم المال كقفاز خطير بيد القوى المعادية ضد الاحزاب الوطنية من خلال ارشاء العناصر الفاسدة في هذه الاحزاب ليس بهدف التأثير في القرارات السياسية لاحزابهم بما يخدم مصالح القوى المعادية فحسب، بل لتقويض أمن هذه الاحزاب ايضا بأعتبار ان الفساد مرتبط ارتباطا وثيقا بالارهاب، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. وقد تأكد هذا بما لايقبل الشك خاصة بعد احداث 11 ايلول حيث كشفت كولين رولي من الشرطة الامريكية الاتحادية عن أخطاء مكتب التحقيقات الاتحادي عشية الحادي عشر من أيلول على الملأ، ذلك لان هذا المكتب كانت له في الواقع أنواع من المعرفة بالمشاركين المستقبليين قبل اعتدائهم، ولكن لم يصدر عنه رد فعل. وهذا ما اكده ايضا مدير المخابرات الامريكية السابق جورج تينيت في كتابه المعنون ( في قلب العاصفة)، وهو الكتاب الذي اثار عاصفة سياسية في الولايات المتحدة وخارجها. فقد زخر الكتاب المذكور بالمعلومات الدقيقة من رجل كان على رأس هذا الجهاز الخطير لسبع سنوات عجاف شهدت احداث صاخبة كما تشير مقدمة الكتاب. فالقوى المعادية تعرف من أين تؤكل الكتف، خصوصا أن هنالك مبدأ فلسفيا ومنهجيا عاما يقول انه لا توجد بنية مغلقة بصورة مطلقة، أي كل بنية مهما كانت متينة فهي قابلة للاختراق. كما ان احداث ووقائع التاريخ تؤكد ذلك ايضا، فقد نجحت القوى المعادية في شراء شخصيات لمجرد انها شخصت نقاط ضعف لديهم. فكيف يكون الامر اذا كانوا فاسدين.
يمكن ان اشير في هذا الصدد الى كتاب ( تاس مخولة ان تصرح) الذي يحكي عن قصة استخدام خبير اقتصادي سوفيتي من قبل المخابرات الامريكية بهدف الوصول الى الخطط الاقتصادية للاتحاد السوفيتي. بعد ان توصلت المخابرات الامريكية الى ان هذا الخبير الاقتصادي بخيل ويحب الكحول كثيران استطاعت بعد ذلك عندما كان في زيارة الى افريقيا ان تسقطه هناك في جلسة شرب بعد النخب الثاني ... الخ ويتطرق الكاتب الى المقترحات التي قدمت لمنظمة الشفافية العالمية منذ بداية تأسيسها بضرورة صياغة نظام للقيم الاخلاقية يدعم ادعاء الحق في الاستقامة من الوجهة الاخلاقية ايضا. لكن مؤسسي منظمة الشفافية لم يتجاوبوا مع هذه المقترحات. ويورد الكاتب سببين لعدم الاستجابة، أولهما لانهم كانوا يظنون أنهم ليسوا في حاجة الى تسويغ أخلاقي في كفاحهم ضد الفساد، باعتبار ان الانسان الذي تنازعه نفسه للديمقراطية والتقدم يكون الفساد مضرا ببساطة. والثاني أنهم كانت لديهم هواجس أن يساء فهمهم على أنهم ( رسل الاخلاق). وهذا من شانه تحجيم نطاق منظمة الشفافية ذات النطاق العالمي والثقافات المتعددة.
ويستطرد قائلا أن موقفهم هذا قد تعرض للنقد من قبل الكثيرين. وأما الناقد الابرز للشفافية العالمية في هذا الصدد فهو استاذ اللاهوت السويسري الشهير هانز كنغ. ويقر ايغن انه مدين له كثيرا اذ دون نقده مرة أخرى في ملحق لهذا الكتاب
تحت عنوان ( مكافحة الفساد تقتضي نظاما من الاطر الخلقية ). ويكتب هانز كنغ في تعقيبه أن الفساد لابد ان يخاض بكل الوسائل المشروعة، ولايمكن أن يكون ناجحا الا عندما يكون من الممكن اعتقال المذنبين، بصرف النظر عن مراكزهم. وبذلك يوفر للقانون سريان مفعوله على نحو أكيد.ولكن في كثير من الاحيان لاتتوفر الارادة السياسية للكفاح ضد الفساد بالنظر لعدم وجود ارادة اخلاقية وراءها. وهذا يفترض أن يناقش نظام الاطر الاخلاقية التي اذا لم تتوفر فلن يكون هناك أمل يرجى من الكفاح ضد الفساد. ويؤكد هانز أن اقتصاد السوق الحرة ينبغي أن يكون اجتماعيا واقتصاديا اذا كان يراد له الديمومة والصمود. ويستشهد بمقال لعالم الاقتصاد جون دننغ بعنوان ( الى اين تتجه الراسمالية) الذي يميز بين ثلاثة مركبات مختلفة من مركبات العجز: 1-عجز الاسواق 2- عجز المؤسسات 3- عجز الاخلاق الذي يكمن في أساس عجز الاسواق والمؤسسات. ويوضح أن جون رغم اقراره ان هذه النقاط تختلف باختلاف الحال ولكنه تأملها في سياقها الاجمالي وأستنتج ان الاخلاق في صورتها التقليدية واليونانية ليست بالشيئ الهامشي، بل يتحدث المرء هنا عن اطاراخلاقي يدخل سواء مع الاسواق ام مع الحكومات في التداعيات غير المباشرة ام مع المنظمات التي تتخطى الحدود القومية في ارتباط متبادل وتفاعل.
ويلاحظ هانز ضرورة الوصول الى اجماع اجتماعي اخلاقي في عصر انزلقت فيه مقاييس ومعايير كثيرة مع العولمة وربما في جزء منه بسبب العولمة أيضا. ويرى ضرورة الاستفادة من كل التقاليد الدينية والفلسفية، ومن كل الموارد الفكرية للبشرية، مثلما حدث هذا لدى صياغة الاعلان المسمى اعلان الاخلاق العالمي. فما من ديانة أو فلسفة تفرض قيمها ومستوياتها النوعية على الاخرين. ولكن كل ديانة أو فلسفة تستطيع أن تسهم بالانطلاق من تراثها الفكري في تكوين اجماع اجتماعي اخلاقي جديد. ويتساءل ماهي القيم والمستويات الانسانية التي تتخطى الحدود والتي يمكن أن ينظر اليها اليوم على أنها ذات سريان عالمي. ويجيب أن ما يستكين في أساس كل القيم الاخرى من المبادئ الاخلاقية انما هو الانسانية والتبادلية، فعليها يقوم بنيان القيم والمستويات التالية، احترام الحياة وتقديرها، وعدم العنف والتضامن والعدالة والتسامح والصدق، مثلما تقوم المساواة في الحقوق والشراكة.

في القسم الاخير من الكتاب يتحدث مؤسس منظمة الشفافية عن الانجازات والنجاحات التي حققتها المنظمة في مضمار مكافحة الفساد. وهي مدرجة ايضا في اصدارات منظمة الشفافية. ويمكن الاشارة الى أهمها:
1 - كسر حاجز الحذر المفروض في مناقشة أمور الفساد المتعلق بالتجمعات الدولية.
2 - تحريك موقف البنك الدولي من وضع رافض لتقبل فكرة محاربة الفساد الى وضع جعل رئيسه جيمس د فلفنزن معروفا بأنه زعيم الحركة العالمية لاحتواء الفساد. 3 - تقديم الدعم لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في اصدار اتفاقية مقاومة رشوة الموظفين الاجانب الذين يعملون في المعاملات التجارية . 4- انشاء تحالفات من المنظمات والافراد لاختيار حكومات تتمتع بالمصداقية والامانة على مستوى العالم وتنمية ممارسات تجارية أكثر تحملا للمسؤولية الاجتماعية.
5 - زيادة فروع المنظمة حتى شملت أكثر من 100 دولة على مستوى العالم.
6 - اصدار تقرير مقياس الفساد العالمي وهو استقصاء للرأي العام أي أنه استطلاع للجمهور عامة, وليس للخبراء فقط. ويتناول ايغن التبدل الذي حصل في الموقف الدولي من الفساد. ففي مستهل التسعينات كانت الدول تسمح بأقتطاع ضريبي للرشاوي المدفوعة للرسميين الاجانب. أما اليوم فيصل عدد متزايد من الدول لمقاضاة هذه الرشاوي. وفي الوقت الذي كان يعتقد أن موضوع الفساد يخص كل حكومة بمفردها، أصبح من المتفق عليه عالميا الان أن بوسع المجتمع الدولي استكمال ومساعدة جهود الحكومات في محاربة الفساد، وأن للمجتمع الدولي مصلحة حقيقية في رؤية الفساد يعالج محليا كما على المستوى الدولي. ويتطرق الى موقف الامم المتحدة الداعم لتوجهات منظمة الشفافية في مكافحة الفساد. ويذكر أن كوفي عنان يؤكد دائما أهمية مكافحة الفساد من حيث كونها شرطا أوليا أساسيا من أجل الوصول الى الكثير من الاهداف الاخرى مثل حماية حقوق الانسان وحماية الطبيعة والبيئة وحماية الشروط العادلة للعمل وحماية الاطفال والنساء. وبناء على ذلك يطالب بادخال دور الفساد كونه ( وصية عاشرة) في فهرس مبادئ الميثاق العالمي الذي يقصد الى تطبيقه على أكبر المشروعات الاقتصادية في العالم.
ويلاحظ ايغن أن من الضروري أن تركز الاتفاقيات والقواعد على منع الفساد لا على التجريم، ذلك أن الاطار القضائي المتسم بالشفافية يعد ذا أهمية أساس للحؤول دون الفساد، سواء أكان ذلك في مجال الفعاليات التجارية الدولية أم في اطار الفعاليات التجارية داخل البلاد. ومن أجل ذلك تعد اللوائح القائمة كالمادة العاشرة من أتفاقية الغات منطلقا هاما، فضلا أن التكاليف المادية التي يتطلبها المنع هي أقل بكثير من التكاليف اللازمة للملاحقة القانونية.
ويستذكر الكاتب الاعمال التي اضطلعت بها المنظمات الدولية والاقليمية الاخرى في ميدا ن مكافحة الفساد، بما في ذلك أنشطة مجلس أوربا والاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الدول الامريكية وغيرها، والاتفاقيات متعددة الاطراف لمنع الفساد ومكافحته، بما فيها اتفاقية البلدان الامريكية لمكافحة الفساد التي عقدتها منظمة الدول الامريكية في اذار 1996، واتفاقية مكافحة الفساد بين موضفي الجماعات الاوربية أو موظفي الدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي التي اعتمدها مجلس الاتحاد الاوربي في تموز 1997، واتفاقية مكافحة رشو الموظفين العمومين الاجانب في المعاملات التجارية الدولية، واتفاقية القانون الجنائي بشان الفساد التي اعتمدتها اللجنة الوزارية لمجلس اوربا، واتفاقية القانون المدني بشأن الفساد التي اعتمدتها اللجنة الوزارية لمجلس أوربا واتفاقية الاتحاد الافريقي لمنع الفساد.
وأعرب عن أمله في ان تتوج مشاركة الامم المتحدة في الكفاح ضد الفساد باتفاقية عالمية حاول المجتمع الدولي صياغتها منذ ربع قرن دون طائل. واشار الى سلسلة المؤتمرات التي تعقد تمهيدا لعقدها. ويختتم بيتر أيغن كتابه بالقول ( لقد اسفر كفاحنا الذي دام عشرة أعوام عن أثر معين. وبات الفساد مدرجا في جداول أعمال العالم. وما من شك في انه مازال هناك الكثير والكثيرجدا مما يترتب فعله. ولقد كانت لنا انطلاقة حسنة غير أنها لاتخدعنا عن حقيقة أن الفوز في الكفاح ضد هذا الوبال لم يتهيأ حتى ولا في شطر منه).
وقد تحققت آمال الكاتب بعقد اتفاقية عالمية لمكافحة الفساد، حيث أسفرت المفاوضات التي دامت سنتين و تمت برعاية الامم المتحدة وشارك فيها أكثر من 130 بلدا عن ابرام ميثاق الامم المتحدة لمنع الفساد. وقد دخلت هذه الاتفاقية الى حيز التطبيق في ديسمبر 2005. وميثاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد يمثل تطورا بارزا في هيكلية الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد. فهو يأخذ المواضيع التي قامت بتغطيتها المواثيق الدولية والاقليمية السابقة ويجمعها في مجموعة واحدة متكاملة من الالتزامات، المبادئ التي تم اختيارها لمكافحة الفساد، بما في ذلك أهمية التعاون الدولي، أصبحت الان مكرسة كمبادئ علمية يمكن اعتبارها صادرة من البلدان أو المناطق ذات الميول و التفكير المتشابه. وفي حين تقدم الادوات الدولية وأطر العمل المتعددة الاطراف أداة لاتقدر بثمن في الكفاح العالمي ضد الفساد، فان المهمة الشاقة في ترجمة الارادة السياسية الى أعمال قابلة للاثبات سوف تظل أساسية على جدول أعمال الحكومات في معظم مناطق العالم.

الاستنتاجات الاخيرة

1- الفساد يقوض أسس التنمية بكل جوانبها، كما يقوض أسس الديمقراطية والامن والاستقرار، ويعوق تطور دول العالم الثالث. والفساد يدمر المشروعات الشريفة ويشوه التنافس، ويقود الى انتهاك حقوق الانسان وتخريب الطبيعة والبيئة وتجاوز الشروط العادلة للعمل، و يؤثر في سياسة الدول ذات المراكز القيادية.
2- على هذا الاساس لايمكن أن نأمل بتقدم حقيقي للعملية السياسية في العراق في ظل الفساد المستشري في كل مرافق الدولة والمجتمع، حيث أصبح العراق يحتل المرتبة الثانية في الدول الاكثر فسادا في العالم، حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية الصادر في سبتمبر من العام الماضي، كما أن الوقائع السياسية والحياتية بشكل عام تؤكد ذلك أيضا.
3- لاتتوفر في بلدنا لحد الان الشروط اللازمة لمكافحة الفساد، حيث التشظي السياسي والاجتماعي وغياب دولة القانون.
4- أن مكافحة الفساد تستوجب قيام تحالف وطني يجمع كل الجهود وفق ستراتيجية وطنية واضحة تضم مختلف النشطاء ضمن الوان الطيف السياسي ومنظمات المجتمع المدني والاكاديميين والصحفيين، لان الفساد بابعاده المختلفة الحالية يستوجب وقفة وطنية من جميع المتطلعين لعراق الغد الديمقراطي، لمكافحة هذا الشر المستطير والتصدي الى مشروعه المهدد لمصالح شعبنا ووطننا. كما ينبغي تشديد مطالبة الحكومة برفع شعار مكافحة الفساد قولا وعملا والبدء بوضع الحلول الواقعية والشاملة بالتعاون مع مجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني. 5- من الضروري استثمار الحملة الانتخابية في التنديد بالفساد السياسي الانتخابي والمطالبة بأنتخابات نزيهة، وتسخير وسائل الاعلام المهتمة بهذا الموضوع لشن حملة في الصحافة ونشر الاعلانات التي تناشد الناخبين أن يكونوا ناقدين لمرشحيهم، وأن يكفوا عن بيع أصواتهم، ومطالبة القضاء بالاستعجال في ملاحقة حالات الفساد، وسن القوانين التي تجرم الفساد وتمنعه، وان لا تقتصر حملة الكيانات السياسيةن خاصة الخاسرة، على المطالبة بأصواتها، لان حجم الاصوات المباعة أكثر بكثير من حجم الاصوات المصادرة.

الهوامش
1- د. الطيب تيزيني( من ثلاثية الفساد الى قضايا المجتمع المدني)، نقلا عن النهج عدد 30-2002 2- سمير أمين- في مواجهة أزمة عصرنا ص 229
3-هيلين كارير- نهاية الامبراطورية السوفيتية، نقلا عن النهج
4- بيتر أيغن- شبكات الفساد والافساد العالمية
5- اصدارات منظمة الشفافية العالمية، موقع على الانترنيت
6-جورج تينيت - في قلب العاصفة
7- اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد- موقع كوكل على الانترنيت
8- تاس مخولة أن تصرح

23-6-2009




#رسميه_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات أولية حول وثيقة - رؤى مشتركة المقدمة من قبل سكرتارية ...
- الطبقي في رؤية حوارية حول المشروع الوطني الديمقراطي (3)
- الطبقي في رؤية حوارية حول المشروع الوطني الديمقراطي (2)
- الطبقي في رؤية حوارية حول المشروع الوطني الديمقراطي ( 1)
- الماركسية والحزب في فكر فهد ونهجه
- الديمقراطية شرط ازدهار الثقافة الابداعية
- مناقشة لمسودة ورقة العمل - خيارنا الاشتراكي والدروس المستخلص ...
- التحالفات السياسية وافاق البديل الديمقراطي
- السياسة الامريكية واوهام الجري وراء السراب
- الصراع الفكري واشكالياته الراهنة
- الطائفية ودورها المعوق لعملية التحول الديمقراطي
- العنف القانوني ضد المرأة ودور التشريع المدني في حمايتها
- الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي/ حاجة شعبية أم ...
- المرأة العراقية والدستور الجديد
- العولمة الرأسمالية تنين ذو مئة رأس - رسملة المنظمات الجماهير ...
- المرأة العاملة ركيزة تحرر في عصر العولمة
- المرأة العراقية والتجربة الانتخابية
- مشاركة المرأة في العملية الانتخابية خطوة على طريق تطورها الا ...
- تجديد اليسار والاشتراكية وافاقهما المستقبلية
- أزمة القوى اليسارية والديمقراطية وعلاقتها بالتجربة الاشتراكي ...


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رسميه محمد - دروس وتجارب عملية في محاربة الفساد