جوان آشتي
الحوار المتمدن-العدد: 819 - 2004 / 4 / 29 - 05:07
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لا نعرف من الذي ( ابتدع ) صيغة " مجموع الأحزاب الكردية " التي توقّع بها البيانات والبلاغات والمواقف التي تصدر عن ذلك المجموع, ولكننا نعلم بأنّ ذلك كان واحدة من المحايلات على تماثل الأسماء ـ وأيضاً المناهج والأنظمة الداخلية ـ بين بعض أحزاب ذلك " المجموع " وتضارب الأهواء والأمزجة بين ( زعمائها ), التضارب الحائل دون القبول المتبادل الذي يتيح تراتب الأسماء ـ المتماثلة ـ ناهيك عن تأطير الحركة الوطنية الكردية في إطار وطني جامع يستند على المشتركات الوطنية التي تشغل حيزاً واسعاً في البرامج السياسية لـ ( مجموع ) الأحزاب الكردية.
والواقع لا يمكن تفسير هذا التباعد ( بل قل التباغض ) بين أحزاب لها نفس الأسماء والبرامج والأنظمة الداخلية وتتّبع سياسات تفصيلية متماثلة, بل ومشتركة من خلال هذه الصيغة المائعة, إلّا بتلك الأهواء والأمزجة التي تجد جذورها في الإرث المحمودي والعثماني البغيض وقد تشظّى هذان الاسمان إلى ما يقرب من اثني عشر اسماً اليوم ـ ليس بين هذه الأسماء محمود أو عثمان, وهذه فضيلة للأسماء ترفع عنّا الحرج ـ.
وربما كانت تلك المحايلة مقبولة بما حقّقت من لمّ ( أشلاء ) الأطراف الكردية وتأسيس قاعدة لوحدة كلمتها ومواقفها والتمهيد لتقارب يفضي إلى وحدة صفوفها. ولكن ذلك قبل الثاني عشر من آذار.
أمّا وقد فُرِضت تحديات جديدة وأعباء إضافية على الحركة الكردية بعد ذلك التاريخ الذي يعتبر مفصلياً بالنسبة إلى الشعب الكردي وقضيته وتجاوزت أحداثه وتداعياته هذه الصيغة الكاريكاتورية الفضفاضة والمائعة التي تعبِّر عن واقع ذاتي مرفوض عجزت الحركة الكردية عن تجاوزه حتى الآن. فمن غير المعقول, ولا المقبول أن تبقى الحركة الكردية متشرذمة, وفي أحسن الأحوال تشترك في صياغة المواقف على استحياء, في حين توحّد الشعب الكردي في موقفه وإرادته ابّان الهجمة الأمنية والعسكرية الشرسة للنظام عليه.
فالمطلوب الآن مبادرة وطنية كردية توحيدية تتجاوز واقع التشتت وتؤطر الحركة الكردية بكل أحزابها عبر التوافق والتواثق في إطار وطني جامع. فهناك, الآن, التحالف الديمقراطي والجبهة الديمقراطية, والأحزاب الحافّة بهذين الإطارين والتي (تنوس) بينهما, وكذلك طيفاً واسعاً من الفعاليات والفئات والشخصيات الوطنية الكردية التي لم يسبق لها وأن وجدت نفسها ملتفة حول الحركة الوطنية الكردية وملتصقة بها مثلما هي الحال بعد الثاني عشر من آذار. والمطلوب, الآن, هو إيجاد صيغة لدمج هذين الإطارين بوثائقهما ـ والحال أنّها متماثلة أو متقاربة ـ وضم بقية الأحزاب الخارجة عنهما, والسعي إلى إيجاد علاقة منظّمة مع الاتحاد الديمقراطي ـ وذلك ما لم ننجح في ضمّه إلى الإطار المنشود ـ والذي تتطلّب منه مسئوليته الآن الانخراط في السياسات الوطنية الكردية المنطلقة من خصوصية القضية الكردية في سوريا وضرورة استقلالية قرار حركته الوطنية. والأخذ بما يمكن الاتفاق عليه من إضافات تقترحها تلك الأحزاب في إطار عملية إعادة صياغة مشروع سياسي وطني كردي يحظى بتوافق كل القوى الوطنية الكردية التي ينبغي تأطيرها بما يمثِّل المعادل السياسي لطاقات شعبنا بكل فئاته وفعالياته وأفراده. حيث أنّ بقاء هذين الإطارين دون صيغة تجمعهما, وتردّد بقية الأحزاب أو تحفّظها على الانضمام إلى أيٍّ منهما, لا يخدم مهمّة توحيد الجهد السياسي والنضالي الكردي. في حين أن إيجاد الإطار الوطني الجامع سيتيح الفرصة لكل الأطراف والطاقات لتجد لها مكاناً تحت المظلّة الوطنية الكردية التي يمكن لها أن تكون على صيغة مجلس أو مؤتمر أو إئتلاف وطني كردي ـ يمكن للتحالف والجبهة أن يتمثّلا فيه بصيغتهما الائتلافية أو أن ينفرطا ويحلّا فيه ـ أو أية صيغة أخرى تحظى بالتوافق والاجماع تشكل الممثل الشرعي للشعب الكردي والمدافع عن قضيته والمنخرط في النضال الديمقراطي العام في البلاد بما يرفع من سوية الحضور السياسي الكردي في مجمل الحياة السياسية السورية التي تتسم بسمتين بارزتين : هشاشة هذه الحياة السياسية على المستوى العام في البلاد نتيجة لـ ( استملاك ) السلطة للدولة وتحويلها إلى دولة " مخارجة للمجتمع والشعب " وحاجزة لهما وبالتالي تصحير الحقل السياسي, هذا أولاً. وثانياً هزال الحضور السياسي الكردي الخاصّ فيها لأسباب تتعلّق بالسمة الأولى من جهة وبتخلخل العامل الذاتي للحركة الكردية الشّال لفعّاليتها.
إنّ توحيد الصف الوطني الكردي يعتبر بمثابة الرافعة الأهم لمتطلبات الدفاع المطلوب عن الشعب الكردي وقضيته اللذين يتعرضان لهجمة غير مسبوقة من قبل النظام, الذي يسعى ليس إلى تشويه نضال الشعب الكردي واجهاضه والسعي على الإجهاز عليه عير حملات الإعتقال المنظّمة والممنهجة فحسب, بل وإلى إنكار وجود قضيته والتّنكر لحقوقه, كما أنّ هذا التوحيد يشكّل ضمانة في مواجهة مخاطر مساعي تجريب مشاريع وممارسات سياسية سبق لها أن أفلست وفشلت في ساحات آخرى. إذ ينبغي علينا أن نرفض أن يتحول نضالنا المشروع إلى مادة لتشويه قضيتنا على أيدي النظام, أو أن يرتهن إلى حسابات ( ثأرية ) على خلفية علاقة إقليمية لقوى كردستانية مع هذا النظام في مراحل سابقة, وتحوّلها لاحقاً, خاصّة في ظلِّ تحوّل العامل الكردستاني لصالح القضية الكردية في سوريا التي حظيت مؤخراً بتأييد وتضامن واسع من كافة القوى الكردستانية.
إنّ من ضمن ما تحقّق للقضية الكردية في سوريا بفضل تضحيات أبناء شعبنا الكردي في هبّته الجماعية ضد سياسات التمييز والأضهاد هو فتح آفاق جديدة لنضاله, فالقضية الكردي في سوريا كانت دائماً أشبه بقضية عادلة تفتقر إلى أروقة العدالة التي كانت تُقفَل في وجهها, والآن قد فُتحت هذه الأروقة أمامه وينبغي لنا أن نكون محامين ومدافعين جديرين بها وناجحين في سبيلها. إنّ تحقيق هذه المهمة التوحيدية الملحّة وغير القابلة للتسويف والمماطلة, هو المدخل إلى القيام ليس بما هو المطلوب من الحركة الكردية فحسب , بل وما هو الأكثر صواباً مما ينبغي القيام به. الآن هناك ما بعد الثاني عشر من آذار, ولا يمكن لنا أن نبقى في تفكيرنا وهياكلنا ووسائلنا كما كنا قبل ذلك التاريخ. ومن يرتضي أن يبقى كذلك سيتجاوزه الشعب الكردي وقد أثبت أنّه قادر على ذلك.
جوان آشتي ـ كاتب كردي
#جوان_آشتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟