ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 2679 - 2009 / 6 / 16 - 09:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خطاب النوايا الأوبامي
وعقدة الحلول المستحيلة!
بغض النظر عما إذا كان تاريخ الرابع من حزيران، وإلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما لخطابه من القاهرة في هذا التاريخ، عرضيا أو مقصودا، فإن موضوعات الخطاب واتجاهاته المستقبلية تبقى هي الأهم، كونها وكما وردت كبنود على جدول الأعمال الأميركي، موجهة إلى بيئة عربية وإقليمية يفترض أنها متعاونة، وذلك من قبيل بلورة شكل من أشكال التحالف الاستراتيجي، ليس بين إسرائيل والولايات المتحدة، بل وبينهما وبين قوى النظام الإقليمي العربي، وإعلانه الولاء لأهدافهما الخاصة بمجموع ما يسمى "التهديدات الوجودية"، من قبيل التهديد النووي الإيراني ومن ثم الكوري الشمالي، وأخيرا تهديدات المنظمات الأصولية المتطرفة الإسلاموية. أما التهديد النووي الإسرائيلي فحدّث ولا حرج.
وفي الطريق إلى مواجهة هذه التهديدات الوجودية، يمكن الإطلالة على الوضع الفلسطيني – الإسرائيلي ومسألة التفاوض على المسار السوري – الإسرائيلي، وقضايا التعاون الإقليمي التي يؤمل أن تمهد لسلام إقليمي يحمل في أحشائه، أو في مقدماته – لا فرق – خطوات تطبيع تدريجية بين قوى النظام الإقليمي العربي وإسرائيل. أما الديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من شعارات قديمة تتجدد على يد إدارة أوباما، فهي مسائل يأمل خطاب النوايا الأوبامي أن يرفعه إلى مصاف "الوسيط النزيه"، وبوساطة وتعاون أوروبي يستهدف إقامة مقاربة جديدة، لإقامة وتقوية علاقات تطبيعية وصداقة إستراتيجية بين قوى النظام الإقليمي العربي ودول منظمة المؤتمر الإسلامي من جهة وإسرائيل من جهة ثانية. فهل تستطيع الإدارة الأميركية في ضوء خطاب أوباما القاهري، ومبادرته واقتراحاته تغيير نظرة العالم للسياسة الأميركية، والأهم هل يستطيع مقاربة أو الاقتراب من تسوية إقليمية شاملة، تنضوي تحت لوائها حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة التي تحاول الظهور بمظهر المتمرد، تحت ضغط أولوياتها المختلفة عن أولويات النظام الأميركي؟
يمكننا الافتراض هنا أن نوايا أوباما وإدارته وهي على المحك، لن يكون في مقدورها أن تحيل جدول أعمالها الدولي والإقليمي، من قبيل المسألة الكورية الشمالية ومن قبلها المسألة الإيرانية بتشابكاتها، وإستراتيجية إدارة الحرب في أفغانستان والباكستان، وإستراتيجية الخروج من العراق، إلى أولوية له في معالجة مسائل التسوية الإقليمية، ومن ضمنها خلافه مع إسرائيل على مسألة الاستيطان. لكن وعلى المقلب الآخر، فإن اعتقاد نتانياهو بجدية التهديد النووي الإيراني للغرب، بذات القدر كما لإسرائيل، جعله يحذّر من أنه إذا ما تحولت إيران إلى قوة نووية فعلا، فإن الولايات المتحدة ستكون ليس أمام باكستان واحدة، بل أمام ست دول تشبه الباكستان، وهذا ما سيجعل إيران تدخل في منافسة على الهيمنة مع الولايات المتحدة، على الأقل في نطاق البيئة الإقليمية المحيطة بإيران، ومواقع النفط الأكثر أهمية في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية والبحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وربما انتقلت منافسات الهيمنة إلى النطاق الدولي.
من هنا تلك المحاولات المستميتة من جانب نتانياهو لمماهاة المصلحة الإسرائيلية بالمصالح الغربية، واعتبار إسرائيل رأس رمح الناتو في هذه المنطقة، واللعب على وتر الدور الوظيفي المتجدد لإسرائيل في خدمة المصالح الغربية، مقابل عدم ممارسة المزيد من الضغوط عليها، بهدف دفعها للموافقة على استئناف مفاوضات التسوية، أو لتقديم تنازلات ولو محدودة وشكلية على مسار التفاوض مع سوريا ومع الفلسطينيين.
هناك أيضا قلق إسرائيلي متزايد من مسار التطور التقني في كوريا الشمالية وإمكانية تطوير تعاون مشترك بين بيونغ يانغ وطهران، بحيث تستفيد إيران من تقنيات البلوتونيوم الكورية الشمالية، كما ومن سلوك التحدي الذي تجابه به بيونغ يانغ العالم ضمن المباحثات السداسية وخارجها، ما يمكن أن يشجع طهران على تحدي هيئة الرقابة ومفتشيها ونظام الرقابة الدولية، والمضي في درب سوف يفضي إلى مضاهاة السلوك الكوري الشمالي، لا سيما تجاه إقامة نوع من توازن الردع مع الأطراف الأخرى المنافسة أو المعادية. أما الولايات المتحدة الواقعة بين شقي الرحى، فهي تحاول مواءمة إستراتيجيتها تجاه إيران وكوريا الشمالية مع إستراتيجيتها المعتمدة في المنطقة والعالم، فإذا لم ترتدع بيونغ يانغ جراء العقوبات والحوافز، وتجييش حتى حلفائها من الصين إلى روسيا ضد سياستها النووية، فإن الأمل بالوصول إلى حل دبلوماسي مع طهران سيبدو مستحيلا.
والسؤال هنا: هل يمكن لإسرائيل أن تعمل في هذه الحالة خلافا لإرادة الولايات المتحدة الصريحة؟ خاصة وأن القول بأن "كل الخيارات مفتوحة" لا يعني حتمية توجيه ضربة عسكرية لإيران، في ذات الوقت الذي يمكن أن يفشل الحوار الدبلوماسي والسياسي الأميركي – الإيراني، فما سيكون رد الفعل الأميركي، وما التحول الذي يمكنه أن ينشأ في الموقف الإسرائيلي؟ ولكن في كل الأحوال وإذا ما نجح الحوار، فلا شك أنه سيكون على إسرائيل استبعاد الخيار العسكري من تلك "الخيارات المفتوحة"، هذا في حال كان لديها بالأصل خيار عسكري فعلا، علما أن ما يوجه السياسة الأمنية الإسرائيلية على الصعيد الإستراتيجي، لا يمكنه أن يتناقض مع المصالح الإستراتيجية الواضحة لواشنطن، أكان هنا أم في أي بقعة في العالم، فهل يمكن لحكومة نتانياهو الأكثر يمينية أن تذهب بعيدا في معاندة سياسة الأمن الإستراتيجي التقليدية التي اتبعتها حتى الآن، لا سيما وأنها تصور الملف النووي الإيراني كتهديد وجودي، لا يمكنها مع استمراره أن تسمح لطهران بتطوير أسلحة نووية؟.
أما وفي شأن العملية التفاوضية، فإن إصرار إسرائيل على أسلوب التفاوض المباشر والحلول الأحادية والمنفردة، فقد أدى إلى تحجيم القضية الفلسطينية، وساعد حكومات إسرائيل المتعاقبة الاستفراد وفرض الشروط المجحفة ضد الطرف الفلسطيني. فقد انتهى كامب ديفيد في تسعينيات القرن الماضي إلى شرذمة أطراف "التسوية الشاملة" من العرب، وإلى التفريط بالرعاية الدولية، والإقرار بتسويات ثنائية غير مكتملة، كما تحول مؤتمر مدريد إلى منطلق لانفتاح بعض العرب على إسرائيل والتطبيع معها وإقامة علاقات تجارية، حتى قبل أن يبدأ تنفيذ أي خطوة من خطوات الانسحاب أو إنهاء الاحتلال، أو غير ذلك من بنود التسوية مع هذا الطرف أو ذاك. كما أدى اتفاق أوسلو (الثنائي أصلا وفصلا) إلى تنازل الأطراف العربية عن دعم الطرف الفلسطيني، حتى في "كفاحه التفاوضي" لنيل حقوق شعبه. وتركت منظمة التحرير الفلسطينية وحيدة في مواجهة جبهة من الأعداء في الداخل والخارج، ليجري استفراد الفلسطينيين شعبا وقضية وانتفاضة ومقاومة ومفاوضة، وحيدين إلاّ من تضامنات غير منسقة وغير متسقة وأهدافهم الوطنية العليا.
في مطالع عقد التسعينات، لم تستطع الولايات المتحدة إنجاح صيغة تسوية شاملة لقضايا المنطقة، بل على العكس من ذلك "نجحت" في إثارة خلاف مع إسرائيل، انتهى بـ "صلابة" إسرائيلية في الإصرار على أهدافها، وبـتنازلات عربية بالجملة والمفرق، دون أن تصيب "التسوية الشاملة" أي تحقيق لمضامينها، وإن تحققت جزئيا هنا أو هناك على جبهات عربية غير منسجمة ولا وازنة في طبيعة الصراع. أما هنا والآن، فلا يختلف الوضع كثيرا أو قليلا عما سبق، فالخلاف الأميركي – الإسرائيلي في شأن "حل الدولتين" كما في شأن الاستيطان، ما زال يجدد نفسه وبتكرار نمطي في واقع الحال العربي والفلسطيني، حيث الرهان على "حل أميركي" منقذ؛ سيد الرهانات العربية، وكأن في موضوع الاستيطان هناك ما هو شرعي وغير شرعي، و/ أو وكأن "حل الدولتين" لا يزال على حاله، ففي حين بقيت الدولة الإسرائيلية على حالها، بل وتوغل في عنصريتها وسياساتها الفاشية، تحولت "الدولة الأخرى" إلى "ميني دولة"، أو على أحسن تقدير إلى دولة حكم ذاتي، على جزء من بعض ما كان مفترضا أن يكون الدولة الفلسطينية، كما كانت تتبدى في مطالع تسعينات القرن الماضي.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟