أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم مالك - أ نا .. لاجىء من قرية سمخ(2)















المزيد.....


أ نا .. لاجىء من قرية سمخ(2)


ابراهيم مالك

الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 10:03
المحور: الادب والفن
    


الخميس 7/5/2009
( ...حفظا للذاكرةالتاريخية،ذاكرة

الإنسان التي لا يُعثل أن تشيخ ولا

يصح أن تشيخ،فالذاكرة التاريخية،

كما هي مُجربة شاهد لا يموت).


لا أقول ذلك مفاخرة،ا نطلاقا من عصبويّة قرويّة ضيقة،تحبس عقل المرء وما يمثّله من وعي ٍ خلفَ سِياجات متحجرة،بل لتسجيل حقيقة انتماء،انتماء الىمكان،له مكانة قدسية في نفسي،وإن حرمت دفء سمائه وعبق ترابه وعذوبة ماء بحيرته وكنت لا أزال،يومها،غض الإهاب،لا أعي الكثير مما يدور حولي من طوفان طاغٍ وعاصفة هوجاء.

ففيها ،في قرية سمخ،وُلِدْتُ.

أتيت الى الحياة،سنوات قليلة،قبل الهجيج،عشت فيها مع أهلي في حيفا،حيث كان أبي،حسين ابراهيم مالك،يعمل موظفا في سكة الحديد البريطانية.

كبُرْتُ في كفرياسيف وكبُرَتْ معي النكبة وتدافعَتْ،تطِلُّ برؤوسها،خيبات الامل المتكررة،أوما أسماه بعضنا،خيانات هذا الزمن،وعنى خيانات بعض ناسه.


.....


كنا،أبي وزوجتاه شقيقتي،أخواي وأنا، نسكن،ها نئين، حينها،في بيت مستأجر يقع قريبا من درج،رئيس البلدية الأسبق،حسن شكري،في موقع يتوسّط حيّ المحطّة العربي وحيّ الهدار اليهودي في وسط الكرمل،في مدينة حيفا.

فأنا ولدتُ يوم 26 أيار1942في سمخ،إحدى قرى غورالأردن المطلة على الشاطىء الجنوبي لبحيرة طبريا،لكن طفولتي المبكرة قضيتها في حيفا.

وقد شاءت الأحداث الدموية في عام 1948أن تسقط سمخ في أيدي القوّات اليهودية المهاجمة أياما قليلة قبل سقوط حيفا.فهُجّرنا من حيفا،عبر البحر،الى عكا، شمالا،ومن ثم الى الجليل،شرقا، مرورا بالمكر فالبعنة ويركا،وصولا الى كفريا سيف،حيثُ قرّروالدي البقاء قريبا من أصدقاء، يعرفهم من العمل في حيفا،مثل طيب الذكر،المرحوم أبي خالد–حنا دلّي.

لم نعد من يومها الى قريتنا وبيتنا في سمخ ولم نبقَ في حيفا،مُنِعْنا من العودة بالقوة وبالإخافة المُميتة،بمختلف القوانين والوسائل،أبسطها الحكم العسكري.بقينا لاجئين وغرباءفي كفرياسيف، يعيش والدي حلمين ومأساتين في آن،غرسهما فينا،نحن أولاده.كان موزع المشاعربينهما،فلم يكن قادرا على حسم ما يريد ويطمح،فكلاهما حلو وموجع ،حلم الحنين الى ما كان وطنه، الجزائر، (الذي بقي يعيش مأساة الرحيل عنها بعد الاحتلال الفرنسي الإستعماري لها)وحلم العودة الى ما صارت وطنه،مسقط رأس زوجته الثانية،التي هي أمّي،حلم قضاء ايامه الآخيرة المتبقّية من حياته،أيام الشيخوخة،بين أهلها وقريبامن شقيقته الثانية،أم محمّد خديجة مالك مغربي،التي كانت زوّجت الى عم أمي(أبو محمّد صالح حُسين مغربي)في قرية سمخ.


.....


في طرقات سمخ المتربة درجتُ طفلا صغيرا،طفلا راح يحبو ويتعلّم خطواته الأولى.

سمخ مسقط رأسي،وان أكن عرفت في طفولتي الواعية،قليلا،مدينة حيفا.كبرت وأتممت دراستي الابتدائية والثانوية فيما صار وطني الثاني :

كفرياسيف،التي أحسنت تربيتي،كما أظن،ورعت شبابي،وأسهم مناخ ناسها التنويري العلماني والتقدمي في بلورة بدايات وعيي الاجتماعي والانساني،لكنها لم تنسني حبّي وحنيني الى وطني الأول،الوطن الأصغر:

سمخ،

بل زادتني تعلّقا بهذا الانتماء وألهبت مشاعري الوطنية،منذ الطفولة،فكان العيش فيها،رغم جماليّاته واقعا " قسريا " فرضه الهجيج والترحيل القسري عن الوطن.ولكن مكنني البقاء فيها من البقاء في وطني الأكبر،كانت لي،لأهلي ولكثيرين غيري،ملاذا آمنا في السنوات الأولى للعاصفة القاتلة،التي انتابت الوطن الأكبر،فلسطين،فيغمرني شعور قوي،حتّى يومنا،أنني سأظلّ مدينا لكفرياسيف وناسها كثيرا.

لكن حقيقة ً،بقيت فيها غريبا أحن الى سمخ،رغم احترامي الشديد وكبير تقديري للكثيرين من أهلها الطيّبين.


.....


وكم يبدوهزيلا،ضالا" ومحزنا"،بل مكلفا الاعتقاد بأن الزمن كفيل بأن يُنسي الناس أوطانهم الصغيرة أو الكبيرة،وأنّ دورة الحياة القا سية بخاتمتها:

الموت الجسدي،

كفيلة بتحقيق النسيان وتحقيق ما لم تفعله القوّة المنفلتة.

فانتمائي الى مسقط رأسي ليس مكتسبا بفعل منطق القوة أو الشراء المخادع أوالسلب القسري، بشرعة القانون،الذي سنّ خصيصا" لشرعنة السلب، أو حكاياعن وعد هي أقرب الى الأساطير، لأنسى،انّمااكتسبته بفعل هذه الصلة،عبرحبل السرّة،التي تربطني برحمها.

حقّي في سمخ لا يبطله تقادم الزمن ولا حتّى موتي ولا هرب العاجزباسم العقلانية.


***


فاسرائيل لم تصر،يوما،وطني الذي أشعربالانتماءالعفوي أوالواعي له،بل الواقع السياسي ،الذي قبلت به واعيا ومهزوما،انطلاقا من القبول بالواقع المفروض،فلم تكن خياري الواعي،بل المفروض قسرا.

واقعيتي السياسية هي التي حكمت ولا تزال تحكم تصرفي وتفرض اعترافي بالمواطنة المفروضة علي.

اسرائيل هي الدولة،بالمفهوم السياسي المتغيّر،التي فرضت نفسها علي.أصبحتُ مُواطنها رغما عنّي،فلم تكن وليدة طموحي الانساني،الثقافي والسياسي،لم تكن وليدة تطوّري التاريخي.

أحاول اغتصاب عقلي،فأ تصوّرها وطنا،فهي تقوم على أرض أعتبرها وطني،لكن ممارساتها اليومية التمييزيّة،ذات النزعة العدوانيّة على كل ما أمثّله من حلم وطموحات،شخصيّة وانسانيّة عامة،تجعل ذلك مستحيلا ".فكيف يمكن لعقلي أن ينتمي،طوعا وخيارا،لدولة يعلن قادتها،ليل

نهار،أنّ همهم وغاية عملهم هو ضمان نزع أكثرما يمكن من أرض عربية وبقاء أقلّ ما يمكن من ناسها فوقها،وهم يعملون بكل وسيلة متوفّرة لتكريس واقع يعتبرشعبي ،أفرادا ومجتمعين، غير موجودين.وما يفرحني حقيقة ً،رغم الانكسارات المتتالية والمريرة، أنني حين انظر الى ستين عاما من الهجيج القسري،أرى الشيء الأساس والثابت في منطقتنا،وهوأنّ اسرائيل–وان كسبت ظاهريا بعض النخب الحاكمة في منطقتنا ومنها فلسطينية –وهوماتسعى إليه اليوم لاهثة ومحاولة فرض الاعتراف بها-بدولتها العدوانية والمتغطرسة- بضغط من حكام الولايات المتحدة وتخاذل مذل من بعض القادة العرب–لكنها لم ولن تنجح في ايجاد أي مرتكز،ثابت ذي مصداقية وله صفة البقاء ،يعترف بوجودها وبغطرستها.

والمفرح :

لم تقم ولا أحسب أنها ستقوم في المنطقة شريحة اجتماعية،ذات وزن ومصداقية اجتماعية وشعبية، تعترف طوعا وقناعة بشرعيّة هذا الوجود.

أدرك أنّ اسرائيل،كدولة،هي التي تتنكّرلوجودي فوق أرضي.وحتى لو قبلتُ التعايش المسؤول والقبول بوجودها،فانّها ستعمل جاهدة للحيلولة دون ذلك.

وأعجب من كلّ أولئك،الذين يصرّون على قلب المعادلة في التعامل معي،فيريدونني الاعتراف بنكران وجودي ويتجاهلون،بغباء قاتل،أن اسرائيل هي التي تتنكّر لحقيقة وجودي الجمعي، لثقافتي،حقوقي الانسانية ولتاريخي.

فأنا لا أرى الحكمة والواقعية والمرونة في التسليم باغتصابي،ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

أفهم من يطلبون مني بحرص ومسؤولية وغيرة صادقة أن أبحث،بجدّية،عن فرصة تمكنني والانسان اليهودي في هذه البلاد من العيش الكريم والمحترم،لكنّ هذه الدولة تمنع عني وعن الانسان،الذي تدّعي تمثيله،كل فرصة للعيش المشترك،القائم على الندِّية والمواطنة الحقة والقبول بالآخر وبحقوقه.

وأنالاأستطيع القبول بالفصل الموهوم بين الدولة كمؤسسات وبين النظام الحاكم.فقد علمتني التجربة أنّ هذه المؤسسات،كالكنيست والشرطة والقضاء،تضفي،تشرْعِنُ وتحرس ما هو في الواقع "شرعية"أمراغتصابي.وقد أسقطت نفسها في كل امتحان تعاملت معي من خلاله.ولا يغيّر في هذه الحقيقة أن أكثريّة الناس اليهود العاديين،الذين قبلتُ بالتفاهم والتعايش النديّ والمحترم معهم،يؤيّدون بغباء قاتل ممارسات هذه الدولة!

فكيف أعترف طوعا بدولة ترى فيّ عائقا بشريا لامتداداتها التوسعية وسعادتها.

ما من مصلحة انسانية،حقيقية وكريمة تربطني بهذه الدولة وإن كنت بقيت مواطنا فيها،فلأنَّ هنا بيتي،هنا ولدت وهنا كبرت وهنا كانت مراحات صباي وشقونتي وعشقي الأول وهنا أرضي وناسي وحلمي بعالم آخر أطمح أن أعيش فيه وهنا أحب أن أموت وأن أدفن.

ولأجل كلِّ ما ذكرت رضيت البقاء،تحملت الألم والمهانة،صبرت وصابرت،لأن بقائي(أعني بقاء هذا الجزء من شعبي) خير دليل على عمق جذور من أبعدوا من هنا قسرا ليبدأوا حياة الشتات وشرط عودة المهجرين من الأبناء والأحفاد في غد ٍقريب.


لا أستبعد احتمال أن يصير الدمج بين اليهود والعرب في المستقبل غير المرئي حلاّ للمشكلة،لكن مثل هذاالدمج ،كيلا يصير هزيمة،الحاقا واذابة،يفترض أن تتوفرفيه الندية الحقيقية والاحترام المتبادل،احترام الآخر والذات.


.....


قد تفرض اسرائيل نفسها،وبدعم العالم"المتحضر" أولامبالاته،على ا لنخب الحاكمة وغير الحاكمة،فلسطينيّة وعربيّة،لبعض الوقت،لكنّها لن تحظى بقبول الأكثرية ،أكثريّة شعوب المنطقة ومن ضمنها الشعب العربي الفلسطيني،على المدى البعيد.

فالدول،علمت التجربة الحياتية،تدول وتزول،ولن يبقى الاّ الناس،من يحسن التفاهم مع جيرانه. ولن يفلح طويلا من يحسب أنه يستطيع العيش على حراب.

من الواضح أنّ اسرائيل اليوم تحاول تكريس تفوّقها النوعي على ما حولها من كم،لكن هذا الكم، رغم حقيقة خموله ومحاولات تمزيقه وبعثرته،وهو ما نشهده اليوم في سوريا ولبنان وقبلها في العراق وفي فلسطين،سيتغيّر وضعه ذات يوم،آت لا محالة،ويتغيّر وا قع منطقتنا،سيتبد ّل وعي ناسه،كل ناسه من مختلف الأعراق والألوان، وان يكن بعد آلام معاناة وجراحات موجعة لطرفي الصراع،كنت كم أتمنّى لوأن شعوبنا،عربا وآخرين،تستطيع تفاديها.

ولكن كم يخطيء الاسرائيليون كثيرا،حين يندفعون تجاوبا وانسياقا مع من يريدون دفعهم واندفاعهم المميت،متناسين حكمةالحياة:

"أن الجزيرةتخطىء كثيرا،حين تناصب المحيط العداء".


قامت اسرائيل في غفلة من الزمن وتوطدت قوتها العسكرية والاقتصادية في زمن كان حكام البلدان العربية،ِكما هو اكثرهم اليوم،ناسا عاجزين،اشغلتهم عما ينبني أمام اعينهم الغافلة تبعيتهم

المذلة للأجنبي الطامع بما في بطن أرضهم وكانواناسا بسطاء مثل شعوبهم.ولم تختلف أكثريّةالقيادات الفلسطينية المختلفةعن الحكام العرب،من حيث التخلف والتبعية والعجز وضعف الرؤية.

ولكن سينشأ جيل يعي حقيقة ما حد ث وحقيقةما هوحاصل من غبن تاريخي ويتعامل مع هذا الواقع ،مدركا لضرورة تغييره أو رفع بعض مظالمه،إن صحَّ اعتبار ماحدث مظالم فقط.

لئن كان أبي مثّل جيل الهزيمة،أو ما وصفناه بالنكبة والهجيج،ومثلتُ جيلا لم يحسن إدارة الصراع،رفضتُ نتائج الهزيمة،لكنني لم أفلح في ايجاد حل معقول وممكن لواقعي،يأخذ في الحسبان المصالح الحياتية للانسان العربي–الضحية- والانسا ن العادي اليهودي المغرّر به،فانّ جيلا سيولد لن يقبل بالغبن الحالي.


.....


اسرائيل،كدولة،هي في الحقيقة أكبرعملية سطو،استهدفت الانسان وما يملك واستهدفت الأرض في العصر الحديث.وقد تمّت بتواطؤعالمي وعربي ومستفيدة من تخلف مريع للانسا ن الفلسطيني ذاته.فلم يكن هذاالانسان قادرا ومهيّا،من حيث الوعي أوامكانيّات الاستيعاب الاقتصاديّة،ولم تتوفّرله القيادات السيا سية المهيأة لدرء مثل هذا السطو العنيف وتقديم خياروبديل مقنع وآمن لمن اقتيد،بحكم الظروف وغيرها،وجيء به،بمختلف الوسائل والتبريرات الى البلاد،التي كان ناسي تسكنها.فلم يكن الفلسطينيون مجتمعا متكاملا،متلاحما وموحّدا،يمكّنه وضعه من الدفاع عن نفسه.

وكان فوق كل هذا شعبا مستعمرا،تحكمه قوى أجنبيّة،طامعة ومتغطرسة،كل همّها نهب ما كان لديه والاستفادة من بلاده كمنصّة انطلاق لمزيد من التوسّع والهيمنة،وخلق المقدّمات الكفيلة بنشوء حكم مرتبط بها،من ناس غير ناسه وغيرناسي.

لكنني،وأناأعصرذاكرتي وعقلي لأفهم حقيقة ما حدث وما زال يحدث،أجد نفسي مسا ئلة نفسي:

هل يسوّغ التخلّف قتل المتخلف أو نهبه؟

وأيّ منطق هو هذاالذي يسوّغ ويُجيز معاقبة الأبناء بجريرة أخطاء،يُزعَمُ وقوعُها،ارتكبها

الآباء والأجداد؟أو بسبب "عاهة" اجتماعية كانت فيهم؟


.....


أحاول جاهدا فهم ما حدث في عام 1948 ،فلايستطيع عقلي الصغير تسويغ ماجرى.حقيقة، انتصر الجيش اليهودي المعد جيدا لتلك الحرب،وانهزم الناس البسطاءوالفقراء،فيما كان سيصبح مدنا وفي الريف،وصدرت أوامر الانسحا ب والتسليم لمن قيل إنه جاء يدافع عن البلاد،فأتقن تسليمها. وأسفرت "الحرب"،أو الأصح القول حرب الترحيل المخطط والقسري،عن هجيج فظيع لناس كثيرين من ناسي،وهدمت أبنية كثيرة.وهو ما يرافق،عادة وللأسف،الحروب التي عرفها التاريخ لانساني المكتوب،لكن ما أسفرعنه انتصارالقوات اليهودية الغازيةأمر فظيع،مريع وفريد في التاريخ الانساني، القديم والحديث.فقد جرت العادة في الحروب أن يُجلى نا س كثيرون هرباً وطلبا للنجاة من أوارها ومن بريق أسلحتها،لكن حين تهدأالحرب ويستقر السلم،يعود من يرغب الى بيوته وأراضيه في ظل الواقع الجديد الذي فرضته الحرب.

أما الدولة الجديدة،اسرائيل،التي قامت في اعقاب هذا القتال،الذي كان في جوهره من طرف واحد،فأخذت ترسم مستقبلها وخططها على منع من كانوا أصحاب الأرض الأصليين،منعهم بالقوة المسلحة من العودة وتدّعي أن احتلالها اكتسب شرعية من بطون أقدام الجنود المندفعين خلف الهاربين من موتهم،"فحيث تصل بطون أقدامكم يكن تخمكم "،كما ورد في الأساطير التوراتية الأقرب إلى الخرافات .


ألقوّة لا تكسب شرعيّة،حتى لو اعترف المهزوم بها.والاحتلال الجديد(حزيران1967)لايكسب الاحتلال القديم أية شرعية.


وأنا حين أقول ذلك،فانني أميّزجيّدا بين الدولة،كواقع سياسي،كأداة قهرفي الحقيقة،وبين الانسان اليهودي العادي،الذي كم ترقبتُ أن يفتح عينيه واسعا على حقيقة ما ارتكب هو شخصيا وما ارنكب باسمه وصمته من موبقات وجرائم ونشرع كلانا،هو وأنا،نبحث عن حلّ ممكن،لا أقول حلا عادلا فالعدالة تفترض عدم تواجده في هذا الوطن ،حل معقول،عمليّ ومنصف قليلا ونسبيا له ولي،للخروج ممّا نحن فيه،من الواقع اليومي الذي نعيشه،بكل محنه وقساوته. وان كنت أدرك أ نّ الكثيرين من ناس الدولة مضلّلون ومسيّرون،الى ذبحهم وذبح الآخرين معهم،بقناعات دينية، هي أقرب الى الأساطيروأنّ هذه البلاد تمثل وعداربّانيا،اعطي لهم،لأجدادهم قبل آلاف السنين، وأنّها كانت يبابا ولم تكن،ذات يوم مسكونة بأهلها،ناسي.



***


أسائل نفسي أحيانا:

أحقالايعي القاطنون في سمخ وغيرها أنّ هذه أرض مسلوبة؟و أنّ سكانها الأصليين،أولادهم وأحفادهم،يعيشون في الشتات القسري ،المذلّ ويحلمون بالعودة والحياة فيما كان يوما مسقط رأسهم ومسقط رأس آبائهم، أمّهاتهم،أجدادهم وجدّاتهم.

أيّة ُأحزان ٍموجعة تملأ وجدانهم وأحاسيسهم وعيشهم اليومي؟

أحقّا ًلايحضرفي أذهان المستحمّين عند شاطىء البحيرة والمتمتعين بمائها الصافي أنّ ثمّة ناسا، آدميين مثلهم،كانوا يوما هنا وحرموا من متعة الشاطىء وصفاء مائه!

لم أشعر،يوما،بحقد أوكراهية لاي انسان على خلفية عرقية أو دينية،لكنّي كنت أكره ولا أزال صنيع الدولة،الذي هو معاد،في حقيقته،للناس جميعا،في الدولة،منطقتنا ,عالمنا الواسع.ولا

اضحك على نفسي فأوهمها أنّ الدولة هي الناس.فالدولة جهازقمع الأقلية لأكثرية الناس المستضعفين والفقراء،اليهود والعرب،على حدّ سواء.


. . .


لا يخفى عنّي،أويغيب عن عقلي ووعيي،واقع أنّ ستين عاما من استمرار الهجيج وغياب تسوية كريمة ومنصفة لمسألة الهجيج القسري،وهو واقع يرتكزعلى منطق "حق القوة"،لاالحق الانساني الموروث،هذا الواقع يجعل طريق عودتي المؤمّلة أمراغير وارد في البعد الزمني المرئي.

وكم يملأني الخوف القاتل ،حين أشعرأن ترابا غير تراب سمخ سيضم رفاتي،قبل أن أعود.

فأنا كم يملأني الخوف القا تل،حقّا،حين تدهمني القناعة:

تقدّم بي العمر،فهي سنّة الحياة،ومن الطبيعي أن أخليَ المكان للآتين من بعدي،مثل غيري، لكنني آ مل ا ن لم أعد لأعيش وأموت فيها ،أن أسهم (فيما تبقى من عمر)أسهم بقسطي مع آخرين كثيرين،يقتلهم عشق أوطانهم الصغيرة والحنين اليها،في أن أبقي شعلة الحنين وأمل الحياة مشتعلة،ولو تحت الرماد،فأسلمها لمن يأتي بعدي،ليواصل الحلم والعمل من أجل العودة المؤمّلة .

.....


أذكر،لأكثر من مرّة عرض ناس على أبي في الخمسينات،حين كنا فقراء معدمين وفي حالة مالية وسكنية مزرية،مقارنة بواقعنا اليوم الفقير أيضا، أن يقايض ما كان له ولأمي من أرض في سمخ بأرض بديلة أوببضع قروش،لا تسمن ولا تغني عن جوع،فأذكر أنّه كان يجيب :


"لا أرض لنا في سمخ،لنبادل بها،فما نملكه هو وطن".


سمخ هي وطن وليس مجرّد أرض.والناس تنتزع منهم أوطانهم لكنّهم لا يقايضون بها في سوق النخاسة،الوطن لا يباع.

و أذكر،في هذاالسياق،ما كتبه هندي أحمر،من سكان الولاياتالمتحدة الأصليين،الى رئيس أمريكي يسأله :

لم تورثون الحرب والبغضاء أطفالناوأطفالكم،فما تريدون منّا أن نتنازل عنه(من أرض)ليس لنا فالأرض هي للآلهة أعطتها أجدادنا وآباء نا،وقد أورثونها،فليس في قدرتنا التنازل عنها،فهي ليست للتنازل.

وكم أشعرأنّ هذاالهندي لا يزال ينطق من حنجرتي،فلبعض الاماكن قدسية وهكذا هي سمخ.

فسمخ هي انسا نيتي،التي كم اشعر وبأ لم،أنها سلبت مني طيلة عمري،افتقدتها،لكنّني لم أنسها.

انّها أرض ووطن ومسقط رأس.وهي فوق كل هذا انسانها وناسها.

وحين أذكر قريتي سمخ وأذكر ناسها وأرضها،تحضرني بحزن،يتعذر وصفه،تلك القصيدة لشاعرة من الأبورجنيز،سكان أستراليا الأصليين،ترجمها في " القدس العربي "

أحمد هاشم،وهي تتحدّث فيها عن" عناء الدموع "،

تقول القصيدة:



" نحيب خافت في غرفة مظلمة ورطبة ،

لاطلاء على الحيطان ، هذا ليس سبب البكاء .

ولا لأن الأرضية محطمة ،

بلا سجادة .

لا ليس ذلك سبب البكاء.

ليس لأن الأطفا ل لا يوجد ما يسد رمقهم في العشاء

ليس انعدام السرير والبطانية

ليس لأن زوجك أدمن الكحول . لا .

ليس عدم المساعدة وعدم اهتمام الآخرين .

سبب البكاء: لأنهم أخذوا روحك ، طفلك .

سبب البكاء : لأنهم سرقوا أرضك

الأرض التي هي جذورك منذ البدء

هذا هو سبب بكائك ، حبيبتي ،

انّك تبكين أرضك ".


فالأرض،الوطن،هي الروح وهي الطفلة،وهي الجذور.وأنا اذ أذكر ذلك الهندي الأحمر وتحضرني قصيدة الشاعرة الأبورجينيزية،فذلك لأنني أحس بوحدة الألم الانساني،في عناء الدموع ونبذ الكراهية وجمال الأمل ،الذي يجمع بيننا وما آمله ألاّ تتكررمأساة ومعاناة الانسان الهندي الأحمر والأبورجينيزي،في أي مكان وأي زمان وفي وطني بالذات



#ابراهيم_مالك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجد بابا نويل
- محمود درويش
- خليليَّ
- حقا هذّ بت براغ عقلي
- ايه دانتي


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم مالك - أ نا .. لاجىء من قرية سمخ(2)