|
أفياء البدلة الزرقاء
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 2634 - 2009 / 5 / 2 - 09:55
المحور:
الادب والفن
في رحاب الأول من أيار يوما قال الفقيد هادي العلوي ان تحت كل نخلة عراقية يجلس شاعر عراقي . وربما لست مبالغا ، اذا قلت نادرا ان تقابل عراقيا لم يحاول في حياته كتابة الشعر ، حتى ولو لنفسه . هذه الرغبة ، أجدها تتسلل الى روح العراقيين مع غبار طلع النخيل . وكنت واحدا من هؤلاء الذين استنشقوا الطلع ، وحاولت الاستظلال بسعفات نخلات الشعر . كنت في الثالثة عشر من العمر ، حين اعلن استاذي ، في اللغة العربية ، أبن الموصل الحدباء ، المربي الفاضل ، عبد الامير عبد الوهاب ، عن كون ما كتبته في دفتر الانشاء كان "قصة قصيرة" ، ودفعه حماسه الى ان يدور بي يومها في كل صفوف المدرسة ليعلن عن ولادة كاتب عراقي ـ مرة واحدة ! ـ . هذا الاعلان جعلني اودع طفولتي باكرا، والنظر بجدية الى ما يعنيه لقب الكاتب ، فكان ان غرقت بالقراءة ورحت أسعى لأكون هذا المعلن عنه . ولعدة سنوات كنت مشتتا وكدت اضيع بين العديد من الانواع الادبية . كتبت للمسرح ، نصوصا متواضعة قدم بعضها في البيوت من قبل فرق اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ، وكتبت نصوصا حماسية للمسابقات المدرسية في الخطابة ، وواصلت كتابة القصص القصيرة الساذجة وبعضها بـتأثير الاحداث وما اقرأ ، وبالطبع، ومثل كل عراقي تعلم فك الحرف ، حاولت كتابة الشعر أيضا !! في سنوات دراستي الجامعية ، في البصرة ، عملت مراسلا لطريق الشعب . العمل الصحفي وبشيء من الاحتراف رسخ عندي القناعة بأن النثر والقصة تحديدا هي مجالي الارحب ، وهي بيتي المناسب ، فالصحافة علمتني الاحاطة بالتفاصيل وملاحقتها لتعزيز قدراتي في الكتابة . لكني لم اتوقف عن خربشت نصوصا اسميها شعرا ، فثمة افكار تداهمك وتظن انها بذاتها تختار شكل كتابتها . الامر هنا ربما مرهون بكيمياء الروح ! ويوما ، في البصرة ، وكنت دون العشرين من العمر ، مترعا بالاحلام والامنيات والحيوية ، مثل كل صحبي ورفاقي نحلق عند حواف الحلم مع كل فجر يوم جديد ، وفي حفل طلابي ، كنت اجلس قريبا الى الباب حين التفت لارى في أطار الباب فاتنة توشك على الدخول . النور يغطيها فتبدو كملاك . فاتنة بثوب ازرق . وثمة من ناداها فالتفت ، تطاير شعرها ، فأهتز قلبي . عند تلك اللحظات الحميمة ولدت سطور عفوية ، فيها شيء من روح وشعر نزار قباني ، راح الاصدقاء المقربين مني يتخاطفوها . صار لها عنوان مباشر جدا : " ذات الفستان الازرق " ! . في النص ، المتواضع ، الذي ولد في لحظة الاعجاب الخالص ، كتبت عن فاتنة يسبقها الضوء على مدخل الباب فتبدو كأنها ملاك ، عن الازرق الذي ملأ المكان بهاءا ، عن شعرها الذي يتناثر فيجعل القلب يرتجف . ونشر النص في عدد من دورية "المرفأ" ، التي كانت تصدر كل اسبوعين في البصرة ، وأذكر أن رئيس تحرير المرفأ أشاد بالنص عند نشره . لدواع مختلفة ، كتمت عن أصحابي شخصية الفتاة المعنية في النص ، والذين راحوا يتبارون في التخمين ومحاولة معرفتها . راح اصدقائي ، وكثير منهم احياء ويتذكرون تلك الوقائع ، يقودهم الشهيد الغالي "وافي كريم مشتت"* ، يدفعون بي مرات عديدة في التجمعات الطلابية الى قراءة ذلك النص بالذات . كان ذلك يحدث بدوافع عديدة ، ربما منها الاعجاب بالنص ، ومنها المشاكسة ومحاولة احراجي ولمراقبة ردود فعلي لمعرفة هوية ذات الفستان الازرق ! ولكن ، هل يفهم البعثيون العفالقة وجلازوة منظمة الاتحاد الوطني كل هذا الذي تقدم ؟! في يوم من أيار عام 1976 ، وبعد ايام من قراءة النص في سفرة طلابية ، جرجروني من نادي الكلية الصغير ، الى غرفة منظمة البعث الطلابية ، المسماة الاتحاد الوطني . خلف الطاولة كان هناك وجوه لم تكن من طلبة الكلية ، وكان أحد كوادر الاتحاد الوطني ، الذي صار فيما بعد رئيسا له في كلية الادارة والاقتصاد ( الاخبار تقول انه قتل في الحرب مع ايران ) يقرأ بعصبية في ورقة أمامه مجموعة من الاسئلة . كانوا يريدون ان يفهموا، ماذا اعني بقولي : " ذات الفستان الازرق " ؟ هل هذا يعني الطبقة العاملة وبدلتها الزرقاء ؟! وماذا يعني "لأنتفاضة شعرها يرتجف القلب " ؟! وتساءل بغضب احد الغرباء عن الكلية عن معنى : " نظراتها تحمل النور" ؟! كان يهتز وهو يتكلم ويريد أن يعرف أي نور أقصد ؟! ولاكثر من ساعة ، والنقاش والتهديدات تدور في ذات المربع الاول . ولم ينقذني من كل هذا سوى قدوم احد جلاوزة الاتحاد الوطني مضطربا ليعلن بأن عدد الطلبة من اصدقائي ورفاقي صار يتكاثر عند باب الغرفة بأنتظار خروجي ، فتركوني وثمة من يهز يده تهديدا ! لكم كان الطغاة يخافون الوان الحياة ، وكم كانت البدلة الزرقاء بهية الافياء !
سماوة القطب 28 نيسان 2009
* الشهيد وافي كريم مشتت : مواليد مدينة الثورة 1956. طالب في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة من عام 1975 . ترك الدراسة عام 1978 واختفى في بغداد . اعتقل أوائل ثمانينات القرن الماضي . قال سجناء سابقون في سجن " أبو غريب " انه اعدم ولم تسلم جثته إلى أهله .
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الباحث كورش أرارات عاشق الطبيعة والطيور
-
بطاقات أنصارية لذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي
-
بمناسبة العيد الماسي للحزب الشيوعي العراقي
-
رسالة حب مفتوحة الى أبنة رجل لا يلتفت
-
حوار شامل مع الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز
-
سفر خالد في النضال من أجل الشعب والوطن
-
حالمة حد الأشتعال !
-
لقاء مع الفنانة الرائدة انوار عبد الوهاب
-
Mamma Mia
-
لقاء مع الفنان المبدع جعفر حسن
-
من -سويله ميش- الصوت هز السماوة !
-
أنتخبوا الحزب الشيوعي العراقي ... انتخبوا المستقبل !
-
وثبة ... التي اعرفها ! *
-
السخرية في رواية كريم كطافة الجديدة *
-
فنانة فنلندية تتمنى ان تعرض افلامها في بغداد
-
العراقيون يعرفون جيدا الفائز بجائزة نوبل للسلام
-
صرخة باول بويمر !
-
الاديب فلك الدين كاكائي.......... انا وزير ثقافة لاسباب سياس
...
-
التسامح والمحبة في حكايات نبيل يونس دمان التراثية
-
كامل شياع ... انهم يعرفون كيف يوجعون قلوبنا !
المزيد.....
-
المغرب: تنصيب عضوين جديدين في أكاديمية المملكة
-
فيلم -ريبيل ريدج-.. اختبر قدرتك على مواجهة الفساد
-
” لمتابعة البرامج الثقافية طول اليوم ” .. نزل الآن تردد قناة
...
-
فيلم السهرة اليوم.. تردد قناة زي الوان لمشاهدة أقوى المسلسلا
...
-
واسط على موعد مع فعاليات مهرجانها السينمائي الدولي العاشر بم
...
-
بعد نجاح فيلم -الدشاش- جماهيريا.. هل نجح محمد سعد في استعادة
...
-
الدين مادة أساسية بمدارس مصر.. ما وجه الاعتراض؟
-
بعد ساعتين بالظبط هتشوف العظمة”.. مسلسل عثمان 178 الحلقة الج
...
-
المترجم جنغيز عبد الواحد ”فرض رسوم لخدمة الترجمة قد يؤدي إلى
...
-
الأدب السوري مترجمًا.. كيف شوّهت -سياسات الهوية- السردية الس
...
المزيد.....
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
المزيد.....
|