أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالله خليفة - إلغاء استبداد الريف














المزيد.....

إلغاء استبداد الريف


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 2629 - 2009 / 4 / 27 - 09:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تشكلت الثورة الحديثة الرأسمالية الديمقراطية في الغرب بتحويل الريف من قرى نائمة، زراعية متخلفة، إلى قوى ناهضة تتغلغلُ فيها علاقاتُ العمل بالأجرة والمكننة، وبهذا تم جعل الريف يتبع المدن المتطورة.
كان هذا من الشروط الحاسمة لخلق الحداثة واكتساح الغرب العالم كله.
وفي روسيا توجهت الثورة الديمقراطية الرأسمالية الحكومية إلى هدم العلاقات الإقطاعية والتخلف والثقافة الدينية السحرية وكل ما يترتب عليها من بؤس فكري وتخلف سياسي.
وتبعها العديد من دول الشرق في نمذجة مماثلة.
لكن العالم العربي في نهضته إلى الوراء كرس سيادة القرية على المدينة، وهو أمر ناقض حتى مستوى التاريخ الماضي المزدهر الذي لم يبلغ هذه الدرجة من تبعية المدينة للقرية.
إن هذه العلاقة معقدة مركبة تحتاج إلى حشود من الدراسات من أجل فحصها وتجليتها، ولكن هنا بعض رؤوس أقلام لهذه الكارثة التي نتوغلُ فيها كما يمشي العميان نحو الجحيم.
إن الرأسماليات الحكومية العربية التي نشأتْ قامتْ على انقاضِ ليبرالية صغيرة هزيلة، نظراً لضعف الفئات الوسطى عن التجذر في الصناعات، وبالتالي كان وصولها إلى الأرياف محدوداً وأكثر هزالة من بـُنى هذه الفئات الوسطى الصناعية، فحافظتْ على عش الدبابير القروسطي، ومنتجاتهِ السحرية والخرافية، وعلاقاته المتخلفة الاجتماعية، واحتقاره للنساء وللديمقراطية والعقلانية.
كان يمكن للأديب الليبرالي المتشكل بين ثورة مصر في سنة 1919 حتى ثورتها في سنة 1952 أن يكون ليبراليا جذريا، وأن يحطمَ المنتجات الثقافية القروسطية ولكن كيف له السبيل إلى ذلك؟ وهل كان يقدر على ذلك فكريا وسياسيا؟
لم يتخذ قادة الثورة الأولى الليبراليون هذا القرار، وهم الذين كانوا في الخندق النضالي الأول ضد التبعية والتخلف، لقد زاوجوا بين رعاية الفراخ الإقطاعية الريفية بمنتجاتها السابقة الذكر وبين القطن وتصديره وبين استعباد الفلاحين والنساء، وإبقاء ثقافة الدين السحري ومنتجاته الغيبية تسمم التطور.
ولكن المنتجين الثقافيين لم يكونوا أكثر تطوراً من قادة السياسة، وتراجعتْ ليبراليتهم وعلمانيتهم وصدأتْ سكاكينُ التحليلات الفكرية القاطعة للشوك العتيق الذي يعوق الزراعة على مستوى الثقافة والسياسة والاجتماع، فتحولت كتاباتهم إلى بكاء على الفلاح ونوح على أيامه ومستقبله، أو عروض تسجيلية فوتوغرافية لحياته أو لظروف المدينة وهربت التحليلات عن رؤية الماضي ووضعه على سكة الأرض الموضوعية وصراع الطبقات فيها، فظلت كائناته ترفرفُ بأجنحتِها في السديم السياسي، وتقررُ المصائرَ، وتخفي علاقات الصراع على الأرض، وأهمية إنجاز مهمات تحرير الأرض والدين والفلاح والنساء، التي تمهد لحرث الأرض لرأسمالية صناعية جذرية تزيلُ الحشائشَ الصفراء من الحقول.
ولم تـُعط الرأسمالية الخاصة المصرية فرصة طويلة لكي تشتغل على المسرح الاجتماعي، فقد جاء الريفيون من الجيش وخلقوا ثورة أخرى، ظهرت على أسس مغايرة، وتستند إلى شموليات غائرة، وقد جاء الرأسمالي الريفي المتخلف ليفرض مقاييس اجتماعية أقل كثيراً من ديمقراطية المرحلة الليبرالية السابقة، كان أكثر وطنية ولكن هذه الوطنية من أجل أن يُبعد أثر الغرب الديمقراطي الضار، فهو خائف على العائلة المتعددة الزوجات، وعلى الدين وعلى المنتجات الثقافية العتيقة المنتهية الصلاحية، ويرفض التعددية والعلمانية والديمقراطية، ويريد كذلك أن يطور الاقتصاد، ولكن تطوير الاقتصاد بمثل هذه العقلية يعني تقديمه للبيروقراطيين يتلاعبون به، فهو رغم حديثه عن الثورة لم يكن ثوريا، لأن الريف لا يقود ثورة، بل يقضي عليها.
حين نفحص تاريخ الضباط الأحرار والقرى التي جاءوا منها، وأفكارهم القروية العائشة في العصور الوسطى، سنجدهم بعد ذلك تحولوا إلى المهيمنين على المدينة وجعلها قرى مفككة متخلفة.
فقد نخروا الفوائض وأسسوا الشركات واستولوا على العقارات وكونوا الأحزاب الحكومية المسيطرة على الحكم، وكان الأديب منهم رومانسيا يحن للقرية، ويكتب روايات للمراهقات العفيفات، وبهذا فإن أدوات العقلانية التحليلية للواقع، وكشف صراع الطبقات المتواري المضبب في الأغاني الحماسية الوطنية، قد ألغيت، وتمت مصادرة النقد العميق والحفر العلمي في المنتجات الفكرية المعرقلة للتطور، بل تمت الإضافة إليها وأخرجت غيلانها من المقابر، وُوسع انتشارها في الحياة اليومية وكثرت العفاريت في الشوارع، وتوحدت مع "البلطجة" السياسية، وأهدرتْ دم المواطنين، وجُعلت المحاكم أدوات لاعتقال العقول ومحاكمة الفكر الحر وللدخول في ضمائر الناس، وتمت إعادة الحروب الطائفية والدينية وغيرها من ظاهرات العصور الوسطى البغيضة.
ليس ثمة دهشة في أن يُكملَ الطائفيون المسيرة المظفرة للضباط الأحرار، لضرب العقلانية والحرية، لقد جاءوا فوق تراث غزير من ثقافة القرية وتكميم الأصوات واحتقار النساء وإعلاء الخرافة، وهيمنة الشرطة، وسواء كانوا في أجهزة الحكم أم خارجه، فإنهم يرفضون أن يبتعدوا عن الهيمنة على عزبة مصر، فقد أعطيت لهم ولأولادهم وأحفادهم إلى أبد الآبدين، فلم يكف الريف عن تدمير نفسه فقط والهجرة من الأرض بل حول المدينة نسخة منه، نسخة تغرق يوميا في تخلفه.





#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدارة الصراع بين شموليتين
- قوانين متدرجة للأسرة
- إشكالية الرأسماليات الحكومية الخليجية (2)
- إشكالية الرأسماليات الحكومية الخليجية (1)
- النبوة وعظمة المرأة
- التخلف مسئولية من؟
- القمة العربية: خطابات مجردة
- الهوامش والمراكز
- رأسمالية رثة.. عمالة رثة
- عولمة الرأسمالية
- تغييرات سياسية على حساب التجار
- البرامج الإسلامية للحركات التقدمية
- تطورات الرأسمالية الحكومية الروسية
- مرحلة علمانية ديمقراطية تمهيدية
- أزمة اليسار
- رأس المال الشرقي
- سراب الديمقراطيات العربية
- المحافظون الإيرانيون والطريق المسدود
- العلمانية ورأس المال
- المرأة ودكتاتور الأسرة


المزيد.....




- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- التيتي الحبيب: قراءة في رد إيران يوم 13 ابريل 2024
- أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالله خليفة - إلغاء استبداد الريف