أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الجباري - الارهابي















المزيد.....

الارهابي


كامل الجباري

الحوار المتمدن-العدد: 2615 - 2009 / 4 / 13 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


جلس أبو حسن على أحد أكياس الطحين المرصوفة في المخزن ، وهو يتابع الحركة البندولية لعاملي السحب من ماكنتي السحب إلى (ريز) أكياس الطحين المرصوفة على مسافة قريبة من المكان ، وبالعكس . يقوم عامل السحب بالباس الكيس في فتحت الماكنة المدورة وما أن يمتلئ حتى يقوم بتلقيم الماكنة كيسا آخر ثم يرصف الكيس المملوء في مكانه من الريز . بينما يقوم عامل التحميل (المشيلچي) برفع الأكياس على أكتاف زملائه من العتالين الذين يقومون بدورهم برصفه في سيارة النقل التي تقف أمام باب المخزن .
نظر إلى رقاص ساعة المخزن الكبيرة في حركته الرتيبة مقارنا بين حركته وحركة العمال المكررة في رواحهم ومجيئهم . كانت وجوه العمال التي تتعاقب أمامه متشابه .. العيون الجاحظة تحت ضغط الكيس ، المستقر على الكتف والمستند على الرقبة ، فيما كانت نظرات عيونهم خابية وغير معبرة .. يؤكد ذلك تشابه تعابير وجوههم .
راقب الأطفال بدهشة الخطوط المنسقة لارتال من النمل حيث تذهب إلى مكان ما لترجع بعد ذلك حاملة حبيبات الحنطة لتخزنها في مخازنها تحت الأرض . امسك حسان عودا من الخشب ليقطع به رتل النمل فيحرفه عن مساره وسط ضحكات رفاقه وهم يرون ارتباك النمل وتشتته شمالا ويمينا . ما أن رفع حسان العود حتى انتظم النمل مرة أخرى في مساره فيما انتقل الارتباك أليهم .
- كيف يفعل النمل ذلك بدقة رغم حجمه الصغير جدا ؟!
- يبدوا إن له عقلا كبيرا . أجاب حسان .
أفاق أبو حسن من ذكريات الطفولة واعترض رتل العمال .
- أبا حسن .. أرجوا أن لا تكون قد أصبت بأذى ؟
قال ذلك العامل بعد أن صدم أبا حسن بكيس الطحين لعدم انتباهه لوجوده . ضحك أبو حسن مجيبا :
- كلا .. يبدوا إن الإنسان يحتاج إلى استعادة طفولته أحيانا .
- فوق .. قال العامل المشرف على الحساب للعتال الذي قام بإلقاء الكيس في أعلى الريز . فوق .. تحت .. الزاوية ، ثلاث كلمات يستخدمها فقط فيما يقتل الوقت بممارسة العاب هاتفه النقال . نشب فجأة شجار بين العمال وتعالت أصواتهم ..
- صلوا على نبيكم .. انتم إخوان .
- اتركهم فهم هكذا على الدوام ، يتشاجرون ثم يتصالحون .
قال العامل المشرف على الحساب ذلك لأبي حسن . العمل في معمل شيء جديد على أبي حسن حيث مارس أعمال هامشية بعد تخرجه .
- لماذا لا تبحث عن وظيفة .. ما فائدة الدراسة وتعب السنين ؟
- لا أريد الدخول إلى عش الدبابير برجلي – قال أبو حسن لزوجته – أن تكون موظفا بالدولة يعني إنك في قبضتهم .
أغلقت أبواب المدرسة وجمع المدير الطلاب .
- سنخرج بتظاهرة ومن يتسرب سوف يعاقب .
كثر تسرب أبو حسن وبذلك كثرت محاسبته .
- سأشكوكم إلى مدير التربية .. لقد خالفتم تعليمات الوزارة .
أحتج أبو حسن على مدير المدرسة وقد ورمت كفاه من الضرب المبرح بالعصا .. لكن الإدارة لم تكف عن إجبار الطلاب .
- المدرسة مدرستنا .. ومن لا يعجبه الأمر فليغادرها .
أجاب المدير بذلك على تساؤلات الطلبة واحتجاجهم . قرر الطلاب الإضراب .
ألقي القبض على أبي حسن وعدد من رفاقه بتهمة التحريض على الإضراب وقيادته . تم التحقيق معهم في مديرية الأمن .
- أنت معادي للحكومة .. ما هو انتمائك السياسي ؟
قال ذلك مدير الأمن لأبي حسن حيث نظمت له (صحيفة أعمال) . منذ ذلك الوقت صار من المشبوهين .
- ما يصير مثل الناس .. كلهم صاروا مع الحكومة .. أكثر من فلان وفلان .
قالت جارتهم لزوجته .. تذكر أبو حسن قريبه أبو مؤيد الذي كان يقارب السبعين عندما طلب منه مدير الأمن أن يتعاون مع الحكومة .
- أنت مناضل قديم ونحن نرغب في انضمامك إلى الحزب .
نظر أبو مؤيد في وجه مدير الأمن المتجهم مليا ، ثم أجاب :
- إن الفكر ليس قميصا لأبدله حسب الطلب .
- ستدفع الثمن غاليا . بعد أشهر قليلة أعتقل أبو مؤيد ليموت تحت التعذيب .

- زرقاوي ، ماذا تحمل في الكيس ؟
قال ذلك أحد العمال ممازحا لفاضل .
- إنه يحمل عبوات ناسفة .
امتلئ المخزن بضحكات العمال فيما انتزع فاضل ابتسامة باهتة من بين مظاهر البؤس التي افترست ملامحه .
- لقد بلغونا بإخلاء المتجاوزين على العرصات ومنحونا أسبوعا لإخلائها .
ثمان سنوات وهو يحارب من أجل الوطن – هكذا قالوا له – وما أن انتهت الحرب حتى وجد نفسه ، مثل الكثيرين ، بلا مستقبل ولا وطن صغير يأويه وعائلته الكبيرة .
- لقد ضيعونا كما ضيعوا الوطن .. قال له صديقه ذلك بمرارة .
انتبه من شروده على صوت زوجته اليائس .
- فاضل ، بربك إلى أين سنذهب ؟
ابتدأت نشرة الأخبار بخبر سار إن ميزانية الدولة لهذا العام قد قاربت السبعون مليار دولار . تأمل غرفته الوحيدة التي بنيت من الطابوق الأسمنتي (البلوك الأسود) وهي الحصيلة الوحيدة التي استطاعت مدخراته البسيطة الحصول عليها .
لم يمتلك فاضل يوما عملا ثابتا . بل إن جل أعماله موسمية ومن ذلك أعمال مؤقتة في الأراضي الزراعية .
- هل نجد عندك بعض الماء ؟
قال له أحد أفراد الدورية العسكرية . سقاهم الماء ثم أستأنف عمله فيما كان أفراد الدورية قد انتشروا بين أشجار النخيل .
- دعهم يهدمون الغرفة على رؤوسنا .. أين نذهب ؟
قال ذلك متبرما بعد أن أعياه التفكير بالوصول إلى حل .
- أرفع يديك .. قال له أحد أفراد الدورية التي عادت من البساتين المجاورة، فيما كانت بنادقهم مصوبة نحوه بدقة . قيدوا يديه وعصبوا عينيه ثم القوا به في الهمر .
- قل في الحال وإلا .. متى دفنت الصاروخ في البستان ، ومن كان معك ؟

قال آمر الوحدة التي هاجمت مدينته – بعد أن ثار أهلها احتجاجا على نتائج الحرب – وهو يأمر جنوده .
- أضربوهم بالصواريخ .. أضربوا الخونة .
تحايل فاضل ، كما فعل الكثير من الجنود ، على الأمر بنزعهم كبسولة الصاروخ كيلا ينفجر .

- والله لا علم لي بالأمر .. هذا أول يوم أعمل فيه في هذه المنطقة .
- أخرس .. إرهابي .
بكى فاضل كثيرا عندما شاهد ، للأول مرة ، ديكا مذبوحا وهو يقفز من الألم . لم تفلح كل محاولات الحاضرين لترضيته .
- لا تبكي ياولدي .. سيكون عشاؤك اليوم دسما .
قالت أمه ضاحكة وهي تحتضنه ولكنه أزداد بكائا .
أطلق سراحه بعد شهور بعد أن أثبتت فحوصات خبراء المتفجرات إن الصاروخ من بقايا الحروب السابقة التي عاشها البلد .

انتشرت الهمرات في نظام معركة وهي تطوق البيوت البائسة للمتجاوزين . باشرت (الشفلات) في هدم البيوت . تناهى إلى سمع فاضل زئيرها وهي تزيل أكداسا كبيرة من الأنقاض . انهمرت الدموع من عيني أمه العجوز فيما أمسك بعضادتي الباب بقوة وصرخ .
- إن كان ولا بد ، فليهدموا البيت على رؤوسنا .



#كامل_الجباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرفيق بوش والراسماليون الجدد
- شجرة الصفصاف
- الإنسان وأساطيره
- هلوكوست غزة
- إشكالية كركوك
- شاهد من الزمن الجديد-4-
- مشاهد من ‘‘الزمن الجديد’’ -1-
- الإشكال اللبناني
- قصص قصيرة جدا -الحكاية الرابعة عشر لهلكان العريان
- رسائل (هلكان العريان)الثانية والعاشرة
- وقيدت ضد مجهول-الحكاية الثامنة لهلكان العريان
- المختصر المفيد في شرح قانون النفط والغاز الجديد
- طبقة الاوزون العراقية


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الجباري - الارهابي