أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوحنا بيداويد - كي لا تسقط بابل الثانية من جديد















المزيد.....

كي لا تسقط بابل الثانية من جديد


يوحنا بيداويد

الحوار المتمدن-العدد: 2601 - 2009 / 3 / 30 - 07:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


امام تيارات العولمة العاتية المفروضة على عالمنا، امام نظريات الفكرية الفجة التي مزجـت الحقيقة بالاسطورة في واقعنا، امام الحروب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المفتوحة علينا عن طريق الدولار وقيمته المتغيرة، امام الصراع الكبير بين المدارس الفكرية القديمة وقيمها المستخلصة من التجارب العملية وبين المدارس الحديثة والفكر الجديد المملوء من الحيوية، المتميز بكافئته العالية وشكله الجذاب، يمتلء الانسان من الخيبة والحيرة في تأملات وافكار مقلقة. يرتعب الانسان من الطريق المجهول الذي بلطته المعرفة الانسانية اليوم وحضارتها غير المستقرة التي تعوّدت كفتاة مراهقة على تغيير فستانها كل ليلة كي توقِع غريمها في شباك انانيتها القاتلة. في كثير من الاحيان أُشّبه هذا العصر بالسيارة المتحركة التي فُقِد السيطرة عليها فما علينا سوى الانتظار لمشاهدة طريقة توقفها.
ليست هذه المقدمة نظرة تشاؤمية قاتمة عن المستقبل، بل هي وصف دقيق للحقيقة التي نعيش ونمر فيها. فإذا، عدنا إلى الوراء قليلاً ودرسنا سيرة الانبياء والرسل والمفكرين والمصلحين نكتشف ان العالم مر في مثل هذه الظروف سابقا وان كانت على مقياس اصغر، لقد كانوا بالفعل انبياء حقيقين في فكرهم الرائد وروحانيتهم العالية، في حدسهم الدقيق للمستقبل وقلقهم وحرسهم على البشرية ولذلك كانوا سّباقين الى البحث وايجاد الحلول الموضوعية لمشاكل مجتمعهم ولوضع التعاليم والافكار التي تُسيرالمجتمع وبتالي تحميهِ وتصونه من الضياع .وترفعه من خلال زيادة الوعي لدى الفرد وتحمله المسؤولية بأتجاه اخيه الانسان وتمنعه هذه المبادئ من السقوط في الخطئية اوالرذيلة اللتين لا تقودانه إلا الى الوراء والعيش بحسب قانون المكيافيلية " الغاية تبرر الوسيلة". فهؤلاء المصلحون كانوا كالفلاح المستمر بقلع الاشواك والنباتات الغريبة من حقله والمستمربحراسة و بترميم سياجه امام اللصوص والذئاب المفترسة .
ان قوة الخير والصلاح في هذا العالم هي دومل في صراع مرير مع قوة الشر والشعور بالنقص المناقضة لها، هذا الصراع هو من اجل خلق هوية الغد وماهيته وملامح وجوده ومصيره وقياساته. نعم هناك صراع غريب داخل كل مجتمعاتنا، بين الراغبين في التجديد وبين المتمسكين بالقديم، بين الراغبين بالجريان مع التيار العام دون التفكير، الذي بدأ يقلع كل شيء له صفة الماضي ويزيل اثاره وبين المتمسكين والمكتفين بالماضي من جراء الخوف اوالقلق اللذين يسببان خفقان في قلوبهم ازاء الصعود والنزول المفاجئ في الاخبار المقلقة غير السارة المتكررة يوميا في عالمناً.
صراع بين اصحاب الفكر الماضي وقوانينه وقواعدهِ الذي اصبح منبوذاً بسبب إكتفاء الانسان من تطبيقاته في الحياة كالاقداح التي لا يرغب شرب الماء فيها بعد ظهور اثار التاكل على حافاتها او كالرداء العتيق المرقع الذي لا يحبذ صاحبه ارتدائه فيما بعد.
يشبه هذا الصراع الموجود في الانسان بين الرغبتين المتعارضتين الموجودتين داخل كل انسان" الذاتية والموضوعية" او شبيه بصراع الموضوع مع نقيضه عند الفيلسوف الالماني "هيجل" في كتابه "علم تجسيد الروح " قبل قرنين من الزمن.
نعم، التجديد مهم لا بل هو أمر لا مفرّ منه، فمهما التصقنا بالماضي وزاد حنينُنا إليه وتقديسنا لقيمه، ومهما بكينا على اطلاله ومهما ذكرنا مواقف ابطاله الا ان العالم في تغير مستمر لا محال ، فهو كالماء الجاري في نهر الذي لا يستقر الا في البحر، فالعالم يسير، ويسير للامام فقط، والتغير يشمل كل شيء قديم فهو كالنارِ الذي يلتهم كومة القشِ.
وان سرعة التغير عند البعض كبيرة كالبرق بحيث لا تسمح لهم لفهم الولادة الجديدة لاي فكرة او الة او جهاز او نظام حتى خرجت فكرة مجددة لهم. مما يجعل اكثر من نصف العالم جاهلا عن ما يحدث في العالم وكيفية حدوثه او الهدف من وجوده بسبب سرعة التغير الكبيرة التي تحدث هذه الامور في العالم.
لذلك لا يفيد الانسانية اليوم الا نظام التغيير الانسيابي و ان التغييرالاضطرابي هو السبب الاول لكثير من مشاكلنا سواء كانت اقتصادية او اخلاقية او اجتماعية او سياسية ، فالاضطراب هو كالفيضان الذي لا يترك فرصة لاغتنام الفائدة من المياه، بل يتحول الى قوى الشر في جرفه للاشجار والبيوت و الارواح وكل ما في طريقه.
ان سرعة التغير التي نتكلم هنا هي مقاسة بحسب الفترة الزمنية التي استغرقها الانسان في العصور الغابرة في إكتشافاته، ربما سرعة الاكتشاف في اليوم الواحد الان تقابل الالاف السنين او ربما الملايين السنين لذلك العالم بحاجة الى كبح هذه السرعة العالية على الرغم من كلفتها او صعوبة السيطرة عليها الى نطاق الانسيابية .
نعم الانسيابية هي الحل الامثل لواقعنا. كي يتم خلق حالة ضمان سلام وامان لاجيال القادمة في المستقبل، وبدونها قد تنفصل حلقات الوعي لدى الانسان بعضها عن البعض ويفقد الانسان قابليته للتفاهم مع اخيه بسبب سرعة التغير والخلط واللغو التي تحصل ، وربما تتحق مقولة (التاريخ يعيد نفسه) فتسقط الحضارة الجديدة مثلما سقطت مدينة بابل العظيمة. وتضيع رموز القيم والقوانين والمنطق والاهم من كل هذا يختفي السلام والامن في العالم بمجرد انهيار في بورصات او حدوث خطأ الكتروني.

ما فائدة التجديد ان لم يكن هناك حاجة لدى الانسان إليه، او يكون تجديدا دون ان يتذوّق الانسان مرّهِ او حلاوتهِ، فعلى سبيل المثال لا زال عدد قليل من اماكن العالم يعيش في الظلام الحضاري ويمنع عن مشاهدة التلفزيون، وفي الطرف الاخر من العالم، دخل المجتمع الغربي جيل الثالث من انظمة الاتصالات.
فالحكمة هنا ليس في سرعة التجديد بل الحكمة في فهم الغاية منم تجديده او وجود ضرورة حتمية للتجديد الشيء وادراكه و تذوقه وكشف اغواره وإلا سوف نقفز مراحل او حلقات مهمة من المعرفة تؤدي بالتالي الى انفصال الماضي عن الحاضر وتضيع الحقائق والمبادئ التي تعلمناها من التجربة والخبرة سابقا، ويرجع الانسان الى نقطة البداية حينما اكتشف النار ومعنى الموت واهمية القبور وقيم الاخلاق. هذه الحلقات هي مهمة كما ظن هيجل وغيره من علماء الاجتماع والفلاسفة، لا بدَّ من مرور عقل الانسان في محطاتها وتحمّل معاناتها كي يصل الوعي الى كماله فيها، ففيها يندمج الموضوع مع نقيضه في هويّة وماهية جديدة متّحدة معا. قبل ان يبدأ عصرجديد من الصراع ضد نقيض .
لذلك مشكلة الانسان اليوم تبقى في الخطر القادم بإسم الحداثة والحضارة المتغيرة بطريقة غير انسيابية والتخلف الذي لا زال يخيم بظلامه الدامس على شعوب كثيرة بإسم الدين والقبلية والقومية والاخلاق والقيم المندثرة اوالمنحطة. وحلها ليس إلا بالتغيير الانسيابي الشامل الهادئ الذي يبدأ من ثلاث محاور مهمة سوية هي التعليم والثقافة لا سيما تعليم مبادئ حقوق الانسان الشاملة للاطفال واصلاح الاقتصاد العالمي بتثبيت قيمة الدولار وبقية العملات او اي صيغة اخرى، وبدء الحوار بين الاديان وقبول الاخر المختلف والتحاور معه بدون قيد او شروط من اجل حماية الانسانية من الاخطار القادمة مثل التلوث البيئوي والتحلل الاجتماعي وفساد السياسي والغلاء الاقتصادي وحالته غير المستقرة.

________
1 - يصف الكاتب اللاهوتي يوحنا الرسول في كتاب سفر الرؤيا سقوط بابل الاولى على يد الفرس بحدث عظيم بسبب خطيئتها، لان مدينة بابل كانت معروفة كثيرا كاول مدينة في العالم في مدنيتها. وان بابل الثانية هي تعبير مجازي - لحضارة العالمية الحالية.



#يوحنا_بيداويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يصبح الدين افيون الشعوب؟
- دراسة في ديالكتيكية هيجل
- كارل ماركس والثورة الاشتراكية
- كيف يصبح المالكي قائداً خالداً للعراقيين؟
- حركة العصر الحديث الى اين تقود مجتمعنا ؟
- الصراع الفكري بين الماديين والمثاليين حول طبيعة الكون
- الصراع بين الموضوعية والذاتية
- اسهامات فلاسفة العرب الاوائل في تطوير الفكر الفلسفي


المزيد.....




- -كيف يمكنك أن تكون حراً إذا لم تتمكن من العودة إلى بلدك؟-
- شرق ألمانيا: حلول إبداعية لمواجهة مشكلة تراجع عدد السكان
- -ريبوبليكا-: إيطاليا تعرض على حفتر صفقة لكي ترفض ليبيا العمل ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تواجه عطلا بمدرج مطار اسطنبول وتهبط ...
- الرئيس الروماني يكشف موقف بلاده من إرسال أنظمة -باتريوت- إلى ...
- -التعاون الإسلامي-: اجتياح رفح قد يوسع نطاق التوتر في المنطق ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد لا يتبنى موقفا موحدا بشأن الاعتراف بال ...
- الشرطة الألمانية تقمع تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في جامعة برلي ...
- دونيتسك وذكرى النصر على النازية
- الجيش الإسرائيلي يعلن حصيلة ضحاياه منذ 7 أكتوبر


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوحنا بيداويد - كي لا تسقط بابل الثانية من جديد