أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل علي - جدول الضرب / قصّة قصيرة















المزيد.....

جدول الضرب / قصّة قصيرة


كامل علي

الحوار المتمدن-العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


عندما استلم لبيب نتائج الامتحانات الوزارية للصف المنتهي للدراسة الاعدادية في يوم قائظ من ايام شهر آب احسّ بنشوة عارمة واعتزاز لكون تسلسله الاول على المدرسة، لقد تحقق حلمه وسيستطيع الدخول الى كلية الهندسة بهذه النتيجة المشرِّفة.
عند مغادرته غرفة مدير المدرسة والارض لا تسعه من شدّة الفرحة التقى بزميله سعد قرب البوابة الخارجية، فبادره بالسؤال وبلهفة:
-بشّرْ سعد.
اجابه سعد والالم يقطر من كلماته:
-لقد ضعت ياصديقي لقد أخفقت للمرة الثانية وسيتم فصلي من الدراسة.
-فرحة ماتمت. قالها سعد بصدق واحتضن صديقه مواسيا.
فرّق الزمن بين الصديقين وذهب كلُّ منهما في طريقه وانقطعت اخبار سعد عن لبيب الّذي حقق حلمه وتخرّج من كلية الهندسة واصبح مهندسا معماريا وموظفا في وزارة الاسكان والتعمير.
في صباح احدى الايام الشتوية الماطرة اتجه لبيب بسيّارته القديمة نحو الوزارة كعادته ولكن السيّارة توقفت لعطل طاريء في منتصف المسافة بين محل سكناه وموقع عمله. فتح غطاء محرّك السيارة وحاول اصلاح العطل ولكن عبثا، فاغلق الغطاء وجميع ابواب السيّارة وقرر تأجير سيارة اجرة للذهاب لجلب مُصلّح للسيارات.
مرّت نصف ساعة عليه وهو في انتظار سيارة اجرة وبدأ يشعر باليأس والاحباط، في تلك الاثناء أقتربت سيّارة فارهة سوداء اللون من طراز المرسيدس من موضعه فرفع يده اليمنى وهو يروم طلب المساعدة من القادم. توقفت سيارة المرسيدس بمحاذاة لبيب وفتح سائقها الزجاجة الجانبية وقال:
-ما الامر، كيف استطيع مساعدتك؟
-سيارتي تعطلت، ارجو أنْ توصلني الى الشارع الرئيسي لانّي لا اجد سيارة اجرة هنا وقد تاخرت عن الدوام.
التفت السائق نحو المقعد الخلفي وقال مخاطبا الشخص الجالس هناك:
-أستاذ ما رأيك؟
-حسنا دعه يركب في السيارة...... قالها بلهجة آمرة.
صعد لبيب الى المقعد الامامي وجلس بجانب السائق وهو يتمتم بصوت خافت العبارة الّتي كان يرددها جدّه دائما على مسامعه: إذا خُلِيتْ قُلِبتْ، ثمّ التفتَ نحو المقعد الخلفي وقال بأمتنان:
-شكرا جزيلا يا استاذ على.... ولكنه لم يستطع من اكمال عبارته لهول المفاجأة، لانَّ الاستاذ كان صديقه القديم سعد بلحمه ودمه، فاردف قائلا:
-هل أصدّق عيناي، الستَ سعداً؟
-نعم. هل انا في حلم ياصديقي العزيز....قالها سعد بلهفة وأمر السائق بالتوقف.
ترجّل الصديقان من السيّارة بسرعة واحتضنا على الطوار لبرهة، ثمّ سحب سعد صديقه وأجلسه بجنبه في المقعد الخلفي وأمر السائق بالمسير.
تأمّلَ لبيب مليّا بصديقه ثمَّ عاجله بالسؤال:
-ماهذا العِز؟ لا أصدّق ما ارى.
-لا تستعجل، سأخبرك بكلِّ شيء ولكن حدثني عن احوالك اولا.
-الامور ليست على مايرام ياصديقي، لقد تخرّجتُ من كلية الهندسة وأنا الان موظف في وزارة الاسكان والتعمير ولا يخفى عليك أنَّ ألرواتب الحكومية لا تسدّ الرمق، فالجزء الاكبر منها أخصصها لايجار السكن والقسم الاخر للطعام ومصاريف تلك السيّارة القديمة اللعينة وهلّم جرا، ولكن الا تخبرني بقصّة هذا العِز، لقد نفذ صبري.
-حسنا ياصديقي العزيز، هل تَذْكُر اليوم الّذي فُصلتُ فيه من المدرسة؟
-نعم كان يوما مأساويا.
-في ذلك اليوم أظلّمتْ الدنيا أمام ناظري، ولم ارجع الى البيت من الخجل واليأس والاحباط، فتسكّعتُ في شوارع بغداد وعندما مالت الشمس للمغيب، دلفتُ الى احدى الفنادق الحقيرة وأستأجرت غرفة للمبيت عازما أنْ لا أرجع الى البيت بعد اليوم.
توقّفَ سعد عن الحديث لبرهة وأخرج علبة سجائره وقدّمَ سيجارة الى صديقه ثمَّ سحب نفسا عميقا من سيجارته وواصل حديثه بحزن متذكّرا تلك الايام العصيبة:
-كان معي من النقود ما يكفيني لشهر تقريبا، لذلك قررت أنْ ابدأ في البحث عن عمل في اليوم التالي، وقبل انْ آوي الى الفراش أتصلتٌ بوالدي واخبرته بما عزمت عليه، وبالرغم من توسلات والدي ووالدتي فلم أتزحزح قيد أنملة عن قراري.
في اليوم التالي غادرت الفندق حوالي الظهيرة وطرقت عدّة ابواب باحثا عن عمل ولكن بدون جدوى. في ساحة الطيران قرب المَسْطَر* أقتربَ منّي كهل يبيع بطاقات اليانصيب قائلا:
-خذ بطاقة ولن تندمْ.
أجبته بضجر:
-عمّي، أنا لست محظوظا، ولنْ أنفق فلسا على هذه الاوراق.
-أبني خذ بطاقة لأنّ قلبي يحدّثني بأنّك ستربح الجائزة.....قالها البائع الكهل بألحاح.
-حسنا أعطني بطاقة واحدة.
-هل تريد رقما معيناً؟
-ليس في خاطري رقم مُعيّن، ولكن لحظة، هل عندك بطاقة رقمها ستّة؟ لقد خطر هذا الرقم في بالي لأنَّ رقم غرفتي في الفندق كان ستّة.
بحث البائع الكهل بين البطاقات ثمّ قال بأسف:
-لَمْ أجد الرقم ستّة.
في تلك اللحظة برقّ في ذهني خاطر غريب، وتذكّرت جدول الضرب، كم كنت اكره درس الحساب وبالاخص جدول الضرب وتمتمت بصوت خافت: حاصل ضرب ستّة مضروبا في ستّة هو أثنان وثلاثون.
ثمّ قلتٌ للبائع:
-حسنا ابحث لي عن الرقم 32.
بعد بحث دؤوب تهلل وجه البائع وسحب بطاقة من الرزمة وقدّمها لي قائلا وعلامات النصر بادية في أساريره:
-اليك الرقم 32.
لن اطيل عليك الحديث، أشتريت البطاقة ورجعت الى الفندق. مضت عدة ايّام وظهرت نتائج سحبة اليانصيب وكانت المفاجأة، لقد فزتُ بالجائزة الاولى.
تبدّل حالي تبدّلا سريعا..... أشتريت بيتاً كبيرا وأسكنّتٌ والدي ووالدتي معي ثمَّ اشتريتُ مصنعاً للمشروبات الغازية وحالتي المعيشية جيدة جداً كما ترى.
لَمْ يصدّقْ لبيب ما سمعه، إنَّها كقصص ألف ليلة وليلة، ولكن تساؤل جالَ في خاطره لَمْ يستطع أنْ يمنع نفسه مِنْ طرحها على صديقه سعد، فقال بلهفة:
-سعد، لقد قُلتَ قبل قليل بأنّكَ عند شراء بطاقة اليانصيب أستعنتَ بجدول الضرب، وقلتَ بأنَّ حاصل ضرب ستّة مضروبا في ستّة هو أثنان وثلاثون، ولكنَّ الناتج الصحيح هو ستّةُ وثلاثون.
أهتزّت أرجاء السيّارة من جراء ضحكة سعد وقال مخاطبا صديقه بأشفاق:
-ألى متى ستظلْ بهذه العقلية يا صديقي العزيز؟ ماذا أستفدتَ مِنْ حساباتِكَ ومن جدول الضربِ ومنطِقُكَ العقيم؟

* ألمَسْطَر....... محل تجمّع عمال البناء للبحث عن العمل.




#كامل_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدالة السماء وتناسخ الارواح
- يوسف وتفسير الاحلام
- ثورة الشّك- هل كان موسى يهوديا ام مصريا؟


المزيد.....




- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل علي - جدول الضرب / قصّة قصيرة