أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل علي - ثورة الشّك- هل كان موسى يهوديا ام مصريا؟















المزيد.....


ثورة الشّك- هل كان موسى يهوديا ام مصريا؟


كامل علي

الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



7- هل كان موسى يهوديا ام مصريا؟:
لطالما اثار قصة موسى في نفسي تساؤلات عديدة، فهذا النّبي الّذي اسّس الدين اليهودي هو اول صاحب كتاب سماوي وأحَد الانبياء الّذين كلّموا الله مباشرة دون وساطة الملائكة.
لنلقي اولا نظرة على ملّخص هذه القصّة كما وردت في الكتب السماويّة:

بعد استقرار ابناء اسرائيل(ابناء النبي يعقوب) في مصر تحت حماية النبي يوسف، تكاثروا هناك وعاشوا عيشة راضية، ولكن بعد وفاة الفرعون حامي النبي يوسف، جاء من بعده فرعون اخر لم يكن كسلفه متعاطفا مع العبرانيين.
بعد وفاة النبي يوسف بدات معاناة ابناء اسرائيل في وطنهم الجديد مصر حيث اصبحوا يُعاملَون معاملة العبيد.
حَلُمَ الفرعون حُلما عجيبا، فراى في منامه نارا تخرج من بني اسرائيل فتحرقه وتحرق مُلكَه، فاستيقظ مرعوبا واستدعى كهنته لتفسير هذا الحلم.
فسّر احد الكهنة هذا الحلم وقال بانّ صبيّا من بني اسرائيل سيولد وسيغتصِب مُلك الفرعون.
صَدَّقَ الفرعون النبؤة وامر بقتل جميع مواليد العبرانيين، لذلك انتشرَ جنود الفرعون في ارجاء مصر وارتكبوا مجزرة بشعة بحق اطفال بني اسرائيل.
عندما طرقت هذه الاخبار اسماع والدة موسى وضعت وليدها في صندوق خشبي وتركته تحت رحمة تيار نهر النيل، بعد فترة وصل الصندوق بحمله الى الشاطىء المحاذي لقصر الفرعون فالتقطته زوجة الفرعون وقررت تبنّي موسى.
ترعرع موسى في القصر الفرعوني واصبح شابا يافعا وقويا.
في احدى الايام وبينما كان موسى يتنزّه في السوق استنجد به احد العبرانيين الذي كان في خضم شجار مع احد المصريين فلبّى موسى النداء وشمّر عن ساعديه لنجدة العبراني وضرب خصمه المصري ضربة قاضية ومات الرجل على التو.
انتشر خبر الجريمة ووصل الى اسماع الفرعون فامر بالقبض على موسى لينال جزاءه العادل.
للنجاة من العقوبة هرب موسى الى خارج مصر ووصلَ بعد سفرة شاقّة الى مَدْيَن وقام هناك بمساعدة اختين كانتا تسقيان اغنامهنَّ فاقترحت احدى الاختين على ابيها النّبي شعيب ان يستخدم موسى للعمل عندهم لانّه قوي وامين. رحّب شعيب باقتراح بنته وطلب من موسى العمل لحسابه والزواج من احدى البنتين واشترط مقابل ذلك على موسى ان يقوم بالخدمة لديه سبع سنوات كاملة.
في احدى الليالي الشتوية الظلماء كان موسى مع اهله مُعسكراً في الخلاء وراى نارا على مبعدة، فطلب من اهله المكوث في موضعهم واتجه نحو مصدر النار لجلب قبس منه او للاستفسار عن الطريق لانّهم ضلّوا طريقهم في الظلام الدامس، وعند اقترابه من موضع النار سمع صوتا يكلّمه فملأه الخوف من هذا الأمر الغريب. ثمَّ خاطب الله (سبحانه وتعالى ) موسى قائلا (( وما تلكَ بيمينكَ يا موسى* قالَ هيَ عصايَ أتوكأُ عليها وأهشُّ بِها على غَنَمي ولي فيها مأرب أخرى* )).....سورة طه الايات 17 و 18.
بعد ذلك طلب الرّب من موسى ان يرمي عصاه الى الارض فانقلبت الى حيّة تسعى، ثمّ طلب الرّب منه انْ يُضمم يده الى جناحيه فخرجت بيضاء من غير سوء.
بعد هذه السلسلة من المعجزات طلب الرّب من موسى التوجّه لمقابلة الفرعون لانّه طغى وامره كذلك بمخاطبة الفرعون باللين والطلب منه بالامتناع عن تعذّيب بني اسرائيل والسماح لهم بالهجرة الى خارج حدود مملكته ولكنَّ موسى اعترض على التكليف وقال بانّ الفرعون جبّار عنيد ولن يستطيع اقناعه بالدعوة الجديدة كما تحجَّج موسى بوجود علّة في لسانه.
بعد رؤية موسى هذه المعجزات واخبار الرّب له بانّه عيّنَ اخاه هارون معاونا له عند قيامه بمهمّته العسيرة، توجّه موسى نحو مصر.
في مصر ذهب موسى مع اخيه هارون لمقابلة الفرعون ودعاه الى عبادة اله واحد بدلا من الهتهم العديدة كما ابلغه بانه نبيّ مُرسَل من قبل الرّب وطلب منه تحرير رقاب العبرانيين والسماح لهم بالهجرة معه الى خارج مملكة الفرعون. لم يصدّق فرعون ادّعاء موسى وطلب من حرّاسه رميه في السجن، في تلك الاثناء رمى موسى عصاه الى الارض فانقلبت الى حيّة هائلة فاصيب جميع مَن في القصر بالهلع وتركوا موسى يذهب الى سبيله.
ادّعى فرعون بانَّ موسى ساحر وطلب من جميع السحرة في مملكته اجراء مبارزة سحرية مع موسى في يوم محدد. في الموعد المحدد حضر جميع السحرة وموسى الى محل المبارزة وبحضور الفرعون رمى السحرة باشيائهم على الارض فتحولت الى افاعي تسعى، ثمّ رمى موسى بعصاه العتيدة فتحولت الى حيّة عملاقة التهمت جميع افاعي السحرة. نتيجة لهذه الهزيمة النكراء اعترف السحَرة بنبوّة موسى وسجدوا لله صاغرين.
استمرَّ الفرعون في تسخير العبرانيين ومعاملتهم كعبيد، لذلك طلب موسى منه مرّة اخرى اعتاقهم والسماح لهم بالهجرة الى خارج مصر.
بعد رفض الفرعون هذا الطلب عاقب الله (سبحانه وتعالى) فرعون والمصريين بشتّى المصائب والويلات بعد ان دعى موسى ربّه وطلب منه ذلك، من هذه المصائب تحوّل نهر النيل الى دماء وغزو الضفادع والجراد وموت ماشية واطفال المصريين.
لايقاف هذه السلسلة من الافات وافقَ الفرعون مُرغَماً على اطلاق سراح ابناء اسرائيل فاتّجهت قافلتهم بقيادة منقذهم موسى نحو الارض الموعودة فلسطين.
تراجع الفرعون عن قراره وقرر تَعقُّب القافلة بجيشه ناويا ابادتهم عن بكرة ابيهم، وعندما وصلت قافلة العبرانيين الى سواحل البحر الاحمر، ظهرت للعيان طلائع جيش الفرعون في الافق، فقام موسى وبضربة من عصاه بشق ماء البحر الى شقّين وتكوّنَ ممر برّي عبر منه العبرانيون الى الضفة المقابلة.
تعقّبَ الفرعون بجيشه المهاجرين واثناء دخوله الى الممر انطبق مياه البحر عليهم فغرقوا جميعا.
بعد العبور بدأت الرحلة الشاقّة لابناء اسرائيل بقيادة موسى نحو ارض الميعاد. وفي طريقهم تاهوا في الصحراء القاحلة اربعون سنة وانقذهم موسى من الموت جوعا وعطشا عدّة مرّات بمعجزاته. بعد ذبح معظم جِمالَهم واكل لحومها، حرّمَ عليهم الرّب على لسان موسى اكل لحم الجمال للاستفادة من حليب البقيّة الباقية من الجمال، كما ارسل الرّب لهم المَنَّ والسلوى لانقاذهم من الجوع. حدثت مشاكل عديدة في هذا المجتمع التائه في اعماق الصحراء من قتل وسرقة وزنا وعمّت الفوضى بين صفوفه، فادرك بموسى ببصيرته الثاقبة بأنَّ هذا المجتمع لا يمكن ان يتعايش بسلام وينتظم حاله بدون وجود تشريع الهي ينضّم العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، لذلك قرر موسى السفر الى طور سيناء من اجل لقاء الرّب وطلب المدد منه. بعد وصوله الى جبل سيناء وتكليمه الرّب رجع موسى الى قومه بعد مرور اربعين يوما حاملا عدد من الواح الحجرية منقوشة عليها الوصايا العشر (( لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ...... الى اخر الوصايا العشر )).
صعق موسى عند عودته عندما رأى قومه يعبدون عجلا من الذهب، فغضب غضبا شديدا ورمى الالواح الحجرية الى الارض فتفتت قطعا وطلب من قومه العودة الى عبادة ربّه الواحد الاحد.
لم يتمكن موسى من تحقيق الوعد والدخول الى ارض الميعاد ( فلسطين ) وتوفي على اعتابه.
هذه هي ملخّص قصّة موسى التي تروي جزء من تأريخ نسل أبراهيم في مصر ومغامراتهم في جوف الصحراء وقصّة ظهور اوّل كتاب سماوي ( التوراة ) يدعو الى وحدانية الله ( سبحانه وتعالى ).

في فصل سابق من هذا الكتاب تحت عنوان( ابراهيم والاله الواحد ) ذكرنا أنَّ العالم النفساني اليهودي الاصل وموجد علم التحليل النفسي سيجموند فرويد له رأي اخر في مسألة ظهور اوّل ديانة توحيدية في تاريخ البشرية، ففرويد يدعّي في مؤلفه ( موسى والتوحيد ) بأنَّ اوّل من دعى الى التوحيد هو الفرعون اخناتون.
اخناتون او امنوحتب الرابع هو عاشر فراعنة الاسرة الثامنة عشر، حكم مع زوجته الرئيسية نفرتيتي لمدة 17 سنة منذ عام 1369 ق.م.( توفي في 1336 قبل الميلاد او 1334 قبل الميلاد ). كلمة اخناتون معناها الجميل مع قرص الشمس او ( روح اتون ). حاول اخناتون توحيد الهة مصر القديمة بما فيها الاله امون رع في شكل الاله الواحد اتون رغم أنَّ هناك شكوكا في مدى نجاحه في هذا، ونقل العاصمة طيبة الى عاصمته الجديدة اخت اتون بالمنيا وفيها ظهر الفن الواقعي ولاسيما في النحت والرسم وظهر ادب جديد يتميز بالاناشيد للاله الجديد اتون، او ما يُعرف اليوم بنظام تل العمارنة. انشغل الملك اخناتون باصلاحاته الدينية وانصرف عن السياسة الخارجية وادارة الامبراطورية الممتدة حتى اعالي الفرات والنوبة جنوبا، فانفصل الجزء الاسيوي منها، ولمّا مات خلفه سمنخ كارع ثمّ اخوه توت عنخ امون الّذي ارتدَّ عن عقيدة اتون وترك العاصمة طيبة واعلن عودة عقيدة امون معلنا انّه توت عنخ امون وهدمَ كهنة طيبة اثار اخناتون ومدينته ومحو اسمه من عليها ( انظر في ويكيبيديا، الموسوعة الحرّة )
الاهم من ادعّاء فرويد بانَّ اوّل موّحِد في التاريخ هو الفرعون اخناتون هو ادعّاءه بانَّ موسى لم يكن عبرانيا بل كان مصريا، ويورد فرويد عدد من الادلّة والبراهين
لاثبات اطروحته هذه.
يقول فرويد بانّ موسى كان احد قوّاد اخناتون او واحدا من الكهنة الّذين امنوا بالدين الجديد، فبعد موت اخناتون ومحاربة المؤمنين بالدين الجديد الّذي كان يدعو الى وحدانية الله من قبل خلف اخناتون وكهنة الدين القديم امون، قرر موسى قيادة هذا الرعيل الاوّل من المؤمنين ومعظمهم من بني اسرائيل والهجرة بهم من مصر لتخليصهم من بطش وظلم الفرعون الجديد توت عنخ امون. من جملة الادلّة التي ذكرها فرويد لاثبات كون موسى مصريا هي عملية الختان، فالمصريون كانوا اول الاقوام المعروفة في التاريخ الّذين كانوا يجرون عملية الختان للذكور وهذا مثبت تاريخيا نتيجة لفحص المومياءات المكتشفة.
يقول فرويد من المنطقي انْ يفرض موسى المصري على رعيته من اليهود عملية الختان وليس من المنطقي انْ يفرض موسى اليهودي ذلك عليهم لانّ هذا سيكون تشبّها باعدائهم المصريين الّذين ساموهم انواع العذاب والمهانة.
هنالك ثغرة في ادّعاء فرويد بانَّ موسى هو من اصل مصري يُمكن صياغته على شكل تساؤل: لو كان موسى مصريا كيف قَبِلَ اليهود بزعامته؟ فمن المعروف عن اليهود تعصبهم المفرط لقوميتهم.
اضافة الى ادّعاء فرويد بانّ موسى كان مصريا، فانّه يَذكُر بان قصّة اللقاء بين موسى وشعيب لفّقها اليهود لتكون القصّة محبوكة بصورة جيّدة.

لنستعرض الان الشكوك والتساؤلات التى جالت في خاطري حول هذه القصّة:
- انَّ قصّة الطفل المتروك بداخل الصندوق في نهر هي اسطورة قديمة رويت قبل ذكرها في التوراة ومن قبل عدة اقوام، واحدى هذه الاساطير كان بطلها سرجون الاكدي، والجدير بالذكر انّ فرويد يذكر في كتابه بانّ هذه القصّة ملفقّة من قبل اليهود.
- التساؤل الاوّل: هل يُمكن انْ يختار الله سبحانه وتعالى قاتلا كنبي؟ لنحاول تحليل ظروف الجريمة، القاتل( موسى ) عبراني، المقتول مصري، سبب القتل تعصّب قومي او نجدة احد افراد الجماعة المظلومة او المُسترَّقة، ولكن هل هذا سبب كافي للقتل فالمصري لم يَقتُل العبراني؟ وحسب ما ورد في القران الكريم، فأنَّ مَنْ َقتٌلَ نفسا من غير ذَنبٍ او فساد في الارض كمن قتل الناس جميعا، لذلك يمكن طرح التساؤل بصيغة اخرى: هل من المنطقي انْ يختار الله سبحانه وتعالى رجلا قتل الناس جميعا كنبي؟ لاشك انّه كان في عصر موسى الاف من البشر يحملون صفات قيادية وعبقرية ويؤمنون بالخير ويعملون لصالح الانسانية ولم يرتكبوا اية جريمة بحق الانسان، فلِمَ اختار الرّب قاتلا ليكون نبيّا؟ رُبَّ معترض سيجيب بانّ الله اراد انْ يبيّن بانَّ مغفرته لا حدود لها وتشمل حتّى القاتل الّذي يتوب ويعود الى رحاب الله ويُمكن انْ يختاره الله نبيا، والجدير بالذكر انّ ابن خلدون في مقدمته لا يوافق على قانون الذاتية الّذي يقول بانّ الشيء اذا كان حسنا او سيئا فانّه يبقى على ماكان للابد، انّ الشيء في رأي ابن خلدون قد يكون حسنا ثمّ ينقلب سيئا، وليس هناك شيء يبقى على حاله الاوّل امدا طويلا ( منطق ابن خلدون...الدكتور علي الوردي ).
اضافة الى ماسبق هناك تساؤل اخر وهو ما الحكمة من اختيار شخص فيه علّة في لسانه لمهمّة اقناع الفرعون ومن ثمّ تعيين هارون ناطقا رسميا بلسان موسى بعد تحجج الاخير امام الله ( سبحانه وتعالى ) بعلّته.
- التساؤل الثاني: الا يَعلمْ الله ( سبحانه وتعالى ) وهو العليم الخبير ما بيد موسى حتّى يساله ما تلك بيمينك ياموسى؟
يقول بعض المفسّرين انّ السؤال من قبل الله ( سبحانه وتعالى ) هو سؤال اقرار وليس سؤال استفسار اي انّ الله ( سبحانه وتعالى ) اراد انْ يُقر موسى بانّ الشي
الّذي كان في يده اليمنى هي عصا من الخشب حتّى يكون هذا الاقرار حجّة عليه بعد تحويلها الى حيّة تسعى بقدرة الله ( سبحانه وتعالى ). أنَّ هذا التفسير غير مُقنِع

لانّ موسى كان يعلم علم اليقين انّ عصاه مصنوعة من الخشب وانّه طوال استخدامه لهذه العصا لم يلاحظ عليها اشياء خارجة عن المالوف بدليل اصابته بالعجب
عندما تحوّلت الى حيّة تسعى.
- التساؤل الثالث: هل يمكن اعتبار انتصار موسى في المبارزة السِحرية معجزة نبويّة ام عملا من اعمال السِحر؟ اِنَّ موسى فعل ما فعله سحرة فرعون وكون افعى موسى اكبر والتهامه للافاعي الاخرى ليس دليلا على نبوّته حسب المنطق العقلي.
الامام الغزالي يعتقد انّ الانبياء ليسوا وحدهم الّذين يظهر على ايديهم اعمال خارقة للعادة، بل يشاركهم فيها الاولياء والسحرة، فهي اذا ظهرت على يد نبيّ سُميّت
معجزة، واذا ظهرت على يد ولي سُميّت كرامة، واذا ظهرت على يد ساحر سُميّت سحرا. انّما هي جميعا من نوع واحد، اذ هي تحدث خلافا لمبدأ السببية.
والغزالي يُفرِّق بين النبيّ والولي، فالنبيّ يتحدّى الناس بعمله الخارق بينما الولي لا يتحدّاهم به، امّا الفرق بين النبيّ والولي وبين الساحر فهو صلاح السيرة. فاذا كان
صاحب العمل الخارق متحليا بالسيرة الفاضلة ومحامد الاخلاق فهو نبيّ او ولي، امّا اذا كان فاسدا يستعمل عمله الخارق في الشر فهو الساحر الخبيث ( سليمان دنيا،
الحقيقة في نظر الغزالي ).
- انّ كيفية عبور بني اسرائيل الممر البري بعد انشقاق البحر الى شقين معضلة اخرى، فنحن نعلم اليوم أنَّ عمق البحر الاحمر هو مئات الامتار، فكيف تمكّن المهاجرون من النزول الى هذه الاعماق؟ هل استعملوا سلالم حبلية؟ واذا استعملت فانّ هذا يتطلّب معرفة مسبقة بالمعجزة حتّى يحتاطوا للامر ويجلبوا معهم هذه السلالم. قد يعترض احدهم على هذ التساؤل ويجيب بانّ موسى الّذي شقّ البحر يستطيع حل هذا الاشكال البسيط بمعجزة اخرى، ومهما يكن الامر فانَّ الروايات الدينية لم تتطرق الى حل لهذه المعضلة.
- تساؤل اخر يرد الى الذهن: نحن نعلم انَّ الله ( سبحانه وتعالى ) موجود في كل مكان (( اقرب اليكم من حبل الوريد ))، فَلِمَ ذهبَ موسى الى الجبل ( طور سيناء ) للقاء الرّب؟ بعض المشككين يدّعون بانّ سبب ذهاب موسى الى الجبل كان لغرض الانفراد بنفسه ليتمكّن من التفكير والتامّل من اجل تاليف وكتابة الوصايا العشر ونقشها على الحجر، هناك مثل انجليزي يقول: اذا لم يستطع الجبل المجيء الى موسى فأنّ موسى يضطران يذهب الى الجبل.
لنحاول الان كتابة سيناريو اخر للقصّة اعلاه تكون اقرب للمنطق وبالاعتماد على بعض نقاط الضوء في القصّة:
بعد تعيين يوسف وزيرا للاقتصاد والزراعة والمالية انقذَ بفطنته مصر من مجاعة وكسب تقدير الفرعون، تطبيقا لمبدا الاقربون اولى بالمعروف عيّن يوسف العديد من اخوته واقربائه في مفاصل الحكم والاقتصاد واصبح للعبرانيين شأن كبير في مصر. بعد وفاة يوسف ووفاة الفرعون الّذي كان متعاطفا مع العبرانيين استلم الحكم فرعون اخر الّذي لم تكن نظرته الى العبرانيين كسلفه. الفرعون الجديد قرر طرد العبرانيين من مصر للتخلّص منهم لاسباب عديدة منها انّهم بداوا بالتكاثر بنسبة اكبر من تكاثر المصريين ( وردت في الاخبار أنّ الالمان سنّوا قانونا يشجّع على الانجاب لخشيتهم من تكاثر الاتراك المهاجرين في المانيا، حيث تشير الاحصائيات أنّ تعداد نفوس الاتراك في المانيا سيكون في عام 2050 اكثر من نفوس الالمان )، ونظرا لاحتلال ابناء اسرائيل مناصب ومواقع مهمّة في مصر فانّهم بداوا بمنافسة المصريين في جميع الاعمال، كما انّهم بداوا بنشر عقائدهم الدينية المخالفة لعقائد المصريين بين ابناء الشعب المصري مما ادّى الى قرع ناقوس الخطر في عقل الفرعون وبتاثير هذه العوامل حَلُمَ الفرعون بانّ نارا تخرج من بني اسرائيل فتحرقه وتحرق مُلكَه، فاستيقظ مرعوبا واستدعى كهنته لتفسير ذلك الحلم، وبعبارة اخرى فانّ هذا الحلم لم يكن حلما تنبؤيا وانما نتيجة لمعطيات واقعية مُترَسِخة في لاشعور الفرعون طفت على السطح بشكل رمزي في حلمه. ومن البديهي أنَّ الكاهن الذي فسّر الحلم استند على نفس المعطيات الاجتماعيّة الواقعية في تفسيره.
لو القينا نظرة متمعنة على تاريخ اليهود وسلوكهم في هذا العصر نلاحظ انهّم يحاولون السيطرة على اهم مفاصل الاقتصاد في البلدان التي تأويهم وهذا ما حدث في المانيا قبل الحرب العالمية الاولى مما حدا بهتلر وحزبه النازي التخلص منهم بشتّى الوسائل، انّ الولايات المتّحدة الامريكية تَمُرُ اليوم بحالة مشابهة لحالة المانيا، فمعظم شرايين الاقتصاد الامريكي يستحوذ عليها اليهود ويستعملون هذه الميزة لتوجيه السياسة الامريكية بما يحقق مصالحهم ومصالح دولتهم اسرائيل.
امّا قصّة العبور وشقّ اليمّ الى شقّين فيمكن الاستعاضة عنها بسيناريو اخر وكما يلي:
في عصر موسى لم تكن لقناة السويس وجود ( حفرت قناة السويس في سنة 1868 م ) وبعبارة اخرى فانّ البحر الاحمر لم يكن متصلا بالبحر الابيض المتوسط فكان من الممكن وصول بني اسرائيل الى ارض الميعاد عن طريق البر من المنطقة المحصورة بين البحرين اي من موقع محافظة الاسماعيلية باتجاه شمال سيناء او العريش حسب التسمية الحديثة. انّ هذا الاحتمال يُفسّر تيههم في الصحراء، واذا اضفنا الى هذا عملية طردهم من قبل الفرعون وعدم اضطرارهم لسلوك طريق مختصر لعدم وجود تهديد الملاحقة من قبل جنود الفرعون فانّ هذا الاحتمال يكون اقرب الى المنطق.

تذكر المصادر بانّ الشكل النهائي لنص التوراة يعود تاليفها الى مابعد فترة السبي البابلي ففي اثناء السبي تعرّف اليهود على عبادات وتقاليد وقوانين والتراث الفكري للبابليين، لذلك يمكن القول انّ مؤلفي التوراة تاثروا بنصوص حضارات العراق القديم في تاليفهم.
أنَّ التوراة لها محاسن ومساويء فهي سِجِلٌ لقصص الانبياء ومواعظهم، وهي في الوقت ذاته سِجِلٌ خرافات واوهام ما انزل الله ( سبحانه وتعالى ) بها من سلطان.
أنّ اليهود في نسختهم لقصّة موسى حاولوا اظهار انفسهم مظلومين ومضطهدين وهذا ديدنهم حتّى اليوم، و ارادوا الايحاء في القصّة بانّ الله ( سبحانه وتعالى ) متحيّزٌ لهم لانهم شعب الله المختار والله بريء من ادّعاءاتهم الباطلة.
اِنَّ الادهى من ذلك أنَّ التراث الاسلامي قد تمَّ تطعيمه عبر التاريخ بالعديد من هذه الخرافات والقصص الملّفقة من قبل يهود اسلموا او اظهروا اسلامهم، اِنَّ الالاف من الاحاديث النبوية الملفّقة التي سُميّت بالاسرائيليات القت بغشاوتها على التراث الديني الاسلامي فاختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والخيال بالحقيقة.



من مسوّدة كتاب (ثورة الشك) للكاتب

[email protected]
http://wwwkamilalicom.blogspot.com



#كامل_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل علي - ثورة الشّك- هل كان موسى يهوديا ام مصريا؟