أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نرمين خفاجى - انا وطنى وبنشد وبطنطن















المزيد.....

انا وطنى وبنشد وبطنطن


نرمين خفاجى

الحوار المتمدن-العدد: 2591 - 2009 / 3 / 20 - 09:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المحلة الكبرى فى 1928
بنك مصر عمل مصنع يغزل القطن اللى انتوا بتزرعوه ويعمل منه القماش اللى انتم بتلبسوه كنا زمان بنزرع القطن ليأخذه منا الانجليز احنا النهاردة بنزرع القطن وهانحوله الى قماش احنا اللى هانزرع القطن وحنغزله وحننسجه عشان يبقى كل شىء من مصر ..صناعة وطنية ابعتوا ولادكم يتعلموا صنعة وهايخدوا اجر كويس" "فكرى الخولى – الرحلة".
انتصب مصنع الغزل والنسيج كمارد عملاق ينفس دخانه فى سماء المدينة التى اشتهرت منذ زمن بعيد بالغزل والمنسوجات والتى كانت تتم فيما قبل انشاء المصنع على انوال يدوية موجودة بمعظم منازل المدينة .
وفى لمح البصر أصبح مصنع غزل المحلة قبلة لفقراء الريف ، ذهبوا للعمل به علهم يستطيعون دفع ايجار القراريط القليلة واطعام الافواة الجائعة ، فكثيرا ما انتزعت الاراضى عنهم عند العجز عن دفع الايجار ،او الحجز على الجاموسة وماتغله الارض من حبوب وفاءا للايجار قيراط او قيراطين من وسايا الباشاوات أصحاب الاراضى الواسعة الذين أصيبوا فى أواخر القرن 19 بحمى شراء المزيد من الاراضى لزراعتها بالقطن الذى ادر عليهم الذهب من جراء بيعه لمصانع يوركشاير بانجلترا.
عزبة البرج وعزبة ابو جحش وعزبة اللبن وغيرها من الاماكن الفقيرة بالمحلة الكبرى حيث العشش الطينية ذات الابواب الصفيح والاقرب الى الجحور منها الى البيوت التى تليق بالبشر .
هناك أقام الآلاف من النازحين للعمل بالمصنع "الوطنى" طمعا فى كسب مايقيم الاود ويوفر ايجار اراضيهم الصغيرة ،تكدس العشرات منهم فى حجرات ضيقة شاركتهم فيها اسراب البراغيث وقوافل البق والصراصير حتى سماء الحجرات كانت مسكونة برائحة عفن ممتزج بعرق اجساد انهكها العمل اكثر من 12 ساعة يوميا بمصنع يجأر بأزيز يصم الاذان وينثر زغب القطن فى تجاويف وثنايا الصدور ، فيصيبها بسل لا فكاك منه .
"أخذنا العامل على حجرته وعند دخولنا استقبلتنا أسراب البراغيث تتنطط على رجلينا ولاحظ العامل هذا فوجه كلامه إلينا قائلا "معلهش يا إخواننا البراغيث مالية العزبة ونظرنا إلى جدران الاودة فوجدناها ملطخة بدماء البق ورائحة العفن تنبعث من كل مكان فى أرجائها ، ومن أركان الحجرة تخرج الخنافس من الجحور "قكرى الخولى _الرحلة
الآلاف من الأطفال والشباب تركوا قراهم ووقفوا امام مكن متوحش قتل وتغذى على اصابع وايدى عمال ليس لهم دية او ثمن فى سوق نخاسة الرأسمال الذى لايعرف سوى الربح ،حتى ولو كان "رأسمالا وطنيا".
شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى هى احدى شركات بنك مصر، تأسست الشركة فى أغسطس 1927 برأس مال 300 الف جنيه وصل الى مليون جنيه 1936 .ونظرا لان المصانع"ومنها مصنع الغزل بالمحلة " لن تنتج بدون عمال فقد طاف المنادون بالقرى لحث الفلاحين على العمل بالمصنع ،فكرى الخولى ،كاتب رواية الرحلة ،كان واحدا ممن تلقفهم سماسرة الشركة ليدفعوا بهم إلى العربات التى أوصلتهم إلى المصنع الجديد .
مصنع الغزل بالمحلة ،ومصانع أخرى كثيرة بكفر الدوار وكفر الزيات كانوا ثمرة لنجاح رأسماليين مصريين فى تأسيس بنك مصر فى مطلع العشرينات بعد ثورة 1919 .
تأسس بنك مصر فى 8 مارس 1920 حين كانت مصر تحتفل بذكرى مرور عام على ثورة 1919 "كشركة مساهمة مصرية "براس مال 80 الف جنيه مصرى موزعة على 20 الف سهم قيمة كل سهم 4 جنيه ،وقد اكتسبت الدعوة لتأسيس بنك مصر صبغة وطنية تزامنت مع تصاعد مقاومة المصريون للاحتلال الانجليزى ،فقد مثل البنك وقتها شكلا من أشكال تحدى الاستعمار فى صورة اقتصادية .ولكن البنك بالرغم من كل هذا ،كان مجرد مشروعا رأسماليا ليس أكثر!.
كان الاستعمار البريطانى قد حرص فى أول عهده على توطيد العلاقة مع الاعيان المصريين فقام بتخفيض الضريبة على ألاطيان الزراعية إرضاءا لهم وشجعهم على التوسع فى زراعة القطن الذى كان يباع بمبالغ طائلة للمصانع الانجليزية .
ولكن الحرب العالمية الأولى قلبت الأحوال وحولت الأصدقاء إلى أعداء،فمع انخفاض أسعار القطن ومع ازدياد عدد البنوك الاجنبية بمصر التى تمنح القروض بفوائد عالية بدات "البرجوازية المصرية " ذلك الوليد الجديد تعى مصالحها الاقتصادية التى تضررت كثيرا من فوائد القروض وسيطرة الأجانب على الاقتصاد المصرى .
ومن هنا بدأت تظهر بالصحف المقالات التى تنتقد المعاملات الربوية للبنوك الاجنبية وضرورة تكاتف الاغنياء المصريون من اجل انشاء بنك وطنى يمول المشروعات الزراعية ويؤسس لصناعة مصرية حديثة.
تبنى طلعت حرب الفكرة وقام بتنفيذها واستحق عليها انعام الملك فؤاد عليه بالباشوية ،وأصبح بهذا قائدا وطنيا عظيماً انضم إلى كوكبة من القادة الوطنيين كسعد باشا زغلول ومصطفى كامل ومحمد فريد ..
لكن وطنية طلعت حرب صاحب المشروعات ورجل الأعمال العظيم ،كانت من نوع خاص فإلى جانب محاولته إزالة الأثرياء الأجانب خارج "السوق الوطنى" الذى رأى انه هو الأحق بجنى خيراته ،كان طلعت حرب أيضا يسعى إلى تحقيق أرباح.
فبينما كانت الأناشيد تطنطن بأمجاد الأوطان ورفعتها كان طلعت حرب - الوطنى الكبير-يحتاج الى استغلال عرق وجهد رجال ونساء آخرين من أبناء الوطن حتى تتحقق رفعة الأوطان !!
كتب فكرى الخولى فى رواية الرحلة "إنهم لا يبحثون عن إسعادنا ، بل يبحثون عن مزيد من الشقاء الم تسمعوا عما حدث هذا الصباح ..أغلقوا الأبواب ، أغلقوها فى وجه العمال لأنهم لم يأتوا قبل الميعاد ولم يكتفوا بالغلق بل ضربوا العمال بالعصى والكرابيج إلى إن سالت الدماء من وجوههم وتركوهم يبكون فى الشارع ووقفوا هم خلف الأبواب يبتسمون من نشوة الانتصار إنها خطة موضوعة للازلال هذا ما سمعته اليوم من الضابط المختص وقت أن أصدر الأمر إلى الخفراء بالضرب " .
ماذا يمكننا أن نقول ؟ فليحتل تمثال طلعت حرب مكانه الأثير بوسط الميدان المسمى باسمه ،وليتبوأ رجل الصناعة البارز هذا مكانه فى كتب التاريخ المدرسى وعلى صفحات الجرائد والمجلات "الوطنية "ولتنشد الأناشيد عن مجد الأوطان وتاريخها التليد وحاضرها الزاهر .
ولكن ماذا عن أولئك الذين دفعوا أعمارهم لبناء المجد الذى تتم نسبته إلى شخص واحد فى كتب التاريخ المقدسة ؟ ماذا عن هؤلاء الذين ماتوا وراء الأنوال وخلف الماكينات ؟ هل يعرفهم أو يتذكرهم احد ؟
ورجعت بتفكيرى إلى أيام أن كنت اشتعل فى الغزل ومات الكثير من فعل المكن ولم يحقق احد ، ولم يأت احد من الرؤساء الكبار لمعرفة السبب ، ولم تأت النيابة لإثبات ما حدث وأيقنت أن أحدا لن يأتى ،وسوف يدفن هذا العامل كما دفن الآخرون ودون أن يعلم احد عن سبب الموت ولا الكيفية التى مات بها ودارت بى الدنيا وارتعد جسدى وأنا لم اترك عنبر الغزل إلا هاربا من الذين يموتون لكى أنجو بنفسى وها أنا اليوم أرى عاملا يموت فى لمح البصر بخبطة من المكوك واستعدت بذاكرتى كل الذين رأيتهم أو سمعت عنهم من عمال الشلل والبرم والتنظيف ممن قطعت أيديهم وأرجلهم ورأيتهم فى المستشفى كل هؤلاء لم تثبت أسماؤهم فى دفاتر وحتى الأيام التى اشتغلوها قبل أن يصابوا لم يحصل على أجرها احد من أهلهم وبهذا يكونون قد ماتوا مثلما يموت القط الذى لا صاحب له " فكرى الخولى - الرحلة .
ملحوظة لا بد منها فكرى الخولى عامل من إحدى قرى الغربية ذهب للعمل بصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى منذ كان عمره 11 سنة .





#نرمين_خفاجى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على مقهى التهييس السياسي


المزيد.....




- تبدو مثل القطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أد ...
- -مقيد بالسرية-: هذا الحبر لا يُمحى بأكبر انتخابات في العالم ...
- ظل عالقًا لـ4 أيام.. شاهد لحظة إنقاذ حصان حاصرته مياه الفيضا ...
- رئيس الإمارات وعبدالله بن زايد يبحثان مع وزير خارجية تركيا ت ...
- في خطوة متوقعة.. بوتين يعيد تعيين ميشوستين رئيسًا للوزراء في ...
- طلاب روس يطورون سمادا عضويا يقلل من انبعاث الغازات الدفيئة
- مستشار سابق في البنتاغون: -الناتو- أضعف من أي وقت مضى
- أمريكية تقتل زوجها وأختها قبل أن يصفّيها شقيقها في تبادل لإط ...
- ما مصير شراكة السنغال مع فرنسا؟
- لوموند: هل الهجوم على معبر رفح لعبة دبلوماسية ثلاثية؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نرمين خفاجى - انا وطنى وبنشد وبطنطن