أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد حكمت - مقالة في الحرية الانسانية















المزيد.....

مقالة في الحرية الانسانية


وليد حكمت

الحوار المتمدن-العدد: 2590 - 2009 / 3 / 19 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقصة آدم وتفاحة الجنة معنى فلسفي عميق يفسر معنى الحرية ولماذا يختار الإنسان وكيف يقرر مصيره فحين خير آدم بين أن يعيش متنعما نعيما أبديا خالدا مقابل أن يتخلى عن حريته واختياره وبين أن يمارس اختياره وحريته ويدفع ثمن الحرية ، فآثر آدم كما وردت القصة في الكتب السماوية أن يختار حريته ويقرر مصيره بنفسه وأن يقرب الشجرة ويأكل منها فعوقب هو وزوجه بالنزول إلى الأرض والشقاء فيها فتحمل ذلك لأن لا مناص للإنسان في كثير من القرارات المصيرية أن يتجه تلقائيا نحو حريته ويحمي إرادته وهو بذلك يصون شخصيته وخصوصيته ،فكان قدر الإنسان أن يختار ليكون إنسانا حقا، والاختيار الحر هو العنصر الأساسي الذي يفصل الإنسان عن العبودية .

في حياتنا اليومية نواجه كثيرا من المواقف التي تحتاج إلى اتخاذ قرار أو اختيار ولكننا نواجه صعوبة في اتخاذ هذا القرار أو هذا الاختيار نتيجة لقوى خارجية وداخلية تسيطر علينا وتتحكم بنا وتحد من قدراتنا وتقمع حرياتنا وتقيد سلوكاتنا ورغباتنا وتلاحقنا بأفكارها وعيونها وشخوصها وتجبرنا على كثير من الأحيان على أن نتخلى عن قراراتنا وإرادتنا كي ترضى عنا وفي كثير من الأحيان وحتى لو حاولنا إرضاء السلطة الجمعية بأشكالها المتعددة إلا أنها لا ترضى عنا بل تطلب المزيد من قرابين العبودية .

الطفل منذ نشوئه وخلال مراحل نموه والى أن يصير إنسانا بالغا يتدخل في صياغة شخصيته الكثير من العوامل فالأبوان يشكلان الطفل ويحددان كثيرا من سلوكاته ونشاطاته وثقافته ومعتقداته ثم تأتي عوامل أخرى كالمدرسة والمجتمع والحارة والدولة وعوامل كثيرة ومتعددة تسهم بالنصيب الأكبر في تشكيل ثقافته إلى أن يتطور إلى إنسان بالغ صاحب ثقافة واتجاه وسلوك وطبيعة حددتها وصاغتها قوى خارجية في مجملها وتأخذ هذه القوى والسلطات صفة التقديس والهالة الاجتماعية.

في حياتنا اليومية نصطدم بالكثير من العقبات التي تمنعنا من اختيار ما نريده وما نحبه فالمجتمع أو سلطة المجتمع تتحكم بنا فلا نستطيع أن نمارس أي سلوك إلا بعد أن نحسب حساب المجتمع الذي يراقبنا ويتوجه بأنظاره إلينا ويتابع تحركاتنا وسكناتنا أربعا وعشرين ساعة فنصير مترددين في اتخاذ القرار خوفا من انتقاد الآخرين ، فنحجم عن كثير من رغباتنا وهواياتنا وما نرغب بأن نمارسه وتتحطم رغباتنا وآمالنا على صخرة رقابة وقمع المجتمع الذي لا يرحم ثم تأتي سلطة الدولة فهي تحدد سلوكات وأفعال الإنسان وتصنع لها قوالب تحد من الفعل الإنساني وهي بنظر من وضعها تروض الإنسان وتمنع الشر ولذلك فالإنسان يحاصر بآلاف القوانين والتعليمات التي تحدد مساره ونشاطه وتفكيره وتعبيره وحريته وقد تكون هذه القوانين مفيدة للإنسان وقد تكون في كثير من الأحيان قامعة للشعور الإنساني وحرية التفكير والتعبيرو النشاط الإنساني الفطري وتخدم فئات اجتماعية معينة وهي الفئات التي شرعت وقننت تلك القوانين ،فلذلك يشعر الفرد بقوة قمع الدولة ذلك أن الدولة تستخدم وسائل وأجهزة لمعاقبة الإنسان فيما إذا خالف القانون بينما سلطة المجتمع قد تسبب الضيق والمعاناة والعزل والإقصاء والحرب النفسية والنقد اللاذع والتهجم وأحيانا القتل فيما إذا خالفها هذا الإنسان كما تشترك الدولة والمجتمع في صياغة عملية الرقابة والعقوبة ، ثم نأتي لذات الإنسان فهو أيضا يمارس وظيفة الرقابة والقمع والنقد بحق المخالفين له ولرأيه وهو يشارك المجتمع في عملية الرقابة والتسلط وفي نفس الوقت يجلد بسوط المجتمع الذي يتابعه ويراقب تحركاته فهناك إذن علاقة جدلية بين الإنسان والسلطة بشكل عام علاقة استبدادية ورقابية فالإنسان مستبد ومستبد به في نفس الوقت هو ينتقد الآخرين لأنهم يفعلون كذا ويخالفون العادات والتقاليد والقيم المجتمعية وفي نفس الوقت يشعر بأنه مراقب ومحاصر ومعرض للرقابة المجتمعية التي تحد من حرية سلوكه ورأيه ويعيش ذات المعاناة ،الإنسان كثيرا ما يرغب أن يفعل وان يختار تلقائيا وهناك مئات القرارات اليومية التي يتردد في اتخاذها وحسمها ولكنه سرعان ما يحجم عن الكثير منها لأنها تخالف رغبات المجتمع وآرائه وإجماعه، فيعيش هذا الإنسان في حيرة وفي نقص وفي خوف وتردد دائم ويشعر بأنه يعيش لغيره وان المجتمع والسلطة والعشيرة جاثمة فوق صدره يعيش ليحقق رغباته ويمتنع عن محرماتها فتصبح شخصيته قلقة مكبوتة ضعيفة مهزوزة غير مسؤولة ولا تتحمل المسؤولية في أي حال من الأحوال
فلو نظرنا إلى هذا الطفل في بلادنا العربية التي تعيش الاستبداد بامتياز كيف يمر في مختبرات المنع والقمع والترهيب والتخويف، فما أن يشب رجلا حتى يصبح إما ضحية أو جلادا أو ممسوخا ولذلك نجد الشعوب العربية تعيش حالة من الخذلان والخوف والرعب من المسؤول والحاكم وشيخ العشيرة ومدير العمل ومعلم المدرسة فالخوف والرعب وتقديس الأشخاص وعبادتهم والقبول بعبوديتهم مفاهيم تنشأ ويترعرع في الذهنية العربية منذ الولادة وحتى الممات.
ولكن الكثير من البشر يقررون أن يختاروا مصيرهم و يتخذوا قرارهم إذا ما اقتنعوا به ولا يحسبون حساب المجتمع والسلطة بجميع أشكالها فيتخذون طريقهم ويشكلون إرادتهم الحرة ويعززون حريتهم ويؤكدون ذواتهم ويمتلكون زمام المبادرة وهم إن تعرضوا لعقاب السلطة والمجتمع فإنهم يحسون بطعم إنسانيتهم التي تحررت من ربقة العبودية للآخرين فالإنسان يكون إنسانا إذا كان حرا فكلما قرر الإنسان واتخذ قراره بنفسه وضمن قناعاته كلما تأكدت إنسانيته وتعززت حريته ، وقد يداهن الكثيرون غيرهم من خلال تغيير قناعاتهم وأفكارهم وآرائهم وقراراتهم وسلوكاتهم ليرضوا عنهم وليكفوا أنفسهم شر القتال مع السلطة والمجتمع والدولة ولكنهم يعيشون بدون شخصية فيعيشون حالة الانفصام والتناقض النفسي بين ما يرغبون به وبين ما يرغب به الآخرون كما أنهم يعيشون في حالة من النفاق والعذاب النفسي والهواجس المزمنة وقد يلتقي الأحرار مع بعضهم ويصوغون أفكارهم والتزاماتهم دون إكراه أو إجبار أو إلزام بل تكون الإرادة الحرة منطلقهم والحوار وسيلتهم والتفكير طريقتهم واحترام الرأي الآخر شعارهم والديمقراطية منهجهم فهم يسلمون من المجاملات والنفاق الاجتماعي والديكتاتورية وجميع الأمراض المعقدة التي تهلك المجتمع وتعيق تحرير وتفكير الإنسان، ولذلك نجد بأن الشخصية الغربية مرتاحة كثيرا لأنها لا تحسب حساب رضى الآخرين عليها أو سخطهم في كل صغيرة وكبيرة بقدر ما تحسب حساب قناعاتها ومتطلبات حريتها وهي شخصية ناضجة غير متناقضة مفكرة مبدعة تتجه نحو تأكيد ذاتها وإنسانيتها ولا تسهم في قمع ذاتها ولا غيرها إلا في حدود درء الشر عن الإنسان ومنع الاعتداء على خصوصيته وحريته وحياته، فتحرر الشخصية وانعتاقها من سلاسل العبودية والثقافة الاستبدادية والرقابة المجتمعية البوليسية يؤدي بها إلى الإبداع والنجاح والسعادة والتطور وتخليص الذهنية من عقيدة الخوف من الآخرين وإرهابهم واستبدادهم ورقابتهم ضروري لعودة الإنسان إلى طبيعته وإنسانيته الحقة ، فمهمة الإنسان الرئيسة هي تأكيد إنسانيته من خلال تملكه لحريته الحقيقية التي تتعزز وتتأكد باختياره الشخص المحض دون تدخل عوامل خارجية ، ويكون الإنسان في حال نيته ان يتخذ قرارا معينا بين خيارات معينة منها الفشل او النجاح بدرجات مختلفة فلو غامر الإنسان واتخذ قرارا بصدد قضية معينة فربما ينجح فيكون سعيدا وربما يفشل فسيكون أيضا سعيدا لأنه هو صاحب القرار لا غيره ولأن ممارسة الحرية هي بحد ذاتها اكبر نجاح وتبقى التجربة الإنسانية المستمرة منذ ملايين السنين هي الأداة المتميزة التي ترشد الإنسان وتقلل من أخطائه.



#وليد_حكمت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انحطاط المثقف العشائري
- رسالة الى صديق- من هو المثقف؟؟؟
- العشائرية نتاج طبيعي لغياب مشروع الدولة الوطنية
- المستثمر الكويتي يطلق رصاصة الرحمة على مصنع الزجاج في معان
- الرجعية الوهابية تتمترس مجددا في خندق الصهيونية
- ابناء مدينة معان في رسالة نارية الى النائب ناريمان الروسان-ن ...
- ملاحظات حول مقالة السيد قوجمان بشأن الوضع الطبقي في الاردن
- نقابة عمال شركة الفوسفات الاردنية الذيلية بين الشعارات الخاد ...
- من المسؤول عن انتشار ظاهرة التطرف و العنف في مدينة معان الار ...
- وماذا بعد انتفاضة رعاة الغنم في الاردن؟؟؟؟؟؟
- اضراب سائقي القطارات في مؤسسة سكة حديد العقبةالاردنية ... نض ...
- هل سيحرم اطفال الاردن من الحليب ... انها عقيدة تجار عمان وال ...
- لوحة التناقض بين الاردن البرجوازي والاردن الشعبي
- قضية سما السدود والملكيات الاقطاعية
- تقرير هيومن رايتس ووتش مؤخرا بشأن الأردن
- مرة اخرى اعتقال رئيس الحركة الوطنية الاردنية
- مصادرة صحيفة المجد الاردنية خطوة جديدة الى الوراء
- السادة المنظمة العربية لحقوق الانسان في الاردن
- بوركت ايها الحوار المتمدن
- استمرار النضالات المطلبيةلابناء اقليم الجنوب الاردني


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد حكمت - مقالة في الحرية الانسانية