أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني صالح الثوابتة - ما كانوا صوراً















المزيد.....

ما كانوا صوراً


هاني صالح الثوابتة

الحوار المتمدن-العدد: 2589 - 2009 / 3 / 18 - 03:41
المحور: الادب والفن
    



لم تُتَح لي فرصة مطالعة رائعة الطاهر وطار الشهداء يعودون هذا الأسبوع ، رغم شغفي الشديد لالتهامها بمجرد العثور عليها، حاولت البحث عنها في مكتبات غزة القليلة الفقيرة , كان قد حدثني عنها رفيقي الكِّد كما كنا نلقبه .. قبل أن يحط به قطار السفر في اسبانيا بعد أن طاردته أنياب الزمن باحثا عن الدراسة والعشق والحرية ، هذا المساء وصلتني على الاميل وقد أرسلها العزيز أيمن ويا لهذا الأيمن دينامو المكتب كما أسميه ..على الدوام متحفزاً خلف الحاسوب في مكتب الحزب المركزي يصل الليل بالنهار غارقاً بين الرسائل والاتصالات والمواقع والبلدان ترى فيه الطالب المثابر والعامل الكادح والمثقف العنيد تتجسد فيه كل معاني العطاء والتفاني .. مررت به صبيحة يوم التاسع من آذار ما أن بادرته التحية قابلني بالسؤال أكتبت شي للذكرى؟ أجبته أحاول أو حاولت ربما .. وكنت قد كتبت السطور الأولى ها هنا مسافرٌ في رحلة البحث عنها .. حدثته قليلاً من وحي ما تحتفظ به ذاكرتي حين روى لي شيئاً من تفاصيلها الكِّد قبل أعوام بسيطة .. يبدو أنه قد واصل رحلة التنقيب عنها بطريقته الخاصة بعد مغادرتي .. سويعات قليلة كنت أقلب صفحاتها والكلمات إنها لمصادفة غريبة أن تصلني على جبين الذكرى .. وجدها الدينامو !! .. شيئاً فشيئاً غرقت في تفاصيلها .. اقتفيت أثر الشيخ العابد بن مسعود الشاوي من لحظة تلقى الرسالة حتى قضى عند سكة القطار الحديد وفي يده الرسالة .. كنت أسير تارةً بقربه وأخرى ألازمه كظله بينما كان يعلن بلاغه للناس بعودة الشهداء هذا الأسبوع .. أي منهم لم يتقبل الفكرة من أصلها ، ولكلٍ حسبته وحساباته .. لن استفيض أكثر في محاورها رغبةً مني أن يقرأها كل الناس ولأني شعرت أن رائعنا الطاهر كان يبحث عن قيمة الوفاء المفقودة لكل هؤلاء المجهولين الذين بذلوا الأرواح ذوداً عن أوطانهم ، فالوفاء فكرةً وسلوكاً وممارسة يكون .. هم ليسوا صوراً.

هالني موقف كل الذين قابلتهم على صفحات الرواية وحاولت بصعوبة بالغة أن أتجاوز المشهد حين حضرتني صورة وفاء ناصعة ما زلت منقوشة في ذاكرتي يوم قابلني العزيز جلال عزيزة " أبوحافظ " في إحدى المناسبات تحديدا في الخامس عشر من كانون ثاني 2007 م ، لم نكن على موعد مسبق وقبل انتهاء طقوس الاحتفال مال نحوي وهمس في أذني لا تغادر لدينا زيارة خاصة .. بادرته مازحاً إلى أين يا رفيقي أجابني وابتسامة على محياه لا تسأل ..!! أعدت السؤال بطريقة أخرى يغلب عليها الفضول .. أرافقك إلى المجهول ؟! فأردف مازحاً لا تناقش بلكنة القائد العسكري .. مدركاً أنه قريب من القلب ويحظى بتقدير ومحبة لا نظير لهما في نفسي .. فهو يكبرني بحوالي ثلاثين عاماً .. صافحته أول مرة في المخيم ضمن وفود المهنئين يوم تحرر من الأسر ضمن صفقة تبادر الأسرى العام 1985م ولا أظنه يذكرني وقتئذ فقد كنت طفلاً لم يتجاوز العاشرة ولم يمكث طويلاً حتى أبعده الاحتلال إلى المنفى ، قلما التقيت من طراز هذا القائد المتواضع والفدائي المجهول ، يدرك كل من قابله معنى نكران الذات والاستقامة الثورية .. التقيته المرة الثانية بعد أن عاد من منفاه بعيد منتصف التسعينيات ، وكنت قبلها قد عرفته أكثر من حكايات من عايشوه في ساحات القتال وفي السجون وفي المنافي البعيدة .
غادرنا قاعة الاحتفال .. توقفنا بردهة المكان ومن ثم انطلقنا للشارع المقابل ..
أبوحافظ .. سأُحضر سيارة تقلنا إلى حيث المكان الذي تقصد .



لا داعي .. أين نحن الآن بالتحديد ؟! .. سنوات السجن والمنفى لم تسعفه لمعرفة كل شوارع غزة الصغيرة المنتشرة في الأحياء المتلاصقة .. يحفظ الاتجاهات أو ربما ما زال يحتفظ ببوصلته العسكرية ويعتمد بالذاكرة على خرائط الكمائن لدوريات العدو التي كانت بجعبته آنذاك ..!!
نحن جنوب حي الشيخ رضوان ..
إذن فلنتجه شمالاً .. مازال السؤال عالقاً براسي إلى أين ؟؟!!.. واصلنا مسيرنا وهو يسألني عن أخبار الناس والأحبة في المخيم .. بعد هنيهة من الوقت بلغنا شارع اللبابيدي الذي يصل بين شارعي الجلاء والنصر ...
الجلاء والنصر هدفين عزيزين إلى قلب كل ثائر ...
ابتسم وقال لي الآن سنتجه شرقاً .. بدأت أتوقع إلى أين الوجهة إذن إلى المقبرة ربما ؟؟!! ..
ما أن بلغنا صورها الجنوبي قال لي وصلنا .. وكان علي حينها أن أنفذ الأوامر .. تقدمني إلى أحدى بواباتها الصغيرة من ناحية الغرب وسرنا بين القبور كان يحفظ الدرب جيداً توقفنا أمام قبرين يضم كل منهما شهيدين لاحظت ذلك من الأسماء المنقوشة على شواهدها الرخامية .. الشهيد محمد أبوالنصر ، الشهيد عامر زيدان ، الشهيد حسن الزريعي ، الشهيد عبدالله السميري .. نعم أعرفهم وأحفظ أسماؤهم عن ظهر قلب لقد قرأتهم في سجل الخالدين أنهم فرسان مسيرة المد الكفاحي زمن السبعينيات إنهم رفاق الثائر محمد الأسود " جيفارا غزة ".
توقف صامتاً ومارس طقوسه التي اعتادتها على ما يبدو .. بينما كنت أقف إلى جانبه بعد أن قرأت الفاتحة أتفقد المكان وقع بصري على تاريخ استشهادهم فهو الخامس عشر من كانون1970 انه تاريخ اليوم ولكنه قبل سبعة وثلاثون عاماً .. تعاظمت دهشتي .. سرت دماء دافئة في كل أوصالي .. أيبلغ حد الوفاء لذكراهم أن يواصل زيارة قبورهم بعد قرابة أربعة عقود ؟؟!! ..
التفت نحوي مستدركاً سؤالي الذي لم أفصح عنه ، منذ وطأت قدماي أرض غزة عائداً إليها في كل عيد .. وفي كل موقف يذكرني بهم .. احضر لزيارتهم هنا وهناك للذين احتضنهم تراب المخيم من هؤلاء الأبطال .. لقد ضحوا من أجلنا ألا يستحقوا منا أن نبقى لذكراهم أوفياء ؟؟ .. لقد قاتلوا بشجاعة واستبسلوا حتى الطلقة الأخيرة والرمق الأخير ..
ونحن نهِم بمغادرة المكان تقدمت نحونا سيدة ينطق وجهها بالحزن وقد تركت خلفها صبية تحمل بين ذراعيها طفل وليد إلى جانب قبر قريب سعف النخل عليه لم يجف بعد، أظنه لشهيد منذ وقت ليس ببعيد .. قدمت لنا قطعتا حلوى وحثتنا على الدعاء لعزيزها .. ونحن نسير باتجاه الطريق لا أعلم لماذا حضرتني كلمات حبيبنا غسان كنفاني "لنزرعهم شهدائنا في رحم هذا التراب المثخن بالنزيف .. فدائماً يوجد في الأرض متسعا لشهيد آخر..!
قبل أن نفترق عند نهاية الشارع ليعود كل منا من حيث أتى وددت استئذانه للكتابة حينها عما شهدت ربما مقالاً أو نصاً بعنوان " لمسة وفاء " فأومأ لي برأسه علامة قبول ورضى أُكتب أُكتب ولكن لا تذكر أسمى وفي عيناه كلام كثير قرأت منه ما كانوا صوراً ..
معذرةً العزيز أبوحافظ لن أنفذ الأمر هذه المرة ..أغفر لي هذه .. لم يكن لي بد إلا أن أكتبك اسماً وموقف ، لقد علمتني أنهم لو مرت دهوراً على رحيلهم " ما كانوا صوراً "
ولو نظرت في عينا ذاك الطفل الوليد في حضن أمه يومها لوجدتها تنطق بذات الشيء " ما كانوا صوراً ..




ما كانوا صوراً
وقد حملونا في ذاكرتهم الأبدية من قبل الرحيل ..
من يمنح لحظة دفء لوليد لم تحمله اكف أبوه الشهيد ..
من يطفيء غصن النار المتوقد من الوريد للوريد ..
من يروى للأحبة حكايات الماضون للمعارك خفافاً بإيبائهم العنيد ..
نحن أيضاً صوراً في صفاء عيونهم قبل أن تغمض على حلمها بأن يبقى النشيد ..
ما كانوا صوراً ..
إنهم منهل عزمنا للأتي الشديد .. إنا على العهد الوصية أن نحمي الطريق ..
هاني صالح الثوابتة
13/3/2008م



#هاني_صالح_الثوابتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا رامي البارود
- نص بعنوان - نبض المقاومة الذي يسكننا -


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني صالح الثوابتة - ما كانوا صوراً