أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - تأملات فى قصة يوسف فى القرآن العظيم ( 3 ا )ملامح الفن الدرامى فى سورة يوسف : ( الجزء الأول )















المزيد.....



تأملات فى قصة يوسف فى القرآن العظيم ( 3 ا )ملامح الفن الدرامى فى سورة يوسف : ( الجزء الأول )


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 09:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة
اتبعت التوراة الأسلوب الروائي في قصص الأنبياء ، وجمعت بينه وبين الرواية التاريخية ، وبدأت بخلق السموات والأرض وخلق آدم وتاريخ الأنبياء ، وأنتهت إلى آخر قصص بني إسرائيل وانبيائهم ( زكريا وملاخي ) . وفي غضون ذلك تعرضت لقصة يوسف خلال تاريخ أبيه يعقوب وإخوته الإحدى عشر وانتقالهم من فلسطين إلى مصر .
نقرر هنا ما سبق تاكيده ، من أن القرآن الكريم ليس كتابا فى القصص أو الدراما أو العلوم الطبيعية او الفلكية و الطبية ، وليس كتابا فى التشريع والآداب و الفنون. إنما هو أولا وأخيرا كتاب فى الهداية. وفى سبيل الهداية تاتى إشارات لحقائق علمية و يتم ربط التشريع بالتقوى و الهداية ، ويقص الله تعالى القصص بمنهج مخالف للتاريخ لأن الهدف ليس مجرد السرد و التأريخ ولكن العبرة، ثم تاتى بعض قصص القرآن فى شكل درامى يسبق ابتكار البشر للفن الدرامى السينمائى ، وذلك فى سيرة يوسف عليه السلام و أبيه واخوته ، لأن قصته حافلة بكل الدراما الانسانية و ما فيها من صراعات تبدأ من داخل الأسرة الى داخل القصر.

منهج القرآن في القصص يتوخى دائما العبرة والعظة ، ولا يعرف السرد التاريخي ولا يهتم بتحديد الاسماء والأماكن والأزمنة ، ولعل قصة يوسف هي الوحيدة التي استغرقت سورة بأكملها من بدايتها إلى نهايتها وفق أسلوب جديد في القص هو الاسلوب الدرامى السينمائى الذى تتابع فيه المشاهد واللقطات في تدفق سريع ومتلاحق لا يهتم بالتفصيلات الفرعية والأحداث الجانبية أو الشخصيات الهامشية ، وإنما يركز على البطل من البداية للنهاية.
هنا نوع جديد وجذاب من السرد الدرامى السينمائى فى القصص لم يعرفه عصر نزول القرآن الكريم فى القرن السابع الميلادى ، هذه النوعية الجديدة من القصص يقول عنها رب العزة للرسول عليه السلام " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ : يوسف 3 " ..

ثانيا :
سرد المشاهد الدرامية

ويمكن أن نستعرض قصة يوسف من خلال تلك المقاطع أو المشاهد أو اللقطات طبقا لمصطلح الدراما ، وتشير إلى الفجوات التي تركها القرآن لذكاء القارئ إذ أن ذكرها نوع من الثرثرة يسمو عنه القرآن الكريم ..
المشهد الأول : ليل ـ داخلى : (داخل حجرة نوم بديكور ينتمى لهذا العصر)
( يوسف يقص الحلم على ابيه )

(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( يوسف : 4 : 6 )
ويبدأ المشهد الأول بيوسف وهويحكي لإبيه الحلم الذي رآه وأبوه يحذره من أن يحكي هذا الحلم لإخوته حتى لا يتآمروا عليه ، ونفهم من هذه البداية أن يوسف مرشح لمستقبل عظيم وأن أباه يعقوب قد عرف أن الله تعالى اختاره للنبوة وأن أخوة يوسف يحقدون عليه حب أبيهم له ونبوغه المبكر ومخايل الاختيار الالهي فيه .
يحتوى هذا المشهد على الرؤيا المنامية أو الحلم الذى رآه يوسف ، والذى تدور عليه القصة وصراعاتها الدرامية، بحيث أن ما سيأتى بعد هو تأويل وتفسير وتجسيد لهذا الحلم .
وبعد هذا المشهد الذي تتكشف فيه كل تلك المعاني تتتابع المشاهد التالية لتقدم شخصيات القصة ( يوسف ، أبوه ، إخوته )والعلاقات المتباينة بينهم.
المشهد الثاني : ( ليل خارجى )( تحت شجرة )
(أخوة يوسف وهم يتآمرون عليه ).
( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) (يوسف 7 : 10 )

وفي هذا المشهد يبدأ الراوى بالتقديم ليوسف واخوته بان فيهم آيات وعبر للسائلين ، ثم يتم تقديم أخوة يوسف ونفسيتهم في ذلك الوقت ، ونراهم في غمرة الحقد على يوسف يتهمون أباهم بأنه يفضل يوسف وأخاه عليهم وهم عصبة ( عشرة أبناء ) ويتهمون أباهم بأنه في ضلال مبين ، ثم يقترحون التخلص من يوسف بالقتل أو النفي . ويقترح أحدهم القاء يوسف في الجب ليلتقطه بعض السائرين .
والعظمة هنا فى التنبيه لغرابة طبع الأخوة وموقفهم من أبيهم النبى الذى يتهمونه بالضلال المبين ، ثم حقدهم على اخيهم لأن أباهم يحبه أكثر مما يحبهم.
ولأنها قضية انسانية ودراما عائلية فالحاجة واضحة الى تنبيه يقوم به الراوى ، ولهذا بدأ تقديم المشهد بقوله تعالى الذى يقص أحسن القصص (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ )
ويمكن للسيناريست الحاذق أن يؤكد على كراهية أخوة يوسف له بمشهد سابق فيه لقطات تصويرية بلا حوار ، كأن ينظرون الى يوسف بحقد وهو يلعب بين يدى أبيه ، أو يتغامزون فى كراهية وهم يرون أباهم يحنو على يوسف ، أو يظهرون الامتعاض وهم جلوس حول أبيهم يتحدثون معه وهو عنهم لاه منشغل ، ينظر الى يوسف فى حب واعجاب.
بعدها يأتى هذا المشهد وهم فى خلوة يتآمرون على التخلص من يوسف.
المشهد الثالث : ( نهار داخلى ) (داخل صالة متسعة فى نفس البيت )
(أول خطوة فى تنفيذ المؤامرة :أخوة يوسف يقنعون أباهم بأخذه معهم )
( قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ) ( يوسف 11 : 14 )
هنا يتم الانتقال سريعا إلى الاخوة وهم يتحاورون مع أبيهم ليقنعوه بأن يسمح لهم بأصطحاب يوسف معهم ، ونفهم من ذلك اتفاقهم التآمري على يوسف وخداع أبيهم ، ونفهم أيضا أن أباهم كان يخشى على يوسف منهم ، وأن الأمر احتاج إلى محاولات مضنية من الإخوة لكي يقتنع أبوهم بحرصهم على أخيهم .
وفي الحوار المركز في هذا المشهد ازدحمت كل تلك المعاني من قولهم لإبيهم "(قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) إلى قول أبيهم لهم في رقة: ( قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ) فلم يصرح لهم برأيه في خوفه عليه منهم ، وإنما بخوفه أن يغفلوا عنه فيأكله الذئب ، وكأنما أعطاهم الحجة فيما بعد حين زعموا أن الذئب أكله. ثم يؤكدون له " قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ " وينتهي المشهد دون أن يعطينا موافقة يعقوب لنفهم أنه أضطر للموافقة .
السيناريست المبدع هنا يبدأ المشهد بلقطة ليوسف وهو يلعب بين يدى ابيه بينما تلاحقه عينا أبيه فى حب وشفقة ورعاية واهتمام،والأبناء يتابعون الموقف يصطنعون الابتسام ، ثم يتكلمون مع أبيهم فى ليونة و رقة.
المشهد الرابع : ( نهار خارجى ) (فى طريق صحراوى )
(فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ) (يوسف 15 )

وهذا المشهد يحتل جزأ فقط من الآية : هو قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ). وهو جزء حركي لا حوار فيه ، ويتخيل القارئ له أخوة يوسف وقد أعتقلوا أخاهم الصغير بعد أن أخذوه من أبيه " فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ " وساروا به وقد أتفقوا على القائه في الجب " وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " وعلى قلة الكلمات فأنها تحوي مترادفات من الأحداث والوقائع من اخذهم ليوسف إلى اتجاههم به للجب ، كلها تتطلب لقطات متدفقة تترجمها .
ويمكن للقارئ أن يتخيل ذلك الاجماع على الشر من ملامحهم وتصميمهم على الجريمة ، أى انقلبت نظرات الحب والرقة المفتعلة التى ظهروا بها أمام أبيهم بمجرد أن أخذوه وابتعدوا به عن أبيهم ، وحل محل نظرات الحب ملامح الحقد والكراهية ، وتبدو فى تعاملهم معه فى عنف وهم يصطحبونه بعيدا عن أبيه ، ثم نظرات البراءة أو الشك أو الخوف في عين الصبي الصغير حسبما يثور في قلبه من مخاوف وقلق وشك وتصديق لمزاعمهم أو تكذيب لها وهو يقارن بين ملامح وجوههم وهم عند ابيهم ثم بعد أن أنصرفوا به وتركوا أباهم ... كل ذلك وغيره فى كلمات قليلة ..
ويتوقف المشهد عند ذلك ليترك القارئ يتخيل الأخوة وقد ألقوا بيوسف فى الجب وما قد يحدث من استعطاف الصبي الصغير لأخوته وقسوتهم عليه ..
وننتقل إلى المشهد التالي في مكان آخر مختلف وإن كان الزمن لم يختلف . الروعة هنا فى الربط بين هذا المشهد للأخوة والمشهد الآخر لأبيهم الذى تركوه ، مشهدان مختلفان ولكن يقعان فى نفس الوقت وفى نفس الآية ، والرابط بينهما كلمة ( فلما ) أى حين اصطحبوا أخاهم الصغير ليرتكبوا جريمتهم نزل الوحى على أبيهم يخبره بما يحدث وماذا سيحدث.

المشهد الخامس ( نهار داخلى )( داخل صالة متسعة فى نفس البيت)
نفس الآية ( يوسف 15 )
(وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) (يوسف 15 )
وفى آية واحدة وقصيرة يأتى المشهد التالى وفي نفس الزمن ، حيث يأتي الوحي ليعقوب يخبره بالمؤامرة التي قام بها أبناؤه وأنه سيأتي الوقت الذي سيخبرهم فيه بنتائج أفعالهم. أذن هو انتقال في المكان دون الزمان ، من حيث يلقي أخوة يوسف أخاهم في الجب إلى حيث جلس الأب قلقا على أبنه فيأتيه الوحي يخبره بما يفعلون ويأمره بأن الوقت سيأتي حيث يخبرهم بتأمرهم ، ويترك القارئ يتخيل أن يعقوب قد أوتي بعض الطمأنينة بأن ابنه سيفلح في النهاية خصوصا وأن الحلم الذي رآه يوسف وحكاه لأبيه يحمل ليوسف مستقبلا زاهراً ، وذلك يعني أن إلقاء يوسف في الجب لايعني أنتهاء حياته أبدا .. بل أن الأخوة سيأتي عليهم وقت الندم حين يواجههم أبوهم بفعلتهم الشنعاء .
ومن الممكن اللجوء الى الراوى هنا لينطق بالوحى الذى نزل علىى يعقوب وقتها ، وتتوالى تاثيراته على وجه يعقوب باحساسات معقدة و متشابكة ؛ من القلق الى اللهفة ثم الى الطمأنينة فى النهاية ، مع الخشوع والاخبات والرضى بالمقسوم.
المشهد السادس : (ليل داخلى ) (داخل صالة متسعة فى نفس البيت)
(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )(يوسف : 16 : 18 ) .
وفيه يتم الانتقال الزمني بدخولهم على أبيهم ليلا يبكون يزعمون أنهم ذهبوا يتسابقون في الجري تاركين يوسف عند متاعهم فأكله الذئب ، ومع دموعهم يعلنون لأبيهم أنه لن يصدقهم ولن يثق فيهم مهما كانوا صادقين ، ويقدمون لأبيهم قميص يوسف ملوثا بدماء يزعمون انها دماء يوسف ، ويرد عليهم يؤكد أن في الأمر مؤامرة ويعلن أنه سيصبر ويستعين بالله تعالى على ذلك .

المشهد السابع : ( نهار خارجى ) (طريق وسط الصحراء )
(وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) (يوسف 19 : 20 )
وفيه يتم الانتقال إلى حيث يوسف. حيث تحدث لقطات متتابعة في داخل المشهد ، وهي لقطات حركية سريعة
1 ـ لقطة لقافلة تسير . " وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ " السيارة فى المصطلح القرآنى يعنى القافلة .
2 ـ ولقطة للقافلة وهي ترسل غلاما ليبحث عن ماء " فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ "
3 ـ ولقطة أخرى للغلام وهويسير باحثا عن الماء فيعثر على الجب فيظن أن به ماءاً،
4 ـ لقطة للغلام وهو يدلى الدلو ( فَأَدْلَى دَلْوَهُ )
5 ـ الدلو يهبط الى قاع الجب فيتعلق به الصبى يوسف
6 ـ الغلام خارج الجب يشد الحبل بصعوبة وبأنفاس مجهدة ، ويخرج الدلو وقد تعلق يوسف بالدلو قادما من داخل الجب ، يذعر الغلام من المفاجأة ، ويرى جمال الطفل فيهتف فرحا (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ )
7 ـ يتم الانتقال مباشرة إلى حيث القافلة ، وذلك يعني أن عودة الغلام بيوسف مفهومة ضمنا ولا حاجة لذكرها ..
8 ـ اللقطة التالية للقافلة وهى تتحاور وتنتهى الى اعتبار يوسف عبداً مملوكاً لهم يبيعونه بضاعة " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ". ويأتى التعقيب الالهى بصوت الحاكى أو الراوى للاحداث (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )
9 ـ اللقطة الأخيرة فى هذا المشهد للقافلة وهي تبيع يوسف للتجار وما حدث من حوار نفهمه من خلال التعليق على الصفقة بين التجار ورجال القافلة الذين كانوا غير متحمسين لابقاء يوسف معهم ، بل يريدون التخلص منه بسرعة ، لذا (شروه ) أى باعه رجال القافلة بثمن قليل ،مجرد دراهم معدودة " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) . ويمكن للسياريست المتمكن ان يستغنى عن الحوار فى اللقطة الأخيرة ، ويكتفى بتعبيرات وإشارات التجار و رجال القافلة ، وهم يتساومون فى بيع يوسف .
المشهد الثامن : (ليل داخلى ) ( بهو فسيح فى قصر فاخر )
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (يوسف 21 )
هنا يتم الانتقال من فلسطين إلى مصر ، وفيه نرى لقطتين :ـ
الأولى ليوسف وقد اشتراه رجل مصري هام في سوق الرقيق .
الثانية : لنفس الرجل في بيته الفخم وهو يوصي امرأته بذلك الصبي الذي يبدو عليه النبل والشرف ورفعة الأصل .
وفى ختام هذه المرحلة من حياة يوسف يأتى تعليق للراوى يخاطب المستمعين للتأكيد على العبرة والعظة : " وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " . أي انتقل يوسف من حضن أبيه يعقوب إلى حضن رجل آخر اكرمه وعزم على أن يتخذه ولداً . أي أن تآمر الأخوة على أخيهم دفعه لأن ينشأ في قصر بعد أن كان في البدو ، أرادوا له الجب وأراد الله تعالى له القصر ، أرادوا له الرق والأسر وأراد الله تعالى له التمكين في الأرض ، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) وهى موعظة يجب ان يحملها فى قلبه كل مظلوم .

المشهد التاسع :
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )( يوسف 22 )

آية واحدة تضم مشهدا تتابع فيه اللقطات الحركية (فوتومونتاج ) بلا حوار ، توجز انتقال يوسف من مرحلة الصبا إلى الشباب وقد اكتمل عقله وعلمه وأدرك وضعه وماضيه ، مع صوت الراوى يقول :(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ).
المشهد العاشر : (ليل داخلى ـ داخل قصر العزيز )
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي )( يوسف 23: 26 )
هنا مشهد طويل ملىء الصراعات النفسية المكتوبة والظاهرية العلنية .
وفيه لقطات متتابعة وانتقالات تتم داخل بيت العزيز ..
1 ـ تبدأ اللقطة الأولى بامرأة العزيز تتأمل يوسف هائمة ولهانة .
2 ـ تقترب منه و تتحسسه وتراوده وهو ينفر منها ، ويعرض عنها فتزداد الحاحا .
3 ـ تغلق الأبواب من الداخل وتدعوه إلى نفسها صراحة (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ )ويرفض قائلا (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )
4 ـ تستمر فى ملاطفته فتتراخى مقاومته ويبدأ فى الاستجابة لها
5 ـ يتذكر والده ، تظهر امامه صورة والده ، فينتفض متحررا من رغبته الجنسية ، 6 ـ يتخلص منها ـ ويفر هاربا نحو الباب ليفتحه بينما تسابقه هي إلى الباب لتمنعه من الخروج ، ويتنازعان وتتعلق هى بقميصه فيتمزق فى يدها.
7 ـ ينفتح الباب ويفاجأ يوسف والمرأة بالزوج أمامها .
5 ـ تسارع المرأة باتهام يوسف لتبرئ نفسها ، ويدافع يوسف عن نفسه .

المشهد الحادى عشر : ( ليل داخلى : حجرة فى قصر العزيز )
( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) ( يوسف 26 : 29 )
مشهد لجلسة محاكمة عائلية داخلية ، نفهم منه تطور النزاع بين الزوج و الزوجة بشأن يوسف مما إقتضى تدخل أهل الزوجة ، فتعقد جلسة ويأتي شاهد منهم ليحكم في الموضوع ، ويحكم بأن موضوع تمزيق القميص هو الفيصل ، ويتأكد الجميع من براءة يوسف ، وينصحها الشاهد الحكم بأن تستغفر من ذنبها وينصح يوسف بالأعراض عنها ..
نلاحظ هنا الانتقال السريع فى آية واحدة من مشهد امرأة العزيز وزوجها يضبطها مع يوسف الى مشهد أخر تقام فيه محكمة للتحقيق فيما حدث: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ .. ) هناك أحداث بين المشهدين أهملها السياق لأنها مفهومة ولا تستحق الذكر ، وليدل أيضا على سرعة تصرف الزوج بأن بادر باستدعاء قريب الزوجة ليفصل فى الموضوع .

المشهد الثاني عشر : (فوتومونتاج )
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) (يوسف 30 )

وفي لقطات متتابعة وفى حجرات وايوانات فخمة مختلفة فى المكان والزمان تثرثر النسوة المترفات في المدينة بقصة امرأة العزيز مع فتاها وعشقها له ومراودتها له عن نفسه ، وانكارهن عليها .
وهنا أيضا أحداث تجاوزتها الدراما ، فهذا الموضوع السّرى وجد طريقه للانتشار فى الخارج عبر خادمات قصر العزيز اللواتى أفشينه الى صديقاتهن ورفيقاتهن فى القصور الأخرى ، وسرى الهمس بين القصور وفى الأسواق وفى جلسات النميمة النسائية . ومن الممكن للسيناريست ان يتوقف هنا ببعض المشاهد فى فوتومونتاج سريع .

المشهد الثالث عشر (ليل داخلى )( صالة فى قصر العزيز، وحجرة ملحقة بالصالة)
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) ( يوسف 31 : 33 )
وفيه عدة لقطات سريعة الايقاع ..
1 ـ الأخبار تصل إلى أمرأة العزيز بما تقوله أولئك النسوة عنها ،اى بعض صديقات إمرأة العزيزة ممن يتسمعن الأخبار بل ويشاركن فى النميمة يأتين بأخبار ما يقال عنها فى المدينة ، وهى تتسمع لكل منهن فى غيظ وتعتبره مكرا وكيدا : ( فلما سمعت بمكرهن )
2ـ إمراة العزيز تسارع بأن ترسل إليهن تدعوهن إلى وليمة واحتفال نسائي خاص ( أرسلت اليهن) وبالتالى نرى خادمات إمراة العزيز كل منهن تأخذ رسالة من سيدتها لايصالها الى اولئك النسوة .
ومفهوم ان كل خادمة أوصلت الدعوة لكل واحدة من أولئك النسوة ..وهذه الجزئية أغفلتها الدراما القرآنية لأن ما قبلها وما بعدها يشى ويشير اليها .
3 ـ نفس الخادمات يقمن تحت إشراف إمرأة العزيز بتجهيز قاعة فسيحة بآرائك مريحة للضيفات القادمات( واعتدت لهن متكئا ).
4 ـ ومفهوم أنهن جئن وجلسن على الارائك ووزع الخدم عليهن أطباق الفاكهة، وقد تجاوزته الدراما القرآنية ، ولكن ركزت الدراما القرآنية على شىء ذى دلالة وهو قيام إمرأة العزيز بنفسها باعطاء كل واحدة منهن سكينا لتقشر بها الفاكهة : ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) . ويمكن للسيناريست أن يصور استقبال إمرأة العزيز لهن واحدة واحدة،والخادمات يحطن بهن بعد جلوسهن يقمن على خدمتهن ، ولكن يتم التركيز على إمرأة العزيز وهى تقوم بنفسها بإعطاء كل واحجة منهن سكينا.
5 ـ ونفهم من قوله تعالى بعدها مباشرة : (وقالت أخرج عليهن) أنه أثناء انشغالهن بالثرثرة والحديث وأكل الفاكهة بالسكين تركتهن امرأة العزيز وخرجت من الصالة ودخلت إلى حيث يجلس يوسف فى القاعة الملحقة بالصالة وأمرته بالدخول على اولئك النسوة ، وكل تلك الوقائع يعبر عنها القرآن بكلمة واحدة ( وقالت أخرج عليهن ) .
الجمال فى الصياغة الدرامية هنا أن التركيز على إمرأة العزيز فى تحركاتها حيث أنها بطلة ذلك المشهد والعنصر المتحرك فيه ، لذلك يتابع السيناريو حركتها لأنها هى التى تمسك بخيوط الأحداث لترد على تآمر النساء بمكر أشد.
ولذلك فان تجاهل الأحداث الأخرى الخاصة بالنساء المترفات ليس فقط لأنها مفهومة من السياق ، ولكن أيضا لأهمية التركيز على البطل المؤثر هنا فى تلك المشاهد ، وهى إمرأة العزيز .
6 ـ النسوة في انشغالهن بالثرثرة وأكل الطعام بالسكين يفاجأن بيوسف يدخل عليهن ، ويشهقن بالانبهار من جماله ويستغرقن في إلتهام ملامحه بعيونهن ولا يشعرن بأيديهن تسيل منها الدماءوقد جرحتها السكاكين .. وينطقن : جميعا حاش لله ما هذا بشرا ، إن هذا إلا ملك كريم .. وتتدخل امرأة العزيز معلنة انتصارها عليهن فتعترف امامهن بأنها راودته عن نفسه ، وأنه الفتى الذي استحققت اللوم منهن من أجله ، وتتشجع فتهدد يوسف بأن يكون عشيقها وإلا سيدخل السجن ويهان ، وتوافقها النسوة. ويرى يوسف نفسه وليمة لنساء يردن التهامه ولا حيلة له معهن فيلجأ لربه يفضل السجن على الفاحشة . ويرجو ربه أن يصرف عنه كيدهن .
المشهد الرابع عشر (فوتومونتاج )
(فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) ( يوسف 34 : 35 )
يأتى صوت الراوى بان الله جل وعلا استجاب لدعوة المظلوم يرسف بن يعقوب عليهما السلام . أثناء قول الراوى نرى أحداثا متلاحقة مختلفة الزمان والمكان تصف سريان الإشاعات فى المدينة عما حدث فى ذلك المؤتمر النسائى للسيدات المترفات اللواتى اصابهن جمال يوسف وحسنه بالجنون حتى عقدن العزم على إغتصابه وافتراسه مع زعيمتهن إمرأة العزيز .
صوت الراوى هنا فى محله لأنه يفسر مقدما ـ طبقا لمنهج العظة و العبرة ـ أن التآمر القادم ليعصف بيوسف لا بد أن يؤول الى الخسران طبقا لحقيقة أن الله تعالى غالب على أمره .
وتنتقل لقطات الفوتومونتاج الى نسوة أخريات لم يشهدن جمال يوسف وهن يسمعن عن جماله ، مما يجعلهن يتطلعن إلى مشاهدته ،وتنتقل الى نقلة أخرى حيث يثور التساؤل هل ستنجح امرأة العزيز في التحدي الذي أعلنته وهل سيصمد يوسف ، وتصور اللقطات كيف أصبحت المدينة شعلة من الثرثرة والنميمة . وفى نهاية المشهد يعرف الأزواج بما حدث فيحذر كل زوج امرأته من التجاوب مع امرأة العزيز ، وبالتالى تفشل المؤامرات التى كانت النسوة قد عزمن تنفيذها لاغتصاب يوسف .
على أن وجود يوسف حرا طليقا بجوار امراة العزيز وكرامتها الجريحة وكرامة زوجها من ناحية أخرى تحتم الحكم عليه بالسجن برغم رؤيتهم للايات الناصعة على براءته. وتكون التهمة هى مراودة سيدته على الزنا. اتهموه وهم يعلمون انه الضحية وليس الجانى . أصبح المخرج الوحيد لديهم هو دخول يوسف السجن حتى تخمد تلك العاصفة . التعبير عن هذه الأحداث دراميا يستلزم عدة مشاهد بلقطات متابعة عن اجتماعات مختلفة تضم النسوة معا ، ثم أزواجهن،ومواجهات بين الأزواج والزوجات،وأخرى بين امراة العزيز وزوجها ، وفى النهاية اتفاق يرضى الجميع بادخال يوسف السجن لدفن الفضيحة أو الحقيقة معه ، وينتهى هذا الجزء بيوسف أمام القاضى وهو يحكم عليه بالسجن .
جعلنا كل تلك الأحداث المتلاحقة مشهدا واحدا (فوتومونتاج ) ـ وهو خطأ فى الكتابة الدرامية ، لأن المفروض الاستغناء هنا عن الفوتومونتاج وتكوين مشاهد مستقلة ومتتابعة ، ولكننا هنا لا نكتب سيناريو ولكن فقط نشير الى ملامح الفن الدرامى فى قصة يوسف .
الذى يهمنا هنا أن كل تلك الأحداث والصراعات مركزة في الآيتين (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) ( يوسف 34 : 35 )
أخيرا :
ونتوقف هنا فى الجزء الأول عند دخول يوسف السجن ..
وقد استعرضنا مشاهد لمرحلتين من حياته: حياته مع أبيه وأخوته والأخرين في فلسطين وفيما بين فلسطين ومصر، ثم حياته في قصر الرجل الذي اشتراه والذي أصبح عزيز مصر .
انتظرونا فى الجزء الثانى ..



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل إلى هذه الدرجة يحب الرئيس مبارك الجندى الاسرائيلى شاليط ؟
- الفاتحة للنبى ..!!
- صفحات من كتاب ( العظات و العبر فى تاريخ القرن التاسع عشر..ال ...
- منهج البخارى فى تصوير النبى محمد عليه السلام
- حوار مع تلميذ سابق
- جماعات الفتوة وصفحة من تاريخ المسلمين الاجتماعى
- من خرافات الدين الأرضى (5 ) تحول علم الحرف فى القرآن الكريم ...
- الاحتراف الدينى يناقض الاسلام
- بيان : المركز العالمى للقرآن الكريم يستنكر حجب موقع (اهل الق ...
- هذه الكراهية المقدسة للغرب .. لماذا ؟
- فى الكفر السلوكى : قيمة العمل فى الآخرة (3 د )
- الفردية فى الاسلام ( Individualism in Islam)
- دموع الإف بى آى ..!!
- بين الرئيس أوباما والملك عبدالله آل سعود
- فى رثاء ضحايا غزة: لعن الله ثقافة القطيع
- (3 ) الفزع الأكبر وقيام الساعة
- أولاد حارتهم ..!!
- ( 3 : ج )الجزاء على قدر العمل :
- (2 )علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر
- غزة .. وفى القلب غصّة ..!!


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - تأملات فى قصة يوسف فى القرآن العظيم ( 3 ا )ملامح الفن الدرامى فى سورة يوسف : ( الجزء الأول )