|
ما هي طبيعة البرامج التي يتحدث عنها المرشحون في الإنتخابات المحلية في العراق هذه الأيام؟
كامل كاظم العضاض
الحوار المتمدن-العدد: 2541 - 2009 / 1 / 29 - 06:07
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
1. لكثرة ما سمعت من مرشحين وكتّاب يتحدثون و يشجعون الناخبين للتصويت لهذا أو ذاك من المرشحين أو لكياناتهم السياسية، وفقا لبرامجهم الإنتخابية، قررت أن أتابع عن قرب برنامجا تعدّه القناة العراقية لمحاورة المرشحين للإنتخابات المحلية، وذلك من خلال إعطائهم فرص قصيرة لوصف برامجهم الإنتخابية، و من ثم دعوة مجموعة من الحضور من الناخبين لتوجيه الأسئلة إليهم بشأن برامجهم، و من ثم إعطاء فرص محددة، بعد ذلك، للإجابة عليها من قبل المرشحين الذين وُجّهت لهم الأسئلة. عموما، أعتقد أن البرنامج مفيد جدا ونافع ومقبول، بل ويساعد على بثّ الوعي والثقافة الإنتخابية، وذلك على الرغم من مداخلات مقدم البرنامج التي تقضم من فرصة الناخب للرد على إجابات المرشحين، من جهة، و من محاولته فرض وصاية أبوية على النقاش، من جهة أخرى. ولكن هذا لا ينفي مساهمته، أحيانا، في تقديم إيضاحات وخلاصات مفيدة، ولاسيما قي طرح بعض الأسئلة الإستطرادية النافعة. 2. و من خلال متابعاتي للبرنامج، ، لثلاث مرات في ثلات ليال متتالية، ترشّح لدي إنطباع أساسي عن مفهوم المرشحين لما يسمّونه بالبرامج الإنتخابية التي يطرحونها، ويناشدون الناس لإنتخابهم من أجل تحقيقها، خدمة لمصالحهم ورفاههم ومستقبلهم. الإنطباع هو، حسبما بدى لنا حتى الآن، أن هناك غياب لفهم واضح لمعنى البرنامج الإنتخابي لدى الأغلبية العظمى من المرشحين الذين إستمعنا إليهم. وهذا ما نود أن نبيّنه ونوضّحه في هذه المقالة القصيرة، بهدف تعزيز الثقافة الديمقراطية، من جهة، ولتطوير المدخل العقلاني إتجاه القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي يريد ان يتصدى لها المرشحون وكياناتهم السياسية بواقعية وعلمية. 3. قبل أن نباشر في توضيح مفهوم البرنامج الإنتخابي، نود الإشارة الى إننا قد لحظنا إن التسميات التي إتخذها العدد الغالب من المرشحين لكياناتهم قد مالت إلى إسنخدام عناوين، مثل الكفاءآت والمستقلين، والإصلاح، وماشابه. وهذه يعني أن هناك نفور عام من التسميات الدينية والمذهبية؛ وهذا على الرغم من وجود بعض الكيانات التي لجأت الى تسميات دينية شبه مستترة مثل، الحسينيون أو ما يشبه ذلك. وبدى واضحا أيضا، أن هناك كيانات ومرشحون يتسترون بتسميات، كالمستقلين أو الإصلاحيين أو الكفاءات وماشابه، ولكنهم يمثلون واجهات لتيارات مذهبية دينية، كتيار الصدر، والمجلس الأعلى، وغيرهما. 4. نعود الآن الى مفهوم البرنامج الإنتخابي، ينبغي أن يكون واضحا من البداية، أن هذه إنتخابات محلية، أي أن المرشحين، لو فازوا، سيكونون أعضاء في مجالس البلديات للمحافظات، أي أعضاء في حكومات محلية، واجبها الأساسي هو خدمة سكان المحافظة التي يمثلونها وليس غيرها. وهذا يعني بأنهم غير مطالبين بمعالجة قضايا وطنية عامة تهم العراق كله؛ إن همهم الأساسي يجب أن يكون خدمة مصالح سكان المحافظة الذين سينتخبونهم. ويترتب على ذلك أن يتقدم المرشحون ببرامج لتقديم إصلاحات وإنجازات لمعالجة مشاكل ومعوّقات ومتطلبات تنموية خاصة بالمحافظة التي يتطوعون لخدمتها. 5. ووفقا لهذا الإطار المفاهيمي ينبغي أن يتم تصميم البرنامج الإنتخابي. ولكي يتم تصميم البرنامج على أسس علمية وموضوعية ينبغي إقامته على أساس التشخيص الموضوعي والكمي للمشاكل، أو مايسمى بتحديات التنمية المحلية. أي لا يجوز أن يسمّى البرنامج برنامجا لمجرد إحتوائه على تمنيات أو تطلعات، مثل تقديم خدمات الكهرباء والماء وزيادة الإستثمار ومحاربة البطالة، وإصلاح التربية والتعليم، وبناء المصانع، وتحسين السكن والبنى الإرتكازية. هذه كلها ليست برامج بل هي عناوين وتمنيات، لأنها تمثل غايات عامة. فالبرنامج، أي برنامج له جانب تنفيذي وله بعد زمني محدد، أي لأربعة سنوات قادمة، وينبغي أن يتسم بالمواصفات والمعايير الآتية: (1) أن يكون محدد جغرافيا، ( مكانيا، أي خاص بالمحافظة )، وزمنيا، أي ممرحلا لأربعة سنوات قادمة. (2) أن يتضمن البرنامج مشاريع محددة، مستمدة من تشخيصات أو دراسات أو تقارير تشخيصية مسبقة. ولكي نعطي مثالا لتوضيح هذه النقطة، لنفرض أن أحد المرشحين يريد أن يدعو الى تخفيض أو معالجة البطالة في محافظته، بل ويوعد بإزالتها، خلال مدة حكومته المحلية التي سيكون هو أحد أعضاءها في السنوات الأربعة القادمة. عليه أن يقول وبتوثيق علمي، كم هو عدد العاطلين في المحافظة؟ وماهو تركيبهم المهني والثقافي والجنسي وتوزيعاتهم المكانية؟ وماهي مستوياتهم التأهيلية، وماهي مدياتهم العمرية؟ وبناءا عليه، يتقدم ببرنامج بعدّة عناصر، منها إيجاد معهد أو معاهد لتأهيل غير المؤهلين، ولتحديد عدد وانواع فرص التشغيل المطلوبة، وفي أية قطاعات أو نشاطات إقتصادية؟ هل هي الزراعة، أم الصناعة، أم النقل، أم السياحة، أم التجارة، أم القطاع الصناعي الخاص الصغير؟ مما قد يتطلب إقتراح برنامج فرعي لتقديم القروض والدعم، ولفتح الورش الصناعية الصغيرة، وهكذا. هذا هو مفهوم البرنامج، أما الكلام العام عن مكافحة البطالة، فلا يعني شيئا. أنه مجرد أمنية كلامية بدون مشروعات فنية مفصلة، تمكّن المرشح المنتخب لاحقا من تقديمها كمقترحات مقنّعة، و يستطيع أن يدافع عنها، بإقناع وبموضوعية. (3) فضلا عن ذلك، إن تنفيذ مشروعات البرامج المطروحة، في حالة تم تبنيّها من قبل الحكومة المحلية المنتخبة، يتطلّب تمويلا. فكم هي المبالغ أو الإستثمارات المطلوبة لتنفيذها خلال الأربع سنوات القادمة؟ هل فكر السادة المرشحون الذين يتحدثون عن القضاء على البطالة، بالموارد المطلوبة لذلك؟ من أين ستأتي هذه الموارد؟ هل من موارد الحكومة المركزية الفدرالية، أم من الموارد المحلية، أم من جلب إستثمارات خارجية، أم من الإقتراض؟ هذا هو ما نعنيه بالبرامج الإنتخابية. ولدينا أمثلة كثيرة يمكن التدليل بها على مفهوم البرنامج. ولعلّي أتذكر من مشاهدتي لبرنامج القناة العراقية عن الإنتخابات البارحة (26/1/2009)، الذي أشرنا إليه أعلاه، سمعت مرشحة بإسم الدكتورة جنان عن محافظة كربلاء تتحدث عن الأسر المتجاوزة والفقيرة، وإنها تسعى لحل مشاكلها، فهم في رأيها يشكلون نسبة كبيرة من سكان كربلاء. نعم، إن الدكتورة جنان قد لامست بالفعل مشكلة إجتماعية تتعلّق بخدمات السكن في مدينة كربلاء؛ هذا مشروع لبرنامج معقول، ولكنها لم تقدم أية مؤشرات كمية عنه، كم هو عدد هذه الأسر؟ وماهي مؤشرات سكنهم الحالي؟ وماهي المشاكل التي يواجهونها، مثل تهديدهم بإخلاء أماكن سكناهم؛ ولم تتقدم بآليات للحلول المطلوبة، والمدة الزمنية لتنفيذها، والموارد المطلوبة للبديل المقترح. لعلّنا لا نغالي اذا قلنا بأننا لم نستمع الى أي مرشح أو ممثل كيان، سواء كان من أحزاب السلطة أو المهيمنة، أو من أحزاب وكيانات مستقلة أو ديمقراطية أو حتى يسارية، يتحدث بمفهومية علمية وموضوعية عن برنامجه الإنتخابي؛ ولعلّ معظم من إستمعنا إليهم يزايدون بتمنيات ليس لها قيمة تنفيذية واقعية؛ إذ لم نسمع أحدا يقول لنا كيف سينفذ برنامجه، وماهي مقترحاته الفنية المفصّلة لحل المشاكل التي يريد التصدي لها. على أية حال، إن التطوّر الديمقراطي يستلزم تطورات فكرية وثقافية، كما يستلزم موضوعية وروحية إجتماعية وحدس سياسي سلمي، يقوم على الحوار والإقناع بالبيانات والشواهد والتشخيصات العلمية، فضلا عن الصدقية والإخلاص والتجرد، وهذه أخلاقيات لابد من إعادة ترصينها، بعد الفساد والتشرذم الطائفي المقيت الذي تصاعد خلال نصف العقد الماضي. إن الطريق نحو البناء الديمقراطي محفوف بالمخاطر، ويستغرق زمنا، ولكنه ليس صعبا أو مستحيلا، لا سيما في العراق، فشعبنا وأهلنا ومثقفينا هناك يملكون من المقومات الأخلاقية والضمائر الفطرية، ومن الذكاء والوعي ما سيجعلهم قادرين على إجتياز ذلك الطريق الصعب. وإنهم في الواقع قد إجتازوا نصفه الآن؛ وستكون الإنتخابات القادمة أكثر نضجا، وأكثر نجاحا. لقد أصبحت الطريق نحو بناء النظام الديمقراطي وعراق المواطنة وليس الطوائفية سالكة الآن. د. كامل العضاض كانون ثاني،2009 [email protected]
#كامل_كاظم_العضاض (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تكون المقدمات خاطئة...حالة العدوان على غزة
-
بين النسبي و المطلق، كيف يجزم الإنسان بقناعاته
-
الحذاء لا يبني وطن!
-
حوارية الحوار المتمدن
-
نحو استراتيجية لبناء تيار ديمقراطي علماني في العراق
المزيد.....
-
فيديو يظهر لحظة مداهمة فيضانات مفاجئة منزلًا في نيويورك.. شا
...
-
آلاف الزوار يتدفقون لالتقاط الصور.. ومزارعون إيطاليون يردّون
...
-
رغم تزايد الضغوط الدولية.. هل لا تزال إقامة دولة فلسطينية قا
...
-
كيف تعرف سمات الشخصية التي تميل إلى الغش وخداع الآخرين؟
-
هارين كين أم ساديو ماني .. حظوظ لويس دياز في بايرن؟
-
هل رفض نيجيريا الاستسلام لترامب يؤشر على تدهور علاقات واشنطن
...
-
مظاهرات -كسر الصمت-.. فلسطينيو 48 يرفضون حرب الإبادة والتجوي
...
-
لوموند تكشف ضغوطا غير مسبوقة على الجنائية الدولية لحماية إسر
...
-
إعلام إسرائيلي: العالم يرانا متوحشين وحماس ذكية وتلقننا درسا
...
-
تعادل رحلة فرنسا إلى إيطاليا.. رصد أطول صاعقة برق بالعالم
المزيد.....
|