أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كفاح محمود كريم - جمهورية القرية!?















المزيد.....

جمهورية القرية!?


كفاح محمود كريم

الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 01:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما إن الكثير من المتفائلين كانوا يعتقدون أن النظام السابق هو مجرد ترويكة قيادية لا يتجاوز عددها المئات من الكوادر السياسية العليا والعسكرية والخاصة وبسقوطها وهزيمتها انتهت حقبة من تاريخ العراق السياسي والاجتماعي، ولم يلتفت أو ينتبه الكثير إلى نوع الثقافة التي أنتجتها هذه الأنظمة عبر عشرات السنين لدى قطاعات واسعة من الأهالي بل وكيفية توظيفها لتراكمات من العادات والتقاليد البدوية والقروية البالية واستخدام مفردات الشد العشائري والقيم القبلية التي اندثرت لدى الكثير من دول العالم حتى الشرقية والإسلامية منها، وإعادة تصنيعها وزركشتها وتقديمها كسلوكيات أصيلة في مجتمعات ما زالت تبحث عن هويتها الوطنية ولم يكتمل بنائها المدني المتحضر لحد هذا اليوم، فهناك نسب كارثية في ألامية والتخلف الحضاري والفقر المدقع والولاء للفرد والقبيلة والمنطقة، بما يؤشر انعدام مبدأ المواطنة وانحساره لصالح الانتماء إلى العشيرة أو القرية والمنطقة، حتى يبدو للكثير ذلك الانتماء أكثر قدسية من الانتماء للشعب أو الدولة والوطن.
لقد عملوا منذ الساعات الأولى لانقلابهم وسيطرتهم على مقاليد السلطة والمال في البلاد على إقامة جمهورية القرية بكل ما تعنيه هذه المفردة من معانيها وتفاصيل ما يرتبط بثقافة القرية وعاداتها الايجابية منها والسلبية، بل وأنجزوا في مراحل متقدمة من حكمهم مؤسسات ادارية في اعلى مستويات الدولة تحت تسميات دوائر العشائر والانساب ومن ثم انتاج شيوخ العشائر بمواصفات واصناف ودرجات ( أ، ب، ج ) للمستويات، ثم استحداث رؤساء الافخاذ ضمن العشيرة الواحدة، وكل ذلك يتم تغطيته برواتب ومخصصات شهرية وواجبات خاصة يقوم بها هؤلاء الاشخاص خدمة للنظام ورئيسه.
إن نظاما حكم العراق قرابة أربعين عاما وأشاع ثقافة الحزب الواحد والعرق الواحد والمبدأ الأوحد والرئيس الضرورة والأب القائد ومبدأ نفذ ثم ناقش ومئات الآلاف من الأميين الذين استقدمهم من القرى والأرياف كعناصر لقوى الأمن والاستخبارات والمخابرات وأسكنهم في مراكز المدن وأطرافها بكل عاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم والالاف من الشيوخ الذين انتجتهم دوائره، لا يمكن التخلص من آثاره بمجرد إسقاط هيكله الإداري وأدواته في عدة أشهر أو سنوات.
لقد مارس خلال اربعة عقود عمليات اشاعة وزرع مفاهيم شمولية وعسكرية وعنصرية لدى قطاعات واسعة من الأهالي وبالذات القروية والنازحة من القرى والأرياف إلى حافات المدن ومن ثم إلى مراكزها في العيش والقرار، وعسكرة تلك القطاعات وشحنها بمفاهيم مغلقة لا تمت إلى العصر أو الحضارة بأي صلة كانت بل على العكس كانت وما تزال تتغني بأمجاد الغزو والعشيرة والبداوة وتشوه التاريخ وحقائقه بما يتناسب وانتماءاتها الطائفية والعرقية ويعمل على إلغاء أو تهميش الآخرين لحساب مفهوم الشيخ والاغا وسلوكيات القطيع.
لقد أشاعت الأنظمة السياسية العربية في معظم بلدان الشرق الأوسط ثقافة القرية والبداوة، لا بتلك القيم المشرقة فيها بل بتلك الثقافة المغلقة والبدائية في تعاطيها مع مفردات التطور الاجتماعي والاقتصادي في المدن ومجتمعاتها المعاصرة، وحينما نتحدث عن القرية فإننا نتحدث عن القرية في دولنا من العراق وحتى المغرب، المغمورة بالأمية والبدائية والفقر المدقع والتحسب بل والخوف من المدن والتخلف في معظم مضامير الحياة إلا ما كان استثناء لا يخضع للقياس العام، بل واستبعدت ثقافة المدينة والطبقة المتوسطة تماما في كثير من بلدان الشرق الأوسط وعملت على تدمير هذه الطبقة وإنهاء وجودها وتشويه طبيعة وهوية المدن بعمليات النقل العشوائي لسكان القرى إليها، خصوصا في النصف الثاني من القرن الماضي وبداية عصر الانقلابات العسكرية والدكتاتوريات الجمهورية المؤدلجة بنظرية الحزب الواحد وملحقاته. هذه الثقافة التي لا تعترف بالآخر وتنظر إليه بمنظار التبعية الدونية كونها سلطة منفردة ومخولة دائما من السماء ومن الشعب كما تشتهي هي لنفسها، حيث تراكمت لديها معارف القرية ومجالسها المغلقة وقيمها القبلية ونظامها الاقتصادي البدائي المعروف في مناطقنا بالشرق الأوسط عموما منطلقة من الترابط في النسب ومن مبدأ شيخ العشيرة ( الأب الكبير ) الآمر والناهي دونما نقاش أو اعتراض.
هذه الثقافة المحصورة في أعماق التكوينات النفسية للفرد والمشبعة بالخوف والتحسب البدائي من الآخر والولاء للأسرة والعشيرة في الانكماش والتعاطي المقرون بالعدائية لكل ما هو خارج مفهوم الأسرة والعشيرة نتيجة تراكمات فكرة الغزو المتوارثة عبر مئات السنين أو ربما أكثر، وقد كرست معظم الأنظمة السياسية العربية هذه الثقافة وأمدتها تارة بوسيلة الدين وتأويلاتها وتفسيراتها القروية السوداوية لنصوصه ( تأثيرات ملالي القرى والكتاتيب التربوية ) وذلك لإشاعة الكراهية وفكرة الواحد في كل شيء امتدادا من ذلك البدوي الذي كان يمتطي حصانه في أعماق الصحراء ولا يرى غيره في تلك الأرض المترامية الأطراف وصولا إلى فكرة الرئيس القائد والأوحد، والرأي المقدس الغير قابل للنقاش أو الاعتراض وإسقاط هذه المفاهيم على علاقة الفرد بالشيخ أو الرئيس، وتارة أخرى بالضرورة التاريخية لوجودها ووجود نظام الفارس والقائد والملهم والذي لا مثيل له بين البشر، حتى تحولت مجتمعاتنا إلى ما يشبه نظام القطيع في السلوك والتعاطي مع المافوق دائما وفي معظم تفاصيل الحياة حتى ما كان منها بعيد عن السياسة أو الإدارة ليس في شخص الرئيس أو الملك بل نزولا إلى اصغر حلقات الإدارة وانتقال السلطنة من أعلى الهرم إلى أسفله في السلوك والتعاطي مع الآخرين، ومن ثم انتشار ظواهر التملق والتدليس والنفاق الاجتماعي وانحسار حرية الرأي وجرأة التعبير بل وانعدامها كليا لصالح شخصية المدير والشيخ ومن ثم القائد والحزب أو النظام المهيمن، وبذلك تم تسخير ومن ثم تأويل وتفسير أكثر النصوص قدسية في الكتب الدينية وأحاديث الأنبياء والرسل والأئمة والأولياء لخدمة نظام الواحد الأحد المتمثل بشيخ العشيرة ومن ثم الأمير أو الملك المفدى وأخيراً الرئيس أو القائد الضرورة في معظم جمهوريات الشرق الأوسط ومن تبعه وماثله جغرافيا واجتماعيا إلى يوم الدين وتحويلها تدريجيا إلى جمهوريات وممالك قروية في أحدث عمليات ترييف المدن والدول!؟



#كفاح_محمود_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق والمواطنة
- دكتاتورية الهزائم
- استنساخ المزايدات وذبح غزة ؟
- البحث عن بطل من ورق ؟
- الشرق والهروب من الحرية؟
- الشرف المعلق !؟
- ذيول الذيول
- الانتهازيون وتدهور القيم الاجتماعية !
- ( العراق بين الاسلاف والاخلاف )
- الحيتان تغزو العراق ...؟
- بقايا الإمبراطوريات والمثلث الملتهب!
- ( التعصب القومي والتشويه الديموغرافي في العراق )
- ( همسات تحت المطر )
- الموصل.. تاريخ مشرق وحاضر بائس!؟
- ( الموصل.. بين الحكايات وواقع الحال ؟ )
- يا بؤس من يعادي شعباً ؟
- في الموصل: تمخض الجمل فولد فأراً !؟ *
- قبلات المطر
- طالما فعلوها مع الالوسي.. فلتكشف كل الاوراق !؟
- ( وأخيراً يا كركوك !؟ )


المزيد.....




- مسؤول: أوكرانيا تشن هجمات ليلية بطائرات دون طيار على مصفاة ن ...
- -منزل المجيء الثاني للمسيح- ألوانه زاهية ومشرقة بحسب -النبي ...
- عارضة الأزياء جيزيل بوندشين تنهار بالبكاء أثناء توقيف ضابط ش ...
- بلدة يابانية تضع حاجزا أمام السياح الراغبين بالتقاط السيلفي ...
- ما هو صوت -الزنّانة- الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بال ...
- شاهد: فيديو يُظهر توجيه طائرات هجومية روسية بمساعدة مراقبين ...
- بلومبرغ: المملكة العربية السعودية تستعد لعقد اجتماع لمناقشة ...
- اللجنة الأولمبية تؤكد مشاركة رياضيين فلسطينيين في الأولمبياد ...
- إيران تنوي الإفراج عن طاقم سفينة تحتجزها مرتبطة بإسرائيل
- فك لغز -لعنة- الفرعون توت عنخ آمون


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كفاح محمود كريم - جمهورية القرية!?