أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر















المزيد.....



اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر


جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين

الحوار المتمدن-العدد: 2511 - 2008 / 12 / 30 - 10:01
المحور: الارشيف الماركسي
    


الدّرس الرابع عشر
تكوين الاشتراكية العِلميَّة
أهميتها وتأثيرها


1ـ مصادر الماركسية الثلاثة.
أ) الفلسفة الألمانية.
ب) الاقتصاد السياسي الإنجليزي.
ج) الاشتراكية الفرنسية.
2ـ الاشتراكية الخيالية.
3ـ الاشتراكية العلمية.
أ) تكوينها.
ب) صفاتها.
4ـ عمل الاشتراكية العلمية.
أ) دمج الاشتراكية مع الحركة العمالية.
ب) ضرورة الحزب الشيوعي ـ نقد (التلقائية
5ـ الخلاصة.



بينما تعجز النزعة المثالية عن فهم مصدر الأفكار والنظريات الاجتماعية وعملها إذا بالنزعة المادية الجدلية تستطيع القيام بذلك، ولكنها تخضع بنفسها للقوانين التي تسيطر على ظهور الأفكار وعملها. ولهذا بينما لا تفهم النزعة المثالية نفسها (لأنه لا يمكنها ذلك الا إذا لم تعد مثالية وأصبحت مادية) فأن النظرية الماركسية تستطيع أن تدرس تاريخها الخاص وأن تقدر أهميتها بصورة موضوعية.
وسنكرس هذا الدرس، الرابع عشر، للجانب الاجتماعي والسياسي للنظرية الماركسية الا وهو الاشتراكية العلمية، وسندرس تكوينها وعملها.

1 ـ مَصَادِر الماركسِيَّة الثَلاثة
إذا نظرنا للماركسية في مجموعها (النزعة المادية الجدلية، النزعة المادية التاريخية، الاشتراكية العلمية) لوجدنا أن الماركسية ليست ثمرة تلقائية للذهن الإنساني، فهي قد قامت على أساس التناقضات الموضوعية للمجتمع الرأسمالي، كما أنها تحل هذه التناقضات بصورة جديدة. وهي، من جهة ثانية، تنتمي لحركة فكرية تكونت في ظروف موضوعية أقدم منها وكانت هذه الحركة الفكرية تحاول الجواب على المشاكل التي أثارها تطور المجتمعات.
يدل تاريخ الفلسفة وتاريخ العلم الاجتماعي، بوضوح، على أن الماركسية لا تشبه "النزعة الانطوائية" التي تمتاز بها العقيدة المنطوية على نفسها وقد انبثقت بعيداً عن مجرى تطور المدنية الشاملة. فأن ماركس، على العكس، يمتاز أنه أجاب على المسائل التي أثارتها الإنسانية في سيرها. فنشأ مذهبه على أنه امتداد مباشر لمذاهب أشهر ممثلي فلسفة الاقتصاد السياسي والاشتراكية .
يشير هذا النص إلى ثلاثة مصادر نظرية للماركسية في مجموعها فيجب أن نسرع في وصف أهميتها.
أ) ـ الفَلسَفَة الألمَانِيَّة
الفلسفة الالمانية في مطلع القرن التاسع عشر مصدر للماركسية. وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً (المدخل والدرس الأول).
كما نعلم أن هيجل، وهو المعجب بثورة 1789، أراد أن يقوم بثورة في ميدان الأفكار تشبه ما قامت به الثورة الفرنسية في ميدان الوقائع، ومن هنا كانت الجدلية: فكما أن الثورة الفرنسية قد قضت على النظام الإقطاعي الذي كان يظن أنه خالد، فكذلك قامت الجدلية بالقضاء على الحقائق التي كانت تظن نفسها خالدة: فهي ترى في التاريخ عملية محركها نضال الأفكار المتناقضة: هكذا كانت مطامح البرجوازية الألمانية تعبر عن نفسها فكريا في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر. كانت ألمانيا مجزأة وكانت لا تزال تخضع للنظام الإقطاعي، كما كانت البرجوازية الألمانية الفتية تحلم بأن تقوم بما قامت به البرجوازية الفرنسية على الضفة الثانية للرين. غير أنها كانت ضعيفة فلم يكن بمقدورها القيام بهذه المهمة التاريخية. وهذا ما يفسر نقص فلسفة هيجل الأساسي: الا وهي نزعته المثالية. فالنزعة المثالية هي دائما انعكاس لعجز موضوعي: وهي تعبير نظري عن برجوازية تريد القضاء على الإقطاع ولكنها تعجز عن ذلك. فكانت فلسفة هيجل، حسب قول انجلز، "إجهاضا ضخما " وهكذا يظل التطور الجدلي تطورا فكريا صرفا. كما أنه، بالإضافة إلى ذلك، قد تحالف مع الدولة الاقطاعية البروسية فإذا به ينظر إلى هذه الدولة على أنها التعبير التاريخي الضروري عن الفكرة. وهكذا تحصر الجدلية نفسها في نطاق تجريد(idealisation) ما هو كائن... كما تقف حركتها عن السير لعجز طبقة لا يمكنها القيام بالثورة...الا في الذهن.
ومع ذلك فقد اضطر الفلاسفة البرجوازيون في الجيل الذي خلف هيجل (مات 1831) مباشرة ـ وقد حملهم على ذلك نضالهم ضد الإقطاعية الأكليركية ـ إلى أن يبحثوا عن السلاح النظري ضد عدوهم الطبقي في النزعة المادية الملحدة في القرن الثامن عشر. وتتمثل هذه المرحلة في لودفيج فورباخ. فلقد أعاد كتابه "جوهر المسيحية" (1841) "النزعة المادية إلى عرشها". كما أنه أثر في ماركس (ولد 1818) تأثيراً قوياً، وفي انجلز (ولد 1820). وينحدر كلاهما من البرجوازية الألمانية المتحررة.
ولكن نزعة فورباخ المادية ظلت ميكانيكية، (راجع الدرس التاسع) إذ يرى فورباخ ـ وهو محق ـ في الإنسان ثمرة للطبيعة، ولكنة لا يرى أن الإنسان أيضاً منتج يحول الطبيعة، وأن هذا هو مصدر المجتمع وكان فورباخ يفتقد إلى نظرة علمية للتاريخ فاستعاض عنها بديانة غامضة تقوم على الحب، أي بعودة إلى النزعة المثالية. وهذا عجز يعبر عن عجز البرجوازية الألمانية التي لم تستطيع عام 1848 القيام بثورتها ضد الإقطاعيين وتنتصر عليهم.
ونعلم أن ماركس قد أنشأ فلسفة علمية في وضعه للنزعة المادية الجدلية، وقد تخطت هذه الفلسفة جدلية هيجل المثالية، كما تخطت نزعة فورباخ المادية الميكانيكية وقد عرض ماركس، لأول مرة ، للنزعة المادية الجدلية في "أفكار حول فورباخ" وقد كتبها ماركس عام 1845. وتعبر الفكرة الحادية عشرة عن الانتقال من الفلسفة الكلاسيكية الألمانية إلى الماركسية فيقول:
"لم يفعل الفلاسفة سوى تفسير العالم بصور مختلفة بينما كان الواجب تحويله ".

ب) ـ الاقتِصَادُ السِياسي الإنجليزي
كانت انجلترا، في مطلع القرن التاسع عشر، أكثر البلاد تقدماً في الاقتصاد. فلقد كانت البرجوازية الإنجليزية، في نهاية القرن الثامن عشر، أول من انتقل من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية. وهكذا نشأ الإنتاج الاقتصادي الكبير. وهو أساس المجتمع الرأسمالي، وهذا ظرف يساعد، موضوعيا، على ازدهار الاقتصاد السياسي. وهو علم القوانين التي تسيطر على الإنتاج وتبادل الوسائل المادية للمعيشة في المجتمع الإنساني .
فلقد مهد الاقتصاديان الإنجليزيان الكبيران آدم سميت ودافيد ريكاردو الطريق لنظرية القيمة ـ العمل ولكنهما لم يستطيعا إدراك العلاقات الموضوعية بين الناس التي تتعدى تبادل السلع.
فعجزا إذن عن التدليل على أن قيمة كل سلعة تتحدد بمقدار زمن العمل الضروري لإنتاجها. وكان فضل ماركس أنه عرَّف طبيعة قيمة التبادل الحقيقية على أنها تبلور للعمل الاجتماعي. وبهذا تخطى ماركس حدود الاقتصاد السياسي الإنجليزي الذي عجز عن تحليل الرأسمالية تحليلاً كافياً، لأن المصالح الطبقية حالت دون ذلك. فقد كان الاقتصاديون يعتقدون أن الرأسمالية خالدة. فقفز ماركس بالاقتصاد السياسي قفزة فاصلة باكتشافه فائض القيمة.
فلقد دلل على أن تملك العمل الغير المدفوع أجره هو الصورة الأساسية للإنتاج الرأسمالي، واستغلال العمال الذين لا يمكن فصلهم عنه، كما دلل على أن الرأسمالي، في نفس الوقت الذي يدفع فيه أجر قوة العمال العملية بمعدل القيمة الحقيقية لهذه القوة كسعلة تباع في السوق، فأنه يستخرج من هذه القوة قيمة تفوق القيمة التي دفعها أجراً لها، وأن هذه القيمة الفائضة تكون مجموع القيم التي يتأتى عنها رأس المال الذي يزداد باستمرار ويتضخم في أيدي الطبقات المالكة. وهكذا فسر طريقة الإنتاج الرأسمالي وطريقة إنتاج الرأسمال .
وكان على كتاب "رأس المال" (الذي يرجع تاريخ الجزء الأول منه إلى عام 1867 وعمل ماركس فيه حتى وفاته 1883) أن يكون رائعة الاقتصاد السياسي الماركسي.

ج) ـ الاشتِراكية الفرنسِيَّة
يجب البحث عن بذرة الاشتراكية الحديثة، التي نشأت عنها الاشتراكية العلمية، في نزعة الفلاسفة الفرنسيين المادية. ولم يكن هلفتيوس وهولباخ اشتراكيين. غير أن نزعتهما المادية، وما تحتوي عليه من آراء حول طيبة الإنسان الطبيعية، وجبروت التجربة والعادة والتربية، وتأثير البيئة الطبيعية، تتصل بالضرورة بالشيوعية الاشتراكية، فإذا كان الإنسان يتكون بتأثير الظروف فيجب تكوين الظروف بصورة إنسانية .
وكان جراشوس بابوف الذي كرس حياته للشيوعية (شنق عام 1897 على يد البرجوازية الترميدوريه) زميلاً لفلاسفة القرن الثامن عشر . أما الفلاسفة الخياليون الذين سبقوا ماركس وهم سان سيمون وفوريه الفرنسيان واوين الإنجليزي فقد تمثلوا نزعة القرن الثامن عشر المادية تمثلا قويا.
وهكذا تحقق قول انجلز الذي قال بصدد الاشتراكية الحديثة: كان على الاشتراكية الحديثة، ككل نظرية جديدة، أن ترجع لأفكار سابقيها المباشرين، وأن كانت جذورها في الواقع تنبت في أرض الوقائع الاقتصادية .
غير أن الاشتراكية السابقة على ماركس لم تكن علمية بل كانت اشتراكية خيالية. وتكون الاشتراكية الفرنسية أكبر جزء منها. كما تضم أيضاً بعض المفكرين الألمان والفيلسوف النظري الكبير الإنجليزي أوين.

2 ـ الاشتِراكيَّة الخيَاليَّة
تكونت في ظروف التي أوجدها المجتمع الرأسمالي، فقد ناضلت البرجوازية ضد النظام الإقطاعي باسم الحرية والأخوة. غير أن حكم البرجوازية في فرنسا وانجلترا، جعل من المجتمع مأسدة. ولما كان نمو الصناعة، في نطاق الرأسمالية، يشرط استغلال العمال فقد شاهدنا نشوء إقطاعيات جديدة، هي إقطاعيات المال التي هيأت للبرجوازية الحاكمة الأبهة والسلطان، بينما كان شقاء الجماهير الكادحة، في القطب الأخر للمجتمع، يزداد بصورة مخيفة.
كانت نقطة انطلاق الاشتراكية الخيالية التشهير بهذا الوضع الذي كان الاقتصاديون البرجوازيون يقولون عنه بأنه وضع "طبيعي" لأنه كان يضمن نمو الصناعة. ولهذا قام الاشتراكيون الخياليون بنقد نظام قال عنه فورييه "يولد فيه الفقر من الازدهار نفسه".
ويلاحظ سان سيمون (1760 – 1825) أن الإنتاج ينمو في الرأسمالية بصورة مستبدة خلال نضال مرير من الصناعيين حتى يولد أعظم الآلام للكادحين. وكان يعتقد بأن نمو الصناعة يجلب السعادة للإنسانية، ولهذا وصف فضائل تنظيم الإنتاج تنظيماً عقلانياً على يد رجال تشاركوا لاستغلال الطبيعة معاً، وهكذا يزول استغلال الإنسان للإنسان فننتقل من "حكومة الناس إلى إدارة الأشياء ".
ولقد درس شارل فورييه (1772ـ1837) أزمات الرأسمالية، وحارب نتائج المضاربة التي تحمل الخراب وشهر بمساوىء الاحتكار والتجارة.
ولما كان نصيراً للمساواة بين الرجل والمرأة فقد قام بنقد استغلال النساء على يد البرجوازية. وهو يرى في الدولة المدافع عن مصالح الطبقة الحاكمة، كما دلل كيف أن البرجوازية، بعد أن عادت إلى الدين المسيحي الذي ناهضته في الماضي تنشر الأفكار "الأخلاقية" التي تدعو للخضوع والاستسلام وتعمل من أجلها.
وهو يدعو إلى التعاونية لمداواة هذه الأمراض. فيشترك المالكون في ممتلكاتهم وعملهم ونبوغهم وينتظمون في طوائف صغيرة للإنتاج تضمن للإنسانية إمكانية ازدهار منسجم، وهكذا يزول الأجر وتصبح التربية بوليتكنيكية، وتعمل المنافسة في العمل من أجل الصالح العام، وتفتح مراكز العمل الكبيرة التي تستخرج خيرات الكرة الأرضية .
"وكان روبير أوين (1771 – 1858) مقتنعا، اقتناع الماديين في القرن الثامن عشر، بأن أخلاق الناس (من عيوب وفضائل) هي ثمرة للظروف، ولهذا فهو يرى بأن الثورة الصناعية التي حدثت في انجلترا توجد الظروف التي تساعد على تحقيق السعادة للجميع. فجعل من مغزلة ثيولنارك "مستعمرة نموذجية لا تعرف الإدمان على شرب الخمر أو الشرطة أو السجن أو المحاكم أو الإغاثة العامة أو الحاجة للإنسان الخاص ".
ثم يتحدث عن الشيوعية فيقول: "يجب أن تكون قوى الإنتاج التي نمتها الصناعة الضخمة ملكا جماعياً، كما يجب أن يستفيد منها جميع أعضاء المجتمع. وخيل إليه أنه يستطيع التمهيد للتنظيم الشيوعي للمجتمع بواسطة تعاونيات الإنتاج والاستهلاك (وهي عبارة عن جزر في الخضم الرأسمالي، وكان مصيرها الزوال).
كان لكبار الفلاسفة الخياليين فضائل كبيرة وقد أشار إلى ذلك كل من انجلز وماركس. فلقد شاهدوا الرأسمالية وهي في أوج ازدهارها، فوصفوا عيوبها وشهروا بها، كما أنهم تنبأوا بنهايتها في زمن خيل إليها فيه أنها خالدة. فأرادوا القضاء على استغلال الإنسان للإنسان. ولما كانوا أبطال تربية تقدمية فقد وثقوا بالإنسانية لاعتقادهم أن سعادتها ممكنة على هذه الأرض. ولهذا فهم يحتلون مكانة سامية في تاريخ الاشتراكية.
ومع ذلك عجزوا عن تغيير حال المجتمع . فلماذا؟ عاش كبار الفلاسفة الخياليين في الفترة الأولى للرأسمالية. ثم أخذت تناقضات الرأسمالية في الازدياد فنشأت عن ذلك الفوضى في الإنتاج وبؤس الجماهير. ولكن الرأسمالية كانت لا تزال فتية فلم تظهر في داخل نظامها القوة التي تستطيع أن تناضل موضوعيا ضد الرأسمالية، وأن تتغلب عليها، وأن تؤسس المجتمع الاشتراكي. هذه القوة هي البروليتاريا التي يولدها، بالضرورة، نمو البرجوازية الرأسمالية، لأن قوتها تعتمد باجمعها على استغلال البروليتاريا.
غير أن البروليتاريا كانت، في مطلع القرن التاسع عشر، لا تزال قليلة العدد، ضعيفة، قد جزأتها المضاربة. وكان نضالها الطبقي، ضد البرجوازية، لا يزال ضعيفاً: ولما كان هذا النضال غير منظم فلم يكن، في هذه المرحلة، يهدف الا لتحقيق مطالب مباشرة، ولا سيما تخفيض ساعات العمل. كما كان هذا النضال يقاسي آلاماً شديدة فلم يهتم بالمستقبل. وكانت البروليتاريا، فيما يتعلق بالسياسة، لا تزال تحت وصاية البرجوازية (التي كانت تستخدمها، في فرنسا، في نضالها ضد بقايا الإقطاع: وهكذا ساعد البروليتاريون في عام 1830 البرجوازية لطرد آل بوربون ليحل محلهم ملك برجوازي هو لوي فيليب).
ولقد شاهد كبار الفلاسفة الخياليين، الذين انحدروا من البرجوازية، والألم يحز في قلوبهم، ما تعانيه البروليتاريا المستغلة من عذاب، وقد منعهم ذلك من رؤية القوى الضخمة التي تكمن في البروليتاريا والتي جعلت منها طبقة المستقبل بينما كانت البرجوازية تعتقد أنها خالدة .
الخلاصة: بما أن هؤلاء الفلاسفة الخياليين لم يجدوا، في مجتمع أيامهم، الوسائل الموضوعية للقضاء على هذا العذاب فأنهم لم يروا أمامهم سوى وضع مشروع فكري. فاستوحوا من أدمغتهم وصفاً تاماً لمجتمع كامل، قارنوه بالواقع المحزن. ولكنهم كانوا يجهلون قانون تطور المجتمع الرأسمالي فلم يستطيعوا اكتشاف العلاقة الموضوعية بين المجتمع الذي ينتقدونه والمجتمع الذي يحلمون به. ومن هنا كان وصف اشتراكيتهم بأنها "خيالية" ولهذا كانوا مثاليين وزملاء فلاسفة القرن الثامن عشر الذين كانوا يعتقدون أن "العقل" له القدرة على توليد مجتمع عادل، فنادوا بالعدالة والأخلاق.
ما هي الوسائل التي يقترحونها لتحقيق المجتمع الجديد؟ كان هؤلاء الفلاسفة لا يجهلون قوة النضال الطبقي المبدعة كما كانوا يخشون عمل الجماهير السياسي ويرون فيه مثال الفوضى فلم يكن أمامهم سوى التنبؤ. ولهذا فهم يحاولون في كتاباتهم أو بواسطة المجتمعات النموذجية أن يقنعوا الناس بصحة نظامهم.
ويؤكد سان سيمون بأن حزب العمال "سيتكون بعد ثمان وأربعين ساعة من ظهور منشوره" كما يقول أنه لا يجب "نبذ الدين لأن الاشتراكية نوع من الدين"
وهم يجهدون لضم البرجوازية إلى أفكارهم آملين أن تحقق لهم أفكارهم عن طريق السلطان الذي تتمتع به. وهذا وهم وخيال لأن مصالح البرجوازية الطبقية تتعارض مع الاشتراكية بصورة مطلقة.
ولهذا لم يستطع سان سيمون وفورييه وأوين أن ينجحوا. ومما يميز ماركس عن كبار الفلاسفة الخياليين، أنه، بدلا من أن يتخيل مشروع مثالي، فقد أقام الاشتراكية على أسس علمية. وبالرغم من أن نقد كبار الفلاسفة الخياليين للرأسمالية كان نقداً لاذعاً فأنهم لم يكونوا يملكون النزعة المادية التاريخية، وعلم المجتمعات الذي حقق لماركس انتصاراً نهائياً. ولهذا فهم، بالرغم من تأكدهم من نتائج الاستغلال الرأسمالي، فأنهم عجزوا عن إدراك عمله. كما عجزوا عن اكتشاف الدور الذي ستقوم به البروليتاريا في القضاء على الرأسمالية. فظهر عجزهم النظري في صور عجز عملي .
فاحتل العلم، بفضل ماركس، مكان الخيال وأصبحت الاشتراكية التي يحلم بها الخياليون واقعاً محسوساً.

3 ـ الاشتراكية العلمية
أ) ـ تكوينها
استفاد كل من ماركس وانجلز من ظروف موضوعية أفضل من ظروف كبار الفلاسفة الذين جاؤا قبلهما، إذ أن تناقضات الرأسمالية كانت أوضح حين تم نضج تفكيرهما؛ كما أن نضال البروليتاريا الثوري كان في أوج احتدامه.
ولقد نشبت أول أزمة اقتصادية كبرى للرأسمالية عام 1825 ثم أخذت الأزمات تتوالى فإذا بالقوى الإنتاجية التي حشدها النظام الرأسمالي تنقلب ضده. وعلى هذا الأساس قامت البروليتاريا، وكان عددها يزداد شيئا فشيئا وقد جمعتها الصناعة الكبرى، بنضال ضخم منظم. فحدثت أول ثورة عمالية في ليدن عام 1838 – 1842 كما بلغت الحركة العمالية القومية في انجلترا الذروة.
ظهرت حرب الطبقات بين البروليتاريا والبرجوازية على مسرح تاريخ الشعوب التي تقرر مصير الإنسانية .
كما نُصبت المتاريس في فرنسا عام 1838 ضد البرجوازية حيث كانت الطبقة العمالية تدافع عن حقها في الحياة بقوة السلاح.
ولم يكتف ماركس وانجلز بمشاهدة هذا النضال، بل كانا مناضلين ثوريين، بعكس الفلاسفة الخياليين، فأشتراكا في هذا النضال شخصياً في ألمانيا وفرنسا وانجلترا. وعملا على تنظيم الحركة العمالية، وأسسا عام 1848 أول اتحاد عالمي للعمال.
تلك هي الظروف التي استمدت منها عبقريتهما الماركسية.

ب) ـ صِفَاتهَا
يعرض لنا مزورو الماركسية على أنها أسطورة تصورتها مخيلة نبي متحمس يوحى إليه. كما أنه يخيل إليهم، في نفس الوقت، أنهم يستطيعون تكييف الماركسية حسب زيهم لخدمة مصلحة البرجوازية.
يجب إذن التأكيد بقوة على طابع الاشتراكية الماركسية السامي. فهي ليست أسطورة ولا وحياً ولا نظاماً بين سائر النظم الفلسفية، بل هي علم.
والعلم هو معرفة موضوعية للواقع تمدناً بالوسائل لتغيير هذا الواقع. وهكذا شأن الاشتراكية العلمية. وهي تعتمد على اكتشافين كبيرين، وهذان الاكتشافان هما: نظرية التاريخ المادية واكتشاف سر الإنتاج الرأسمالي بواسطة فائض القيمة.
يرجع الفضل في هذين الاكتشافين لكارل ماركس، ولقد جعلا من الاشتراكية علماً من العلوم .
نعلم أن ماركس وجد، في دراسة الفلسفة والعلوم الطبيعة، نظرة عن العلم وهي النزعة المادية الجدلية التي أدى تطبيقها على المجتمعات إلى ظهور النزعة المادية التاريخية.
فلقد اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية بينما اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع الإنساني .
وهو قانون خارجي سابق على وعي الناس وارادتهم. لأن الإنتاج ـ أي النشاط الذي يضمن الناس بواسطته وسائل معيشتهم ـ هو الذي يكون العامل الأساسي في المجتمعات، ويتحكم في تاريخيها. إذ تتحدد العلاقات الاجتماعية والمؤسسات السياسية والأفكار بواسطة إنتاج السلع المادية.
وقد تسلح ماركس بهذه النظرة العلمية للمجتمعات فاستطاع القيام بدراسة مجتمع زمانه الا وهو المجتمع الرأسمالي فكتب يقول في مقدمة كتابه "رأس المال":
"هدفنا النهائي هو الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث .
التحليل الموضوعي، إذن، هو الذي أدى بماركس إلى اكتشاف التناقض الذي ينبت وينمو في الرأسمالية حتى يفضي إلى نشوب أزمة يموت بسببها: وهو تناقض بين طابع قوى الإنتاج الاجتماعي (الصناعة الكبرى) تلك القوى التي نمتها الرأسمالية وبين طابع التملك الشخصي (الربح الرأسمالي). إذ ليست "العاطفة" هي التي أدت به الى اعتبار البروليتاريا الطبقة التي ستخلف البرجوازية بل هو تحليل الرأسمالية الموضوعي: فقد اكتشف ماركس أن الرأسمالية لا يمكن أن تعيش الا بفائض القيمة أي باستغلال البروليتاريا. التناقض بين مصالح البرجوازية والبروليتاريا جزء لا يتجزء من الرأسمالية، ونضال هاتين الطبقتين ضرورة من ضرورات الرأسمالية. وهكذا نرى أنه من العبث أن نأخذ على ماركس "أنه اخترع النضال الطبقي ".
وكل ما في الأمر أن ماركس لاحظ وجود هذا النضال فهو موجود منذ انحلال المجتمع القديم. هذا النضال هو العامل المحرك للتاريخ لأن التناقض بين قوى الإنتاج وبين علاقات الإنتاج ينحل بواسطته. وهكذا سيكون حال الرأسمالية: فأن نضال البروليتاريا، الطبقة المستغَلة، ضد الطبقة المستغِلة البرجوازية، سيحل التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج الرأسمالية، فكيف يكون ذلك؟ بالملاءمة بين هذه العلاقات وتلك القوى، أو بجعل وسائل الإنتاج اشتراكية عن طريق الاشتراكية، وهي مرحلة ضرورية للتطور التاريخي (شأن الرأسمالية في الماضي).
ويخلص ماركس إلى تحويل المجتمع الرأسمالي، الذي لا مفر منه، إلى مجتمع اشتراكي معتمدا في ذلك على قوانين حركة المجتمع الحديث الاقتصادية249.
من العبث الاعتقاد بأن ماركس، وهو البرجوازي الأصل، "يكره" البرجوازية، وأن هذا "هو السبب". فقد درس ماركس تاريخ البرجوازية الرأسمالية ولاحظ أنها قامت بنضال ثوري موضوعياً. وأنها هي السبب في ازدهار الإنتاج الضخم وهو الشرط الأساسي لتقدم المجتمعات. ولكن عمل الطبقة الثورية يعود الآن للبروليتاريا ضد البرجوازية التي تقف في وجه التقدم الاجتماعي. فإذا كان ماركس يحاكم البرجوازية الرأسمالية فذلك بقدر ما تضع هذه الطبقة مصالحها فوق كل شيء فترتكب أقبح الشرور للمحافظة عليها.
وإذا كانت البروليتاريا، منذ الآن، الطبقة الثورية الوحيدة فليس ذلك لأن ماركس قد قرر، جرياً وراء عاطفته، أنها يجب أن تكون كذلك، بل هي كذلك موضوعياً بسبب وضعها التاريخي داخل الرأسمالية فلماذا هي ثورة؟
لأنها ثمرة المجتمع البرجوازي (على عكس الطبقات الأخرى من صناع وفلاحين وصغار البرجوازيين) ولا يمكنها أن تؤمن معيشتها الا بمحاربة الطبقة المسيطرة وهي البرجوازية الرأسمالية. وذلك لأن تجمع الرأسمالية يقوي البروليتاريا ويزيد عددها. ولأن البروليتاريا، لما كانت لا تملك شيئا، فأنها لا تخسر في هذه الثورة سوى أغلالها. ولأنها لما كانت مرتبطة بأحدث قوى الإنتاج، فأن الوسيلة الوحيدة لتحريرها هي القضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تجعل قوى الإنتاج تنقلب ضد البروليتاريا، ومصلحتها إذن هي في أن تنتزع وسائل الإنتاج والتبادل الضخمة من البرجوازية لتجعل منها ملكاً للجميع، في مجتمع خال من كل استغلال، يعني هذا أن لا أمل للبروليتاريا سوى الثورة الاشتراكية.
وقد درس ماركس هذا الوضع واستخلص منه النتائج. فإذا دعا البروليتاريا للنضال من أجل الاشتراكية فما ذلك الا اعتماداً على قوانين التاريخ. وليست هذه الدعوة باسم فكرة سابقة كالعدالة أو الحرية؛ وأن كان على الاشتراكية أن تحرر الناس وتقيم العدالة الاجتماعية.
ماركس "لا يعظ" الناس، وأن كان النضال في سبيل الشيوعية وانتصارها يولد أخلاقية جديدة، بل هو عالم يستخلص من دراسة المجتمعات النتائج العلمية مستقلا عن مزاجه الشخصي.
ذلك هو فضل الاشتراكية العلمية الذي لا مثيل له. فهو يقضي على النظريات الخيالية لأن الاشتراكية بواسطته تهبط من السماء إلى الأرض.
وهذا ما يفسر الأهمية العالمية الدائمة للمؤلف الذي عرض فيه ماركس وانجلز لأول مرة الاشتراكية العلمية ألا وهو: بيان الحزب الشيوعي (1847).

4 – تأثِير الاشْتراكية العِلميَّة
أ) - دَمجُ الاشتراكيَّة مع الحَركة العماليَّة
لم يوجد ماركس الحركة العمالية بل هي واقع موضوعي مستقل عنه وقد بعثها وجود الرأسمالية. ولكنه أمد هذه الحركة، بوضعه للاشتراكية العلمية، بالبوصلة التي تضيء طريقها وتجعلها منيعة لا تقهر.
وهكذا تم بواسطته دمج الاشتراكية مع الحركة العمالية، ذلك لأن البروليتاريا المضطهدة، التي شغلها النضال من أجل لقمة العيش، لم يكن لديها الوقت أو الوسائل لتكوين العلم الاجتماعي والاقتصادي السياسي. فجاءها هذا العلم من الخارج بفضل ماركس الذي تمثل أفضل ما أنتجه الفكر الإنساني فجاءت الاشتراكية العلمية تتويجا لهذا التمثل. وهكذا تكون الاشتراكية العلمية من عمل المفكرين البرجوازيين المتقدمين. ولكن هؤلاء البرجوازيين لم يستطيعوا النجاح بمهمتهم الا بعد الانفصال عن طبقتهم. فلماذا؟ لم تكن البرجوازية، التي كانت قد دعمت ازدهار العلوم الطبيعية، ـ وكانت هذه العلوم ضرورية للتجديدات التقنية التي كانت تستفيد منها ـ لم تكن تستطيع ـ بعد الانتصار على الإقطاعية ـ أن تشجع العلم الاجتماعي بدون أن تسيء لمصالحها كطبقة مستغلة، لأن هذا العلم كان يفضي إلى زوال الرأسمالية المحتم! فأعلنت البرجوازية الحرب على العلم الاجتماعي وكانت حرباً ضروساً أدت بها إلى شكوى الماركسية أمام المجالس القضائية في شخص انصارها وهم الشيوعيون. كما حكمت الإقطاعية في الماضي على جاليله لأنه برهن على أن الأرض تدور حول الشمس.
لم يعد الأمر معرفة ما إذا كانت هذه الفرضية أو تلك حقيقة أم لا، بل معرفة ما إذا كانت تسر أولا الشرطة، وما إذا كانت مفيدة أم مضرة للرأسمال. وحل محل البحث المجرد التضارب المأجور كما حل محل البحث الخير سوء الظن والدعاية السخيفة .
وقد قطع كل من ماركس وانجلز علاقتهما بطبقتهما وناديا بوجهة نظر البروليتاريا. ولم تكن البروليتاريا، على عكس البرجوازية، معادية للعلم قط بل أن مصلحتها الطبقية كانت تتفق موضوعياً ومصلحة الاشتراكية العلمية. ولما كانت طبقة مضطهدة فقد وجدت في الاشتراكية العلمية تفسيراً لآلامها وإمكانية للقضاء عليها.
لا بد لكل نظرية من أن تؤكدها التجربة. ولقد برهنت التجربة للعمال على فضائل الماركسية التي لا مثيل لها. كما أثبتت النظرية الماركسية، منذ قرن من الزمن أنها التعبير الوحيد عن مصالح البروليتاريا.

ب) – ضَرُورَة الحِزْب الشيُوعي ـ نَقد التلقائية
كيف تحقق دمج الحركة العمالية بالاشتراكية العلمية؟ بتكون الحزب الذي يضم طليعة البروليتاريا وينظمها، والذي يتسلح بالاشتراكية العلمية فيقود نضال طبقة العمال وحلفائها الثوري.
ذلك هو حزب الشيوعيين الذي يحدد ماركس وانجلز مهمته في "البيان الشيوعي". يحمل الشيوعيون، في الميدان العالمي وفي كل بلد، إلى البروليتاريا فهماً واضحاً لظروف الحركة البروليتارية وسيرها وغاياتها العامة .
وضرورة مثل هذا الحزب معطى أساسي من معطيات الاشتراكية العلمية، وهو يتفق مع تعاليم النزعة المادية الجدلية والتاريخية. فلماذا؟ لأنه إذا صح أن البروليتاريا التي تستغلها البرجوازية مضطرة مادياً للنضال ضدها فلا يعني ذلك قط أن وعيها اشتراكي تلقائي. لأن نظرية التلقائية معارضة للماركسية، والنظرية الثورية علم، وليس هناك من علم تلقائي .
ولقد قام لينين في كتابه "ما العمل؟" بنقد كلاسيكي للتلقائية؛ ويجب أن نعود لهذا النقد لأن كثيراً من الذين يخيل إليهم أنهم شيوعيون يقولون بأن الماركسية ليست سوى "غريزة طبقية". وهذا يفضي إلى المساواة بين البروليتاري المثقف والبروليتاري الذي لا يعرف أين يسدد ضرباته لأنه لا يعي وعياً صحيحاً مصلحته.
فلماذا لا تكون الاشتراكية ثمرة تلقائية للبروليتاريا؟ لأن النظرية الفكرية التي تعرض تلقائيا للبروليتاريا في النظام الرأسمالي، هي النظرية الفكرية البرجوازية، كالدين مثلا أو الأخلاق اللذين يلقنان في المدرسة ويدعوان البروليتاريا إلى "التذرع بالصبر" لأنه لا بد "من ثواب الفضيلة" ولا تعتمد النظرية الفكرية البرجوازية على قوة التقاليد فقط بل تعتمد أيضاً على الوسائل المادية الضخمة التي تمتلكها البرجوازية الحاكمة.
يقولون غالباً: "تسير البروليتاريا تلقائياً نحو الاشتراكية وهذا القول صحيح بمعنى أن النظرية الاشتراكية تحدد أسباب مصائب الطبقة العمالية، لأنها أعمق وأصدق من سائر النظريات، ولهذا يتمثلها العمال بسهولة إذا لم تستسلم هذه النظرية أمام التلقائية، وإذا ما أخضعت هذه التلقائية لها.. تنجذب الطبقة، العمالية تلقائياً نحو الاشتراكية. غير أن النظرية الفكرية البرجوازية هي التي تفرض نفسها تلقائياً على العامل .
ويلاحظ لينين أن حركة البروليتاريا التلقائية لا يمكن أن تؤدي بالبروليتاري إلى ابعد من مرحلة تأليف النقابات التي نضم العمال من مختلف المعتقدات السياسية، وتهدف للنضال من أجل رفع مستوى الحياة والأجور. ولكن ليس هناك من نقابة تستطيع، بصفتها هذه، أن تحمل للعمال ما يحمله الحزب السياسي الماركسي ألا وهو أمل الثورة والعلم الثوري. وبهذا تتضح جذور الاستغلال الرأسمالي. تستطيع الاشتراكية العلمية، إذن، بنضالها المرير ضد النظرية الفكرية البرجوازية المنتشرة في كل مكان أن تجد طريق طبقة العمال. وهي مهمة يستحيل تحقيقها بدون وجود حزب يعتمد على العلم الثوري، ويتصل بالجماهير الكادحة ويحمل لهذه الجماهير الوعي الاشتراكي. مصلحة البروليتاريا الثورية تأمرها بالدفاع عن الحزب الشيوعي ضد أي هجوم وتقويته، لأن وجوده ضروري لانتصارها. أما نظرية التلقائية فهي تضع البروليتاريا تحت حماية البرجوازية.
لأن نظرية التلقائية هي الأساس المنطقي لكل نزعة انتهازية .
يفسر دور الحزب الثوري العلمي هذه الميزات التي حددها لينين منذ خمسين عاماً. ويعجز العمال الذين يتأثرون بالنظرية الفكرية البرجوازية عن إدراك هذه الميزات. وهاك بعض هذه الميزات:
أ) للخطأ صور وأشكال عديدة ولكن العلم واحد. ومن هنا كانت وحدة المبادىء التي تميز المناضلين الشيوعيين. وليس هذا تفكير القطيع. فلقد اتفق جميع الفيزيائيين على الاعتراف بقوانين الطبيعة. ولهذا كان من العبث ادعاء عالم بأن له علمه الخاص به. وكذلك لا يتعلق علم المجتمعات بمزاج هذا العالم أو ذاك . والنتائج التي يصل إليها مستمدة من التجربة، ولهذا فهي حقائق موضوعية تصح عند الجميع. وهذا ما يفسر "وحدة" الحزب الماركسي.
ب) أن النقد والنقد الذاتي اللذين يخضع لهما المناضلون الشيوعيون عملهم هما شرط مطلق لتقدم العلم.
ويجب على كل علم ـ ومنه العلم الاجتماعي ـ أن يراقب مناهجه ونتائجه. وهذا مهم جداً لنجاح النضال الثوري ولمصلحة العمال. ولهذا فأن محرري جريدة "البوبولير" حينما يسخرون من النقد الذاتي قائلين بأنه "يدنس" الذين يستعملونه، أنما يعبرون عن امتهانهم لمصلحة العمال.
ج) الإدارة الجماعية ضرورة علمية أيضاً في جميع مستويات الحزب الثوري. ذلك لأن قراراً ما أو شعاراً ما لا يمكن أن يعكسا تماماً مصالح الحركة الا إذا كانا نتيجة لنقاش جماعي يشترك فيه جميع المناضلين فيحمل كل منهم معه التجربة التي استفادها من اتصاله بالجماهير ويعمم الحزب في مجموعه كل هذه العلاقات. النظرية هي تجربة الحركة العمالية في جميع البلاد في صورتها العامة .
أوليس من الطبيعي أن يكون هذا التعميم، الذي يعكس مختلف مظاهر الحركة لزمن معين، قانوناً لكل مناضل؟

5 ـ الخلاصة
استطاعت الطبقة العاملة، منذ مئة عام، أن تقدر بُعد نظرة الاشتراكية العلمية وقدرتها على التنبؤ. كما أن العمال أخذوا يتمثلون بعمق هذا العلم وغذوه بتجربتهم. ويحفظ هذا الاتصال الدائم بين النظرية والتطبيق العملي الاشتراكية العملية من الشيخوخة. كما يظهر بهذا طابعها العلمي لأن العلم الحقيقي في تقدم مستمر.
وأن ما حققته الاشتراكية العلمية من تقدم في النظرية والتطبيق، بعد مضى قرن من الزمان، لمدهش حقا. وهكذا تتحقق جملة ماركس: "تصبح النظرية قوة مادية متى ما تسربت إلى الجماهير ."
ولقد عرف كبار خلفاء ماركس كانجلز ولينين وستالين كيف يسلحون الاشتراكية العلمية بتعميمات جديدة والاستغناء عن النظريات التي لم تعد تلائم الوضع التاريخي مثال ذلك: دخلت الرأسمالية، في مطلع القرن العشرين، في طورها الاستعماري. فاعتمد لينين على مبادىء الاشتراكية وحلل الظروف الموضوعية التي سببها الاستعمار للحركة العمالية. واكتشف قانون نمو البلاد الاستعمارية غير المتساوي، وانتهى إلى هذه الخلاصة الجديدة: وهي إمكانية الثورة في أن تنتصر على جبهة الرأسمالية العالمية، في اضعف مواضعها، وهكذا تنتصر الاشتراكية، في بادىء الأمر، في بلد أو بضع بلاد كما حدث في روسيا عام 1917 ثم في بلاد أخرى فيما بعد.
ولقد تم بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ثم السير نحو الشيوعية بقيادة ستالين، وانتصارات الديمقراطيات الشعبية الرائعة، وهي صورة جديدة لدكتاتورية البروليتاريا ـ تم كل ذلك على ضوء الاشتراكية العلمية. وهو ضوء يرتجف منه سماسرة العالم القديم.
يجب أن نحصي، أمام هذا الإحصاء لألوان النضال والانتصار، أسماء الذين حاربوا الاشتراكية العلمية داخل الحركة العمالية.
بدأنا، في هذا الدرس، بالاشتراكية الخيالية، ودللنا على أن ماركس قد رفض نظريات الخياليين ليعتمد على الإلهام الاشتراكي. فكيف كان ذلك؟ بأنه جعل النضال الطبقي في المكان الأول وهو العامل في الانتقال إلى الاشتراكية.
ولقد قام أعداء الماركسية، منذ برودون وبلوم، بعكس ذلك تماماً. فقد كانوا عبيداً للبرجوازية، وظلوا يدعون البروليتاريا إلى التعاون الطبقي وأن لوحوا لها، لتخديرها، بنظرياتهم الخيالية، وهكذا أراد زعماء العالمية الثانية، في مطلع الاستعمار، الذين جعلوا من أنفسهم مصلحين للاشتراكية العلمية (ومن هنا نشأت اسم المصلحين) أن يقنعوا العمال بأن النضال الطبقي يمكن أن يزول لأن الرأسمالية ستتحول من نفسها إلى اشتراكية ومن ثم كان على بلوم أن يقدم خضوعه للاستعمار الأميركي على أنه أول مرحلة من مراحل الاشتراكية.
وفي الحقيقة فأنه في اليوم الذي تكونت فيه الاشتراكية العلمية فقد أصبحت كل اشتراكية خيالية رجعية. لأن عمل مثل هذه النظرية لا يمكن أن يكون الا عمل الهاء يهدف لفصل البروليتاريا عن النضال الطبقي. والطريق الثوري الوحيد هو طريق الاشتراكية العلمية. أما الأحلام الخيالية فلا يمكن أن تكون من ثم سوى سم ضد الثورة.
ومن هنا ظهرت حقيقة كبرى: كانت الانتصارات الضخمة التي حدثت بفضل الاشتراكية العلمية انتصارات لهذه الاشتراكية ضد أعدائها في الحركة العمالية. ولهذا فليس النضال القاسي ضد الأفكار المناهضة للماركسية مظهراً ثانوياً من نضال البروليتاريا العالمي. بل هو مظهر ضروري لأن عدم النضال لانتزاع العمال من تأثير نزعات برودون والإصلاح وبلوم القاتل هو وأد للمستقبل. ولقد ضرب كل من ماركس وانجلز المثل على ذلك: فلقد قاما، طيلة حياتهما، بحرب لا هوادة فيها ضد الاشتراكيين المزورين الذين هم أفضل حلفاء الرأسمالية.
تعريب شعبان بركات
المكتبة العصرية صيدا. بيروت




#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدّرس الثالث عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
- اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
- اصول الفلسفة الماركسية


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
- فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد ...
- السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل ...
- هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
- تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم ...
- العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم ...
- المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر