أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر















المزيد.....



اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر


جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين

الحوار المتمدن-العدد: 2507 - 2008 / 12 / 26 - 09:49
المحور: الارشيف الماركسي
    


الدّرسُ الحَادي عشر
ميزة النّزعَة الماديّة الماركسيَّة الثالِثة
مَعرفة العَالَم ممكنة

1 – الملجأ الأخير للنزعة المثالية
2 – النظرية الماركسية
أ) أثر الناحية العلمية
ب) تشويه الفكرة الماركسية عن الناحية العلمية
3 – الحقيقة النسبية والحقيقة المطلقة
4 – اتحاد النظرية بالناحية العملية

1 – المَلجَأ الأخِير للنّزعَةِ المثاليَّة
رأينا في الدرس السابق أن ظهور النزعة المثالية الذاتية عند باركلي في القرن الثامن عشر يُفسَّر بضرورة إنقاذ النزعة المثالية الموضوعية للدين بطريق غير مباشر. غير أن فلسفة باركلي كانت عاجزة عن أن تفسر تقدم العلوم الذي حدث في عصرها. مثال ذلك الرياضيات. فقد تجاهلتها فلسفة باركلي وأعلنت أنها عبث لا طائل وراءه. ولقد رأينا أن الفلاسفة المثاليين أمثال باركلي يتحاشون الخوض في المسائل العلمية. غير أن هذا لا يكفي. فلقد بلغ من تطور العلوم، منذ القرن الثامن عشر، ولا سيما بعد أن وضع نيوتن النظرية الميكانيكية العامة عن الكون، أن أصبح وضع باركلي لا يمكن الدفاع عنه، فاضطرت النزعة المثالية إلى أن تبحث لها عن وضع للتراجع فكان لابد من إتاحة الفرصة للدين أن يستمر وأن يستفيد من الشك، وذلك حسب ادعاء الفلسفة الجديدة في قولها: "تدعي النزعة المادية أن المادة هي الأولى ولا علم لنا بذلك".
وهكذا تحاول هذه الفلسفة أن تبدو " كطريق ثالثة" بين النزعة المثالية الذاتية وبين النزعة المادية، فهي ترفض أن تتخذ موقفا معينا بصدد مشكلة الفلسفة الأساسية بقولها أنه لا يمكن اتخاذ موقف معين، فتدعي أنها تتخذ موقفاً "نقدياً" لا موقفاً "عقيدياً".
كانت النزعة المثالية الموضوعية تعلق المادة بفكر عام شامل، بينما كانت النزعة المثالية الذاتية تذيب المادة في وعينا. غير أن النزعة المثالية الموضوعية قد قضت عليها علوم الطبيعة بينما قضت الفيزيولوجيا والعلوم الاجتماعية على النزعة المثالية الذاتية، ثم تأتي فلسفتنا الجديدة التي تقول: "من أين لكم أن تعرفوا أن العلم يجعلنا نعرف الواقع كما هو؟"
لا شك أن العلوم موجودة. ولكن كي نعرف ما إذا كان الواقع الموضوعي هو في مبدئه مادة أو فكر، يجب أن نعرف أولاً ما إذا كان ذهننا يمكنه معرفة الواقع الموضوعي في ذاته. وهكذا لا تعلق هذه "الفلسفة الثالثة" المادة بالفكر وهي لا تذيب المادة في الوعي بل هي تفكر كما لو كان كل منهما غريباً عن الآخر، كما لو كانت المادة لا يمكن للفكر أو المعرفة تمثلها، كما لو كانت معرفتنا عاجزة أيضاً عن أن تسبر غور الطبيعة وإمكانيات فكرنا.
وتسمى هذه النزعة، التي تدعي أنه لا يمكن الإجابة على السؤال الأساسي للفلسفة لأننا عاجزون ـ وسنظل كذلك دائما ـ عن معرفة مبادىء الأشياء الأولية، تسمى هذه النزعة "باللاأدرية" (agnosticisme) (وتتألف هذه الكلمة من كلمتين يونانيتين تعنيان " العجز عن المعرفة").
رائد هذه الفلسفة في القرن الثامن عشر هو دافيدهيوم الأيقوسي. وممثلها الرئيسي هو عمانويل كنت الألماني (1724 ـ 1804) وقد عاش في أيام الثورة الفرنسية وتحدثنا عنه سابقا .
ولقد اتخذ، في فرنسا، في القرن التاسع عشر، أوجوست كومت (1798 ـ 1857 ) موقفاً مشابهاً، وكذلك عدد من المؤلفين الذين تمتزج عندهم اللاأدرية بصورة النزعة المثالية الأخرى.
(لا نجد في الحقيقة عند هؤلاء المؤلفين النزعات الفلسفية في حالتها الصرفة كما نجدها عند مؤسسي المذاهب بل نجد عندهم مزيجاً غير مستقر).
هذا وقد قامت فلسفة كنت بدورها في الحركة العمالية لأن أعداء الماركسية قد اعتمدوا عليها لمحاولة القيام "بإعادة النظر" في الماركسية.
فلنر إذن "حجج" اللاأدرية. كتب هميوم يقول:
"يمكن أن نعتبر أن من البديهي أن الناس يميلون بغريزتهم "الطبيعية... إلى الاعتماد على حواسهم، وأننا نفترض، في أي نقاش، وجود عالم خارجي لا يتعلق وجوده بإرادتنا بل هو موجود حتى ولو فنينا مع جميع الكائنات ذات الحساسية".
وهكذا نرى أنه حتى هيوم يعترف بأن النزعة المادية مما يقول به الرأي العام. ولكن تزعزع هذا الرأي الأساسي الشامل أشد الفلسفات سطحية، تلك التي تعلمنا أن لا شيء يتمثله الذهن سوى الصورة أو الأدراك. فتبدو الطاولة التي نراها أصغر إذا ابتعدنا عنها، بيد أن الطاولة الحقيقية التي توجد مستقلة عنا لا تتغير. وهكذا لم يدرك ذهننا سوى صورة الطاولة .
ها نحن أولاء إذن أمام صيحة على طريقة باركلي: فلنذكر مثال الشمس "المسطحة الحمراء" (الدرس السابق) مع فارق واحد وهو أن باركلي كان ينكر وجود المادة المستقل. فهيوم لا ينكر ذلك بل هو يقول بوجود "طاولة حقيقية" توجد مستقلة عنا لا تتغير بينما تتغير احساساتنا، غير أننا لن نعرف قط ما هي هذه الطاولة لأننا لا نعرف منها سوى الصور النسبية التي تنقلها إلينا حواسنا. أما الطاولة نفسها فهي لا يمكن معرفتها.
وهكذا يميز هيوم في الواقع بين مستويين: من ناحية الطاولة كما نراها، الطاولة بالنسبة إلينا التي تبدو في وعينا على شكل صورة وهي طاولة ذاتية، ومن الناحية الثانية، الطاولة الحقيقية، الطاولة في ذاتها، التي هي خارج وعينا، وهي طاولة موضوعية تكون الواقع ولكنها لا يمكن معرفتها. الخلاصة اننا لن نعرف قط سوى مظاهر الأشياء وسوف نجهل كينونتها، ولهذا لا نستطيع تحديد موقفنا من النزعة المثالية والنزعة والمادية. ذلك لأن المثالي والمادي اللذين يتناقشان باستمرار حول ماهية الأشياء في ذاتها، أهي مادة أم فكر، يشبهان رجلين يمشيان على الثلج وقد وضع أحدهما على أنفه نظارات زرقاء بين وضع الاخر نظارات وردية وقد أخذا في النقاش لمعرفة لون الثلج، فالمادي يرى الأهمية في الناحية المادية للأشياء بينما يرى المثالي الأهمية في الناحية الفكرية. أما تحديد ماهية الأشياء في ذاتها فهي خدعة باطلة، لأن كلا منهما "سجين نظرته" وهكذا تقدر أهمية هذه الفلسفة بالنسبة للذين يدعون "البقاء على الحياد" والمحافظة على "التحفظ العلمي".
وسوف يتدخل "كنت" بصدد العلم معتمداً على أفكار هيوم. ولقد اشتهر عن "كنت" أنه فيلسوف صعب جداً . ونحن نلقى في الواقع، أفكار "كنت" في كل مكان. ولا سيما الفكرة القائلة بوجود "سر" للأشياء، وأنه يستحيل علينا اكتناء هذا السر. هذا الحياد الخاطىء الذي فرض على المدرسة البرجوازية كما لو كان من الممكن الأخذ بالقسطاس المبين بين الحقيقة والخطأ، بين العلم والجهل، وهذه هي الفكرة القائلة بأنه لا يجب أن يشتد الإنسان في تأكيده، وأن الحق في كل مكان، وأن "لكل إنسان وجهة نظره" الخ...
كل ذلك نموذج صرف للأفكار التي يمكن أن تضلل الجماهير.
يعتمد "كنت" إذن على التمييز بين الشيء في ذاته الذي لا تمكن معرفته، وبين الشيء بالنسبة إلينا في ظاهره الذي يتولد عن الأثر الذي يحدثه الشيء في ذاته على أعضاء حواسنا، فنحن لسنا في الأشياء ولن نكون فيها قط. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية تتعدد الظواهر وتختلط وتتناقض. ولهذا فلسوف تكون مهمة العلم هي تنظيم هذه الظواهر وتكوين لوحة منسجمة ترضي حاجتنا إلى المنطق. فكيف سيحدث ذلك؟ يقول "كنت" أن الذهن الإنساني هو الذي يفسر معطيات الحواس حسب متطلباته الخاصة، وليس العلم سوى ثمرة هذا التفسير. وهكذا تكون قوانين العلم ـ التي هي عبارة عن العلاقات بين الظواهر ـ ثمرة الذهن الإنساني فقط. فهي بدلا من أن تعكس قوانين المادة الحقيقية فأنها تعكس "قوانين" الذهن الإنساني ومتطلباته، وهي بدلاً من أن تمثل الحقيقة الموضوعية فأنها لا تمثل سوى حقيقة ذاتية. وهي لا تتعلق، حقاً، بزيد أو عمر من الناس ولكنها تظل مع ذلك، عند "كنت" متعلقة بالذهن الإنساني (كما لو كان يمكن أن يكون هناك ذهن الهي يرى العالم بطريقة أخرى).
ما هي نتيجة هذه النظرية؟ يطفو العلم على سطح الأشياء ويجري تطور العلوم الوهمي على ستار يكمن وراءه سر مطلق خالد لا يُسبر غوره. ولهذا لا يجب أن ننسب للعلم أية حقيقة مطلقة. فهو ليس سوى تفسير. وهكذا تفضي فلسفة "كنت" الى الشك والجمود حتى في ميدان البحث العلمي النظري.
يفضي الأمر باللاأدريين إلى عدم التمييز بين أخطاء العلم في الماضي وحقائق العلم اليوم. فهم يقولون: "أن ما هو حقيقة اليوم سيصبح خطأ غداً" ثم يخلصون إلى القول بأن العلم اذا أخطأ مرة لا يمكننا معرفة متى لن يخطىء. فهم يخلطون بين ذهن العالم النقدي المنهجي في مختبره وبين ذهن الشك الشامل. فهم يرون أن المعرفة تقيم حاجزاً بيننا وبين العالم. ومن هنا كانت الأقوال التي لا تنتهي والتي نشرتها الجامعة البرجوازية حول قيمة العلم وإفلاس العلم الخ... فإذا كان العلم لا يبحث الا في المظاهر فأنه في النهاية ليس سوى مظهر علم ومظهر معرفة.
قلنا أن اللاأدرية اتخذت أشكالاً متشابهة يجب علينا معرفتها. فهذه نزعة أوجوست كومت تؤكد أنه يجب على العلم أن يكتفي بادراك العلاقات بين الوقائع دون البحث عن سبب هذه العلاقات، يجب عليه أن يحرم على نفسه البحث عن "سبب" الأشياء وأن لا يسعى للوصول إلى المطلق، لأن كل بحث من هذا النوع وكل نظرية تفسيرية للظواهر توضح جوهرها يرفضها أوجوست كومت لأنها "ميتافيزيقية" مستخدماً هذه الكلمة استخداماً غير شرعي. تلك هي عقيدة الجامعة البرجوازية الرسمية فيما يتعلق بالعلم.
أما النزعة "الأسمانية" (Nominalisme) التي قال بها، مثلا، هنري بونكاريه فهي ترى أن العلم ليس سوى "لغة" وطريقة لصوغ ما ندركه من الظواهر، وهي ليست قط تفسيرا نهائيا للواقع. حتى أن هنري بونكاريه يشك من جديد بالاكتشاف الكبير القائل بدوران الأرض حول الشمس، ولا يرى في نظرية كوبرنيك سوى "لغة". لا تعطي هذه الفلسفات فكرة خاطئة عن العلم فقط بل تدفع به في طرق يصبح فيها مجدباً، فهي تحرمه من جرأة العلم في عصر النهضة، وتعمل على جعل العلم مسالما. ولقد كان لجميع هذه النزعات، منذ مئة عام خلف كثير في فرنسا وفي ألمانيا وفي انجلترا وفي أميركا، ونجحت نجاحا باهرا في ميدان العلوم الاجتماعية.
ولنوجز القول الآن في اللا أدرية:
1ـ لا تجابه اللا أدرية العلم وجها لوجه، لأن ذلك لم يعد ممكناً أيام "كنت" و "كومت". كما أنها لا تنكر وجود الواقع الموضوعي، فهي أمام العلم، إذن، مادية، ولكنها تسرع إلى القول بأن العلم ليس كل المعرفة. يسعى اللاأدري إذن إلى التقليل من رصيد العلم. وإلى إخفاء محتواه المادي وقيمته كمعرفة، وإلى الهروب من المادة مع القول بها بصورة لا تجلب المضايقات. يعني ذلك أنها تسعى إلى مصادرته لخدمة النزعة المثالية. ولسوف يُستخدم العلم للتغني بفضائل "الذهن الإنساني". وهذه النزعة المادية، باختصار هي نزعة مخجلة.
وإذا حاول أنصار "كنت" المحدثون في المانيا أحياء أفكار "كنت" من جديد، أو حاول اللاأدريون في انجلترا أحياء أفكار "هيوم" من جديد، فأن ذلك، من الناحية العلمية، تقهقر بالنسبة لدحض هذه الأفكار نظرياً وعلمياً منذ أمد طويل. كما أن ذلك، من الناحية العلمية، طريقة مخجلة لقبول النزعة المادية خفية ونكرانها جهاراً .
2ـ يتفق هذا الموقف "المتوسط" مع حاجات البرجوازية التي لم يكن يمكنها، في عصر ازدهار الرأسمالية، الاستغناء عن تطور العلوم في خدمة الإنتاج والتي كانت تبحث، في نفس الوقت، عن حل وسط مع الأفكار الإقطاعية ومع الدين لأنها بحاجة إلى توطيد سلطانها، كما كان الحال في فرنسا أيام "كومت"، أو لأنها لم تكن قد تحررت من النظام الإقطاعي، كما كان الحال في ألمانيا أيام "كنت".
3ـ ليست اللاأدرية موقفا وسطا الا في الظاهر. فماذا يعني رفض المطلق، مثلاً، في السياسة عند "كومت" من الناحية العملية؟ نجد الجواب على ذلك في قوله المأثور: "لا بعث ولا ثورة"
وهذا قول برجوازي رائع. وإذا كانت اللاأدرية تكتفي بنزعة مادية مخجلة، لا تجرأ على النضال جهاراً مدعية أنه لا يمكن تحديد موقف معين، فأنها بذلك لا تترك المجال على السواء بين الخصمين بل تتركه للأقوى.
فمن هو الأقوى من الناحية العملية؟ لا شك أنها النزعة المثالية كما دلل على ذلك، لينين في "ما العمل؟" لأن النزعة المثالية أقدم، كفلسفة رسمية، ولأنها تغري العقول، نظرياً، بالسهولة.
أما النزعة المادية، فهي، على العكس، ليست رسمية، وهي صعبة لأنها عملية كما أنها غير معتادة. يشبه "تجرد" اللاأدرية إذن "عدم التدخل" عند "ليون بلوم" بين الجمهورية الأسبانية والتدخل الفاشيستي. ويعلم "كنت" جيداً أنه إذا تركنا الناس بدون جواب نظري له قيمته فأنهم سوف يسعون نحو الذين يدعون تقديم الجواب، وهم من المثاليين واللاهوتيين، لأن الناس بحاجة لليقين الفلسفي، "فالحياد" اللاأدري ليس إذن سوى رياء.
وسوف نرى، فوق كل ذلك، أن اللاأدرية لها أصول مثالية على المستوى النظري.
4ـ تؤدي اللاأدرية، أخيرا رأسا إلى التصوف ونزعة "الإيمانية" (fideisme) وهي عقيدة رجعية تقول بوجود نوع آخر من "المعرفة" يسمو على العقل، ألا وهو الأيمان.
ترفض اللاأدرية جميع محاولات العقائد الدينية للتدليل العقلاني، تلك المحاولات التي قامت بها النزعة المثالية الموضوعية لأنها تعتقد أن معرفة مباديء العالم، سواء كان الله أو المادة، غير ممكنة بواسطة العقل والفلسفة.
والخلاصة أننا لما كنا نجهل الأشياء ولما كان الإنسان محاطا بسر لا يُسبر غوره فلا مانع من أن نصل للحقيقة المثلى بواسطة طرق غير عقلانية أو صوفية. كما أنه لا مانع من أن نتيح للايمان الفرصة وأن نعتقد بأن التصوف هو المعرفة الحقة .
لا تقول اللاأدرية، كما تقول النزعة المثالية الدينية، "الدين هو الحقيقة بصورة فلسفية". بل هي تقول: "ربما لم يكن الدين خطأ، ربما كانت الحقيقة في الدين" وهكذا نرى الفرق، وهو فرق يكفي ليثير عليها صواعق الكنيسة من الناحية النظرية ومساعدتها من الناحية العملية.
نزعة الايمانية المعاصر لا ترفض العلم البتة. وهي لا ترفض سوى "مزاعمه المبالغة" وهو ادعاؤه اكتشاف الحقيقة الموضوعية. وإذا كانت هناك حقيقة موضوعية (كما يعتقد الماديون)، وإذا كانت العلوم الطبيعية، وهي تعكس العالم الخارجي في "التجربة" الإنسانية، الوحيدة التي تستطيع أن تمدنا بالحقيقة الموضوعية لوجب علينا رفض كل نزعة إلى الايمان بصورة مطلقة .
فإذا كانت اللاأدرية تجعل من العلم حقيقة ذاتية فأنها بذلك تترك للايمان الحقيقة الموضوعية. ولقد قال لينين: "إذا كشفتم الغطاء عن اللاأدري الفيتم المثالي". ولما كانت اللاأدرية تبدأ بالنزعة المثالية الذاتية فأنها تفضي إلى النزعة المثالية الموضوعية. لهذا فأن كل ما يتطلبه اللاهوت هو أن نتيح له الفرصة ليجرب حظه. وإذا كانت اللاأدرية والنزعة الموضوعية تحدان من أفق العلماء وتحرمان عليهم كل تعميم نظري واسع النطاق فأنهما تسلمانهم للأختلاقات الخيالية التي يعدها اللاهوت من أجلهم، ويخاطبهم البابا بقوله:
"أنكم ترون أن العلم عاجز. والايمان وحده يتيح لنا كشف سر الكون". غير أن النظرية الماركسية عن المعرفة ومنهج النزعة المادية الجدلية، يمكنهما أن ينقذا العلم من هذا "العجز" الذي وضعته فيه النزعة الموضوعية.

2 ـ النظرية الماركسية
تعتمد النزعة المادية الفلسفية الماركسية على المبدأ القائل بأنه يمكن معرفة العالم ومعرفة قوانينه تماما، وأن معرفتنا لقوانين الطبيعة التي تبرهن على صحتها التجربة والتطبيق العملي هي معرفة صحيحة لها معنى الحقيقة الموضوعية، وأنه ليس في العالم أشياء لا يمكن معرفتها بل هناك أشياء لم تعرف بعد، وأن هذه الأشياء سوف تُكتشف وتُعرف بوسائل العلم والتطبيق العملي. وهذا عكس ما تقول به النزعة المثالية التي لا تؤمن بإمكانية معرفة العالم وقوانينه، كما لا تؤمن بقيمة معارفنا ولا بالحقيقة الموضوعية بل تعتبر العالم مليئا "بأشياء في ذواتها" لا يمكن أن يعرفها العلم .
نرى أن ستالين يلح هنا على الدور الرئيسي الذي يقوم به التطبيق العملي كوسيلة لاكتشاف الحقيقة، وللتدليل على معارفنا، وكأساس للعلم.

أ) - أثر النَاحِيَة العمَليَّة
انتقد انجلز في نص مشهور نظرية "كنت" عن "الشيء في ذاته":
وأكبر دحض لهذه الفلسفة ولغيرها من الفلسفات الأخرى هو التطبيق العملي ولا سيما التجربة الصناعية. فإذا استطعنا التدليل على صحة نظرتنا لظاهرة طبيعية بواسطة خلق هذه الظاهرة بأنفسنا وتوليدها بواسطة ظروفها واستخدامها في خدمتنا فأن ذلك يقضي على "الشيء في ذاته" الذي لا يمكن إدراكه كما يقول "كنت".
ولقد ظلت المواد الكيمائية التي تتولد في الأجسام النباتية والحيوانية "أشياء في ذاتها" حتى أخذت الكيمياء العضوية بتحضيرها الواحدة تلو الأخرى، فأصبح "الشيء في ذاته" شيئا من أجلنا كمادة الأليزرن، التي لم نعد نزرعها في الحقول بل نستخرجها بسهولة ورخص من قطران الفحم الحجري.
لقد ظل نظام كوبرنيك الشمسي، خلال ثلاثمئة سنة، فرضية تدور حولها المراهنات ولكنها ظلت فرضية حتى إذا ما حسب لوفيرييه بواسطة الأرقام التي حصل عليها بفضل هذا النظام، ضرورة وجود كوكب مجهول ومكان هذا الكوكب في السماء، ثم اكتشفه جال فيما بعد، دل ذلك على صحة نظام كوبرنيك .
فلماذا يدحض التحليل العملي الفلسفة اللاأدرية؟ كيف يدحض التطبيق العملي نظرية ما؟ إلا يخرج بنا هذا من ميدان الفلسفة كما يدعي المثاليون؟
فليلاحظ أولا أن وجهة نظرهم هزيلة فهم يدعون أن للعلم قيمة صناعية وأنه يمكن استخدامه، وفي نفس الوقت لا يعترفون للعلم بأية قيمة نظرية. فكيف يوفقون بين هاتين النظرتين للعلم، وماذا يريدون بالقيمة "العملية" للعلم؟
أنهم لا يحرون جوابا على كل ذلك، وإذا كان للتمييز بين الناحية النظرية والناحية العملية من معنى فهو ما يلي:
يعني ذلك التمييز التناقض في النظام الرأسمالي بين العمل الفكري والعمل اليدوي ولا شيء آخر.
فما هي النظرية الماركسية عن الناحية العملية؟ يطلق هذا التعبير:
1 – على العمل، والإنتاج والصناعة.
2 – على البحث العلمي والتجربة والتدليل التجريبي.
3 – على التطبيق العملي الاجتماعي وهو أسمى هذه الأنواع. مثال: التطبيق العملي للنضال الطبقي. فالتطبيق العملي إذن هو نشاط الإنسان الذي يحول الواقع، وهو يبدأ بالعمل المادي والإحساس. ويعتبر "كنت" الإحساس مجرد صورة والحساسية سلبية. أما الجدلية فهي ترى أن الإحساس حركة. ولقد رأينا في الدرس السابق أن الإحساس مرتبط بالنشاط العملي.
فالحساسية والنشاط ليسا منفصلين كما يقول "كنت" كميتافيزيقي.
إذن كان التطبيق العملي هو مصدر الأحاسيس والانفعالات، كما أنه مصدر أول درجة للمعرفة، فهو أيضا إنتاج للأشياء. يقول "كنت": "نحن لسنا في الأشياء"، فهو يفصل بصورة ميتافيزيقية بين الموضوع والذات فيحدث بذلك انقطاعا بين الفكر والواقع. ولا شيء أكثر خطأ من ذلك. فنحن في الأشياء بقدر ما ننتج هذه الأشياء، لأننا بأنتاجنا لهذه الأشياء نضمنها نشاطنا وتفكيرنا. فإذا كنا نستطيع إنتاج "الاليزارين" فما ذلك ألا لأننا سيطرنا على طبيعته وعرفناها في ذاتها. وتعتقد النزعة المادية أن الوهم القائل بأن "المنتوج الصناعي" لا يساوي "المنتوج الطبيعي" لا أساس له. فإذا كانت نظرتنا لشيء من الأشياء صحيحة صادقة فان نتائج التطبيق العملي ستكون كما ننتظر منها أن تكون فيكون ذلك تدليلا موضوعيا لمعارفنا. لأن كل شيء مرتبط بعملية إنتاجه. والإنسان حين يتدخل في عملية إنتاجه يرتبط بالشيء ذاته ويدخل فيه ويبرهن على صحة نظرته.
لما كنا نستعمل هذه الأشياء لخدمتنا معتمدين على الصفات التي نعرفها لها فأننا بذلك نخضعها للتدليل الذي لا يخطىء للبرهنة على صحة مدركاتنا الحسية أو عدم صحتها. فإذا كانت هذه المدركات خاطئة فأن استعمال الشيء الذي أوحت لنا به خاطىء ولهذا وجب أن تفشل محاولتنا.
أما إذا نجحنا في تحقيق هدفنا أي إذا تحققنا أن الشيء ينطبق على تصورنا له وأنه يعطينا ما ننتظره من استعماله فأن ذلك دليل على ادراكنا للشيء وحدوده يتفق مع الواقع الخارجي، أما إذا فشلنا فلن يطول بنا الحال حتى نكتشف سبب فشلنا، وسنجد أن الإدراك الذي كان أساس محاولتنا اما أن يكون هو ناقصاً أو سطحياً وأما أنه الحق بصورة لا يبررها الواقع بمعطيات مدركات أخرى. وهذا ما نسميه تفكيراً متداعياً. فنحن طالما أخذنا أنفسنا بتثقيف حواسنا واستخدامها بصورة صحيحة وطالما حضرنا عملنا في النطاق الذي تحدده مدركاتنا طالما وجدنا أن نتيجة عملنا تبرهن على مطابقة مدركاتنا لطبيعة الأشياء المدركة الموضوعية .
وإذا ما استشهدنا بقول ذكره انجلز وهو: "أن الدليل على صحة البودنج هو أننا نأكله" وكذلك الدليل على أن العلم الحقيقي هو أنه يتيح لنا تحويل العالم الطبيعي والاجتماعي. ولهذا كتب ماركس يقول:
"أن معرفة ما إذا كان الفكر الإنساني يمكنه أن يؤدي إلى حقيقة موضوعية ليست مسألة نظرية، بل هي مسألة عملية. لأن على الإنسان أن يبرهن عمليا على الحقيقة، أي على حقيقة فكره وقوته .
وهكذا يمدنا التطبيق العملي بمعيار الحقيقة. ولربما تساءل البعض لماذا كان الأمر كذلك؟ ولماذا كان العلم ممكنا، وما هو أساس إمكانية العلم، وما هو أساس الحقيقة؟ عرفنا الجواب على هذا السؤال في الدرس السابق. فلقد حدثنا "كنت" عن (الذهن الإنساني) وأنه يشك فيما إذا كان هذا الذهن يستطيع معرفة الواقع، فهو يتخيله غريبا على المادة سابقا للتجربة، كما يعتقد أنه لا يتغير وأنه عاجز عن التحول.
وهذا هو موقفه الميتافيزيقي المعارض للجدلية، كما أن هذا يجعلنا ندرك أساس كل نزعة مثالية تعتقد بوجود الذهن وما يتمتع به من حواس لا تتبدل. ولقد رأينا أن النزعة المادية، على العكس من ذلك، تثير مشكلة أصل الذهن الإنساني وتحلها وتدلل على أنه ثمرة التطور والتجربة الإنسانية منذ آلاف السنين، كما أنه ثمرة التطبيق العملي. وهكذا يكون الوعي نتاجا اجتماعيا. فإذا كان الوعي يتولد من الطبيعة والمجتمع فهو إذن ليس غريبا عليهما، وهو يستطيع أن يعكس بدقة قوانين الطبيعة والمجتمع. كما قال لينين:
"أن جدلية الأشياء هي التي تولد جدلية الأفكار وليس العكس".
وهكذا تدلل النزعة المادية على أن الحقيقة هي الأولى وأن لم تكن للوهلة الأولى كاملة لأنها ليست سوى انعكاس الواقع في دماغ الإنسان وهذا الانعكاس عملية طبيعية، وهكذا تكون كينونة العالم ماثلة أمامنا دائما. وهذا عكس ما تقوله النزعة المثالية التي تظهر الخطأ شيئا طبيعيا في الإنسان واكتشاف الحقيقة معجزة.
فكيف تفسر النزعة المادية الخطأ في مثل هذه الأحوال؟ ولماذا كانت الحقيقة ممكنة؟ ومن أين جاءت النظريات الخاطئة عن العالم كالنظريات المثالية ولا سيما الأديان؟ يجب علينا، كي نجيب على هذه الأسئلة، أن نذكر أن للأشياء أوجها متعددة تكتشفها حواسنا بالتدريج بفضل تطور نشاطنا العملي، فإذا ما اقتصرنا على وجه من هذه الأوجه عجزنا عن أن نعرف الأشياء معرفة حقة. مثال ذلك أنه لا يمكننا معرفة صورة عصا في الماء بدقة إذا اعتمدنا فقط على ما تشاهده أعيننا. وتلك هي الحال في جميع الأشياء. فالخطأ ليس مطلقا بل هو ينشأ إذا ما عزلنا لحظة من التطبيق العملي عن جميع اللحظات الأخرى. ولهذا يمكن تصحيحه وإزالته بواسطة هذا التطبيق العملي نفسه.
ولكننا رأينا في الدرس السابق أن للمعرفة درجتين: وهي: الإحسان والإدراك. ويكون الانتقال من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية تعميما وهذا مصدر ثان ممكن للخطأ، لأننا نعمم اعتمادا على أسس غير كافية. تلك هي حال من يراقب مسلك بعض السياسيين البرجوازيين حين يقول: "جميع السياسيين فاسدون". وهذه هي طريقة التفكير الميتافيزيقي التي تجعل للواقع مظهرا مطلقا، كما أن هذا نقص التحليل الذي هو مصدر الخطأ. ويجب أن نلاحظ أننا متى عممنا أمكننا التخلي عن الواقع وتشويه صورة هذا الواقع، والخطأ ليس مطلقا بل هو حقيقة مشوهة. وتكمن في عملية المعرفة ذاتها، كما يقول لينين، إمكانية الابتعاد عن الواقع على أجنحة الخيال. ذلك لأن للأفكار قوة خاصة، تدفعنا في تيارها. حتى إذا ما وجدت الأفكار وجدت بذاتها. ويعني هذا أن النشاط الذهني يمكن أن يجري بصورة مستقلة نسبيا فنفصل عن التطبيق العملي الذي يمكنه لوحده أن يتحقق من قيمة التركيبات الفكرية التي تتكون خارج نطاقه. فالتطبيق العملي هنا أيضا هو الوسيلة الوحيدة لجعل الخطأ على قدر الحقيقة والعودة بالفكر إلى "الأرض".
ويجب أن نلاحظ أن بعض ظروف الإنتاج والوجود الاجتماعي لا تساعد على إزالة الخطأ باستمرار. مثال ذلك أن ضعف تطور قوى الإنتاج في بداية المجتمعات لم يكن ليساعد الإنسان على اكتشاف الأسباب الحقيقية للظواهر الطبيعية فكانت تفسر بواسطة أسباب خيالية: ومن هنا نشأت الخرافات والأساطير والمعتقدات الدينية فقد كتب انجلز يقول:
"أن غريزة تشخيص (قوى الطبيعة) التي "أوجدت الآلهة في كل مكان (وهي تعتبر) مرحلة انتقال "ضرورية تفسر شمول الدين ".
ويشجع انقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة تعمل إحداها بينما الأخرى تملك وتدير الإنتاج وتصنع المشاريع ويمكنها أن تقوم ببعض الأعمال الفكرية، يشجع هذا الانقسام انتشار النظريات الفكرية الصرفة. فيبدو أن منتوجات نشاط الإنسان الذهني والأفكار التي يدير بواسطتها الإنتاج والحياة الاجتماعية، يبدو أنها أصل الواقع الحقيقي وأنها مستقلة بذاتها. يكوِّن هذا القلب للعلاقة بين الواقع الموضوعي والأفكار ـ وهو لا يمكن حدوثه إلا بواسطة الابتعاد عن الواقع بواسطة الخيال ـ النظرية المثالية للعالم التي تعطي عن الأشياء صورة معكوسة "خيالية" فتمثل بذلك أسمى صورة للخطأ.
وهكذا لا تدحض النزعة المادية النزعة المثالية فقط بل هي تفسر أصل هذه النزعة. كتب لينين يقول أن النزعة المثالية هي تضخم في النمو وهي احدى ميزات المعرفة التي تغرق في المطلق البعيد عن المادة. لا شك أن النزعة المثالية تعكس الواقع ولكنها تعكسه بالمقلوب وتجعله يسير على رأسه. ويقول لينين أن المثاليين هم ثمار فجة وطفيليون ينبتون على الشجرة الحية المثمرة للمعرفة الحقة الإنسانية الموضوعية المطلقة. كما كتب ماوتسي تونج يقول: "لا يمكن تصور المعرفة منفصلة عن التطبيق العملي ".

ب) – تَشويه الفِكرة الماركسيَّة عَن النَاحِيَة العَمَليَّة
لقد بلغ من أهمية فكرة الناحية العملية، بعد انتشار الشيوعية، أنه يستحيل أهمالها. ولهذا حاولت البرجوازية الرجعية تبنيها وتشويهها. لأنها أرادت أن تكون لها، هي أيضا، فلسفة تقوم على العمل. وهذه هي العقيدة التي تسمى بالبرجماتزم.
ظهرت فلسفة البرجماتزم في الولايات المتحدة الأميركية أيام الغزو الاستعماري وانتشرة في أوربا أنتشاراً كبيراً ولا سيما منذ الحرب العالمية الثانية. وليس من الصعب أن نرى أن البرجماتزم نوع فج من اللاأدرية، فهي تعتقد أن أساس الحقيقة ليس مطابقة الواقع وانعكاس الواقع الصحيح ومراقبته بل هي الفائدة. ولكن فائدة من؟ فائدة زيد أو عمر، فائدة البرجوازية أم البروليتاريا؟ إذ أن كل ما هو حقيقي مفيد ما عدا أولئك الذين هم بحاجة للكذب. ولقد أصبح الكذب أفيد للبرجوازية الرجعية والحقيقة وحدها يمكن أن تكون مفيدة للبروليتاريا. أما البرجماتزم فهي تعتقد أن الحقيقة ذاتية وليست موضوعية، فهي لا تعبأ بالحقيقة في ذاتها بل هي فلسفة أشد ضروب الجهل رجعية في الفلسفات المثالية.
تقول فلسفة البرجماتزم: "الدين موجود، وهو مفيد لبعض الناس، إذن هو حقيقي" فهي تعلق الحقيقة بفوائد الطبقة المسيطرة، لأن البرجماتزم فلسفة البرجوازية المتداعية التي تنكر العلم. فهي بهذا تتغنى بأمجاد المكيافيلية.
وهكذا تبرر مصلحة الدولة (كما يقول مكارتي) اغتيال آل روزنبرج. كما تصبح صحيحة أكثر الأشياء تعارضاً إذا كانت تلك مصلحة رأس المال. وهذا يؤدي بنا الى عبادة الفائدة القصوى.
تقول فلسفة البرجماتزم، بما أنها فلسفة تقوم على العمل، بالعمل الناجح مهما كانت المباديء، فهي تعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة، فهي بذلك فلسفة المقامرين الفاشيست حسب القول الذائع: "الحقيقة هي ما يفكر به موسوليني هذه اللحظة".
أما فيما يتعلق بالعلم فأن فلسفة البرجماتزم توحي بالتخلي عن النظرية وعن الفكر والتنبؤ. فهي تدعو إلى القيام "بالتجارب" مهما كانت، فإذا نجحت كان به وإلا فلا. وهكذا تسمح فلسفة البرجماتزم "بالتجارب" المجرمة. ولقد كانت هذه "النظرية" المجرمة زاد الأطباء النازيين الفكري وزملائهم اليابانيين الذين كانوا يجرون التجارب على السجناء، كما أنها اليوم زاد زملائهم الأميركان فيما يتعلق بحرب الجراثيم.
وينسب المفكرون البرجوازيون هذه الفلسفة إلى الماركسيين بينما يحاولون في نفس الوقت "تبرير" ما تقوم به طبقة البرجوازية. حتى يخيل لمن يسمعهم أن الماركسيين يهتمون "بالفعالية" قبل كل شيء فليس حقيقياً عندهم إلا ما يفيد أغراض طبقتهم. ويدعي بعض المفكرين نسبة نظرية "الكذب الحيوي"، التي قال بها هتلر، إلى الماركسيين.
وأما النظرية الماركسية فهي شيء آخر. فليست الفكرة صحيحة لأنها نافعة، بل هي، على عكس، مفيدة لأنها صحيحة، وهي بذلك فقط يمكن تطبيقها لأن التطبيق العملي، كما لاحظ ديكارت العقلاني، "يقضي" على الفكرة الخاطئة والمنهج الخاطئ.
ويمر الاستعمار الأميركي، كما مر هتلر، بنفس التجربة كل يوم. فليست الفكرة خاطئة لأنها فشلت، بل هي فشلت، على العكس، لأنها خاطئة موضوعياً.
أما أن تجعل من الكذب "المفيد" مساوياً للحقيقة فأن هذه خطة الانتهازي. ولا يمكن أن يدعو إلى مثل هذا المسلك إلا الوصوليون الذين لا مبدأ لهم والمقامرون الذين وَّلدهم عصر الانحطاط الاستعماري. لأن الماركسية لا تضحي قط بالحقيقة. إذ يعرف الماركسيون تحمل "الفشل" الظاهر العابر والأعلان عن الحقيقة العلمية في سبيل التطبيق العملي.
ولقد مر زمن هاجم فيه الشيوعيون لوحدهم في فرنسا مشروع مارشال على أنه ضد المصلحة الوطنية. أما فلسفة البرجماتزم فهي دائما من حيث تهب الريح لأنها لا تبحث إلا عن النجاح المباشر.
غير أن التطبيق العملي قد اتاح التحقق من المعطيات النظرية التي كانت تعتمد عليها مهاجمة مشروع مارشال، وإظهار الحقيقة أمام أعين الشعب، وتوضيح التقديرات المطابقة للواقع والتقديرات المعارضة لهذا الواقع. ولهذا كان التطبيق العملي معيار الحقيقة.

3 – الحَقيقَة النِسْبيَّة وَالحَقيقَة المطلَقَة
يتيح لنا التطبيق العملي إذن التحقق من صحة الفكرة التي لدينا عن صفات شيء من الأشياء. فماذا يبقى إذن من الشيء في ذاته كما قال "كنت" ؟ لا شيء! تعلم الجدلية، كما يعلم الجدلي هجل، أن التمييز بين صفات شيء من الأشياء وبين الشيء في ذاته عبث لا طائل وراءه، فإذا كنت تعرف جميع صفات الشيء فانك تعرف الشيء ذاته، فهل هذه الصفات مستقلة عنا؟ هذا ما يجب أن نفهمه من مادية العالم. ولكن هذا الواقع الموضوعي لا يستعصي على المعرفة لأننا لا نعرف صفاته، ولهذا كان من العبث القول "خلقك شيء وصفاتك ومساوئك شيء آخر، وأنا أعرف صفاتك ومساوئك ولكني لا اعرف خلقك" لأن "الخلق" هو مجموعة الصفات والمساوىء. كما أن الرسم هو عبارة عن مجموع الرسوم. وأنه لمن العبث القول، بأن هناك فن اللوحات والرسامين والألوان، والأساليب والمدارس ثم هناك فن الرسم في ذاته الذي يخيم عليها ولا تمكن معرفته. إذ ليس هناك جانبان في الشيء. بل هو كل تكتشف بالتدريج أوجهه المتعددة عملياً.
ولقد علمتنا الجدلية، فيما يتعلق بصفات الأشياء "المخفية"، بأنها تظهر بواسطة النضال الداخلي للأضداد الذي يتولد عنه التغير. وحالة الشيء " في ذاته" هي حالة التوازن النسبي الذي يكشف عن تناقض الشيء الداخلي وقت التجمد أو الغليان.
ولهذا لا يمكن أن يوجد أي فرق مبدأي بين الظاهرة والشيء في ذاته. والفرق هو بين ما هو معروف وما لم يعرف بعد .
ويصبح الشيء "في ذاته"، بواسطة ازدياد معرفة الواقع، شيئا "من أجلنا" بالتدريج.
وهكذا نرى أنه يوجد، بالنسبة للنظرية المادية الجدلية للمعرفة، حقيقة مطلقة، أي مطابقة للواقع بذاته.
وأما الماركسية فهي تحدد الحقيقة، على عكس رأي "كنت" الذي يعتقد بأن الحقيقة هي بالنسبة للذهن الإنساني، بأنها عملية طبيعية. هي انعكاس الواقع الموضوعي في وعي الإنسان.
ولهذا فأن القول بأن الماديين ينكرون وجود الحقيقة، كذب وافتراء.
وإذا ما عدنا إلى مثال "السائل" رأينا أن التغير هو الذي يظهر مضمون الظاهرة الداخلي. ولهذا كان من الضروري في بعض الأحيان انتظار بلوغ الظاهرة درجة معينة من النمو والنضج لتظهر حقيقتها بوضوح. لأنه لا يمكن تمييز التناقضات عند بدايتها. وهذا ما يجعل دراسة بداية الكائن الحي، مثلا، صعبة. وكذلك حال الرأسمالية التي تبدو تناقضاتها المعقدة بشكل أوضح في نظر الجماهير وهي في النزع الأخير. ولهذا يقول هيجل الجدلي:
"لا تأخذ بومة منيرفا (وهي مثال العلم والحقيقة) بالطيران إلا عند الأصيل".
يتيح إذن نمو الظواهر نفسها تقدم المعرفة ولهذا يجب أن نعرف كيف نلاحظ بصبر، وأن يُحسب حساب الزمن الضروري لتكوين انعكاس الواقع في الدماغ .
يجب أن نفكر دائما بصورة جدلية سواء حول نظرية المعرفة أم في جميع ميادين العلم الأخرى، أي أن لا نفترض قط أن وعينا لا يتغير بل يظل كما هو، بل يجب تحليل العملية التي بفضلها تتولد المعرفة من الجهل أو تصبح المعرفة الغامضة الناقصة أكمل وأدق .
هل هناك إذن أشياء لا يمكن معرفتها؟ كلا، بل هناك أشياء لا تزال مجهولة وسوف "تكتشف وتُعرف بواسطة العلم والتطبيق العملي" ذلك لأن تاريخ العلم يؤكد عدم وجود المجهول كما يؤكد تحول المجهول إلى معلوم باستمرار.
كان "كنت" يعتقد أن هناك بعض المشاكل المستعصية على الحل. فكان افقه العلمي محدوداً بحدود العلم في زمانه. مثال ذلك أن الكيمياء العضوية والبيولوجيا لم تكونا موجودتين بعد. ومن ثم اتسع الأفق. أما الذين يلوكون أقوال "كنت" فهم لا يريدون رؤية ذلك.
وهكذا نجد أنه بينما اللاأدرية متشائمة تشكو من عجز "الذهن الإنساني" فإن النزعة المادية متفائلة لا ترى أي مشكلة، كمشكلة السرطان مثلا، مستعصيه على الحل.
فليس هناك سوى مجهول مؤقت، ولهذا فأن حيلولة الرأسمالية دون ازدهار العلم يزيد من أجل هذا المجهول المؤقت.
زد على ذلك أن النزعة المادية تتيح لنا وضع الخطط لنمو العلم بالتنبؤ في الميادين التي تنضج فيها الاكتشافات، واتخاذ الوسائل التي تعجل بذلك. ألم يحدث غالبا في الماضي أن قام بالاكتشافات، في نفس الوقت، علماء يجهل بعضهم بعضا. وهذا دليل رائع على أن المعرفة عملية طبيعية تحدثها الأشياء نفسها فنيا.
غير أن نمو ظاهرة معينة غير مستقل عن سائر الظواهر. والطبيعة لا تحد في المكان والزمان، فهي تبدع باستمرار ولا تكف عن الإبداع. ولهذا كان نمو المعرفة ذاته لا يحد. وسوف تظل الأشياء في العالم أكثر مما نجد في معرفتنا، وكل ما نجهله مرتبط بما نعرفه.
ولهذا لا يمكن للعلم أن يقف عند حد معين. وكل حقيقة من حقائقه في ذاتها نسبية لأنها تتعلق بالحقائق الأخرى. وهكذا اكتشف الذرة بعد الجسيم كما اكتشف الإلكترون بعد الذرة ثم اكتشف اللب وسوف تكتشف جسيمات أخرى. وليس هناك مجال للاعتقاد بأنه يمكن استنفاد الواقع، ولهذا قال لينين "الإلكترون نفسه لا يمكن استنفاده".
كل هذا لا يقلل من قيمة معارفنا الموضوعية لأن "في النسبي يكمن المطلق" (لينين).
ترى النزعة المادية المحدثة، أي الماركسية، أن حدود مقدار قرب معارفنا من الحقيقة الموضوعية المطلقة نسبية تاريخياً، غير أن وجود هذه الحقيقة ذاتها لا اعتراض عليه، كما أنه لا اعتراض على أننا نقترب منها. وهكذا إذا كانت أطراف اللوحة نسبية تاريخياً ولكن لا شك أن هذه اللوحة تمثل مثالا موجودا بصورة موضوعية.
وإذا كنا في فترة معينة، وفي ظروف معينة، قد تقدمنا في معرفتنا لطبيعة الأشياء حتى اكتشفنا الأليزارين في قطران الفحم الحجري أو الالكترونات في الذرة فأن هذا الاكتشاف نسبي تاريخياً. غير أن كل اكتشاف من هذا النوع تقدم في "المعرفة الموضوعية المطلقة" وليس هذا أمراً نسبياً قط .
ولهذا فليس هناك نظرية علمية صحيحة تصبح خاطئة أو عديمة الجدوى مع الزمن. بل تحتفظ كل نظرية بقيمتها فإذا ما ظهر نقص النظرية أمكننا التغلب على هذا النقص بواسطة التجربة.
وليس تقدم العلم سباقاً إلى الأصالة والمهارة بل هو تقدم داخل الحقيقة وفي أعماقها.

4 – إتحَاد النَظريَّة بالنَاحِيَة العَمليَّة
ليست المعرفة، في نظر النزعة المادية عملية "يفسر" بواسطتها الذهن معطيات الحواس، بل هي عملية معقدة يتكون بواسطتها انعكاس الواقع في دماغ الإنسان.
ونعلم أن هذه العملية تتضمن درجتين مختلفتين نوعيا: الدرجة الحسية والدرجة العقلانية أو التطبيق العملي والنظرية.
ولقد رأينا أيضاً أن التطبيق العملي هو بداية النظرية ومصدر المعرفة ومعيار حقيقتها. وهكذا يجب على كل نظرية أن ترجع بالضرورة إلى التطبيق العملي لسببين. السبب الأول هو أن النظرية انما وضعت من أجل التطبيق العملي ولم توضع من أجل فضول لا طائل وراءه بتأمل العالم، بل لكي تعمل على تحويل هذا العالم، والسبب الثاني هو أنه لما كان الواقع عبارة عن حركة وتغير مستمر فان النظرية التي تسعى إلى الاكتفاء بذاتها يصيبها العقم، وتمسي عقيدة ميتة، وتتوقف عملية المعرفة إذا لم ترجع باستمرار إلى التطبيق العملي، ويستحيل الحصول على انعكاس صادق للواقع وإصلاح نقص النظرية وتعمق معرفة العالم.
والفلاسفة التجريبيون هم أولئك الذين يعتقدون أن المعرفة هي معرفة الدرجة الأولى، معرفة الأحساسات، وأما الفلاسفة العقلانيون المثاليون فهم أولئك الذين يعترفون بعمل الأفكار والمعرفة النظرية ولكنهم يعتقدون مع ذلك أن هذه الأفكار قد هبطت من السماء ولا يمكنها الخروج عن نطاق التطبيق العلمي. وكل من الفريقين يفصل باعتباط بين الدرجتين للمعرفة ولا يدرك وحدتهما.
ندرك أهمية هذه الفرضية في ميدان العمل الثوري لأن كل شخص هنا ـ كما هو الحال في العلوم ـ لا يستطيع أن يختبر كل شيء بنفسه، بل هناك تجربة اجتماعية تجمعت على مدى العصور، تقوم النظرية بتنظيمها، ويجب على كل واحد منا تمثلها. إذا كان لا يريد النزول إلى مستوى النظريات التي ظهر خطأها وقامت الحركة العمالية بإصلاحها.
أن كل من يهمل النظرية يغرق في النزعة العملية المثالية ويسير في الظلمات، كما أن كل من يهمل التطبيق العملي يجمد في عقيدته فإذا به صاحب عقيدة، أجوف التفكير.
ولا شك أن النظرية تصبح لا موضوع لها إذا لم تتصل بالعمل الثوري، كما أن التطبيق العملي يضل طريقه إذا لم يضيء هذا الطريق النظرية الثورية .
تتيح لنا النظرية الماركسية عن المعرفة أن ندحض الفكرة الخاطئة القائلة بأنه يجب علينا الابتعاد عن التطبيق العملي لنظل "محايدين" "موضوعيين"، وهذا ما يسمى بالنزعة الموضوعية البرجوازية التي تشن الحرب ضد الماركسية. وهو أشبه بقولنا أن الفيزيائي الذي قام بالتجارب لا يمكن أن يكون موضوعياً لأنه "ثائر" بتجاربه؟
إذا أردت الحصول على المعارف فيجب عليك المشاركة في التطبيق العملي الذي يحول الواقع، فإذا، ما أردت معرفة طعم اجاصة فيجب عليك أن تضعها في فمك وتقضمها وإذا أردت معرفة تكوين الذرة وطبيعتها وجب عليك القيام بالتجارب الفيزيائية والكيمائية وتغيير بيئة الذرة. وإذا أردت معرفة نظرية الثورة ومناهجها وجب عليك الاشتراك في الثورة. لأن جميع المعارف الحقة انما تتولد عن التجربة المباشرة .
لهذا يستحيل تمثل الماركسية تماما إذا ظللنا مكتوفي الأيدي نتأمل العمل بدلا من أن نشارك فيه، بالرغم من أدعاء المفكرين البرجوازيين الصغار أنه لا يمكننا الحكم على قيمة الماركسية الا إذا ابتعدنا عن الحركة التي تتكون بواسطتها النظرية وتتحقق صحتها ويزداد غناها. والعمل الثوري وحده هو الذي يتيح لنا اكتشاف حقيقة المجتمع الرأسمالي لأنه وحده هو الذي يسعى لتحويل المجتمع وتغيير ظروف هذا المجتمع. والعمل الثوري وحده بحاجة إلى الحقيقة لأننا نسير إلى الفشل بدون النظرية. ولهذا تقوم النزعة المادية على الروح الحزبي. فهي تضطرنا إلى الأخذ بوجهة نظر فئة اجتماعية معينة للحكم على كل حركة .
هذه الفئة الاجتماعية في أيامنا هي البروليتاريا الثورية.
تُكتشف الحقائق من خلال التطبيق العملي وتتأكد الحقائق وتنمو. لأنه يجب علينا الانتقال من الاحساسات والتصورات الحسية إلى المعرفة العقلانية، ومن المعرفة العقلانية إلى الإرادة الفعالة للتطبيق العملي الثوري، وتحويل العالم الذاتي والموضوعي.
يؤدي التطبيق العملي إلى المعرفة ثم نعود إلى التطبيق ومن ثم إلى المعرفة. وتستمر هذه الحركة بصورة دورية. فيرتفع مضمون كل دورة للعمل والمعرفة، بالنسبة للدورة السابقة، إلى مستوى أرفع وأسمى .
من الخطأ إذن اعتبار الماركسية نظرية لا تمثل سوى المغزى "الذاتي" للتاريخ في نظر البروليتاريا (أي تأويلها الذاتي للحوادث) وليست علما من العلوم. والا لما كانت البروليتاريا بحاجة لتعليم الماركسية لأنها تمثل وجهة نظرها التلقائية، ولما وجب على من هم ليسوا من طبقة البروليتاريا أن يتعلموها لأنها لا تمثل وجهة نظرهم! ولكن الماركسية، على العكس، علم يحتاجه الجميع ويجب عليهم تعلمه.
وإذا كان المرء موضوعيا فلا يعني ذلك أن يرفض جميع النظريات، بل يعني ذلك الأخذ بنظرية تتفق وعمليات التطور الاجتماعي الموضوعية. ولا يمكن التحقق من صحة هذا الاتفاق الا بواسطة التطبيق العملي، وهذا التطبيق لا يخلق عملية التطور بل يساعد عليه، كما يمكن للعالم في مختبره أن يسعى للإسراع في سير عملية من العمليات وأن كان لا يمكنه أن يقضي على قانون العملية أو يبدعه.
ولهذا لا يجب علينا فقط أن نحارب اللاأدرية نظريا بل يجب القضاء عليها عمليا فنقيم الدليل، بواسطة العمل، على أنه يمكننا التأثير على العالم وأن الماركسية هي الحقيقة التاريخية.
مثال ذلك: بينما تقول اللاأدرية عن الحرب: على من تقع خطيئتها؟ لا يمكن معرفة ذلك. فأن عمل الشرفاء من الناس يؤدي بهم إلى اكتشاف مسببي الحرب. وهكذا تحققت البروليتاريا، بواسطة التجربة، من قيمة النزعة المادية الماركسية، ومن قيمتها في التنبؤ.
فرأت البروليتاريا أن الشيوعيين لا ذنب لهم إلا أنهم على حق. غير أن من يقول بالتنبؤ الصحيح يقول بالعلم الصحيح.
نرى إذن أن اللاأدرية تخدم مصالح البرجوازية الطبقية. وإذا لم يكن هناك علم اجتماعي لعجزنا عن التنبؤ والعمل ولنعمت البرجوازية بنوم هانىء! لأن اللاأدرية تؤدي بالمستغلين إلى العجز. أما إذا كانت المعرفة العلمية ممكنة فأن المضطهدين والمستغلين يمكنهم الأخذ بها للتوحيد بين التطبيق العلمي والنظرية وجعله منارا يهتدون به في نضالهم.
تولد النزعة المادية الجدلية أمام اللاأدرية، التي تثير الشك والتشاؤم ـ (وهي من صنع رجال تجاوزتهم الأحداث التي لا يفهمونها فكفروا بكل شيء وأصبحوا مستعدين للإيمان بأي شيء) ـ تفاؤلاً مقبولا وتسمح بأن ندرك أن الإنسان يمكنه أن يقود مجرى الحوادث. لأن النزعة توحي بثقة لا تحد في قوة الفكر والعمل.
وهكذا تتوضح حقيقة فرضية ماركس القائلة بأن الفلاسفة لم يقوموا إلا بتفسير العالم بطرق مختلفة بينما الواجب هو تحويل العالم .
تعريب شعبان بركات
المكتبة العصرية ـ صيدا . بيروت




#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
- اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
- اصول الفلسفة الماركسية


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر