أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - منيرة أميد - الدكتورة منيرة أميد رئيسة مركز كلكامش: لم نسترجع اي من الحقوق التي سلبت منا بالضد من كل الشرائع السماوية















المزيد.....


الدكتورة منيرة أميد رئيسة مركز كلكامش: لم نسترجع اي من الحقوق التي سلبت منا بالضد من كل الشرائع السماوية


منيرة أميد

الحوار المتمدن-العدد: 2510 - 2008 / 12 / 29 - 09:33
المحور: مقابلات و حوارات
    


في العراق قضية لا زالت غائبة في زوايا النسيان ولازالت يكتنفها الغموض برأي العديد من الجهات الرسمية والجماهيرية، إنها قضية شريحة كبيرة من شعب أراد له العدو أن يفنى وأن يمحى من خارطة الوجود الإنساني. لازال التعتيم الإعلامي يغلف مأساة أكثر من نصف مليون كوردي عراقي قامت أجهزة النظام الدكتاتوري بتهجيرها وإلقائها خارج الحدود دون سبب سوى حقد دفين نم جانب سلطة مشبعة بالأفكار العنصرية والشوفينية.. تم إخراجهم من العراق في ليالٍ حالكة السواد دون مال ولا ولد مجردين من كل وثيقة تؤكد عراقيتهم، هجر الفيلي وحجز أبنائه في سجون وزنزانات الطاغية ولازالت مصائرهم مجهولة لحد الآن وبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على مظالم لم تعرف الإنسانية مثلها إقترفت بحقهم في وقت كانوا في خدمة العلم العراقي يدافعون عن حياض الوطن العراقي. عن الكورد الفيليين وما جرى لهم من مآسٍ إلتقت مجلة فيلي بالدكتورة منيرة أميد للحديث عن هذه القضية وتداعياتها...

س: ما هي مشكلة الكورد الفيليين؟ ومتى بدأت؟ ومن هم أصدقاؤهم ومن هم أعداؤهم؟
ج- أن لمشكلة الكورد الفيليين جوانب مختلفة، قسم منها سياسية وآخرى قانونية، وكان الاول سبباً ومحصلة لظهور الجانب الثاني. فالمشكلة تعود الى بدايات نشوء الدولة العراقية، فكما تعلمون أن ارض كوردستان تم تقسيمها بين اكثر من دولة على أثر الحرب العالمية الاولى في بدايات القرن المنصرم، وعلى اسس سياسية. وأرض الكورد الفيليين كونها جزءاً من ارض كوردستان الكبرى فقد قسمت بدورها وفي نفس الفترة بين ايران والعراق. اي بمعنى آخر أن مشكلتهم لا تتجزأ عن مشكلة الكورد في باقي اجزاء كوردستان، ولو انها مع الوقت اضيفت لها عوامل اخرى عمقتها.. فالمشكلة اصلاً تعود الى اوائل تأسيس الدولة العراقية كما اسلفنا، وبالضبط مع وضع قانون الجنسية العراقي رقم 42 الذي صدر في 23 أب من سنة 1924، فهذا القانون كان شوفينياً بامتياز وضع تحت اشراف المحتل البريطاني الذي كان يستخدم سياسة “فرق تسد” وكذلك العقاب ضد القوى التي عارضتها والمتمثلة بالكورد والشيعة والثواب لتلك التي ساندتها ومع سياسيين عرب متأثرين بالنزعة القومية الطورانية، وجلهم كانوا من العاملين بالبلاط العثماني او في جيوشه، ذلك القانون كان غريباً حيث قسم العراقيين الى تبعيتين عثمانية وإيرانية، رغم ان التبعيتين أجنبيتان! وأعد العراقيين من التبعية العثمانية هم مواطنين من الدرجة الاولى، بينما التبعة الايرانية هم مواطنون من الدرجة الثالثة وكان من الغريب ان يعتمد على تلك الفقرات في دولة انشئت حديثاً والذي كان من المفروض ان تنحصر فيها المواطنة بالقاطنين على ارض العراق لدى اعلان دولتهم! وأذا كان لا بد من الاخذ بالاعتبار تلك التبعية، فان الاحتلال الايراني للعراق كان سابقاً بقرون للاحتلال العثماني، وبالتالي ان اصحاب التبعة الايرانية وفق هذا المعيار يكونون هم أقدم وجوداً في العراق وبالتالي اقدم عراقيةً.
وللزيادة في التعريف فأن هذا القانون كان مخالفاً حتى لدستور العراق الاول والذي صدر في 6 آب 1925 اي بعد عام تقريباً من قانون الجنسية، والذي ينص في مادته السادسة على انه لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وأن اختلفوا في القومية والدين واللغة، إلا أنه احتاط لهذا الالتفاف حين ذكر في نص المادة الخامسة أن الجنسية العراقية تعين وتكتسب وتفقد وفقاً لأحكام قانون خاص، ويقصد به قانون الجنسية والذي بيت بقصد أن يتم استعماله خلافاً لمبدأ المساواة بين العراقيين، الذين أصبحوا تحت وطأة نصوص قانون الجنسية عراقيين من التبعية العثمانية، وعراقيين من التبعية الأيرانية.
كان الكورد الفيليون الاشد تأثراً بهذا القانون كون ارضهم التاريخية هي كانت مسرح لصراع بين الأمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، وتبادل احتلالها عبر قرون طويلة. وتبعاً لهذا تعرضوا الى حملات تهجير متواصلة وحرموا من الدخول في الجيش والوظائف العامة، وتم سن قوانين متعاقبة ضدهم بما اشبه بالعقاب الجماعي لسبب غير واضح المعالم؟ حتى توج باكبر حملة أبادة جماعية سلبت على اثرها حتى هوياتهم الثبوتية وشهاداتهم حتى الدراسية واملاكهم المنقولة وغير المنقولة وغيب أبناءهم وتمت تصفيتهم بطرق مختلفة فأُستخدموا كرهائن ودروع بشرية و في التجارب الكيمياوية.
برزت على أثر تلك الحملة مشاكل جديدة مرتبطة بالهوية، واعادة الحقوق والاملاك والكشف عن مصير ابنائهم والتعويض، وهذه كلها اصبحت امور قانونية، بالاضافة الى الجانب الانساني. أما بشأن من هم اصدقاؤهم ، فهذا يمكن تحديده من معرفة من هم أعداؤهم، فاعداؤهم هي كل القوى الشوفينية ذات النزعة المتسلطة والدموية والتي لا تقيم أي وزن لحرمة الوطن والانسان الذي حرم الله قتله، واصدقاؤنا هم من يقفون بوجه هذه القوى الظلامية في عالم باسره.

س: البعض يتهم الإنسان الفيلي بأنه يعيش في الماضي، ما رأيك؟
ج- الحقيقة لا اعلم بالضبط ما المقصود بهذا الاتهام؟ فان كان القصد منه اننا ما زلنا نتذكر ما جرى علينا من مآسٍ، فكيف يطلب منا ان ننساها؟ ولم تقدم لحد اليوم تفسير لها ولم يقدم اي حل! ولم نسترجع اي من الحقوق التي سلبت منا بالضد من كل الشرائع السماوية والوضعية!.. هل علمنا بمصير احبتنا الذين اخذوا منا عنوةً وغيبوا غدراً؟ وهل قدم لنا احد اعتذار عما جرى لنا؟ فكيف ننسى الماضي ونحن ما زلنا نعيش اثاره؟ أما اذا كان القصد منه، اننا ما زلنا نحتفظ بقيم الماضي وعاداته واصالته فانه فخر لنا، لاننا جزء من شعب اصيل ساهم في بناء اقدم الحضارات على هذه التربة المباركة.. وتلك صفة متأصلة فينا، وذلك الاتهام والجرم نتقبله، بل نعترف به اننا مهوسون بحب ارضنا ووطنا وملتصقون به مهما بعدنا وتغربنا، فدوماً تهفو قلوبنا الى حاراتنا الجميلة، وتلك العشرة الصادقة التي كانت تجمعنا بجيراننا، كأننا عائلة واحدة في السراء والضراء، وهل يمكن لنا أن نتخلى عن قيمنا الاصيلة؟.

س: ما هي مميزات تاريخ هذه الشريحة؟
ج- قد لا يكون معروفاً للكثيرين من الذين جرت عمليات (غسيل الدماغ لهم ابان حكم الطاغية) أن الكورد الفيليين هم السكان الاصليون لشرق دجلة وبناة حضارات عريقة في هذه الارض، فعاصمة الحضارة الايلامية (العيلامية) (والكورد الفيليين هم ورثتها) تقع في مدينة (كميت) ضمن محافظة ميسان والتي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن مدينة العمارة، وهي برزت في وقت موازٍ لحضارة سومر، حتى اختلط على الباحثين اي منهما سبقت الاخرى او تنتمي اليها، ثم تلتها حضارات اخرى هم كانوا بناتها، وحتى يعتقد ان مدينة بغداد اعاد ابو جعفر المنصور بناءها على بقايا مدينة كان الكورد الفيليون قد بنوها، اما دورهم اللاحق بعد دخولهم الاسلام فقد كان واضحاً بانخراطهم في جيوش الفتوحات التي امتدت حتى الصين، وكان لهم دور بارز في مجمل الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، والتي لا يمكن ان نذكرها في هذه العجالة ولكن يمكن العودة الى موقع مركزنا كلكامش، لمن يرغب الاستزادة في المعلومات، اما تاريخهم الحديث فهم معروفون بانخراطهم في بناء هذا الوطن، وكان عصب الحركة الوطنية العراقية بكافة الوانها وكذلك الحركة الكوردية، كما برز من بينهم شخصيات بارزة ومرموقة في كافة مجالات الحياتية، كانوا يفتخرون بعراقيتهم قبل انتمائهم القومي. والاهم انه لم يسجل ضد اي كوردي فيلي أي عمل ضد هذا الشعب والوطن، رغم ما جرى ضدهم من اهوال، وكانوا دوماً وما زالوا مخلصين لتربتهم.

س: البعض يحبوننا لأننا كورد وآخرون يحبوننا لأننا شيعة والبعض الآخر يكرهنا للسببين ، ما هو تعليقك ؟
ج- يتصف الانسان الكوردي بالبساطة والطيبة والتسامح وحب الغير، وتلك الصفات اجمع عليها كل الباحثين ومن زاروا مناطق كوردستان من الاجانب، وكذلك الشيعة الذين تربو على حب آل بيت رسول الله ويعملون جاهدين للتخلق باخلاقهم .. فكيف بالفيلي الذي جمع الخصلتين، فحب الاخرين ناجم عن اخلاصهم لصحبهم والامانة في التعامل مع الغير. لذا لا يكون غريباً أن ينالوا حب الاخرين وتقديرهم، لكن الغريب ان يٌكره من يحمل هذه الصفات الانسانية الراقية، ولا يقوم بذلك سوى الشخصية العدائية المريضة الكارهة للحياة، وتمثل ذلك في هرم النظام السابق وازلامه وابواق، وذيولهم اليوم من الارهابيين والقتلة.

س: هناك رأي يقول أن هؤلاء الذين يشكلون منظمات وجمعيات للفيليين أنما يعملون على قتل قضية الفيليين، هل هذا صحيح؟
ج- أن قيام جمعيات ومنظمات مجتمع مدني للكورد الفيليين، هي ظاهرة حضارية يجب ان نفتخر بها، وكنا سباقين في ذلك حتى ونحن في أرض الوطن، فأول جمعية رسمية للكورد الفيليين تعود الى عام 1946. أن انشاء جمعيات هي رغبة وطريقة لتواصلنا مع البعض رغم الصعاب، ولتحديد أطر للعمل الجماعي، وبنفس هذا النفس ورغم الصعاب تكونت جمعيات مختلفة للكورد الفيليين في المهاجر المختلفة للم شملهم، وتوحيد صفوفهم، وهي اصلاً تنشأ في بلدان المهجر لتحقيق التواصل ولحل مشاكل آنية يعانون منها في المهجر ومن اجل تذليلها، وكذلك لتعريف الوسط الذي يعيشون به بقضيتهم، ولكن معظم تلك المنظمات تعدت تلك المهمات الى مهام اكبر ومنها طرح قضيتنا على مجال اعم واشمل وتبني قضايا للفيليين في مهاجر اخرى، وخاصة في تلك حيث توجد جاليات اكبر ولديها مشاكل اكبر واعمق وخاصة في ايران والتواصل مع من تبقى في العراق، فسعت الى تبني بعض من تلك المشاكل لوضع حلول مناسبة لها، رغم امكانياتها المتواضعة، اي بمعنى اخر انها لم تعش معزولة عن المجموع، رغم الخصوصية لكل مهجر.
أن قضية الفيليين في رأيي لها جوانب عديدة واهم هذه الجوانب هي:
أولاً القانونية وتشمل بدورها على:
أ. محاكمة من تسببوا في مأساتنا
ب. القوانين التي ما زالت تقف بالضد من استرجاع حقوقنا، ومنها قانون الجنسية، فنحن ندعو الى سن قانون موحد لكل العراقيين يتساوون في ظله بالحقوق والواجبات، والغاء التبعيات بكل الوانها، الا التبعية للعراق. وتغيير قوانين اخرى او تعديها واهمها قانون نزاعات الملكية، وخاصة تلك الفقرة متعلقة بالخصومة فنحن خصمنا الدولة العراقية والمتمثلة بوزارة المالية التي استولت على اموالنا واملاكنا من دون وجه حق.
ثانياً: الجانب الانساني: لالغاء أثار الحملات التي حدثت ضدنا او بالمعنى الادق تخفيفها عبر:
أ‌. رد الاعتبار للكورد الفيليين، واعتراف حكومي بأن ما حدث ضدهم هي جريمة من جرائم ضد الانسانية والاعتذار منهم كما حدثت في جرائم الانفال وحلبجة. واعتبار ابنائهم المغيبين شهداء في سبيل الوطن.
ب‌. أعادة ما أخذ منهم من وثائق واملاك منقولة وغير منقولة.
ج. تعويضهم تعويضاً مناسباً عما لحق بهم من أضرار.
د. وضع تسهيلات استثنائية للمهجرين والمهاجرين لعودتهم الى العراق.
ثالثاً: الجانب السياسي: والمتمثل في ضمان تمثيلهم في السلطات الثلاث ومن ضمنها الجيش والشرطة ودوائر الدولة المختلفة وفق معايير الكفاءة والتعويض عما فاتهم، ويجب ان تقوم بهذه المهمة احزاب تمثلهم وتنبثق من بينهم.
واذا راعينا التقسيم اعلاه، وتخصصت كل جهة او منظمة بالاهداف التي أنشئت من اجلها فانها لا تقتل قضيتها. ولكن في الفوضى الحاصلة اليوم في العراق، وفي غياب نخب سياسية حقيقية تمثل قضيتنا (المقصود عدد كمي ونوعي)، وتنظيمات سياسية حقيقية ذات جماهيرية واسعة، وكذلك في ظل المحاصصة الجارية في العراق، تضيع المقاييس وتؤدي الى الخلط بين جمعية ومنظمة مجتمع مدني واخرى سياسية، فلو نظرنا الان وتساءلنا كم منظمة سياسية ذات جماهيرية معقولة تحمل اسمنا وتعمل للكورد الفيليين؟ اذا سمعت منكم الاجابة عندها نقدر ان نقول، ان تعدد هذه المنظمات تؤدي الى قتل قضيتنا.
س: نلاحظ كثرة المنظمات الخيرية على حساب المنظمات الثقافية ما أسباب ذلك؟ وهل هؤلاء مؤهلين للعمل الخيري؟
ج- شئ طبيعي ان تكون المنظمات الانسانية أكثر في ظرف العراق الحالي بشكل عام وظرف الكوردالفيليين بشكل خاص، والعمل الخيري لا يحتاج الى مؤهلات خاصة بقدر نظافة اليد والنية الصادقة في تقديم الخدمة، وتوفر الامكانيات لتنفيذ المهمة. أما المنظمات الثقافية فانها تحتاج الى كل ما هو اعلاه بالاضافة الى أمكانيات ثقافية وعلمية متخصصة لا تحتاجها المنظمات الانسانية بالضرورة، بالاضافة الى حاجتها الى دعم مؤسسات ثقافية أخرى، مع موارد مالية من اجل تنفيذ مشاريعها، وفي مرحلتنا هذه وعقب ما تعرضنا له فان هذه الامكانيات المطلوبة ليست بالهينة وغيرمتاحة.

س: لماذا لا نستطيع كمنظمات فيلية العمل بشكل جماعي؟ أتكون الأسباب داخلية أم أسباب خارجية؟
ج- حتى تعمل اي منظمات بشكل جماعي يجب ان يجمعها هدف مشترك وغاية مشتركة، ولكل منظمة جماهير خاصة بها تعمل من اجلها، ولا يجب ان توجد تنظيمات لا خلاف في اهدافها، قصدي ان تعمل وفق اهداف وبرامج متطابقة، فالكورد الفيليون شريحة من مجتمع واسع هو الشعب العراقي، وعليه يضم في صفوفه، ناساً مختلفين في اهوائهم من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، فكيف لك ان تجمع المتناقضات، ولكن ربما تتلقى هذه التنظيمات في بعض اهدافها، فيمكن ان تجتمع على القواعد المشتركة بينهم بما اشبه بتحالف مرحلي لا اكثر، من اجل تحقيق تلك الاهداف. الموضوع هذا يطرح كثيراً، وتختلف النيات حسب الجهة التي تطرحها، ولكنها عموماً تستخدم لطمس حقوقنا من قبل جهات اصلاً غير مستعدة ان تعيد لنا ما سلب منا.

س: الشخصية السياسية والاقتصادية الفيلية التي كانت تمتلك دوراً كبيراً في المجتمع هي الآن غائبة عن الساحة، ما أسباب هذا التراجع؟
ج- هناك قانون اقتصادي يؤكد على وجود جدلية مترابطة بين القوى السياسية والاقتصادية. لذا كيف تنتظر من شريحة سلب منها كل شئ، ولم تسترد اي شئ ان تلعب دوراً سياسياً اقتصادياً، فزمن الاجتهاد والعصامية قد ولى، وذلك ما اعتمد عليه الكورد الفيليون في الماضي وكونوا مراكزهم وثرواتهم، اليوم من يمسكون بالسوق على سبيل المثال هم من استفادوا من الحروب والويلات ومصائب الاخرين، او من استولى دون وجه حق على اموال الدولة، وكون امبراطوريات لا تنافس، فلغة التجارة اليوم غير تلك التي في زمن التجار الفيليين، وسوف لا يعود تأثيرهم الا مع عودة الأعراف الاصيلة في التجارة والاقتصاد، والتدهور هذا حاصل عالمياً، ولو ان ظلال الحروب والدكتاتورية اخذت شكلاً اعنف في العراق، في النهاية لا بد ان تعود اسس جديدة منظمة عقلانية صحيحة، عندها سيكون للكورد الفيليين دورهم.

س: كما يقال اللغة هي القومية، هل تعتقدين أن أحد أسباب مشكلتنا هو ابتعاد أجيالنا الجديدة عن لهجتهم الأم؟ أم لأن لهجتنا تختلف عن اللهجات التي كتب بها الأدب الكوردي؟
ج- الحقيقة السؤال يبدو لي مبهماً، هل تقصدون ان الاجيال الجديدة ابتعدت عن توجهها القومي؟ ان كان هذا المقصود وهذا مستبعد، لاني لا أرى ذلك، فالجيل الجديد اراه اكثر اندفاعاً للتعلم بلغته ولهجته، رغم وجودهم في بيئات مختلفة لا توفر لهم التعلم بلغة الام، او على الاقل هذا ما الاحظه في وسط الكورد الفيليين في المهجر، هم اكثر تصميماً في التكلم بلهجتهم ومعرفة تاريخهم، ولكن المشكلة ربما في التواصل مع بقية اخوتنا الذين يتحدثون باللهجات الاخرى، وهذه قائمة ايضاً بين من يتحدثون باللهجة السورانية والكرمانجية ايضاً، قد تخف في اوساط المثقفين، الذين تأثروا بتوفير الكتب المطبوعة بلهجاتهم، ولكن لو عرفت كم هي نسبة الامية في مجتمعنا الكوردي لعرفت حجم المشكلة وعموماً تعدد اللهجات وعدم وجود لغة كوردية رسمية مشتركة يؤثر في التواصل على المدى القريب ولكن نتائجه المستقبلية ستكون اكثر سوءاً ان لم نقل كارثية اذا لم يجر علاج جدي لها من قبل الباحثين والمتخصصين، ومن لهم شأن في هذا الموضوع.

س: مصادر الفيليين قليلة، وأعلامهم ضعيف وتفاعل الناس مع نشاطاتهم قليل جداً، أين يكمن الخلل؟
ج- أن الظروف التاريخية الصعبة التي مر بها الكورد الفيليون، وخاصة في نهاية القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين، حيث توفرت ظروف افضل بكثير لبقية اخوتهم في الاجزاء الاخرى من كوردستان مما عزز نهوض ثقافي متفاوت، وخاصة الظرف السياسي الصعب الذي منعهم من ازاحة اللثام عن تاريخهم الانساني والثقافي والادبي، ومعظم انجازاتهم كتبت باللغة العربية او الفارسية، وبرزت بينهم شخصيات معروفة وبارزة، فكانوا روافد اضافوا للغات اخرى على حساب لغة الأم، وان كانت هناك بعض المصادر فانها قدمت بجهود فردية، امن اصحابها بمهمة انسانية نبيلة لابناء قومهم وواجهتهم مشاق في تحقيق ذلك. اما بشأن اعلامنا وهل لدينا ما يمكن ان نسميها اعلاماً؟ هي أصلاً مبادرات من افراد قد يكتب لها النجاح او تنتهي الى الفشل، ولكن تبقى على قدر ما تقدم مشكورة وتعد اعمالاً جبارة، اذا ما قورنت بالامكانيات المتوفرة لغيرهم. أما بشأن التفاعل مع نشاطاتهم، فهذه تعتمد على لمن موجه تلك النشاطات؟ وما مردودها والغاية منها؟ وانا لا أرى ان تفاعل الناس ضعيف مع نشاطاتنا، اذا ما قارنّا حضورهم الى تلك النشاطات مع مساهماتهم في نشاطات مماثلة تقوم بها جاليات اكبر واوسع.

س: بصفتك أحد الناشطين في مجال القضية الفيلية، كم تختلف معاناة المرأة عن الرجل في هذا المجال؟
ج- بشأن مشكلة الفيليين قد لا تختلف كثيراً معاناة المرأة عن الرجل، فالكل شمله التهجير وانتزاع الهوية والمعاناة وفقد الاحبة والاهل، رغم ان المرأة لطبيعتها تكون اكثر تضرراً من الناحية العاطفية، لذا ترى ان النساء من شريحتنا يعيشن مأساتهن منذ حدوثها يوماً بيوم، وعندما تتحدث الى اي واحدة منهن تشعرك، ان هذه المأساة قائمة اليوم رغم مرور سنين طوال عليها. يبقى اننا فقدنا ابناءنا الشباب من الذكور بشكل خاص، ادى الى ظهور مشكلة (العوانس) رغم اني ضد هذه التسمية، وهذه هي في حد ذاتها مشكلة اجتماعية تعاني منها مجتمعات ترصد لها ماليات وقوانين من اجل القضاء عليها، وكذلك نقص الذكور في العائلة ادى الى تحمل النساء اعباء الاسرة من الناحية الاقتصادية ايضاً، وايضاً تركت الكثيرات ارامل تكفلن برعاية أبنائهن لوحدهن في ظروف المنافي الصعبة، وما تسببه التربية من مشاكل نفسية في ظل غياب الاب.

س: باعتبارك شخصية أكاديمية، هل تعتقدين أن الثقافة الكوردية واحدة أم موحدة؟
ج- أن اعتبار الثقافة الكوردية واحدة أم موحدة، هي تعتمد على الزاوية التي تنظر لها، فأن ثقافة اي شعب هي ثقافة واحدة موحدة، لأن من الطبيعي ان تكون هناك اختلافات في الجزئيات تعود الى عوامل بيئية وجغرافية، ولكن التنوع يغني ولا ينتقص، ونادراً ما تجد شعب له ثقافة واحدة وتلك الشعوب أن وجدت، تكون منغلقة على ذاتها، وهذا مستحيل في عالم اليوم، فجميع الثقافات تلتقي وتتلاقح، ضمن العولمة الجديدة والتطور في وسائل الاتصال. فلو ننظر الى تاريخ كوردستان وجغرافيتها، فلا بد ان تتأثر أجزاء كوردستان بثقافة الشعوب المسيطرة عليها وفي نفس الوقت تؤثر عليها ، لكنها في النهاية تنتج ثقافة كوردية واضحة تلتقي في بوتقة واحدة.
س: ما هي فكرة تأسيس مركز كلكامش للدراسات والبحوث الكوردية، وكم نسبة تحقق أهدافه؟

ج- فكرة تأسيس مركز كلكامش للدراسات والبحوث الكوردية والتي تقع ضمنها مركز بيستون للدراسات والبحوث الفيلية كان حلماً طفولياً رافقني منذ الصغر، نتيجة ما عانينا من ظلم في عدم التعلم بلغة الام ومن ثم التعبير والكتابة فيها، وعدم توافر المصادر التاريخية المستقلة، والعلمية عن تاريخنا وتراثنا، ورغم التأخر في تحقيق هذا الحلم الا اننا وفي هذا الشهر ونحن نحتفل بالذكرى الثانية لتأسيس مركزنا،ورغم أننا لم نحقق الكثير مما خططنا له ولكننا في الطريق الصحيح، وخروج المركز الى النور هو بحد ذاته يعد انجازاً وتحدياً، لكن اعتماده حتى الان على المبادرات الشخصية والتمويل الذاتي من اعضائه يجعلنا نعاني كثيرا ولكننا مصممون على الاستمرار. بالرغم من كل شئ فاننا حققنا الكثير من المنجزات مقارنة بمؤسسات أخرى لديها دعم كبير. وعلى الصعيد الاعلامي والتعريفي بالكورد فقد حققنا انجازات كبيرة، وهناك عشرات الرسائل تصلنا وتشكرنا على انها حصلت على معلومات غنية في هذا الجانب من قبل الباحثين والجمهور وخاصة الناطق باللغة العربية ومن بلدان عربية مختلفة. وكذلك الكورد الفيليين.

س: ما هي معاناتكم في بلاد الغربة؟
ج: المعاناة في الغربة كبيرة وكثيرة، وخاصة اذا كانت اجبارية فبالاضافة الى مصاعب التأقلم في محيط غريب عنك بكل شئ، وكفاحك من اجل ان تجد لك موطئ قدم، هناك معاناة فراق الاهل والاحبة والوطن، والذي كلما زاد فراقك عنه تزداد التصاقاً به، وخاصة العراقيين بشكل عام والكورد الفيليين بشكل خاص، فنحن نمر بمعاناة مريرة منذ عقود، وخيبة أملنا في الوضع الجديد، الذي كنا نأمل منه أن يعيد الينا جزءاً مما فقدناه، لنضمد جراحنا لكن جراحنا بدأت تتعمق أكثر واكثر ويكفي ان نقول اننا لن نفقد الامل.



#منيرة_أميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجوم مضيئة في سماء الوطن-من سيرة الشهيدة بشرى صالح (أم ذكرى) ...
- مشاهد فيلية – ما سبق الانفال – 2
- في ذكرى استشهاد محمد بشيشي الظوالم ( ابو ظفر )
- مراجعة في كتاب -كركوك وتوابعها -
- مشاهد فيلية – حزن على فقد قريب
- مشاهد فيلية- عرس تحت وابل النيران
- الى الدكتورة كاترين ميخائيل مع أطيب التحيات
- مشاهد فيلية
- الحكومة العراقية والسيرة الذاتية لاعضاءها -الجزء الاول
- مشاهد فيلية- جامع براثا والكورد الفيلية-
- البروفسور توفيق رشدي والغدر البعثي
- عدن والاحتفال بتأسيس الحزب الشيوعي العراقي آذار 1979


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - منيرة أميد - الدكتورة منيرة أميد رئيسة مركز كلكامش: لم نسترجع اي من الحقوق التي سلبت منا بالضد من كل الشرائع السماوية