أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - منيرة أميد - مشاهد فيلية- عرس تحت وابل النيران















المزيد.....

مشاهد فيلية- عرس تحت وابل النيران


منيرة أميد

الحوار المتمدن-العدد: 1747 - 2006 / 11 / 27 - 08:14
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


مشاهد فيلية- عرس تحت وابل النيران
بغداد تشرين الثاني (نوفمبر) 2006
المكان : احد أحياء بغداد

فكرت في ابنتها الصغرى وعرسها المرتقب، تنفست الصعداء أحست انها قد أدت واجبها ، في حسن تربيتها، وأصرارها على تعليمها في ارقى جامعات بغداد ، في هذا الزمن المضطرب، الذي لا يضمن فيه الشخص حياته ولو لدقائق أولحظات. التاريخ يكتب بدم الابرياء، الذين يقتلون وبدم بارد ، ودون اية جريرة او ذنب، وليس هناك من يعمل على ايقاف نزيف الدم الجاري لسنوات، رغم كثرة الصراخ عن خطط أمنية ووابل التصريحات والمبادرات، من سياسين يمسكون بمصير العالم ، وآخرين يبحثون عن مكاناً لهم فيه.

الاوضاع تسير الى المجهول .. وليس هناك بارقة أمل. كانت تشكو في السابق من انقطاع التيار الكهربائي ، وجدته اليوم نعمة ، لانها فرصة ، لكي لا ترى ما يعرض على الشاشات من أفلام رعب حية ، ابطالها اناس حقيقيون من أبناء بلدها.
تذكرت مقولة جدها الذي كان يكررها دوماً. سيأتي زمان على العراق ، سيسعى الجميع للهروب، وحتى أن كان ذلك زحفاً؟! انتفضت من الفكرة ، وحاولت ان تبعدها عن تفكيرها. كانت دوماً تسعى للهروب وعائلتها من الواقع الذي وجدت نفسها فيه، ولكن كلما تصمم تقف في وجهها العقبات ، فيثنيها عن المواصلة وتعلل نفسها ربما الظروف ستتحسن، والخير فيما يختاره الله.

كانوا في خطر دام منذ عقود .. ولكنها أقرت أخيراً ، الخطر لم يكن واضحاً وملموساً مثل اليوم ، لانه متربص بك في كل لحظة وفي كل ركن ، ليس هناك مكان آمن في هذا الوطن المغدور من ابنائه ، الذي سمي ربما زوراً ببلد السلام ، كما تزوّركل الاشياء وتعطى اسماءا مخالفة لحقيقتها.

تركها زوجها قبل الاوان، ، فقلبه الطيب المريض لم يمهله ليواصل معها رحلة الحياة ، ففارقها في زمن ( الحصار) كما يسمى اليوم ، لم يجد في المستشفى الذي اخذوه اليه ، بعد اصابته بالجلطة ، ما يستطيعون به أسعافه؟! فغادر وهو في ريعان الشباب. لا تعلم لماذا في ذلك الصباح اوصاها بأبنتهما الصغرى قبل ان يغادر الى العمل كعادته؟!

تركها تنوء تحت حمل ثقيل ،وهو تربية أبناء ثلاث ، لم تكن اكبرهم قد بلغت الرابعة عشر. كانت هي تعمل موظفة في أحدى دوائر الدولة ، في بلد أصبح فيه الموظف يستحق "الصدقة"* .
وكان قبل ذلك بسنوات قد حرمها النظام من اهلها وأقاربها، اما بتصفيتهم او تهجيرهم . وجدت نفسها وحيدة ، ومن حولها يستمدون منها هي العون. كانت المصائب المتتالية قد صقلت شخصيتها القوية ، المتحدية، فواصلت المشوار.
انهت أبنتها الكبرى دراستها الجامعية، وتم تعينها في أحدى البنوك ، ولكن من خشيتها عليها، طلبت منها ترك العمل والجلوس في البيت، فتحت محلاً تجارياً لابنها الوحيد ، ولكنها ايضاً طلبت منه ان يغلقه ، لحين تتحسن الظروف؟! كانت تخاف عليهم بشكل مرضي. كانوا يلوموها على ذلك. ولكن مع أصرارها والخشية من أي سوء قد يحدث، يجعلهم يتراجعون، متمنين معها ، ان تتحسن الظروف.

غداً تزف أبنتها الصغرى ، الى ابن الجار، كانت تتمنى ان تجعل من هذا اليوم لا ينسى ، وان تعلن عن الفرح الذي فارقهم منذ فترة طويلة ، اتصلت بالاهل والاصدقاء لدعوتهم الى العرس ، ولكن طريقة الدعوة كانت تبدوا غريبة ، تبدأ ان موعد الزفاف قد حدد منذ فترة طويلة ، والعريس يستعجلهم، كما ان ابنتها سوف لن تبتعد ، مجرد انها ستنتقل الى البيت المجاور. ثم تدعوهم للعرس ، ولكن تؤكد انها تقدر الضروف ، وانها سوف لا تزعل ، ان لم يحضروا؟ ولكن واجبها أن تدعوا أحبتها ، ومن تتمنى ان يشاركوها هذه المناسبة.
تذكرت أحبتها واخواتها في خارج الوطن .. والتي كانت تحلم ان يكونوا الى جوارها. جربت الهاتف كثيراً، ولكن الخط اللعين لا يربط، اه ..واخيراً.. سمعت صوت شقيقتها الصغرى يتهادى الى مسامعها، فبادرتها قبل ان تتكلم متى العرس؟ فقالت غداً.. ثم تلاشى الصوت.. مرة يتشوش وأخرى يتقطع ، لم تعد تفهم....تسمع ؟فضلت أن لا تستمر ، المهم وصلهم الخبر.

في المهجر تهاتفت الشقيقات ، فعرفوا الخبر؟
قبل أسبوع اصيبوا بصدمة ؟ لدى سماعهم الاخبار عن عملية أرهابية جبانة ، استهدفت عرساً في نفس الحي التي تسكنه أختهم. اللحظات ما بين سماع الخبر، والتحدث مع الاهل في العراق ، كانت مرعبة ، ولكن تنفسوا صعداء ،ثم شعروا بتأنيب ضمير ، عندما حمدوا الله ، على سلامة اختهم وأقاربهم، لان هناك عوائل بريئة أخرى كانوا قد ذهبوا ضحايا تلك العملية الارهابية ، لانهم مجرد أعلنوا فرحهم بعرس ، هو من أول الحقوق الذي شرعه الله للبشر.

أرادت أختهم مشاركتهم الفرحة وهي في المهجر، وعلى طريقتها. اتصلت بهم لتسأل عن الحضور ، وماذا يفعلون .
الليلة هي "ليلة الحنة" التي كانت من عادات العراقيين بكل طوائفهم الاحتفال بها الكل حسب تقاليدهم ومعتقداتهم. فلم تكن صينية الشموع والحناء تخلو من الياس ، ومرآة ونسخة من القرآن الكريم والبخور في بيوت الفيلية. وكذلك لم تكن الليلة تخلو من الغناء والرقص والدبكة ، وكانت الاغنية التراثية "كتان كتانة" ملح تلك الاحتفالات. رفعت السماعة وابتدأت بزغردة ، فزع من كان على الطرف الاخر ، فخجلت من الموقف ، لانها أحست انها لا تفهم ما يعيشون فيه ، وهم يخافون من اي شئ غير طبيعي ، وان كانت زغرودة فرح. ولكن داعبتهم لتهرب من الموقف . وقالت هل انتهيتم من الغناء " وهل غنيتم ، كتان كتانة؟؟؟ فاحست انها في مأزق آخر ، قالوا لها ، نحن نخاف ان يعرف احد انه هناك ثمة عرس ، كي لا تنفتح شهية أحد الاخوة ( العرب) لفطورأو عشاء مع الرسول ، فيأتي الينا كهدية على شكل مفخخة بشرية؟؟
احست بألم غامض يعصر احشائها، فكرت ان تسرق فرحة من هذا العالم البائس ، فأرتدت على أعقابها، ولكن لكي لا تبدوا منهزمة ، حلفتهم ، ان يسرقوا الفرحة ولو للحظات ، ليرقصوا على صوت التلفاز ، اذا كان هناك ثمة أغنية .. ليغنوا " كتان كتانة،ولو مع انفسهم.. لآننا سنحول موسيقاه الى السلام الوطني ، في الدولة الديمقراطية الفدرالية الموحدة!!!

فكرت العروس وأهلها ، نظراً الى انها لم تحضى بأي مراسيم يمكن ان يسمى عرساً ، لتجرب الذهاب الى صالون الحلاقة ، تعودت والدتها ارتياده منذ كانت صبية. طلبت الام ان تبقى هي مع من وصل من الاقارب ،الذين جازفوا بالحضور. بينما غادرت مع اختها وخالتها. انتهت من تسريح شعرها ، وتزينها، ووصل العريس مع أصدقاءه ، ليأخذوها ومن معها الىالبيت، وصلوا الى الجسر المؤدي الى حيث يسكنون فوجدوه مقطوعاً ، أستداروا في كل الاتجاهات ولكن جميع الطرق كانت موصدة ، لم يكن يعرفون ماذا يحدث، أقترح احد اصدقاء العريس أن يذهبوا عبر الجسر المؤدي الى مدينة (.......) وهناك يمكن ان يدخلوا الى شوارع التفافية يمكن من خلاله العودة الى الحي الذي يقطنون فيه. عبروا الجسر ،ولحظات وجدوا انفسهم كمن دخل الجحيم ، حرب حقيقية، القذائف تتساقط، الاشلاء متناثرة ، النيران مشتعلة ، آلاف المسلحين يملؤون الشوارع ويقطعون الطرق ، تعرضوا للتفتيش اكثر من مائة مرة.
الفال الحسن الوحيد في هذا اليوم ، انهم ومنذ البدء تعرف عليهم أحد أصدقاء العريس من سكنة حي ( ......) فاستقل سيارته ، واخذ يسبقهم ليفتح لهم الطريق ، ويبدوا انه كان له مركز مهم في المنطقة ، فسهل لهم المرورولكن العروس ومن معها ، كانوا كمن فارقوا الحياة من هول ما رأت اعينهم ، وكأنهم مروا بيوم الحشر.

الأم في البيت ، تبتهل الى الله ، وتناجيه ، وتطلب منه ان لا يخذلها هذه المرة ايضاً ، وان يعيد اليها أحبتها سالمين.

الساعات تمر كدهور ،اخيراً افلحوا في الوصول،بسلام ؟؟؟!!! والجميع ما زالوا في ذهول، لم يستفيقوا بعد. ومن حضر من المدعويين ، مازالوا عالقين هناك ، لانه أعلن عن حظر التجوال؟؟؟!!!
د. منيرة أميد
بريطانيا
24 تشرين الثاني 2006

* عندما زاد التدهور في قيمة الدينار العراقي بعد حرب الخليج الثانية ، اصبح الراتب الشهري لأكبرموظف لا يعادل سوى بضع دولارات. لذا اصدرت فتوى من المرجعيات الدينية ،تؤكد على ان الموظف يقع ضمن الفئة التي يمكن ان تشملها الصدقات.



#منيرة_أميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى الدكتورة كاترين ميخائيل مع أطيب التحيات
- مشاهد فيلية
- الحكومة العراقية والسيرة الذاتية لاعضاءها -الجزء الاول
- مشاهد فيلية- جامع براثا والكورد الفيلية-
- البروفسور توفيق رشدي والغدر البعثي
- عدن والاحتفال بتأسيس الحزب الشيوعي العراقي آذار 1979


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - منيرة أميد - مشاهد فيلية- عرس تحت وابل النيران