أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - فراس جابر - إنتاج السلطة ونمط الإنتاج















المزيد.....

إنتاج السلطة ونمط الإنتاج


فراس جابر

الحوار المتمدن-العدد: 2497 - 2008 / 12 / 16 - 01:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


يعتمد إنتاج السلطة في أي مجتمع على نمط الإنتاج السائد، ومن غير الدخول في شروحات لأمثلة طويلة ومعقدة، نذهب مباشرة إلى واقعنا الفلسطيني، الذي يتميز بحالة من الفرادة نتيجة الظروف التاريخية التي مر بها من الاستعمار والاحتلال وصولاً إلى نكبة المجتمع التي مزقت النسيج الاجتماعي – الاقتصادي القائم، ومنحت المجتمع شكلاً مختلفاً عما كان يمكن أن يكون عليه "كمجتمع طبيعي" من غير استعمار كولونيالي.

خضع المجتمع الفلسطيني تاريخياً لنمط إنتاج إقطاعي ريعي اعتمد على الزراعة، وجباية ضرائب على الإنتاج الزراعي بالإضافة إلى وجود تجارة صغيرة خضعت لنفس النمط الإقطاعي، وساد هذا النمط حتى مجيء الاحتلال الصهيوني عام 1948، والذي مزق نسيج المجتمع الفلسطيني وأخضعه لنمط إنتاج مختلف (بتحكم الاحتلال به) ويمتاز ببنيته الرأسمالية (صناعية – زراعية) بما أدى إلى نشوء وضع غريب، إذ تجاور لفترة زمنية نمطا إنتاج؛ القديم (الإقطاعي) بجانب الجديد (الرأسمالي)، مما ولد نمط إنتاج شبه رأسمالي يتمتع بمزايا وبقايا الإقطاعي ساد داخل المجتمع الفلسطيني لفترة من الزمان، ويتضح ذلك في استمرار القيادة السياسية للمجتمع الفلسطيني بكونها تقليدية ومن العائلات الثرية رغم حدوث النكبة وتمزق النسيج الاجتماعي.

ما بين نمط الإنتاج شبه الرأسمالي المطّعم بمزايا وبقايا نمط إنتاج قطاعي غابر، سادت قيم وعلاقات إنتاج هذا النمط المجتمع الفلسطيني، واستمرت هذه العلاقات بإنتاج بنية فوقية (سياسية، ثقافية) حتى عام 1967 مع بزوغ نجم منظمة التحرير الفلسطينية فأخذت قليلاً من تعبيرات نمط الإنتاج السائد، وهمشت باقي تعبيرات هذا النمط. فنرى أن معظم تعبيرات نمط الإنتاج تراجعت لمصلحة تبوء طبقة سياسية حداثية عبّر عنها بقوى وأحزاب سياسية لا تخضع لمنطق علاقات الإنتاج، وهذا التعارض بالضرورة هو من سمات فرادة وضع المجتمع الفلسطيني.

لذا شهدت الفترة ما بين عام 1967 وحتى بداية تسعينيات القرن الماضي نشوء تعارض جلي بين علاقات الإنتاج المسيطرة على المجتمع الفلسطيني والبنى فوقية غير المعبرة عن واقع هذه العلاقات، على الرغم في أن المجتمع بأسره محكوم لها في حياته اليومية واقتصاده التابع، هذا التعارض الأول، كما برز تعارض ثاني وهو أن منظمة التحرير الفلسطينية (كبنية فوقية) تحررت من قيود علاقات إنتاج لنمط الإنتاج شبه الرأسمالي، وتشكلت كبنية فوقية مغايرة لما هو متوقع في هذه الحالة.
ويتضح هذا في تحررها أيضاً من نمط الإنتاج السائد في الدول العربية المستضيفة، فلم تأخذ شكلاً سياسياً يشبه البنية الموجودة في الأردن أو لبنان، رغم تأثرها بسمات معينة تمثلت في قراءة الواقع السياسي والحكم، وبالتالي لا تعتبر – منظمة التحرير- نتاجاً طبيعياً لنمط الإنتاج السائد في المجتمع المستضيف، ويمكن القول أنها جزء "غير طبيعي" من هذه المجتمعات، فهي مؤسسة شبه كيانية تعيش فوق أراضي تخضع لنمط إنتاج معين وتتشكل بذات الوقت من أحزاب وقوى سياسية تعبر عن الجماهير الفلسطينية التي بنفسها تخضع لأكثر من علاقة إنتاج.
إذا هل يمكن القول أنه في مراحل التحرر الوطنية لا ينطبق التحليل الماركسي على علاقات الإنتاج والبنية الفوقية، أم أن التحليل لا يجب أن يقتصر على آلية ميكانيكية في فهم هذه المعادلة لتستوعب أكثر من نمط إنتاج ضمن متغيرات ما فوق طبقية تحكم إنتاج طبقية اجتماعية معينة؟؟

يبدو أن الجواب أقرب إلى أن علاقات الإنتاج في مجتمع ما تحكم السياق الذي يعيش به المجتمع من خلال وجود وسائل وقوى الإنتاج داخل بقعة جغرافية معينة تمكن بالنهاية مالكي وسائل الإنتاج في التحكم ببنية المجتمع وإفرازه لبنيته الفوقية، فمن تقليدية المجتمع الفلسطيني وريفيته ما قبل النكبة إلى النكسة نرى تحولاً كبيراً، بحكم أن القوى المسيطرة على وسائل الإنتاج هزمت من قبل قوة غربية وجردت من ملكيتها فمن يعبأ هذا الفراغ في إعادة إنتاج علاقات إنتاج جديدة، الاحتلال يعمل على تفريغ المجتمع الأصلي وبالتالي هو غير معني باستداخله ضمن معادلة علاقات الإنتاج التي يقيمها داخل مجتمعه، ولكن المجتمع المحتل متأثر بما يدور داخل المجتمع الاحتلالي فنشأ وضع أصبحت علاقات الإنتاج شبه الرأسمالية هي السائدة، ولكن بذات الوقت هذه القوى القديمة – الجديدة لم تنتج طبقة سياسية حاكمة داخل المجتمع، بل أنتجت هذه الطبقة خارج سياق المجتمع نفسه، والسلطة المنتجة بالضرورة تحررت من وجود قيود علاقات الإنتاج التي ستضبط بالضرورة آليات تشكيلها وفقاً لملكية وسائل الإنتاج، وكذلك بالضرورة تحررت إلى حد ما من علاقات الإنتاج في المجتمعات المضيفة لأنها عضوياً غير مرتبطة بها وغير محكومة بملابسات نمط الإنتاج، لهذا تكون قضية التحرر الوطني أنتجت نوعاً جديداً من السلطة المتحررة من علاقات الإنتاج.

عهد تأسيس السلطة الوطنية مع توقيع اتفاقية أوسلو شهد تحويل جزء كبير من قوى منظمة التحرير إلى البنية الفوقية للمجتمع الفلسطيني، ولكن باستمرار تعايش التناقض على اعتبار أن البنية الاقتصادية تابعة لاقتصاد الاحتلال، والسلطة كمؤسسة شبه كيانية لم تحظى بمساحة بناء اقتصاد فلسطيني خاص، بل بنت على ما وجد من بنية اقتصادية تابعة ومحلية. وبالتالي التمثيل الطبيعي لبنية الإنتاج استمر في إنتاج تناقض سياسي، كما أنُتج واقع اقتصادي مشوه بفعل توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية التي أدامت تبعية الاقتصاد الفلسطيني لبنية الاحتلال.
ولكن المفارقة في تهميش البنية الإنتاجية الوطنية الفلسطينية لصالح طبقية اقتصادية – سياسية ارتكزت على المراكز التي حققتها لصالح تحويلها لمنافع مالية ربحية، وراكمت هامش الربح على حساب إغلاق المنشآت الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة التقليدية والحديثة. ويمكن حينها تحديد شريحة طبقية مستفيدة من نمط الإنتاج شبه الرأسمالي المشوه وتوليها زمام الأمور في الكثير من نواحي حياة المجتمع.

والمفارقة الثانية هو هبوط نجم الشريحة الأولى السياسية بالدرجة الأولى، لصالح شريحة رأسمالية مكثفة وبدء توليها زمام الأمور عبر الاستفادة من آليات إنتاج المجتمع بما يخدم مصالحها، وعبر تطوير نمط الإنتاج المشوه من محلي إلى اندماجه مع رأس المال المعولم بما أدى إلى دخول آليات السوق المعقدة، وغير المستساغة داخل المجتمع الفلسطيني، وكذلك استمرار تحويل البنية الإنتاجية إلى أخرى تخضع لنظام الوكالة لكن مع بعد معولم، وتوسيع هوامش الربح عبر الاستفادة من قطاع الخدمات المتضخم بالطبع على حساب الإنتاج الصناعي والزراعي.
المرحلة الأخيرة من عملية تحويل البنية الأساسية للمجتمع الفلسطيني من سياسية – اقتصادية متمحورة حول الصمود والنضال، إلى اقتصادية – مالية متمحورة حول فكرة الربح وتعظيمه أدخلت هذه الشريحة إلى صلب البنية الفوقية بعد أن كانت على هامشها أو ضمن تحالفات ثانوية، وبالتالي لاستمرار الحفاظ على مصالحها قررت الدخول في إعادة تشكيل البنية الفوقية لتعكس فعلاً نمط الإنتاج لأول مرة منذ بداية الستينيات بحيث باتت البنية الفوقية تعكس حقيقةً نمط وعلاقات الإنتاج السائدة.

غير أن السيطرة الاقتصادية وتحويلها إلى مكانة سياسية، ودخول البنية الفوقية بشكل واضح وصريح، لم يستكمل إلا عبر إنتاج معرفي وقيمي بالأساس موجه لخدمة هذه الطبقة، يدور حول فكرة "مجتمع- السوق" وما تعنيه هذه العبارة من تمثيلات على الأرض ترتبط بالاستهلاك بكافة مناحيه على حساب الإنتاج الاقتصادي والاجتماعي والقيمي، وبالتالي شهد المجتمع الفلسطيني إعادة إنتاج لقيمه لتوافق نمط الإنتاج المشوه بحيث سادت قيم الفردية، الاستهلاك، النزوع لعدم المشاركة، السلبية على حساب القيم المعروفة التي ظهرت بأفضل معانيها خلال فترة الانتفاضة الأولى. لذا حين يُقرأ المجتمع الفلسطيني الحديث من زاوية المجتمع – السوق تتضح معالمه بشكل أفضل، ويستشرف مستقبله بشكل أجلى، فالحديث عن التغيير الاجتماعي لبناء نظام اجتماعي عادل سيواجه حينها بمعيقات بنيوية أكثر منها اجتماعية كما كان يوصف سابقاً (مثل العادات والتقاليد)، لذا وبالضرورة التغيير الاجتماعي يتطلب حينها تغيير جزء كبير من البنية الفوقية السائدة باتجاهين؛ الأول إعادة إنتاج قيم المجتمع الفلسطيني المعاصرة المرتكزة على الجماعية، العدالة، المشاركة، التحررية بما يؤطر لبناء حركة اجتماعية قوية، ومن جهة أخرى تفعيل المصادر المحلية بما يخفف الاعتماد على البنى الاقتصادية التابعة والهشة بذات الوقت، بما يمكن من تجاوزها والتخفيف من أثرها الاجتماعي – السياسي.



#فراس_جابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تفكيك الاسلاموية
- التجاذب الثقافي واعادة تشكيل حدود المجتمع المدني
- التنمية الفلسطينية في عصر السوق الحرة
- وحدة الاضداد
- الحجاب الخلفية الاجتماعية لارتداءه
- في الأزمة الداخلية
- وطن ومواطن
- ثقافة نفي الآخر
- في الحراك السياسي
- استطلاعات الرأي علم أم تخمين
- ديمقراطية الرمز والسلاح
- البنية المؤسساتية للهجمة الفكرية
- عن الفلتان الأمني أيضاً
- حول رمزية الخطاب في بلادنا


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - فراس جابر - إنتاج السلطة ونمط الإنتاج