أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حافظ خليل الهيتي - حكاية خرمة














المزيد.....

حكاية خرمة


حافظ خليل الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2496 - 2008 / 12 / 15 - 07:00
المحور: الادب والفن
    



كنا مجموعة صبية في المرحلة الابتدائية نلعب سوية بالقرب من دار امرأة عجوز تدعى (خرمه).. تعيش لوحدها مع بضع معزات يقاسمنها (الخرابة) وهي عبارة عن غرفة عتيقة آيلة للسقوط تفضي إلى باحة مسقوفة بأغصان شجر التوت وجريد النخل ويابس القش.. تعيش معهن وتعتاش عليهن وعلى ما يبعثه لها أهل الحي من بقايا الطعام والخبز ولمعزاتها بقايا الخضار وقشور الفاكهة وما شابه.
صباحا تنطلق برفقة معزاتها إلى أطراف المدينة تجوب الطرقات المؤدية لضفة النهر.. تقتات المعزات على الأحراش والمتدلي من الأغصان وعلى ما تعثر عليه من ورق الشجر المتساقط على الأرض ولا تعود لمأواها حتى تميل الشمس متوارية خلف التلال.. حينذاك تنكص آيبة ومعزاتها .. تدخلهم للباحة وتدلف بنفسها داخل قنها الذي لا يحوي غير فرش عتيق وأغطية باليه.. وصحن من الألمنيوم سحقته الأيام، ووعاء فخار تشرب منه، حقيقة الأمر إنها تعيش في زريبة ليس إلا.
وعند سكون الليل تجلس (خرمه) في غرفتها مع سراج نفطي غالبا ما تتركه دون إشعاله فهي لا تحتاج إليه كثيرا فضعف بصرها أثناء النهار علمها التعامل مع الظلام. اعتدنا نحن الصبية أن نستمع لـ (خرمه) وهي تقص حكاية مع نفسها ونحن نتدافع عند بابها لنعرف أخبار الأمير الذي تحكي عنه وتحكي له وكأنه يقاسمها المكان ونحن نسترق السمع لما تقول وغالبا ما نقطع عليها سمرها حين يدفع احدنا ويصطدم ببابها أو تنطلق قهقهة من احدهم.. وحين ندرك أنها أحست بوجودنا نولي هاربين كل إلى بيته وشبح الأمير يلاحقنا حتى فراش النوم.. لنعود في الليلة التالية ونعاود التصنت لمعرفة أخبار الأمير.
وذات يوم لم تخرج فيه (خرمه) كالمعتاد عند الصباح لتقوم برحلتها اليومية برفقة شركاء العمر. وقد سمعنا نساء الحي يتحدثون عنها ويقولون أنها طريحة فراش المرض ولا تقوى على النهوض لكن هذا الخبر لم يمنعنا من التسلل ليلا والجلوس عند بابها.
كان حديثها هذه الليلة متقطع وخافت يخالطه الأنين.. وهي تتوسل بأميرها أن لا يتركها وحيدة بين جدران القن ويسافر وهي ليس لها احد غيره..
سكون الليل وهدوء الصبية فهم لا يصدرون اصواتا أو قهقهات ككل مرة ولا يتدافعون فقد أصيبوا بالشلل التام وأفواههم كممها ترقب حذر يشوبه القلق.
مما زاد من وحشة الليل لدرجة أن احدنا يسمع أنفاسه و(خرمه) هي الأخرى سكتت عن الكلام.. ليل.. صمت.. وسكون.. حتى انفجر احد الصبية ناحبا بنشيج مزق أستار الليل وبدد سكونه لقد أدرك إن هذه أخر ليلة استمع فيها لحكايات (خرمه) فقد ألجمها الموت وسكتت إلى الأبد فأجهش الصبية بالبكاء.



#حافظ_خليل_الهيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمع والحداد
- تلويحة أخيرة
- الشرارة
- حب من زمن القلعة


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حافظ خليل الهيتي - حكاية خرمة