أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حافظ خليل الهيتي - تلويحة أخيرة














المزيد.....

تلويحة أخيرة


حافظ خليل الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2484 - 2008 / 12 / 3 - 00:08
المحور: الادب والفن
    


عماد شاب عمره يزيد عن العشرين بنيف من السنين.. اشتهر بكنيته (بربر).. نضجه العقلي لم يكتمل بسبب تخلف عقلي منذ الولادة.. فهو نصف عاقل ونصف متعلم.. بل هو طفل بهيأة رجل.
(بربر) يحب أن يثبت ذاته حين يرى أحدا ينظر إليه من أهل حارته يحاول أن يكشف عن ملكته وهو يتبختر مزهوا كأنه طاووس.
تتطاير فوق رأسه نصف الأصلع شعيرات متناثرة، كثافتها على جانبي جمجمته الصغيرة وإذناه الواسعتان كأنهما مزامير هواء.. فهو يشبه إلى حد كبير احد مهرجي السيرك.
يستثار بربر بأبسط الأسباب فان رأى من بعيد احد الرجال المرموقين من أهل مدينته الصغيرة أو احد وجهائها حث الخطى مسرعا لملاقاته وجها لوجه.. فيضرب الأرض برجله بقوة رافعا يده اليمنى إلى جبينه مؤديا تحية عسكرية كأنه جندي في ساحة التدريب.. وبحركة سريعة يحني جذعه راكعا علامة الإجلال والتبجيل محركا عينيه يمينا وشمالا يتصيد ردة الفعل وغالبا ما تكون كلمة مديح وهذا مبتغاه.
الجميع كان يحبه على الرغم من ملامحه الباهتة وافتقاره للوسامة.
كانت تستهويه بشكل خاص حفلات الزفاف ما إن يطرق سمعه ما يدل على وجود هكذا حفل إلا وكان على رأس الحضور منتصبا أمام الحشد يقفز قفزات غير منتظمة ويداه باتجاه السماء ضانا نفسه أفضل الراقصين فتعلو أصوات الترحيب التي لا تخلو من استخفاف بين صرخات الصبية وتصفيق الشباب وزغاريد النسوة، وهو نشوان.. يرافق المسيرة التي حولها حضوره إلى كرنفال فرح غامر يمتزج مع قهقهات المشاركين حتى يصل الموكب دار العريس يتفرق الجميع ومعهم بربر وقد أصاب قطعة حلوى أو شيئا من الطعام.
كان حريصا على دس انفه في كل شاردة وواردة وأهل مدينته لا ينكرون عليه ذلك فقد ألفه الجميع. كان الحقد لا يعرف الطريق إلى قلبه الصغير رغم سرعة اهتياجه حين يستفزه الصبية بكلمات لا يرغب بسماعها لكنه سرعان ما يعود إلى بشاشته بعد سماعه كلمة مديح من احد يسترضيه فيعود متبخترا مكررا رفع يمناه إلى أعلى ليري الحاضرين انه يحمل ساعة (تضبط وقته المترهل بين التسكع والأكل والنوم إلى أن يعييه التعب).. ثم يرفع رأسه إلى أعلى يصلح من شأن ياقة ثوبه باليد الأخرى.
كان عند تقلب أوضاعه من الفرح إلى الهياج لم يلحظ على ملامحه تبدل يذكر وهو سريع التقلب بين الحالتين وفي كلتيهما يسعد الناس عند لقائه .
ذات يوم عند الغروب وهو في طريق عودته إلى حيث يسكن أهله في الحارة القديمة وهو مشغول بعبور إحدى سواقي الصرف الصحي التي اعترضت طريقه ليلج الزقاق إلى بيته فاجأه مشهد لم يألفه من قبل .. أفراد من عساكر الاحتلال يطوقون الحارة مدججين بأسلحة غريبة تعلوهم شقرة لم يستحسنها فهي لا تؤلف.. ضاقت عندها مساحة مداركه عن استيعاب أمرهم وتملكه الخوف والارتياب وبدأت فرائصه ترتجف.. لحظة! صاح بعدها احدهم طالبا منه أن يقف ويديه إلى أعلى.. وإذا به ريشة في مهب الريح حيث أطلق العنان لساقيه وهو يهرب جارا أدراجه إلى الجهة التي جاء منها.. كرر العسكري أمره بلغة لا يفهمها بربر زادت من رعبه وهو يسابق ضله حيث الأفق فانفتحت نافذة من الجحيم.. أمطره الجنود بوابل من رصاص بنادقهم فتهاوى إلى الأرض وقد تناثرت شظايا رأسه الصغير وهو لا يعرف ما الذي جرى وما جنى.. فتسابق الناس صغارهم والكبار تمتزج دموعهم بأهازيجهم وهم يهتفون بالموت للمحتل .. تلاقف الجمع جسد عماد ورفعوه فوق هاماتهم معلنين بدء كرنفال عرسه وزفافه إلى عليين.



#حافظ_خليل_الهيتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرارة
- حب من زمن القلعة


المزيد.....




- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حافظ خليل الهيتي - تلويحة أخيرة