أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حافظ خليل الهيتي - القمع والحداد















المزيد.....

القمع والحداد


حافظ خليل الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2490 - 2008 / 12 / 9 - 06:38
المحور: الادب والفن
    



يحمل ورقا وقلما, يطوف على الحاضرين طالبا تدوين أسمائهم مع الإمضاء أمامها.. همست :
ـــ من هذا المكنى ( أبو سيف ) الذي جمع للتو أسماء الحضور ؟
ـــ شخص يحب أن يبدو بمظهر المسؤول , أو الرجل المهم , ويطمح أن يكون وجيها !هكذا أجاب نسيم صديقي الذي يجاورني المقعد .
ـــ هل هو فقيه ؟ أراه يأمر بعض رجال الدين ويكلفهم بواجبات !
ـــ ليس بالفقيه , إنما هو ابن سوق وصاحب علوه لتسويق المحاصيل ولاسيما التمور .
ـــ ما علاقته بانتخابات المجلس المحلي ؟
ـــ هكذا هو.. تجده في كل شأن حبا بالظهور ! علما أنه ليس من أهل المدينة العريقين ولقبه يدل على المدينة التي ينسب لها.
ـــ ما باله يا نسيم لو كان من حفدة العوائل المعروفة بالفضل والقِدم ؟
ـــ لافرق عنده البتة .. المهم لديه أن يعرف كيف يتسلق إلى كل ناصية من شأنها رفع مكانته كما يعتقد, ويدس أنفه في كل أمر من أمور المدينة التي كثر بل وساد فيها الغرباء !!
انتهى أبو سيف من عمله بعد أن دوّن آخر الحاضرين اسمه وإمضاءه.. توجه إلى الجوقة التي تسمي نفسها (وجهاء البلد) ! انحنى قليلا وتمتم بصوت خفيض كلمات غير مسموعة وكأنه يحتاط لأمر ٍ ما أو انه غير راض لوجود أشخاص حضروا بدون دعوة, وهو يعدهم من العلمانيين الكفرة !!.. هؤلاء بنظره لايحق لهم المشاركة بالاقتراع .. وهو يريد أن تجرى الانتخابات بالدعوة السرية لا بالإعلان, شأنها شأن المقاولات التي يسيطرون عليها.. هذه هي ديمقراطية المقنعين !. استدار إلى جهة اليمين مقطبا حاجبيه .. وقد غادرت وجهه تلك الابتسامة الصفراء , وعيناه تلمعان بشكل يدل على مدى الخبث الذي يحمله هذا الرجل قصير القامة المتطاول !!
يتظاهر بحركات تمثيلية وهو يهمس لهذا وذاك من زمرة الوجهاء المزعومين ! , ليوحي للحاضرين بأنه قد أملى جملة من الأوامر التي تُعتمد ولا تُرد ! ..
رفع بيمينه طرف كوفيته البيضاء محولا اتجاه تدليها إلى جهة اليسار مارة من فوق عقاله الذي من ينظر إليه يشعر انه مثبت بمادة لاصقة خشية سقوطه لأنه وضع بغير مكانه الصحيح ! وبعد كل تلك الحركات المفتعلة ارتسمت على محياه ابتسامة باهتة يخالطها زهو غامر وهو يسحب بيسراه دشداشته البيضاء إلى الأعلى قليلا , استدار بعدها جالسا على المقعد الذي يتوسط شلة المدّعين !
أومأ برأسه إلى أحدهم بشيء من التعالي , سرعان ما استجاب له الأخير رافعا لاقطة مكبر الصوت.. نقر بإصبعه على مقدمتها وبدأ بإلقاء التحية على الحاضرين الغيارى الذين دفعهم الحرص على مدينتهم للحضور! .. وهذا الأخير كثيرا ما يتبجح بأنه من الساسة المخضرمين , يملك خبرة سنين من ( النضال !!! ) إلى جانب تردده على دواوين المشايخ ومكاتب المقاولين , عارضا بضاعته الكاسدة من أخبار الفضائيات المأجورة وتحليلات الساسة المزيفين ! وبعد توجيه التحية استرسل يحشر ما يحلو له بجماجم الموجودين .
أبو سيف مشغول بعد قصاصات ورق صغيرة تساوي عدد الموقعين.. وبطريقة استعراضية نهض متوجها إلى اللوح المعلق على الجدار المقابل لمدخل القاعة, هذه القاعة المخصصة أصلا لمجالس العزاء التي كثرت في ضل الملثمين.. بدأ بتثبيت أسماء المرشحين لعضوية المجلس المنتظر .. ما إن انتهى حتى قفل راجعا إلى المنضدة المقابلة للوجهاء الأفذاذ !! .. رفع اللاقطة بعد أن انتهى سياسينا المزعوم من إفراغ جعبته الخاوية أصلا إلا من مجموعة عبارات منتقاة لبعض المشاهير .. حمحم لشد الانتباه ثم أعلن أن باب الترشيح مفتوح للراغبين , زامن ذلك تقدم اثنين ممن يحملون مسدسات بأغمدة تتدلى من أكتافهم وبأيديهم قصاصات الورق هموا بتوزيعها على الحاضرين ملوحين لمن تسول له نفسه الاعتراض أو المنافسة ! وهم على ثقة تامة بأن الطبشور الذي سيدون الأصوات على اللوح المبارك يعرف مسبقا أن من دوّن اسمه أبو سيف هو فائز لا محالة .
جميع الحضور قد فهموا الرسالة ولاذوا بالصمت رفيقهم المزمن !!
على حين غرة نهض ( نسيم ) معلنا تمرده على كل الاستعراضات والرسائل المبطنة .. وأعلن عن ترشيح نفسه .. نسيم شاب ممتلئ البدن مفتول العضل قوي البنية عالي الهمة.. كيف لا وهو حداد المدينة الذي يَلين له الحديد وهو يصنع معاول ومعازق الفلاحين القادمين من الضواحي , ومطارق وفؤوس البنائين من أهل المدينة , وكل من في القاعة يعرف صفات هذا الصنديد الذي لايتوانى عن تقديم المساعدة لطالبها حتى وان عرّضته تلك المساعدة للخطر . من ابرز خدماته إصلاحه لتشققات الجسر الحديدي الوحيد في المدينة كلما تطلب الأمر ذلك بمبادرة شخصية منه دون مقابل .
ذاب جليد الصمت في القاعة وعلت تمتمات وهمهمات الحضور بين مستنكر وهم الغالبية, ومؤيد أسعدته المبادرة التي لا يجرؤ أحدهم على اتخاذها ..
أبو سيف يتمتم بكلمات لم يسمعها أحد لكنها مفهومة للجميع من أن هذا المتمرد قد أزعجه .
اشرأبت الأعناق إلى اللوح المبارك , أحد المسلحين يدون أصوات المقترعين أمام الأسماء المرشحة .. أبو سيف يتبختر أمام الحضور حاجبا بعض الأحيان اللوح عن عيونهم ! فهو ليس بحاجة للنظر إليه لأنه مطمئن من نتيجة الاقتراع.. توزعت الأصوات عند الفرز بنسب متقاربة بين المرشحين باستثناء اسم حدادنا البطل الذي يحضى بصوت واحد بعد دفعة للآخرين.
بلغت الأصوات لأعلى المرشحين قرابة المائة ثم الأدنى فالأدنى دون فرق كبير إلا اسم نسيم فقد حصل على عشرة أصوات من بينها صوته وصوتي وثمانية أصوات جاءت من اللذين ينعتهم أبو سيف بالعلمانيين الكفرة !!
مرت بضعة أشهر على تشكيل المجلس المرتجى .. نسيم لازال بعمله يطوع الحديد لإرادته.. وذات يوم تناقل الناس أمر فتوى صادرة عن ( الشيخ) أبو سيف فرض بموجبها غرامة كبيرة مع مصادرة ســـلاح العائلة التي أطلقت النار باتجاه منزل احد أفراد حاشيته , المتــهم بخطف وقتل ( طه ) الذي كان يكثر من الإعلان عن معارضته لنهجهم الذي أسموه بالمقاومة ...ثم توالت الفتاوى وتتابعت المصائب .. قتل ثلاثة شبان بدعوى احتسائهم الخمر.. قتل رحيم بحجة انتسابه للشرطة السرية .. قتل اثنا عشر سائقا لنقل البضائع وأشاعوا عنهم بأنهم ينقلون بضائع للمحتل.. القائمة تطول وأهل المدينة ينكبون كل يوم ومجلسهم الموقر ينعم بأموال المقاولات الوهمية بعذر إنهم يمولون المقاومة لطرد المحتل.. وتستمر عجلة الموت تدور.. تقطع جميع الطرق العامة وتنهب البضائع ... شلت الحياة تحت زيف الشعارات.. والشباب يتساقطون .. وعِقد الشهداء ينتظم ويطول ... نبراس قتل بحضن أمه في وضح النهار.. فاتح .. عامر .. ماجد.. مؤيد.. طال أمد طغيانهم.. حتى باتوا هم الموت ليس غير الموت.
بعد كل ذلك السلب والنهب يتسلمون ما تسمى بالمساعدات الإنسانية القادمة من دول الجوار فهي بالأساس مرسلة لهم بموجب تنسيق مسبق.. يباع ما غلى ثمنه .. ويوزع الفتات على العوائل التي تؤازرهم أو احد أبنائها يعمل لحسابهم .. كذلك للذين يوفرون المأوى للغرباء الوافدين من خلف الحدود .
استشرى الفساد وانتشر الوباء لدرجة لم يعد يطمئن المرء على نفسه , حتى القابع في بيته والذي لا يغادر المنزل إلا لضرورة قاهرة كالتي اضطرتني للخروج .. وما أن بلغت السوق القديم حتى تعالت أصوات اطلاقات نارية كثيفة رافقها اضطراب حركة المارة وسارع أصحاب المحال إلى غلق أبواب محالهم خشية البلاء القادم .. شاب اقفل راجعا وهو شاحب الوجه شديد الارتباك وقد تعالت ألأصوات.. مع صراخ وعويل طفل.. صرخ احدهم سائلا :
ـــ ما لذي حصل وما تلك الاطلاقات ؟
ـــ مجموعة من المسلحين ترجلوا من سيارات ( اوبل ) كانت تقلهم شاهرين أسلحتهم على الناس .. واثنان منهم توجهوا إلى محل حدادة وأمطروا صاحبه بوابل من الرصاص واردوه قتيلا أمام ولده الصغير ...
حينها أدركت أن ( نسيما ) قد لحق بمن سبقه في اعتلاء ناصية المجد ليكون جوهرة في عِقد الشهداء الذي يطوق جيد العراق .



#حافظ_خليل_الهيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلويحة أخيرة
- الشرارة
- حب من زمن القلعة


المزيد.....




- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حافظ خليل الهيتي - القمع والحداد