أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمير ماركوس - نوادر وملاحظات من واقع التجربة الإماراتية















المزيد.....

نوادر وملاحظات من واقع التجربة الإماراتية


أمير ماركوس

الحوار المتمدن-العدد: 2495 - 2008 / 12 / 14 - 06:50
المحور: كتابات ساخرة
    


تذكرت دورة تدريبية إلتحقت بها في القاهرة في بداية حياتي العملية في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وكان المُحاضر الأكاديمي يتحدث عن الأسلوب والروح الإيجابية التي يجب أن يتميز بها أداء الموظف، وذكر المُحاضر لنا أمثلة من واقع ما يسمى بـ(التأشيرات) التي يضعها الموظفون والمديرون على المراسلات الرسمية، وذكر من بين أشياء أخرى أن الموظف إذا كتب لرئيسه بما معناه (رجاء الإفادة بما يتبع) أو (رجاء الأمر باللازم) كان أداؤه مُعبِّراً عن سلبية مرفوضة، والسليم أن تكون الصياغة على شكل (أرى إتخاذ إجراء كذا .. وكذا .. رجاء الموافقة)، على أساس أنه من المفترض أن الموظف مُلم تماماً بكافة نواحي مهامه الوظيفية، لكن "سلطة" القرار قد لا تتوافر له حسب تسلسل الهيكل التنظيمي، وعليه أن يلجأ إلى رئيسه فقط لإصدار القرار بعد أن يكون الموظف قد إقترح الإجراء السليم بناءً على درايته بجوانب ومهام عمله..

لكنني وجدت الأمر خلاف ذلك تماماً بعد مرور أكثر من (25) سنة على ذلك، عندما كنت أشغل وظيفة إدارية مرموقة في كبرى المؤسسات التعليمية الحكومية الإتحادية في دولة الإمارات في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وكان على رأس هذه المؤسسة كرئيس أعلى لها أحد الشيوخ المقربين من الحاكم، ولمن لا يعرف المجتمع الخليجي نُنوه بأن لقب (شيخ) يُطلق على من ينتمي إلى الأسرة المالكة الحاكمة، وينتهي إسمه الكريم بلقب الأسرة، وليس للقب (الشيخ) أية علاقة بكونه داعية أو بأنه أزهري المؤهل أو ما شابه ذلك، ويُشار إلى "الشيخ" عند الحديث عنه بعبارة "طويل العمر"، ويُخاطب بـ"طال عمرك"، وغالباً لا يجرؤ العامة من الشعب على ذكر إسمه بل يشيرون إليه في حواراتهم معاً بلقبه فقط، وربما يُلحق اللقب بعبارة (الله يحفظه)، وعلمت وقتها من إتصالاتي بعدد من الجامعات العالمية أن بعضا من تلك الجامعات العالمية ذات الأسماء المعروفة، رغبة منها في الحصول على المال الوفير، تُصمم برامج تدريبية خاصة تمتد لشهور قلائل لأنجال هؤلاء الحكام والشيوخ، فيما يسمى دورة دراسية دون أن تمنحه الجامعة درجة أكاديمية (non degree course) بحيث يمكن لمن حضر دورة دراسية من هذا النوع، أن يُطلق على نفسه خريج أكسفورد أو سانت هيرست وخلافه دون أن يكون كاذباً، فهناك صور تنشر في وسائل الإعلام لحفلات التخرج وإستلام تلك الشهادات على مرأى من الجميع، ولعل ذلك يعبر عن مدى دراسة الأجانب الغربيين لنفسيات شعوبنا المقهورة.


وكنا نرى التأشيرات أو المراسلات الداخلية الموجهة إلى الشيخ من قبل كبار الموظفين الإداريين تُذيل بعبارات من نوع (رجاء التفضل بالإطلاع والتكرم بإصدار توجيهات سموكم) أو (نأمل أن تغمرونا بعطف سموكم وأن نتسلم توجيهاتكم السامية).. دون أن يقترح الموظف الكبير ما يرى أنه مناسب في هذا المجال.

ومن العجائب التي أدهشتني وأدهشت غيري وقتها أن (الشيخ) لا يجوز أن "يكتب" تأشيرة، فهذه الكتابة لا تليق بمقام الشيوخ، ولكنه يُوقع فقط، لذلك فقد كان شيخنا يستخدم سكرتيراً شاباً من جنسية عربية غير خليجية، وقام هذا السكرتير بتصميم نموذج نمطي على الكومبيوتر، مُسجل فيه العبارة الآتية (تفضل سمو الشيخ فأمر بما يلي: .........)، وكان الشيخ يستدعيه بالصياح فيهرول إلى داخل المكتب، ليقف أمامه مرتعشاً، ويقول له أكتب إلى إدارة كذا وقل لهم كذا .. ويقوم السكرتير بصياغة الأوامر التي سمعها شفاهة وطباعة النموذج ويدخل به إلى مكتب الشيخ ليُوقّع له عليه، غالباً دون قراءة ما كتبه السكرتير، وكانت الجهات الفرعية تعاني من عدم دقة السكرتير في نقل ما قاله الشيخ، وكثيراً ما حدثت مشاكل إدارية بسبب ذلك، وقيل لنا وقتها أنه لا يمكن إستبدال هذا السكرتير بمن هو أكثر منه حرفية، نظراً لأن هناك من البدو من يحضر لمقابلة الشيخ لأمر يتعلق بأبنائهم وإذا حاول السكرتير منعهم من الدخول بحجة عدم وجود موعد مُسبق، تلقى منهم الضرب بالعصى الخيزران التي يحملونها في أيديهم.. بمعنى أنه ليس من السهل أن يقبل شخص أكثر خبرة أن يشغل هذه الوظيفة.

وأتذكر إجتماعاً إدارياً بمستشفى العين بحضور مدير منطقة العين الطبية وقتها (الذي كان من الجنسيات الآسيوية)، وإقتحم الإجتماع أحد هؤلاء البدو، وفي يده ورقة ومعه العصى الخيزران، وهو يصيح (وين .."فلان" ... الكلب؟)، وكان مطلوباً لهذا البدوي إجراء أشعة معينة قالوا له في إدارة المستشفى أن هذه الأشعة لا يمكن إجراؤها إلا بموافقة خاصة من مدير المنطقة الطبية، وقالوا له أن المدير في إجتماع حالياً، وإندفع هذا البدوي يبحث عن المدير ليوقع له على نموذج إجراء الأشعة، دون أي إعتبار لوجود المدير في إجتماع، ويبتسم ذلك المدير أمام المجتمعين ويرضخ للتوقيع متجاهلا السباب العلني فإن أكل العيش مُر كما يقولون، وسمعنا أيامها أن هذا المدير كان يتمتع بموهبة هائلة في التعامل مع مواطني العين، وكنا نسمع أنه في بداية خدمته كطبيب بالعين في أوائل الستينيات كان يعالج البدو وبعيرهم معاً!!!، ووصل به الأمر، أو لعلها موهبة العلاقات العامة لديه، إلى تقبيل أرجل الأطفال الذين تحملهم أمهاتهم المواطنات إذا قابل من يعرفهم منهم أثناء تجواله بمستشفى العين.

ولإيضاح الكيفية التي يتعامل بها عامة الشعب مع ما يصدر عن الشيخ من تعليمات، تحضرني قصة واقعية أخرى، فقد تصادف أن أحد كبار الأكاديميين من الجنسية البريطانية قد إستُدعي لمقابلة الشيخ، وكان يرتدي رقبة بلاستيكية بسبب تعرضه لحادث سيارة في اليوم السابق، نظر الشيخ إلى أحد المختصين من بين الحاشية التي تحيط به وتجلس حوله طوال مدة وجوده بمكتبه، (فهو لا يجلس منفرداً أبداً)، وقال يا فلان أعطوه سيارة حكومية، علماً بأن وظيفته لم تكن تؤهله للحصول على سيارة حكومية حيث كان يتقاضى بدل سيارة حسب اللائحة، وبديهي أن الشيخ كان يقصد تسهيل مهمته لأيام قليلة حتى يتماثل للشفاء، لكن القاريء العزيز سيفاجأ عندما نخبره بأن هذه السيارة الحكومية بسائقها إستمرت في مرافقة هذا المسؤول في عمله يومياً لمدة خمس سنوات كاملة دون أن يجرؤ أي من كبار الموظفين الآخرين على سحبها أو مراجعة الشيخ في هذا الأمر، إلى أن إنتهت خدمة هذا الأكاديمي البريطاني، كما لم يوقف صرف بدل سيارته طوال هذه المدة.

ومن الطرائف أيضاً أننا فوجئنا في أحد السنوات في أوائل التسعينيات بحلول شهر رمضان قبل الموعد المتوقع له بيوم، وإستمر العمل في هذا اليوم إلى الظهر دون أن يعلم أحد بمواعيد العمل الرسمي (يشار إليها خليجياً بمواعيد "الدوام")، حيث كان كبار المسؤولين يبحثون عن الشيخ وكان هاتفه النقال مغلقاً لسبب ما، للإستئذان منه قبل توجيه تعليمات (يطلق عليها "تعميم") بما يفيد بمواعيد الدوام الرسمي في رمضان، وتساءل بعض الموظفين السذج من جنسيات غير خليجية (ما هو الداعي للإستئذان في موضوع روتيني بحت كهذا، هل يملك الشيخ أن يقرر أن اليوم ليس رمضان، أو هل يعترض الشيخ لو قرر أحد كبار المسؤولين أن تكون مواعيد الدوام مماثلة لرمضان السابق في العام الماضي؟) .. وتعبِّر هذه التساؤلات المنطقية المباشرة عن عدم دراية بتكوين المجتمع الخليجي، فكبار المسؤولين الإداريين وجميعهم من مواطني الدولة يعلمون تماماً أن من السهل الوشاية بأي منهم لدى الشيخ، ومن السهل أن يهمس له أحدهم بقوله أن فلانا (الذي أصدر القرار) لا يحترم سموكم، فما هو مبرر عدم الإنتظار حتى يتيسر الإستئذان من سموكم، والكل يعلم مدى إتساع مجال مشاغلكم؟، وفي هذه الحالة يصبح هذا المسؤول وراء الشمس كما يقولون، ولا ينفعه أحد في هذا الموقف، بل يكون حكم الموت المعنوي والأدبي قد صدر عليه إلى الأبد، وهناك حالات عديدة لمواطنين شرفاء تعرضوا لأحكام مماثلة بسبب حرصهم على الصالح العالم ، بدلا من الإفراط في مجاملة حكامهم إلى هذه الدرجة.

ويذكر من عاش مؤخراًً بالإمارات حفلات إفتتاح مؤسسات تجارية مُقامة تحت رعاية الشيخة فلانه بنت الحاكم، ويتطلع المرء إلى صور الإحتفال المنشورة بالصحف فيجد الشيخة المذكورة طفلة في سنواتها الأولى، تتبعها الشغالة الفيليبينية في تجوالها، وقد حدث في التسعينات أن كان إبن حاكم المنطقة الشرقية (وهو "شيخ" بطبيعة الحال) يدرس بإحدى الكليات الجامعية بالعين، وكان هذا الطالب في نفس الوقت يشغل منصب رئيس إتحاد الرماية بالدولة، وقد أرسل الإتحاد المذكور دعوة لعميد نفس الكلية، ضمن الدعاوى المُوجهة إلى كبار الشخصيات، لحضور حفل إفتتاح مضمار جديد للرماية، وإعتذر العميد عن الحضور موجها رسالة إعتذار إلى رئيس الإتحاد، الذي هو طالب لديه في نفس كليته مخاطباً إياه بقوله "سمو الشيخ"!! ، وتكرر موقف مماثل عندما نظمت نفس الكلية مؤتمراً عالمياً تحضره كبار الشخصيات المتخصصة في أحد المجالات الطبية، وأقيم المؤتمر تحت رعاية حاكم العين، لكن الحاكم أناب إبنه الطالب في نفس الكلية لحضور حفل الإفتتاح نيابة عنه، وأثناء إنتظار الجمع في الموعد المحدد لبدء الإحتفال إتصل الشيخ الشاب هاتفياً بالعميد يخبره بأنه سيتأخر قليلا عن الموعد لمشاغل طارئة، طالباً منه أو بمعى أدق آمراً له بالإنتظار لحين وصوله، وواضح أن ذلك كان من قبيل إستعراض العضلات والتلذذ بأن كبار الشخصيات العالمية ينتظرون تشريف ممثل الحاكم!!..

وللحديث بقية ...



#أمير_ماركوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردودنا على تعليقات القراء على مقالينا عن الإستثمار العقاري ف ...
- الحكومة الإلكترونية .. دعابة كبرى في عالمنا العربي
- تعليق على هامش أزمة الإستثمار العقاري في دبي


المزيد.....




- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمير ماركوس - نوادر وملاحظات من واقع التجربة الإماراتية