أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - الجار قبل الدار















المزيد.....

الجار قبل الدار


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 2494 - 2008 / 12 / 13 - 05:52
المحور: الادب والفن
    


بعد انتظارٍ دام ستة عشر عاماً, حصل على شقة من جمعية السكن السريع! وطلّق بالثلاثة تنقّلاته من بيت لآخر بالإيجار.. معتقداً أنه تخلّص وإلى الأبد من جور المالكين ومنغّصاتهم.
إلاّ أن الفرحة لم تكتمل معه يا حسرة! فقد شاءت الأقدار أن تكون شقته فوق شقة أحقر إنسان في العالم.. كما كان يردد دائماً إلى كل من يأتي لزيارته في شقته الجديدة..
مرات عديدة كاد أن يفقد السيطرة على أعصابه ويزمع النزول إلى جاره ليربّي به أهل الحيّ.. ولكن زوجته الصبورة والتي يلقّبها ببطلة التحمّل والجلد (أيّوبة).. كانت تمنعه من ذلك. فينزوي جانباً ويدمدم: "بس لو لم يكن خاله ضابط كبير في المخابرات.. لكان لي كلاماً آخر مع هذا المراهق المأفون الأزعر.. العمى بعيونه العمى والله رح يخلّيني أطلع من ثيابي؛ زملاؤه لا ينادونه إلاّ بواسطة الصفير.. ومع ذلك تحمّلناه..! أغلب أوقاته يتبختر عارياً إلاّ من الشورت مستعرضاً فتوّته أمام الجيران.. قلنا ولد, ويمكننا غضّ النظر عنه واعتباره غير موجود.. أما أن يرفع صوت المسجلة على آخر عيار يومياً, ويجبرنا على سماع ما يحلو له من أغاني وموسيقى تقشعرّ لها الأبدان والأعصاب..! فهذا مالا يمكن تحمّله على الإطلاق! ويجب أن نضع حداً له.."
في إحدى الأمسيات كان يجلس وزوجته على الشرفة. هو يمسك صحيفة, وهي تطوي الثياب التي لمّتها عن حبل الغسيل لتوّها.. وبين الفينة والأخرى, يتجاذبان أطراف الحديث بغاية المتعة, عن القمر والمريخ وتوقعاتهما بوصول الإنسان إلى الكواكب البعيدة بفضل التقدم العلمي المتسارع.. فهذا النوع من الأحاديث, مسموح به ولا عقاب عليه من قبل أية جهة في الكون! فجأةً, وكالرعد! هدرت المسجلة بصوت أحد الأشخاص الذين سُمّيوا زوراً وبهتاناً بالمطربين..! نقز صاحبنا في مكانه وحوقل لاعناً الساعة التي سكن فيها بهذه الجمعية..
التفت إلى زوجته والشرر يتطاير من عينيه غضباً وقال لها:
- إلى متى سنظلّ نحتمل هذا الأحمق؟! والله وبكسر الهاء صرت أحسد الطرشان.. صرت أشتهي انقطاع الكهرباء لأرتاح...! ما هذا الوضع ياه؟!
(ابتسمت دون أن تنظر إليه, وتابعت انهماكها بمهمتها النصف أسبوعية)
- (تنهّد وبدأ بقضم أظافره) أفكّر بزيارة أهله وشرح معاناتنا لهم...! من غير المعقول الانتظار أكثر من ذلك! هل نبقى مكتوفي الأيدي إلى أن يصبح ابنهم رجلاً ويتزوج ويستقلّ بالسكن عنهم (مستدركاً) ثم أن لديه أخوة أصغر منه, ومن الطبيعي أن يحذوا حذوه ويقلّدونه بزعرنته.. لا حول ولا قوة إلاّ بالله.. متى يأخذونه إلى العسكرية ونرتاح من سماه؟!
- (لم يبق سوى بضع قمصان داخلية بين يديها.. طوتها بترتيب وعناية, وقامت حاملةً أكوام الثياب المطوية لوضعها في الخزانة.. وقالت له وهي بطريقها إلى غرفة النوم): على سيرة العسكرية.. هل سمعت آخر خبر عن عمّه؟!
(آخر ثلاث كلمات وصلت إلى مسمعه ضعيفة.. بسبب ابتعادها عنه. فلحق بها ليستمع بوضوح أكبر)
- لا والله ... خير؟!
- عمّه كما تعلم, لواء في الجيش, وقد سلّموه قيادة الفيلق الثاني عشر!
- (بذهول ودهشة) العمى؟! كمان!؟ يا عين... كمْلت والله.. خاله ضابط كبير في المخابرات.. وعمّه قائد فيلق؟!
- (بعتاب ساخر وهي باسمة) لكي تعرف أن العلقة مع هؤلاء الجماعة ليست سهلة!
- (زفر ساهماً محاولاً تهدئة انفعاله) منذ مدة وأنا أفكّر بطريقة لحلّ هذه المشكلة, وأعتقد أنها ستكون مجدية تماماً... فهذا الأزعر يلتقي يومياً مع عشيقته على الدرج المؤدّي إلى السطح.. وسوف أضبطهما معاً. وأنقل إليك الوقائع غداً.
عصر اليوم التالي, حمل كتاباً وكرسياً وصعد الدرج باتجاه السطح لممارسة هوايته في المطالعة. وقبل وصوله البسطة الأخيرة التي تفصله عن السطح بعشر درجات, سمع همهمة وحشرجة أيقظت حواسه جميعها دفعةً واحدة..! وكصيادٍ ماهرٍ حاذق.. تحفّز مصوباً عينيه إلى الدرجات الأخيرة. وحثّ خطاه مسرعاً متجاوزاً البسطة ليصل إلى مصدر هذه الأصوات المثيرة.. وإذ بالشاب المراهق وحبيبته ينتصبان واقفين! ويبتعدان عن بعضهما قليلاً. مفسحين له المجال للمرور بينهما..! إلاّ أنه توقف مبتسماً وبادرهما بالتحية:
- مساء الخير أيها الحبيبان الجميلان! يا سلام...! كم أنتما تليقان ببعضكما.. ذكّرتماني بأيام الشباب.. (متنهداً) أيــه.. نصيحة منّي لكما (غامزاً بإحدى عينيه) استمتعا بهذه الحياة قدر المستطاع, فالشباب عمره قصير.. طبعاً أنا آسف لأنني قطعْت عليكما هذه الخلوة.. ولكن الجو حارّ في المنزل, وأردت القراءة على السطح... (ملتفتاً صوب المراهق) بالمناسبة حبيبي! سأغتنم هذه الفرصة وأشكوك لهذه الحلوة.. (ملتفتاً إلى الصبية) صدّقيني يا آنسة! بقدر ما أتفاءل لدى رؤيتي لكما.. بقدر ما أُصاب بالتشاؤم والمرارة لدى سماعي صوت مسجلة رفيقك هذا... تصوّري! إنني أعاني يومياً – ليس وحدي طبعاً, بل جميع الجيران – من صوت مسجلته.. يجبرنا على سماع جحيم الأغاني الهابطة (ملتفتاًُ نحو المراهق) نحن جيران يا حبيبي! ويجب أن نحترم ونقدّر أوقات الراحة. ونعمل جاهدين لتوفير الأجواء المريحة لبعضنا البعض ما أمكننا ذلك.. (مدّ يده وعبث بشعر المراهق بحركة ودودة) أهنّئك على شعرك الجميل, كما أهنئك يا آنسة على اختيارك الموفق لهذا الشاب, الذي أعتبره شخصياً من خيرة شباب الحيّ ومن أجملهم. بل أستطيع الجزم وبثقة مطلقة بأنه ملك جمال المنطقة بلا منازع, وأشطرهم.. بدليل أنه اختاركِ من بين جميع فتيات المحافظة..
نظرت الصبية إلى فتاها بعتاب والسعادة تطلّ من عينيها ثم أطرقت مبتسمةً, وقد استقرّ على وجهها تعبير من الحياء والرضا بسبب الإطراء والمديح.. وسارع المراهق بالردّ قائلاً: شكراً عمّو.. الذي تريده يصير..!
- (بفرح وسعادة وهو يربّت على كتفه) أصلاً هذا رأيي فيك من زمان يا حبيبي! أتمنى لكم أوقاتاً حلوة.. يعطيكم العافية..!
وتابع صعوده إلى السطح منتشياً, ظانّاً بأنه قد وجّه الضربةً القاضية لمشكلته التي عانى منها طويلاً..
مكث حوالي الساعة على السطح, لم يستطع خلالها قراءة حرف واحد من الكتاب الذي اصطحبه معه وهو يفكر (هل من المعقول أن أكون قد لمست العصا السحرية وحققت المرتجى؟!)

في اليوم التالي, كان الجو هادئاً لا تشوبه شائبة. ولأول مرة منذ زمنٍ بعيد يسمع زقزقة عصافير الدوري.. راحت خواطره تنساب, أحسّ بروعة الحياة وهناءتها. وشرع يدندن لحناً فيروزياً تعبيراً عن حالة الانشراح التي يعيشها. حتى أنه فكّر بتقديم هدية لجاره تقديراً منه على حسن تصرفه ومراعاته لآداب الجوار..
فجأةً وعند أول الليل, صرخت آلة التسجيل ولعلع صوتها شاقاً عنان الوجائب مخترقاً السكون.. كمدمنٍ قرر الإقلاع عن عادته وصبر يوماً كاملاً! ثم فجأةً عدل عن قراره وأراد التعويض عما فاته من جرعات..! عندها أفاق صاحبنا من خواطره مقهوراً ونطح الجدار برأسه عدة نطحات.. وتدافعت إلى مخيلته صور قاتمة من حياته... تذكّر ضابط المخابرات والاعتقالات..! قائد الفيلق وحروب التحرير المنسية..! عجزه عن تغيير مسكنه..! رغبته الزائفة بالحديث عن المجرّات والعوالم الأخرى..!
ضرب الجدار ثانيةً, ولكن هذه المرة بقبضة يده. وقرر من الآن فصاعداً, الإكثار من شراء بطاقات اليانصيب والتنزه كل يوم على شاطئ البحر لساعات طويلة.. ثم استرخى على كرسيّ وبدأ يدندن مع اللحن المنبعث من مسجلة جاره: بوس الواوا...



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوبر ديلوكس
- القتل الرحيم
- الاحتفال الطبقي
- عزة نفس
- بعض أسرار الحرب السادسة
- القدر
- ما أحوجنا إليها
- قانا
- بين نارَين
- .com نفاق www.
- لقاء لم ينشر مع الفنان التشكيلي الراحل : فاتح المدرّس
- من مذكّرات شبّيح
- أرجوكم.. قبل أن أموت
- التذكرة
- من غير وداع
- دور الفساد في تحوّل الفراشة إلى.. جراد
- فتاوى
- الحبّ والسياسة
- العين الزجاجيّة
- بيان ختامي لقمّة عربية


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - الجار قبل الدار