أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أحمد دركوشي - آفات العقل العربي















المزيد.....

آفات العقل العربي


محمد أحمد دركوشي

الحوار المتمدن-العدد: 2487 - 2008 / 12 / 6 - 03:55
المحور: الادب والفن
    



مما لا شكّ فيه أنّ الإنسان العربي يعيش اليوم ثقافة مأزومة، ولمواجهة أزمة ما على رأي أهل العلم ينبغي قبل كلّ شيء تفحص الوقائع والمعطيات بدقة، ثمّ معرفة أخطاء التقدير التي ارتكبها الآخرون، ولا ضير أن يلقي المرء نظرة فاحصة على ماضيه، ويمحص عقله الباطن ويحدد طبيعة الصور المختزنة فيه، فقد يكتشف أنها خاطئة أحدثت في حياته حالة خاطئة، فالألوان المختلفة من التصورات في ذهن الفرد حول الحقائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية تساعد في تشكيل الواقع الذي يعيشه، والذكيّ ينفذ إلى جوهر المشكلة كالسهم، إلا إذا كان يتجاهل الحقيقة بذريعة البحث عنها، وهذه هي الطامة الكبرى، وهنا تختلف المسألة بحسب طبيعة العقول ومخزونها الثقافي الذي تستمد منه أفكارها ومواقفها.

ولكلّ عقل آفات إن تمكنت منه هلك وإن تمكن منها نجا، وآفات العقل العربي كثيرة نوجز منها ثلاثاً:

1 - العقل العربي ماضوي يسعى به الماضي ويعمل له وليس العكس، وهو من دون خلق الله كلهم مثاله الأعلى خلفه لا أمامه، مشدود إليه بأمراس العشيرة وحبال المذهب، تراه يدور في فلك الأولين الدائري تحكمه محرمات (تابوهات) كثيرة ليس بوسعه التحليق خارجها أو خرقها، خشية أن يحترق بلظى الحاضر ولهيب المستقبل، فهو مازال إلى عهد قريب يبكي بعر الظباء وبقايا الرواحل وآثار الدمن حتى استحال بكاء الطلل قيمة حضارية ملزمة (تابو جديد).

فأنت تجد الذاكرة العربية شديدة الدبق، لا انفكاك لما يعلق بها، حتى غدت مصيدة للأفكار المريضة، فترى العربي يجتر أحزان الماضي، ينقب في جدران التاريخ الغابر، لينكأ جراحات تبعد عنه قروناً، فيُعْمِل في أخيه الذبح، ويجدد عنده الجرح، وهكذا يعود بنفسه وأخيه ألف عام للوراء، ويا حسرتاه عليهما إذا تكالب الأعداء، بينما تجد ولد العجم سرعان ما ينسى آلامه لينهض من جديد، يفيد من دروس الماضي ليصنع حاضره، يستثمر حزنه في بناء حضارته، ولك في اليابان خير برهان، حيث قامت من مأساة هيروشيما، كما يقوم طائر الفينيق من الرماد.

2 - الانفعال والارتجال في مواجهة حوادث الدهر الطارئة، فتلقاه منفعلاً لا فاعلاً ومتأثراً لا مؤثراً، يخوض مع الخائضين ويسير في ركب الآخرين، من دون أن يمنح نفسه مهلة للتفكر والتدبر واتخاذ القرار المناسب حيالها، وغالباً ما تكون العاطفة هي المحرك والدافع، وفي أحايين كثيرة تكون مشوبة بالتخبط وسوء التقدير، فتكون النتائج خلاف المراد، فالمقدمات الخاطئة تثمر نتائج خاطئة بالضرورة، والعاطفة بأشكالها الدينية والوطنية وتر عزف عليه الحكام وأصحاب النفوذ والمصالح على مرّ العصور، واضرب لهم مثلاً قضية الرسوم المسيئة للنبي عليه السلام، فهل لرسم يبعد مسافة 1400 سنة أن يسيء لنبي أعزه الله واصطفاه على عباده وبعثه رحمة للعالمين؟ الرد كان بحرق السفارات وتسيير المظاهرات، وأعمال الشغب وتصريحات الشجب والندب، ما زاد الآخرين جهلاً بحقيقة الإسلام، وإصراراً على حربه أبد الأيام، وكان الأحرى بهم والأجدى لهم استخدام ثمار العبقرية -نحن مضطرون لاستخدام التكنولوجيا- لنشر تعاليم ديننا الحنيف وتعريف الآخرين بتاريخنا ورجالاتنا العظام بما أمكن من اللغات، وعلى كلّ المستويات، فقد يجعل الله فيهم خيراً كثيراً.

انظر إلى النبي الكريم وقد آذاه أهل الطائف أيما إيذاء، فسلطوا عليه غلمانهم وصبيانهم، وألقوا عليه حجارتهم وأقذارهم، حتى سال دمه الطاهر من جسده الشريف، نجده يعاتب أصحابه الذين سألوه أن يدعو عليهم بالوبال وسوء العاقبة والمآل، فيقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، لعلّ الله يخرج من أصلابهم من ينصر الإسلام، فكان ما رأى وأراد، وما موقفه من قريش الذين كذبوه ولو استطاعوا لقتلوه، ببعيد، حين مكنّه الله منهم يوم فتح مكة؛ «اذهبوا فأنتم الطلقاء». هكذا بنى مجتمعه وأسس دولة الإسلام العظيم.

3 - الجنوح إلى المحاكاة والتقليد دون الإبداع والتجديد، فهو مطمئن غير شكاك، يسلّم بالظواهر الحادثة ويتبناها دون أن يكلف نفسه عناء البحث والمحاكمة المنطقية. فكلما هبّت في سماء الغرب بدعة أو لاحت في أفق القوم نزعة فغر العربي فاه من فرط الدهشة، حتى إذا بليت وأيقن الغرب أنها ضلالة رمى بها إليه، لينشغل بها سجالاً وجدالاً ردحاً من الزمن، أو يخرج عليه الغربي العبقري ببدعة أخرى أشد ضلالاً.

فما المذاهب الأدبية والفلسفية ودعوات التحرر الجنسي ومصطلحات السياسة من ديموقراطية وإرهاب وحقوق الإنسان وحرية المرأة وغير ذلك من المفاهيم المستوردة، إلا ردات فعل لأوضاع اجتماعية أو سياسية طارئة في المجتمعات الغربية، أشبه بالثياب الموضة يرتدونها حيناً من الدهر ثمّ يرمونها إلى الشرق بالية رثّة، ويبقى أن نفاخر أنها من أرقى محلات باريس «باغي» بالغين المعجمة، مع أننا لو تفكرنا في ديننا، وتأملنا في تراثنا، لوجدنا ما هو خير منها وأقوم.

لقد جاهد الإسلام الحنيف جهادا مُكْلفا لتنظيف العقلية العربية من جراثيم القبيلة، وشوائب العشيرة، مستخدما أقوى المنظفات الروحية والمادية، وأكثرها فاعلية، وقد نجح لفترة زمنية في جعل الولاء لله وحده لا شريك له بعد أن كان للفرد أو الجماعة، ثمّ ما لبثت أن ظهرت أوبئة أشد خطرا وأعظم فتكا هي فيروسات المذهبية وسرطانات الطائفية التي تستنزف الأمتين العربية والإسلامية لمصلحة أعدائهما.

فقط عندما يكون كلّ شيء قابلا للكسر وخاضعا لمجهر العقل وميزان النقد، وعندما نمتلك المقدرة على التحليق بعيدا عن فضاءات الماضي الملوث بعضها، يمكن القول إننا نسير في الاتجاه الصحيح.

التخطيط للمستقبل يبدأ بتنظيف عقولنا من حطام الأفكار البائسة والانطباعات المدمرة التي تراكمت عبر أجيال متوارثة، فكثيرة هي العقول التي تفوح منها رائحة العفن والعطن، فأفكارها لا تجري مع تيار الزمن.. أشبه بالمستنقعات الراكدة الماء، والماء إذا ركد فسد.

ألم يأنِ لنا أن نعيد مغنطة البوصلة العربية وتوجيهها نحو الأمام حتى نستطيع الهجوم على المستقبل ونحن أوفر معرفة وأكثر امتلاكا لأدواتها؟ وألا نكتفي بممارسة دور المتفرج والمتلقي، وألا نقنع بغير دور البطل والمرسل في مسرحية الحياة والتاريخ والمستقبل، إلا إذا كانت طبيعة الإنسان العربي عصية على التغيير عندئذ ينبغي التفكير جدياً بإعادة تشكيل البنية الوراثية له من جديد.

ضحك كالبكاء

أضاع مخبول حماره، فنادى في الناس: من يجده أعطه إياه مع بردعته، فقيل له: ما الفائدة من وجوده إذن؟ قال: إنكم لا تعرفون لذة وجود المفقود. وتحسّسَ رأسَه.. فهل نتحسس رؤوسنا العربية؟

قيٍم الموضوع:



#محمد_أحمد_دركوشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيد المتنبي و(الكاوبوي)
- السيد طرزان والرأي الآخر
- أعظم الناس يضرب بالمداس


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أحمد دركوشي - آفات العقل العربي