أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أحمد دركوشي - أعظم الناس يضرب بالمداس














المزيد.....

أعظم الناس يضرب بالمداس


محمد أحمد دركوشي

الحوار المتمدن-العدد: 2455 - 2008 / 11 / 4 - 04:25
المحور: الادب والفن
    



عندما يدعوك الحسّ لارتكاب فعل الكتابة كثيراً ما يساورك الشك, إن كانت كلماتك ستجد لها أذناً صاغية, فتثير زعزعاً يقلق سكون التماثيل أم أنها ستموت على الورق وتجفّ جفاف قطرة العرق .
على الرغم من ذلك تشعر بقوة دفينة تجهل مصدرها تدفعك لارتكاب هذا الفعل, ولا سيّما إن كان الحدث عظيماً والخطب جسيماً, وحده الخوف من بياض الورق ما يدفعني إلى امتطاء صهوة القلم, ألا ترى معي أنه يذكرك بالشيب نذير الموت, وتبصر نفسك حشو الكفن الأبيض يتأهب الناعون لطمرك في طبقات الأرض؛ إذاً أكتب فأنا حيّ.
كثرت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على المعلمين من قبل الطلاب وأولياء أمورهم, عندما رأيت صورة أحد المعلمين على صدر إحدى الصحف المحلية خيّل إليّ للوهلة الأولى أنّ الصورة تعود لناجٍ من تفجير إرهابي اعتدنا رؤية أشباهها صباح مساء, وأحسست بدوار جعل الصور في قزحيتي تتماهى وتتراكب, لم أستطع أن أنبس ببنت شفة, فمساحة اللغة ضاقت عن شجب هذا الفعل المروع الذي لا يصدر إلا عن نماذج بشرية ران الجهل على قلوبهم, وختم الله على أفئدتهم وأبصارهم.
إنّ للمعلمّ في معظم دول العالم المتقدمة ـ واضربْ لهم مثلاً اليابان ـ مكانة وحصانة وزير دولة وهذا سرّ رفعتها وتقدمها, أمّا في دولنا العربية فيضرب أعظم الناس بالمداس, وهذا سرّ ضعفها وتخلفها, إن ما يترك في النفس أعظم الأثر أنك لم تعد تسمع حتى موشحات الشجب والتنديد التي لا نجيد غيرها, فواللهِ لو أنّ راقصةً ضربتْ بماء الورد, وأثر في لحمها الغضّ البضّ, لتحفزت ضمائر الأباطرة, وتوثبت قرائح العباقرة, وربّما انهمرت من القوانين سحائب, وتحركت الألوية والكتائب, لحماية هذه اللعوب الكاعب!!
يروى أنّ الخليفة العباسي هارون الرشيد ذات مجلس سأل الكَسائي العالم اللغوي المعروف مؤدب ولديه ومعلمهما: من أعظم الناس يا كسائي؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين. فقال له الرشيد: بل من يتسابق ابنا الخليفة لإحضار الحذاء له, وكان الرشيد شهد ولديه محمد الأمين وعبد الله المأمون يسارعان لجلب الحذاء لأستاذهما, والنتيجة أن بلغت الدولة الإسلامية شأواً عظيماً, وبلغ العلم عصره الذهبي في عهد المأمون, حين كانت أوروبا تغوص في وحول العصور الوسطى, وسئل الإسكندر الكبير مرة لماذا تجلّ معلمكَ أكثر مما تجل أباكَ؟ قال: أبي وهبني الحياة الفانية أما معلمي فقد وهبني الحياة الخالدة.
نعتذر منكَ أيها القابض على الحرف, أيها المتعبّد في محراب النور, أيها الوارث النبيين, أيها المضيّع عمره بحثاً وتحصيلاً ليجازى ضرباً وتنكيلاً, نعتذر منك فقد تبدلت القيم وتغيرت الذمم.
ورد في الأثر الطيّب في عصر القرطاس والقلم "من علّمني حرفاً كنت له عبداً", وفي عصر الحاسوب والفضائيات "من علّمني حرفاً صار لي عبداً", وأخيراً لا أعتقد أن معجم اللغة قادر على إيفاء المعلّم حقه, وعلى استنكار هذا الفعل المشين, فمهما أسهب الوصف وأطنب الحرف تبقى اللغة عاجزة عن مدح هذا وذمّ ذاك, ولكن يبقى السؤال: إذا كان المعلم مغبوناً في صحته وأمنه وسلامته ومعاشه, فكيف يكون قادراً على العطاء وبناء الإنسان؟.
ضحك كالبكاء
أعرف كاتباً مثلي كان يصرخ ويركض مسرعاً, فسألوه عن السبب, فقال: أريد أن أعرف إلى أن يصل صوتي.

محمد أحمد دركوشي
كاتب سوري
[email protected]






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أنجيليك كيدجو أول فنانة أفريقية تكرم في ممشى المشاهير بهوليو ...
- -حين قررت النجاة-.. زلزال روائي يضرب الذاكرة والروح
- لا خسائر رغم القصف.. حماية التراث الثقافي وسط الحرب في طهران ...
- “فعال” رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 دور اول ...
- مهرجان أفينيون المسرحي الفرنسي يحتفي بالعربية ويتضامن مع فلس ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية ...
- بعد أغنيته عن أطفال غزة.. الممثل البريطاني المصري خالد عبدال ...
- ريتا حايك تفند -مزاعم- مخرج مسرحية -فينوس- بعد جدل استبدالها ...
- الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بالجزائر.. آفاق واعدة ...
- احتفاء بالثقافة العربية و-تضامن مع الشعب الفلسطيني-... انطلا ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أحمد دركوشي - أعظم الناس يضرب بالمداس