أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - انتحار امرأة














المزيد.....

انتحار امرأة


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 03:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما كانت المعركة حول "خطة إدماج المرأة في التنمية" في أوجها بالمغرب، كتبتُ مقالا آنذاك أتساءل فيه عن معنى و جدوى الصراع و النقاش العمومي ، إذا لم يكن الهدف هو الدفاع عن كرامة الإنسان قبل كل شيء، و ذلك بعد أن لاحظت كيف أنّ بعض متطرفي الإسلام السياسي قد جعلوا غاية غاياتهم الدفاع عن نصوص دينية في ذاتها و لذاتها، مهما كانت متعارضة مع مصالح الإنسان و كرامته، حيث فهموا بأن الإنسان هو الرجل لا غيره، و رأوا بأنّ كرامة المرأة تتحدّد حسب رضى الر جل عنها بعد طاعتها له، و لذلك تحيزوا لمصالح الرجل وفق الفقه الذكوري القديم، و رأوا في ولاية المرأة عن الأبناء و اقتسام الأموال المكتسبة و المساواة في الإرث و منع تعدّد الزوجات و منع تزويج القاصرات و تجاوز نظام القوامة الحريمي، رأوا في كل ذلك مآمرة غربية على الإسلام تورطت فيها حكومة نعتت بالعمالة للدول العلمانية و للصهيونية العالمية، إلى غير ذلك من المخارق التي يوقع فيها الإستعمال المتطرف لنظرية المآمرة بغرض الدحض و التحطيم، كل هذا حدث آنذاك و المحاكم غاصّة بالنساء اللواتي ضاقت بهنّ السبل في مكاتب المحامين و القضاة شهورا و سنوات بدون حلّ، فلا شيء يعلو على منطق الفقه الذكوري الأعمى الذي يرى في كل مظاهر الميز اللاإنسانية هبة سماوية و امتيازا أنعم به الله على الرجل لحكمة يعرفها، و على المرأة أن تطيع.
و عندما كتبت إنّ الدفاع عن تعدّد الزوجات سلوك متخلف و اختيار غير مفهوم من منظور العقل و منطق الواقع و الأشياء، لأنه ببساطة ظلم صريح للمرأة، و آية ذلك أنه لا توجد امرأة في عالمنا المعاصر تقبل فكرة أن تشرك مع زوجها امرأة أخرى، كما لا يوجد رجل ـ بما فيهم الإسلاميون أنفسهم ـ يقبلون أن يتزوّج أحد على بناتهم، حيث يرون أنّ سعادتهنّ هي في أن تعشن بشكل طبيعي مع أزواجهن في وئام و سكينة، كما أشرتُ وقتذاك إلى أنّ خبر زواج الزوج أو نيته في القيام بذلك ينزل على امرأته كالصاعقة أو المصيبة الشؤمى، و يحول فضاء البيت إلى جنازة دائمة، إذ لا توجد امرأة تتلقى ذلك من زوجها أو من غيره بالفرح و الإبتسامة، كما ينجم عن ذلك من البغضاء و الخصام بين الأب و الأبناء ما يعرفه الجميع، و منه ما يؤدّي إلى كوارث مدوية، عندما كتبت ذلك كله و أوضحته اتهمت كالعادة بمعاداة الإسلام و المسلمين، و بالسعي إلى إبطال الشريعة و محاربة ما تبقى من الإسلام في مجال الأحوال الشخصية.
و لقد اتخذ التاريخ مجراه بمنطق الواقع الذي لا يرحم، و تمّ تعديل المدونة رغم كلّ الغوغائية التي لجأ إليها المتطرفون، لم تكن التعديلات غاية ما ترمي إليه القوى الديمقراطية الحية في البلاد، لكنها كانت خطوة هامة إلى الأمام و درسا للذين ما زالوا يحلمون بالعودة إلى الوراء، و دخلت مدونة الأسرة معمعة دهاليز المؤسسات الفاسدة لتعاني كغيرها من "الأوراش" و "المشاريع" التي حسمت في الأوراق و لم تحسم بعد في أذهان البعض، و في خضمّ ذلك ظلّت العديد من النساء يرحن و يجئن في متاهات المحاكم دون أن ينلن فعلا حقوقهن. لم يتمّ منع تعدد الزوجات كما يقتضي ذلك الحس السليم و الإنساني، و لكن قيل إنه تمّ "تقييده" لكي لا يكون إلا في حالة الضرورة القصوى، و تدخّلت العقلية الذكورية المتخلفة لترشد الرجال إلى كيفية التحايل على القانون و الإلتفاف على مكاسب المرأة لصالح أنانية الرجل و شهواته التي لا تروى إلا مثنى و ثلاثى و رباع، إلى أن طالعتنا الصحف قبل أيام بخبر ثانوي عن انتحار امرأة بطريقة بشعة مع أربعة من أطفالها ـ ثلاثة معها وواحد في بطنها ـ عرضتهم جميعهم للقطار، انتحرت المسماة خديجة أكا بعد أن قرر زوجها الزواج عليها رغم أنفها، رحلت بألم و بشكل مأساوي عن هذا العالم الذي لم ينصفها، و السؤال المطروح هو التالي : كيف تنتحر امرأة بهذا الشكل دون أن تهزّ ضمائر الناس و تدفع بهم إلى التفكير ؟ هل يمكن لحادثة مثل هذه أن تقع في بلد ديمقراطي متقدّم يحترم فيه الإنسان دون أن يثير زوابع من النقاش و يحدث زلزلة تدفع القوى الحية إلى تطارح أسباب الحادث إلى أن يتمّ القيام بالواجب لكي لا يتكرّر ؟ أيّ بلد هذا الذي تصل فيه النساء إلى الإنتحار دون أن يقتنع الناس بضرورة تعديل النصّ القانوني الذي ظلمن بسببه ؟ هل هناك دليل أكثر من هذا على أنّ تعدّد الزوجات شرّ لا خير يأتي من ورائه إلا الرعب و الكراهية و الإنتحار ؟ متى يقتنع المغاربة بأنّ الإنسان هو القيمة العليا و الهدف الأسمى الذي يعلو على الأجناس و الأعراق و الألوان و الأديان و القبائل و الأنساب ؟ ما معنى "الإنتقال نحو الديمقراطية" و "العهد الجديد" إذا لم نغير ما بأنفسنا من أفكار و ذهنيات و نرقى بفكرنا إلى مستوى احترام الإنسان و صون كرامته ؟





#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور الفكرية لإيديولوجيا التعريب المطلق
- نظرية المؤامرة في السجال العمومي
- الأمازيغية في مفترق الطرق أسئلة الحصيلة و الآفاق
- الشذوذ الجنسي و الشذوذ الديني
- ما بعد النموذج اليعقوبي للدولة الوطنية
- أصابت امرأة و أخطأ الشيخ
- في ضرورة الإصلاح الديني
- العلمانيون و الإسلاميون: قوة الحق و قوة العدد
- معنى القيم الكونية
- الأخلاق و الحريات بين المنظور الإنساني و التحريض الديني(2)
- الأخلاق الدينية و لعبة الأقنعة
- الأخلاق و الحريات بين المنظور الحقوقي و التحريض الديني
- -إسلام- الجالية
- لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني
- سلطات الملك بين الظرفي و الإستراتيجي
- -فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم
- الأمازيغية و التعديل الدستوري بالمغرب
- حكومة حزب الاستقلال ( بالمغرب ) ، هل يعيد التاريخ نفسه ؟
- صورة الإسلام بين محاضرة البابا وأفعال المسلمين
- العرب وتغيير الثقافة


المزيد.....




- مقتل العشرات من منتظري المساعدات جنوب قطاع غزة، وإغلاق المسج ...
- العراق.. السوداني يدعو الدول العربية والإسلامية للتعاون في ...
- هل تعتقد أن اغتيال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فكرة جيدة ...
- 1400 عام من الصمود.. ما الذي يجعل أمة الإسلام خالدة؟
- وزراء خارجية 20 دولة عربية وإسلامية يدينون الهجمات الإسرائيل ...
- هكذا يتدرج الاحتلال في السيطرة على المسجد الإبراهيمي بالخليل ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة نايل سات وعرب سات 2025 .. ث ...
- نتنياهو: لا أستبعد اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ...
- الخليل.. إسرائيل تخنق البلدة القديمة وتغلق المسجد الإبراهيمي ...
- الاحتلال يهدم غرفة زراعية ويواصل إغلاق مداخل سلفيت ومستعمروه ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - انتحار امرأة