أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عدنان الظاهر - سيدوري في براغ















المزيد.....

سيدوري في براغ


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2471 - 2008 / 11 / 20 - 10:00
المحور: كتابات ساخرة
    


إفتتحت السيدة [ أو الآنسة ] سيدوري لها مقهى أسمتها [ حانة سيدوري السومرية ] . سيدوري هي بالطبع صاحبة البطل الأسطوري السومري كلكامش الذي أراح نفسه لبضع ساعات لديها في حانتها قبل أنْ يُزمعَ على مواصلة مغامرته الخطيرة في سود البحار وبيضها وصُفرها وحُمرها في محاولته للعثور على عشبة أو إكسيرالخلود . هناك إذاً أراح كلكامش نفسه وأخذ حمّاماً شديد السخونة وإرتدى ملابس أنيقة نظيفة أخرى غير ملابس السفر ثم تطيّبَ بأفخر عطور باريس وإيطاليا وحفَّ شاربه وشذب لحيته الكثة وعادَ ليتخذَ مجلسه قبّالة بار صاحبة الحانة كما يفعل شباب هذه الأيام . عبَّ الكثير من كؤوس البيرة الجيكية الممتازة التي تعدّها سيدوري آنياً في مصنع صغير مُلحق بحانتها يديره عاملٌ جيكي مُختص . أسرف صاحبنا في عبِّ أقداح البيرة الفائقة الجودة ومن ذا يلومُ ؟ أمامه سيدوري الساحرة العينين والقامة تسقيه وتجامله فتتناول ما كان يتناول لتحثه على طلب المزيد حتى إنها كانت بين الفينة والأخرى تُسقيه البيرة من فمها الأرجواني وهو يُسرفُ في مجاملتها وإطرائها بقوله لها : ثغرُك سيدتي أجمل وأكمل وأشهى كأس في الدنيا ! ههنا في فمك الخلود الأبدي الذي أبحث عنه فعلام سفري ومغامرتي . كانت بالطبع ترتاح كثيراً لقوله هذا وتطرًبُ له لكنَّ الخبيثةَ كانت مُحصّنة بمصل سرّي غير معروف يجنبها السكرَ فلا يؤثر فيها الكحول ، يا للخبيثة بنت الخبيث ! حين يًفرط زبونها الغريب والنادر المثال في طلب المزيد ثم المزيد من كؤوس الذهب الجيكي المنصهر تتقصد صرفه عنها فتقوده من يديه إلى خارج حانتها لكي يرى منظر نهر [ فلتافا ] الرائع الحسن حيث اليخوت السياحية والزوارق البخارية تمخر في مياهه الغزيرة عادةً خلال شهور الصيف . كانت الحانة تطلُّ من علٍ مشرفةً على النهر ليست بعيدة عن قصور مقرات الحكومة المسماة " هراجا " . {{ قضيّتُ هناك في مقهى سيدوري بعض الوقت شهرَ آب عام 1977 برفقة الفنان محمود صبري . كانت تحملُ إسماً آخرَ قبلَ خصختها هو أكسبو 58 }} . ما رأيك يا كلكامش ، أتمكثُ هنا تمضّي بقايا عمرك مع سيدوري وحانتها ونهر فلتافا وجنات النعيم أم تُراكَ تواصل مثلي رحلة العذاب والمشقّة والسعي وراء سراب الخلود ؟ لم يُجبْ ، أطرق طويلاً ثم قال سؤالك حيرني وأربكني يا رجل ! أتسالني مثل هذا السؤال في هذا المكان وفي هذه اللحظات وأنا في أسعد ساعات عمري ؟ أخطاتَ بحقي يا صديق. سأبقى هنا شهراً كاملاً كيما أمحّصَ الأمرَ وأقلبه على شتى وجوهه لعلي أستطيع أنْ أتخذَ قراراً نهائياً بشأن سؤالك . عبَّ جرعةً واحدةً كأساً آخر ليقولَ لي ، وأنتَ ، ما رأيك ، أُغادرُ أم أبقى وهل ستظلّ معي إذا ما ظللتُ ؟ الرأيُ رأيك والقرارُ قرارك يا كلكامش . بقدر تعلق الأمر بي فإنَّ ظروفي تختلفُ عن ظروفك يا عظيم . أنا لا أستطيعُ البقاء هنا وعليَّ أنْ أُغادرَ . أما أنت فأمامك الخياران كلاهما ولو الححتَ عليَّ في سؤالك لنصحتكَ بالبقاء حيث الماءُ والخضراءُ ووجه سيدوري البالغ الحسن والبهاء . هنا خلودك الحقيقي يا كلكامش وستجد خلودك في ومع سيدوري . ستخلدك روحاً تنتقل بعدك جيلاً إثرَ جيل يحملها أبناؤك والآتي من ذريتك وخلفك . في جسد سيدوري خلودك وليس في الحشائش والأعشاب وهي علفُ الحيوانات لا تصلحُ إكسيراً لإطالة أعمار البشر . عبَّ كأساً آخر دون تنفّسٍ أو توقف ثمَّ طلب آخر وكان جاهزاً . قال أريدك أنْ تبقى معي إذا ما قررتُ البقاء . لا أستطيع يا مليك سومر وباقي أرض ما بين النهرين ، لا أستطيع . قال إذا تجاوبتَ معي في رجائي وفضلتَ البقاء فلسوف أُشرككَ معي في جسد عشيقتي سيدوري ! أستغفرُ اللهَ أستغفرُ اللهَ يا كلكامش . كيف تُشركني في بعض حريمك ؟ إنها ستقومُ بتخليد روحك فكيف تسمح أنْ يكونَ خَلَفكَ هجيناً نصفه منك والنصف الآخر مني ودماء الملوك زرقٌ نقية لا شائبةَ فيها ؟ قال إنَّ دماء كل ملوك الأرض هجينة وملوثة بالعفن والعَطَن فلا تخفْ ولا تحزن وتقدمْ على بركتي وبركة ربك الأرضي . ثم إنها ، أضافَ ، مشكلتي وليست مشكلتك يا هذا . إننا في سومر نُبيحُ تعدد الأزواج ، أضافَ . عفواً يا كلكامش ، إني أجهلُ هذا الأمر . قال لا عليك ، كثرةٌ مثلك لا يعرفون . أنتم في بابلَ حمورابي تُبيحون تعدد الزوجات لكننا في سومر جنوبيِّ العراق قريباً من أمكنة إلتقاء دجلةَ بالفرات نُبيحُ العكس. النساءُ لدينا قليلٌ تعدادهنَّ لكنكم في بابلَ تعانون أبداً من أزمة النقص الشديد في عدد الرجال لذا أبحتم وشرّعتم بُدعة تعدد الزوجات . قلتُ له إبقَ هنا شهراً لكني سأغادرُ على أنْ أكتبَ لك رسالةً بالبريد الألكتروني على عنوان حانة سيدوري أخبركَ فيها يقراري الأخير فيما ستسمح لي ظروفي هناك أنْ التحقَ بك أو لا ألتحق . قبلَ جلجامش مقترحي هذا متحفظاً قليلاً . مددتُ يدي مصافحاً ومودّعاً سيدوري مليكة حانات سومرَ وكل ما في العالم من حانات وخمّارات ومواخيرَ عرق ولهو وقصفٍ وعبثٍ وسَمَرٍ فغمزتني بنصف عين وهي تقول بغنجٍ ودلال أنثوي فاضحٍ : بلّغ البياتي تحياتي أذا ما صادفته في بعض الأمكنة والبلدان ؟ يا إلهي ! البياتي ؟ ذُهلتُ وأشعرتني صدمةُ المفاجأة بحالةٍ من العجز والشلل الكامل . البياتي ؟ سالتُ سيدوري . قالت أجل ، البياتي عبد الوهاب . وكيف تعرّفتِ عليه متى وأين ؟ قالت إنه كان أحدُ زبائني الدائمي الحضور هنا وما كان يتناولُ كؤوسَ بيرته وحيداً أبداً ، ما كان يُطيقُ العزلة . كان عادةُ يُحيطُ نفسه بعدد من حواريه والمعجبين بشعره خاصةً وإنه كان شديد الحرص انْ يدفعَ أثمانَ ما يشربُ جلساؤه بخاطرٍ طيب وعلى الدوام . وكيف كانت علاقته الشخصية بكِ يا صاحبةً الحانةِ ؟ سالتها فقالت كانت على أفضل ما تكون علاقة إمرأةٍ مثلي برجل شاعرٍ اديب كريم الخُلق واليد طيب المعشر . هل قال فيكِ شعراً يا سيدوري أو كان يغازلك في ساعات سُكره ؟ لا أدري إنْ كانَ قد قال فيَّ شعراً أم لا ، لكنه كان متحفظاً على العموم مع الجنس الآخر سوى نظراته الدافئة الحنونة التي تقولُ ولا تُفصحُ أو تنطق . كان يعبّر عن حبه بعينيه وبطرُقه الخاصة فلكل رجل وسائله وطرقه في التعبير عما يُكّنُ بين جوانحه في صدره . خلافاً للعديد ممن عرفتُ من الشعر اء ، ما كان يتغزّلُ أو يتبذلُ أو يبلغَ في شربه حدود السُكر أبداً . كان صاحياً دوماً محافظاً على كامل سيطرته على نفسه . كان الكحولُ يُزيده وَقاراً . قالت وقد رأتْ دهشتي ممّا كانت تقول ، هل لديك أسئلةٌ أخرى ؟ قلتُ أجلْ ، ناوليني رجاءً كاساً مضاعفاً . نظر كلكامش في وجهي مُستغرباً ثم قال لكنكَ قد أزمعتَ أنْ تغادر فلِمِ قد فجأةً غيّرتَ رأيك ؟ أتغارُ مني يا صديق ؟ قال كلا ، لكني أريد أنْ أختلي بسيدوري لأبثها بعض شؤوني على إنفراد . لكني مغادرٌ على كل حال فلِمَ العَجَلة وأنا صديقك كما صديق سيدوري ؟ طيّب ، قلتُ ، ساغادركما لكنْ ليس قبل أنْ أسألَ سؤالاً أخيراً يخصّك لا سيدوري . قال كلكامش بنفاد صبر : إسألْ ولا تُطلْ . هل يا كلكامش سبق وأنْ تعرّفتَ على الإسكندر المقدوني ذي القرنين ؟ قال أجلْ ، قد إلتقينا وتعارفنا وعقدنا صداقة متينة وتحالف عسكري وكدتُ أنْ أزوّجه إحدى بناتي . هل أنتَ فيما تقولُ جادٌّ يا أسطورة سومر ؟ إنتفض بحدةٍ قائلاً ومتى كنتُ هازلاً يا لعين ؟ عفواً عفواً يا شيخ الجد والرصانة والحصافة وسيد الأرب ، ما قصدتُ ذلك أبداً أبداً وحقك عليَّ وعلى العراقيين كافة . أين كان اللقاءُ يا سيدي ومن بيده روحُ روحي ؟ في بابلَ ، قال ، في بابلَ ؟ نعم في بابل . دعاني حمورابي لأساهمَ في حفل زفاف إحدى بناته وكان الإسكندر المقدوني مدعوّاً كذلك هناك . وكيف كان ذاك اللقاء بينكما خاصةً وإنه كان على ما أحسبُ أول لقاءٍ بينكما ؟ كان لقاءً ودياً للغاية تبادلنا الهدايا الثمينة خلاله وقد وقع على الفور في عيني فأوشكتُ انْ أعرضَ عليه إحدى بناتي زوجاً . قلتُ أوشكتُ ثمَّ إنثنيتُ إذْ إكتشفتُ أنَّ المقدوني وحيدُ القرن خلافَ المعروف عنه من أنه ذو قرنين إثنين . غامرتُ في مداعبة جبّار سومر فقلتُ لكنه شاب مغرور سريع وكثير التلوّن وعاشقٌ للمغامرات كما تعلم فلربما أراد مفاجأة حضور مهرجان عرس كريمة حمورابي بأمر غير مالوف لإدخال البهجة في نفوسهم فقصَّ قَرناً من رأسه وأبقى واحداً فقط وهو بالطبع يعرف أنَّ ما يُقصُّ ينبتُ سريعاً فيما بعد . قال كلكامش باسماً بسخرية مرّةٍ : أتراك تحسبُ الإسكندر المقدوني [ سلماندر أو ابو بريص ] ؟ عرفتُ مغزى قوله فتراجعتُ مُعتذراً . اراد التخلص منى وقد سئمَ فقال مع السلامة قبل أنْ أتلفظَّ كلمات التوديع المعروفة . سمعتُ سيدوري تقولُ وأنا اغادرُ حانتها : اعرفُ أنَّ لديك ما زال الكثير من الإسئلة تتخبطُّ في رأسك ولكنْ لا بأسَ عليك ، إطرحها عليَّ في مناسبة أخرى نلتقي فيها هنا لوحدنا في غياب هذا الغضب الأسود المسمى كلكامش !
ملاحظة : سيدوري هي صاحبةُ الحانة في ملحمة كلكامش المعروفة حيث إرتادها هذا وهو في طريقه باحثاً عن عشبة الخلود . قالت سيدوري له وقد رأته مهموماً قذرَ المظهر:
>.
[[ ملحمة جلجامش الصفحة 142/ طه باقر . دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الخامسة 1986 ]] .



#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخريف والشتاء
- توضيح وإعتذار / حول كتاب بشت آشان ...
- ثلاث فتيات ورجل واحد في براغ
- مع كتاب بشت آشان للدكتور كاظم الموسوي {1}
- أسماء الأعلام في الأغاني
- عودة ُ عشتار إلى عالم الأحياء
- ملاحظات حول كتاب الأستاذ جعفر حمّود الهجوّل
- مع فؤاد نمري مرة ً أخرى ...
- لي في بابلَ حبيبٌ ...
- عشتارُ البابلية ُ وجوليا الحمصية
- حول الإشتراكية والشيوعية / أسباب السقوط / اين كان العمال ؟
- الوالدة في معتقل الفاشيست
- قلقُ عشتارَ آلهة بابلَ
- ماذا جرى في بابل ؟
- مع بعض المتأمركين الجُدد ...
- حول مؤتمر هرتسيليا المثير للجدل
- الضوءُ والسوسنُ والياسمين
- خواطرُ لم تخطرْ على بالي ...
- الملكُ ( حمورابي ) مُصاب ٌُ بالكوليرا
- عشتار ُعلى الخط الساخن


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عدنان الظاهر - سيدوري في براغ