أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عبد الكريم أبازيد - حوار صريح في فرع المخابرات















المزيد.....

حوار صريح في فرع المخابرات


عبد الكريم أبازيد

الحوار المتمدن-العدد: 2466 - 2008 / 11 / 15 - 03:46
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


عدت إلى البيت بعد ظهر حد الأيام، ناولتني زوجتي ورقة مكتوب عليها: إلى السيد عبد الكريم أبازيد. يرجى حضوركم إلى مقر فرع مخابرات كذا.. في اليوم كذا..في الساعة كذا.. وكتبوا العنوان.
في صبيحة اليوم المذكور، استيقظ جميع أفراد أسرتي باكراً ليودعوني طبقاً للفكرة السائدة التي ترسخت في نفوس الناس: "الداخل مفقود والخارج مولود".
وصلت إلى الفرع. سلمتهم ورقة الاستدعاء. اصطحبني أحدهم إلى المكان المطلوب. قدمت المذكرة إلى الموظف. قام عن كرسيه قائلاً: أهلا بالأستاذ عبد الكريم. أرجو ألا تكون مزعوجاً؟ قلت له وهل تظن أن مواطناً يستدعى إلى مركز مخابرات يكون مبسوطاً؟ قال أف! أف! وهل هذه الفكرة التي كونتها عنا؟ قلت له ليس أنا، بل جميع المواطنين. قال سنبرهن لك عكس ذلك. المر هو مجرد استفسار. قلت له إذا قلتم لي تعال غداً لاستكمال التحقيق، فأفضل أن أبقى في ضيافتكم حتى انتهاء التحقيق. ضحك وقال هذه أول مرة أسمع أحداً يطلب تمديد إقامته عندنا. ماذا تريد أن نضيفك؟ قلت له قهوة.
جرى حديث متشعب تناولت فيه الغلاء والفساد. قال لي بعد قليل يستدعيك المعلم. بعد حوالي نصف ساعة استدعاني. دخلت غرفة المعلم. نهض عن كرسيه وحياني قائلاً: إنه مجرد استفسار عن مقال كتبته عن عارف دليلة. ولكن في البداية ماذا سنضيفك؟ قلت له ضيفوني. قال لا بد أن أضيفك أنا أيضاً.طلبت شاياً.
قال لي: أريد أن أتأكد أن الكلام الذي كتبته على لسان عارف دليلة في جريدة "النهار" حول أن القاضي يتلقى تعليماته من المخابرات صحيح؟ قلت له إن ما كتبته ليس هو تماماً ما قاله عارف. يكفي أن يقول إن القاضي لم يسمح لي بالدفاع عن نفسي ولم يسمح لي بالاختلاء بالمحامي، وهو حق لي، وان القاضي ليس حراً بتصرفاته... فهذا يجعلني أن ألتقط الفكرة وأصوغها بأسلوبي الساخر.
قال لي المحقق أنت ليس متهماً، وهذا هو محضر الجلسة خذه واقرأه، وإذا كان لديك اعتراض على بعض ما جاء فيه فسنحذفه، وإذا لم يكن، أرجو أن توقعه، قرأته ووقعته.
قال المحقق: أنا لا أتابع جميع مقالاتك، وأنت تقول أنك تنتقدنا فهل يمكن أن تذكر لي مقالة أو مقالتين كنموذج؟
قلت له سأحدثك عن محاضرة ألقتها الأديبة كوليت خوري بمناسبة عيد الجلاء، وقد كتبتها في زاوية نشرتها جريدة"النور".
قالت كوليت:" في عام 1936 جرى الإضراب الستيني في جميع أنحاء سورية ضد الفرنسيين وقد أغلقت المحلات التجارية أبوابها، ومن أهمها سوق الحميدية بمشق. ضاق الفرنسيون ذرعاً بالإضراب، فقرروا خلع أبواب المحلات في سوق الحميدية وفتحها وتركها عرضة للنهب، لكي يجبروا أصحابها على العودة إليها. ونفذوا الفكرة. وبعد مدة ظهر أمام أبواب تلك المحلات رجال مفتولو العضلات (قبضيات). ظن الفرنسيون أنهم جاءوا لينهبوها، ولكنهم لم يدخلوها. ذهب وفد من هؤلاء لمقابلة قادة الكتلة الوطنية. سمحوا لهم بالمقابلة. قال كبيرهم: نرجو؟ أن تبلغوا التجار أن محلاتهم في الحفظ والصون. ولن نسمح للفرنسيين أن يكسروا الإضراب.
- من انتم أيها الرجال الطيبون؟
- نحن قطاع طرق.
وقد علقت على هذه الحادثة قائلاً: القيادة قدوة.فإذا كانت شريفة مخلصة يثق بها الشعب، يتحول الفاسد إلى شريف، وقاطع الطريق إلى حارس أمين. وإذا كانت فاسدة، يتحول الشريف إلى فاسد.
قال: هل لديك مثال آخر؟
نعم وهو نقد لكم. وقد كتبته في زاوية "دبابيس". قبل عدة سنوات، جرى تضامن شعبي في جميع أنحاء البلاد مع الانتفاضة الفلسطينية. نصبت خيمة في ساحة عرنوس، وكتبت لافتات تحيي الانتفاضة وتدعو الحكام العرب لمساندتها. كان مئات المواطنين يتوافدون إلى الخيمة، حيث تجري أحاديث حولها.
دخل ثلاثة عناصر من الأمن إلى الخيمة. حيونا وسألونا: هل أخذتم رخصة أمنية؟ استغربنا وقلنا: وهل يحتاج التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى رخصة أمنية؟ ذهبوا...واعتقد أنهم شعروا بالخجل.
في اليوم الثاني جاءت دورية أخرى وسألت السؤال ذاته وأجبنا الإجابة ذاتها.
في اليوم الثالث جاءت دورية شرطة وسألت السؤال ذاته وكررنا الإجابة ذاتها.
فهل هذا وجه سورية الذي تريدون إظهاره؟ قال لي: أنت الآن حر. ولكن رئيس الفرع يود أن يدردش معك قليلاً.
دخلت غرفة رئيس الفرع. قام عن كرسيه مرحباً قائلاً: أهلاً بالأستاذ عبد الكريم. أرجو أن لا يكون أحد قد أزعجك. لقد انتهى التحقيق معك، أو بالحرى الاستفسار. وأنت لست معتقلاً. أنا فقط أريد أن أتداول معك بعض الأفكار. لقد انهيت للتو قراءة مقالتك "اقتراح لترشيد الأمن" التي تتهكم فيها على أحد عناصرنا الذي يسألك كل مرة عن اسم أبيك وأمك وتاريخ ميلادك، وقلت له إن اسم أبي وأمي وتاريخ ميلادي لا تتغير.خذها من النفوس ووفر على الدولة.
أنا أريد، يا أستاذ عبد الكريم أن تغير مفهومك عن الأمن. أريد أن تزيلوا صورة الجلاد وتضعوا بدلاً منها صورة المحاور. أنا مثقف مثلك وأحمل شهادة في الاقتصاد. وأنا أحترم آراءك ولا أحاسبك عليها، وهنا قاطعته قائلاً:
كنا نجلس مرة في مقهى الروضة نتناقش حول أمور البلد،وكان بيننا بعثيون. قال أحدهم إن حرية الرأي عندنا مصونة. فها هو عبد الكريم، ومنذ أكثر من ربع قرن، يكتب زوايا ينتقد فيها النظام وأجهزة الأمن، ولم يتعرض له أحد.وأنتم اليوم باستدعائي فقدتم هذه الميزة.
قال لا استاذ عبد الكريم، نحن لم نعتقلك بل استدعيناك للاستفسار عن مقالة كتبتها وأنت تستطيع الذهاب الآن.
قلت له إذا كنتم تريدون فعلاً أن تغيروا فكرة الناس عنكم، فعليكم إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات الديموقراطية وحرية الصحافة وتشكيل الأحزاب.عندها لن استدعى لفرع الأمن لمحاسبتي على مقالة كتبتها، بل ترفع دعوى علي أمام القضاء.
ثم هذا هو عارف دليلة لو استفادت الحكومة من أرائه الاقتصادية، فلربما الوضع الاقتصادي كان أفضل. لقد أرسلتموه إلى موسكو للدراسة. وقد تعهد أن يخدم ضعف مدة الإيفاد، فقضاها في السجن. قال إن عارف لم يحكم عليه بسبب أرائه التي كان يطرحها في ندوة الثلاثاء الاقتصادية، بل لأسباب يطالها القانون. قلت له عارف إنسان وطني وشريف ولم يتآمر يوماً على سلامة الوطن.
قال لي: أنا معجب بآرائك. فهل لديك مانع لو تقابلنا لأستفيد من أرائك؟
قلت له نعم لدي مانع. فمجرد مقابلتي مع مسئول أمني لن يبقى لي صديق. قال أو لست موظفاً مثل أي موظف في دائرة أخرى؟ قلت لا. لأن أي موظف في أي وزارة أخرى لا يستطيع اعتقالي.
قال رجعنا لقصة الاعتقالات. نحن لم نعتقلك، بل استفسرنا منك. قلت له أنا لا أقصد شخصك عندما أقول لا أوافق على المقابلة، بل أقصد مركزك. فأنت كشخص كنت لطيفاً وموضوعياً في حوارك معي. المجتمع الديموقراطي هو فقط الذي يلغي هذه الصورة.
سأذكر لك زاوية كتبتها تبين مدى الضرر الأخلاقي والنفسي الذي يصيب المجتمع من جراء فقدان الحريات. وهذا ملخصها:
خرجت فرنسا من الحرب العالمية الثانية مهشمة اقتصاديا. كان الجنود الأمريكيون يجوبون شوارع باريس بعجرفة، وجيوبهم ملأى بالدولارات وعلب الدخان، كان الدخان الأمريكي آنذاك قطعاً نادراً.
وقف أربعة جنود أميركيون في أحد المنعطفات. شاهدوا فتاة فرنسية فائقة الجمال تسير باتجاههم .وضع كل واحد منهم علبة دخان، وتركوا لها الاختيار. وصلت الفتاة. وقفت أمامهم بشموخ وكبرياء. نظرت إليهم بازدراء. معست بقدمها علب الدخان وتابعت طريقها.
أكملت هذا المشهد بمشهد آخر.
كانت حفيدتي (راما) البالغة من العمر ثماني سنوات تتحدث بالتلفون مع رفيقتها. قالت لها أختها (سالي) البالغة من العمر عشر سنوات: راما! لا تحكي بالتلفون بالسياسة. سمعت جدي يقول التلفون مراقب. "يللي يحكي بالسياسة بيحبسوه" فسألتها راما: "شو هيي السياسة حتى ما أحكي فيها؟"
ما بعرف! اسألي جدو!
وقد علقت على هذين المشهدين قائلا: مجتمعان مختلفان وتربيتان متباينتان. مجتمع تربى فيه المواطن في ظلال الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه دون خوف أو تحفظ، فنشأ مواطناً ذا كرامة، ومجتمع يخشى فيه حتى الأطفال التعبير عن آرائهم حتى لا يأخذونهم إلى السجن. وشتان مابين الكبرياء الوطني والإذلال الوطني.
سكت برهة ثم قال لي: إن حزبك ملتزم بسياسة الجبهة الوطنية ولا يشذ في أرائه عن أراء حزب البعث الذي هو قائد الجبهة، بل يمكن القول أن أحزاب الجبهة كلها بعثية، فلماذا لا تلتزم بسياسة الحزب؟
قلت له :أولاً الحزب الشيوعي ليس بعثياً. وفي مطلق الأحوال فأنا عبر عن وجه الحزب المستقل.
ودعني قائلاً: أرجو أن لا نكون قد أزعجناك.



#عبد_الكريم_أبازيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عجائب الدهر في بلاد العرب
- العربي بو ساري
- جوليانا وكاليباري
- الديموقراطية والديموقراطية المزيفة
- المرأة والحب والسياسة
- بائع الفستق
- حول اجتماعات الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا
- الملائكة والشياطين


المزيد.....




- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...
- تقاذف الاتهامات في إسرائيل يبلغ مستوى غير معهود والأسرى وعمل ...
- غورغييفا: 800 مليون شخص حول العالم يعانون من المجاعة حاليا
- الأمن السعودي يعلن اعتقال مقيم هندي لتحرشه بفتاة ويشهر باسمه ...
- اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار ...
- كيف تفاعل مغردون مع صورة اعتقال الشرطة الأميركية تمثال الحري ...
- بسبب حرب غزة.. مذكرات الاعتقال الدولية ترعب نتنياهو وقادة جي ...
- مفوض الأونروا يحذر من خطط إسرائيل لحل الوكالة: تقوض قيام دول ...
- الأونروا: أنباء عن وفاة طفلين على الأقل بسبب الحر في غزة


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عبد الكريم أبازيد - حوار صريح في فرع المخابرات