|
مكافحة العنصرية والأيدلوجية الدموية ...
فواز فرحان
الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 09:13
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
لم تكن خمسة سنوات قد مضت من سيطرة أدولف هتلر على السلطة في المانيا حتى أخذت العنصرية تتصاعد من خلال آلة الاعلام النازية التي كانت تبث سمومها للمجتمع بطريقة تفوق التصور في الاعداد والتقديم والتركيز على النزعة التسلطية في النفس الالمانية وكذلك كرد فعل على ما لحق بتلك النفس من هزيمة مُرّة في الحرب العالمية الاولى وما تبعها من توقيع معاهدة مُذلة للالمان شبيهة بالمعاهدة الامنية التي ترغب حكومة الاحتلال في بغداد توقيعها اليوم مع الولايات المتحدة .. كانت العنصرية تتصاعد وتجرف معها حتى من يعارضها الى أن وصلت حالتها القصوى في ليلة التاسع من نوفمبر من عام 1938 والتي إنطلقت فيها حملة لأكبر عملية إبادة جماعية شهدها التاريخ والتي عرفت بالهولوكوست ، ففي تلك الليلة بدأت حملة السطو على محلات اليهود وإخراجهم من دورهم وأماكن سكناهم بطريقة مُذلة ومنهم من أجبره الالمان على إلقاء نفسهِ من أعلى البنايات ومنهم من خرج مع زوجتهِ وأطفالهِ بعد منتصف الليل ليواجه الضرب بالعصي مع اسرتهِ حتى الموت وأمام أنظار الشرطة الألمانية ، مشهداً من المشاهد الدموية التي تقشعر لهُ الابدان حتى الانسان في عصرنا لا يكاد يتخيل طبيعة المشاعر التي كانت تتحكم بالنفس الانسانية في تلك اللحظات ... لقد سطر العديد من الكتاب والادباء الألمان تفاصيل تلك الليلة البشعة التي قتل فيها أكثر من مئة يهودي بطريقة بربرية واعتقال اكثر من ثلاثين الف في بداية حملة انتهت بالمحارق السيئة الصيت التي إنطلقت بدعم النازيون لتصفية النسل البشري كما كانوا يؤمنوا فالتخلص من اليهود والشيوعيون كان من مبادئ تلك الايدلوجية الدموية التي لم تجلب للشعب والتاريخ الألمانييَن سوى العار والسمعة السيئة ...فقسماً من هؤلاء الكتاب والادباء شعر بذنب عظيم لا يمكن للكتابة التعبير عنه لكنهم سطروا تفاصيل ليلة الزجاج المهشم أو كما سماها هتلر (كريستال ناخت) ليلة الكريستال بطريقة قد تنفع الأجيال الحالية في التعلم لمكافحة العنصرية والتخلص منها بدل التسلح بالأوهام التي تتحدث عن تفوّق عرق على آخر ... اليوم تصادف الذكرى السبعون لأحداث تلك الليلة المُظلمة بحق في التاريخ الانساني والتقدمي وتجبرنا قراءة التاريخ على أخذ العبر والدروس منها لتحقيق مجتمع تسمو فيهِ القيم الانسانية عالياً في مواجهة العنصرية ومكافحتها وكذلك كي لا تتعرض شعوب وأقوام أخرى لذلك النوع من المحارق والتصفية على نفسس الأسس النازية وإن اختلفت التسمية كما يحدث في العراق اليوم من بداية لحملة إبادة ضد أقليات البلد قد تأخذ خطاً تصاعدياً إن لم يكن التصدّي لها بنفس القوة التي تمارسها القوى الطائفية والقومية ضدهم ... لم تكن أحداث ليلة الكريستال عفوية بقدر ما كانت منظمة ومخطط لها من قبل أعلى رأس في النظام النازي الذي أراد ترسيخ فكرة سيادة عرق على العالم ، ففيها إحترقت محلات ومتاجر اليهود من شمال المانيا الى جنوبها وتم السطو عليها بطريقة لصوصية باركتها الشرطة الالمانية وارتفعت النيران لتعانق السماء وتعبر عن هوس وجنون قل نظيره في التاريخ لكن الشعب الالماني نفسهُ كان ضحية ايدلوجية تنشر قيم الموت والدمار بطريقة لم تمكن الانسان في ذلك الحين من مواجهتها أو حتى التصدي لها لأن أغلب القوميون الالمان والمنتمون للحزب النازي كانوا من الأميون والجهلة وقسماً خطيراً كان من العلماء لكنهم كانوا متعصبون لعرقهم كما كانوا يتصوّروا وأبدوا ولائهم لهتلر على هذا الاساس ... وبين صفوف الشعب الألماني كان هناك أبطال صامتون قدموا كل الوان الدعم والمساندة لليهود وكذلك للشيوعيين وخاطروا بحياتهم من أجل أن تسمو قيم ألأخوة الانسانية ،هؤلاء هم الوجه المشرق للمجتمع الألماني الذي يتفاخر بهم الألمان اليوم بعد ان وصفتهم النازية بالخونة والمتآمرين على الزعيم وأيدلوجيتهِ ... ففي كل مجتمع تعيش فئة لا تمتلك روح التعصب وتنظر للإنسان على انه شريك لها في وطنها بغض النظر عن دينهِ وعرقهِ هذهِ الفئة اليوم تتعاظم في الكثير من البلدان وهي النواة الحقيقية لإقامة مجتمع إنساني تسوده المحبة والتسامح والتبادل الإيجابي في كل مجالات الحياة ، من قام بتلك الحملات كانوا يعوا جيداً انها جرائم وسيحاكموا عليها لكنهم لم يكونوا يتوقعوا ان تكون نهايتهم بالتحديد على يد الشيوعيين القادمين من الاتحاد السوفيتي وجيشهِ الأحمر الذي وضع حداً لتلك الدموية التي كانت تمارسها النازية بحق اليهود وباقي شعوب العالم ،بالإضافة الى الجيش الالماني كان هناك الكثير من المدنيون ممن سموا أنفسهم بأنهم فدائيوا هتلر وكذلك ميليشات الموت التي كان يقودها هنريك هيملر والتي كانوا يسمونها ب إس إس قاموا بحملات الابادة تلك وسطرّوا صفحات سوداء في التاريخ بتلك العنصرية البغيضة التي تملّكتهم أثناء إقدامهم على تلك الجرائم .. ليلة الكريستال سادت فيها الكراهية بشكلها المطلق الذي لا رجعة فيه وشهدت إنهياراً أخلاقياً جعل من إرتكاب تلك الجرائم أمراً عادياًَ لدى الغالبية التي تملكتها اللامبالاة حيال ما لحق باليهود وغيرهم ، فقد ألفت الناس في تلك الليلة وفي صباح اليوم التالي رؤية الجثث ملقاة على قارعة الطريق دون ان يتحرّك أحداً لدفنها أو حتى يتجرّأ لابعادها عن طريق المارة ... في عالم اليوم الذي يتسيّدهُ القطب الواحد تنمو العنصرية بقوة في بعض البلدان الغربية كنوع من رد الفعل على الازمات الاقتصادية التي تعانيها تلك الدول وتشجع بعض الأطراف في الغرب هذهِ المشاعر كمنقذ لها من التذمُر وحالة الضغط التي يعيشها مواطنوا تلك البلدان جرّاء الهموم اليومية التي أصبحت تشغلهم كنتيجة طبيعية للأزمات الاقتصادية ، وظهور أطراف دولية موازية من شأنه خلق حالة من التوازن الايجابي في العلاقات الدولية وكذلك يجعل من سيطرة القطب الواحد أمراً من الماضي ... ان مكافحة العنصرية والأفكار المتسلطة هو واجب ملقى على عاتق جميع القوى التقدمية والانسانية في عالمنا حتى لا تتكرر ليلة الكريستال في أكثر من بلد على سطح المعمورة ، ومقارنة بسيطة بين المعاهدة التي قادت شعباً بأكملهِ للوقوف خلف جلاد كهتلر في جرائمهِ وبين المعاهدة التي تعدّ لها الولايات المتحدة في العراق فإن واقع الحال يقول ان الجوهر واحد في معاهدة فرساي التي أذلت ألمانيا وقسّمتها والتي رفضها الشعب الألماني جملةً وتفصيلاً وبقي يتحيّن الفرصة للانقضاض عليها وتدميرها وبين جوهر المعاهدة المفروضة على العراق وسط تعتيم إعلامي مشابه للحالة الألمانية على الرفض الشعبي لها ، ان هذهِ المقارنة تدفعنا اليوم للدعوة لرفض الإتفاقية لانها ستقود البلاد عاجلاً أم آجلاً الى وصول دكتاتور يرتكب جرائم مشابهة بحق من يوقع على الاتفاقية وكذلك بحق الفئات التي تحاول شرعنة إحتلال العراق وتدخل البلاد من جديد أفقاً مظلماً لا يمكن التكهّن بعواقبهِ ... ان الشر المطلق الذي مثلته النازية يجب ان لا يتكرر في منطقة أخرى من العالم كي لا يتعرض نضال البشرية من أجل إعلاء القيم الإنسانية الى تراجع شبيه لتلك الحالة التي عاشتها أيام محنة الشعب اليهودي وباقي شعوب العالم التي تضرّرت جراء طيش هذا الشر وإمتدادهِ الى عصرنا الحالي ..
#فواز_فرحان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما الذي ننتظرهُ من الإنتخابات المقبلة ...
-
الفرصة الكبرى لليسار السياسي الأمريكي ..
-
ثورة اكتوبر ...ودولة المجالس العمالية
-
سفراء الولايات المتحدة وأشواك اليسار المتمرّد
-
الموضوعية ...في وسائل الاعلام الغربية
-
حول عودة المهجّرين قسرياً ...
-
الثوابت الفكرية للاتحاد الاوربي ...
-
الهدف من الإتفاقية الأمريكية مع العراق ...
-
دراسة في واقع ألسياسة ألأمريكية .
-
ألمكان ألأكثر بؤساً في ألعالم ...
-
ألمشروع ألروسي ألجديد للشرق ألأوسط ...
-
ألعولمة ... وألمصدر ألفعلي للإنتاج
-
ألحركات أليسارية ..وألقواسم ألمشتركة مع معارضي ألعولمة
-
جوانب مُظلمة في الحرب الأمريكية على الإرهاب
-
ألمرأة ... وألسيّاسة وفقدان ألأنوثة
-
ألأحزاب ألماركسيّة ... ووسائل ألإعلام
-
قبرص ...تثق بالشيوعيين
-
لا نريد لأحد ان يقلّد ديمقراطيتنا ..!!!
-
تحالفات القوى اليسارية ...وشكل الدولة العراقية المقبلة
-
رؤية تحليليّة لواقع ألعُنف ضد ألمرأة ...
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|