أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامح عودة - باقون ..(..!!..)..















المزيد.....

باقون ..(..!!..)..


سامح عودة

الحوار المتمدن-العدد: 2454 - 2008 / 11 / 3 - 05:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


عرب الرماضين وأبو فردة حكاية عذاب وفلسفة صمود ..
كطائر الفينيق نحترق ونعود من تحت الرماد طائراً محلقاً لا يخشى الموت، وكأشجار الزيتون ِ أعلى سفوح الجبال منتصبون في وجه الرياح والأعاصير، أغصان ممتدة إلى عنان السماء، وجذورٌ في قاع عمق الأرض ننغرس، نحن القابضين على الجمر والمنتصرين بإرادةٍ لم تقهر .. ولن تقهر، هكذا هو قدرنا أن نغرس أرضاً ونسقي زرعاً، ونورثُ للأجيال زيتوناً وخبزاً مغموساً بزيت الإرادة ، الإرادة التي ورثناها، وورثتاها، وستبقى محابرُ الدم وقوافلُ الشهداء تكتب "صكها" إلى يوم يبعثون، فنحن باقون على أرضنا لان لنا فيها ما نعملُ ولنا قمحاً نربيه، ولنا مستقبلُ، أما هم فليرحلوا من كل شيء فينا، وليتركوا أرضنا، وليذهبوا إلى جحيم أزلي، أو إلى بحر لجي عميق القاع، أو إلى سوق التحف، فما عاد شيء يعنينا سوى ذاك الوعد اللاهي بأننا " الباقون " الصابرون والحارسون للأرض بدم المقل ..

في وطني الجريح المكتوي بنار الاحتلال الكثير هناكَ مما يمكن أن يقال، في كل لحظة يمكن أن تروي حكايةً، لمَ يجري على الأرض من إجرام منظم، وكل حكايةٍ ليست درباً من دروب الهوى يراد بها "دغدغة" العواطف تارةً، والتسليةِ تارةً أخرى، إننا هنا نفتح جرح الأمة الغائر تحت جلد الجبن، ونشرّعُ أبوابَ الحقيقةِ ِ لخيوط الشمس كي نرى كيف أمعن المحتل بتراً فينا، وتناسينا أرضاً سقط في محرابها آلاف الشهداء ..

عرب أبو فردة وعرب الرماضين تجمعان بدويان يقعان إلى الجنوب من مدينة قلقيلية الفلسطينية، ولا يبعدان عنها سوى مرمى حجر، على تلةٍ متوسطةِ العلو، تطلان منها إلى الغرب على الساحل ،على مدن وقرى داخل الأراضي التي عاشت نكبةَ عام 1948 م، وهم في الأصل مهجرون من منطقة بئر السبع على اثر ما حل بفلسطين في نكبتها الأولى ، فمن المدن من بقي ومنها من مارس الاحتلالُ عبثيته فيها فمسحها عن الوجود أو أبقاها اطلالآً محترقةً بقايا بيوت وهجر أهلها ، فالاحتلال الجاثمُ على الصدور لم يبقِ مكاناً لم يمارسُ فيه هوايةَ العبثِ والتخريبِ فحال هذه المنطقة لا يختلف عن باقي التجمعات الأخرى، تدميرٌ، وقتلٌ، وتشريدٌ، وعزلٌ، وحرمانٌ من كلِ وسائلِ الحياة، مطلوبٌ في هذه المنطقة أن يرحل من فيها كي يضمن المحتل تواصلاً استيطانياً لمستوطنة " ألفي منشة " والتجمع الاستيطاني المحاذي لها الذي يقع إلى الشرق من التجمعين، إنهم لا يتجاوزون ال " 500 " نسمة يعيشون في بيوت من صفيح وبيوت من الشعر لا تقيهم حرَّ الصيف وزمهرير الشتاء، وكأنه ليس لهم الحق في الحياة كباقي البشر، كأنهم ليسوا بشراً في عصرٍ وصل من الرقي والحداثةِ حد الخيال، لأنهم الشوكةُ في حلق المحتل فمطلوب أن يعيشوا بلا ماء رغمَ أن آبار الماء لا تبعدُ عنهم إلا أمتار..!! ومطلوبٌ أن يكونوا بلا كهرباء رغم أن أعمدة الكهرباء قريبةً منهم، فلا صحة، ولا مدارس، ولا تعليم، ممنوع البناء والتعمير والتصليح ....ووو .. ولا حياة وبالرغم من ذلك هم باقون ..!!

مارس المحتل كل أصناف الترهيب معهم فعزلهم خلف جدار الفصل العنصري الذي أقيم بداية العام 2002 م وعزلهم هم وأربعة تجمعات أخرى خلف أسلاكٍ شائكةٍ ومنعم العبور أو الخروج الا عبر بوابات يمارسون بحقهم جميع أشكال الإذلال وانتهاك آدمية الإنسان، كأنهم عبيدٌ خلقوا للعذاب، سبٌ، وشتمٌ، واهانات، لا تكالُ بميزان، هذا جزءُ من الصورة القاتمةِ التي يمكن للحبر أن يرسم جزءاً منها قبل أن يتجمد، فربما الكلمات مهما كانت بليغةً في ميزان اللغة لا يمكن أن تصور نماذج القهر ولو للحظةٍ، فمهما أوتينا من بلاغةٍ لا يمكن أن تعبر عن دقيقة الم في عيون الأطفال الذين شاهدتهم يسيرون في الدروب الوعرة، وهم يبحثون عن دقيقة أمل في مكان ليس فيه أمل ويفتقد إلى مقومات الحياة ..

محافظ محافظة قلقيلية العميد ربيح الخندقجي الذي رافقناه في جولته قبل أيام وهو يتفقد تلك المنطقة المنكوبة، استمع إلى معاناة المواطنين، ورأى ما فعل الاحتلال فيها، كون المنطقة منطقةً معزولةً لا يمكن لأحد دخولها إلا بتصاريح خاصة ، وصف الوضع بالكارثي ، واللانساني، فهو شاهد نكبةً ثالثةً أحلت بتلك المنطقة، فالخراب والتضييقُ الذي شاهده لم يكن وليد اللحظة، فهو يأتي وفق برنامج معد يتناسب والذهنية الإسرائيلية التي لا تجد لها متنفساً إلا في العبث، وفي تدنيس كل طاهر ونقي، لذلك فقد أشاد بصمود المواطنين الجبار، وتعهد بتقديم كل الدعم الممكن كون المنطقة تعيش وضعاً قل أن تجد له مثيلاً على وجه الأرض ..

السكان المحليون وأمام هول المنظر وعمق الألم الذي يجتاحهم من كل الاتجاهات، الاحتلال،والاستيطان، وجدار الفصل العنصري سلاسل تطوقهم وتقتل روح الحياة في المكان، ومع ذلك يصرون على تحدي الصعاب، وقمع الاحتلال، فيبدو أن الترهيب وإن تعددت وسائله لم ينجح في جعلهم يتركون المكان، فذاكرة المكان حافلةً بالكثير من الأحداث التي صيغت من خلالها هويتهم الوطنية، على أرضهم كبروا وتحملوا مشاقَ الحياة هم باقون رغم القهر، مزروعون لن يغادرون، ولأن القوة لم تفلح في ترحيلهم فقد ابتكر الاحتلال أسلوباً جديداً من الترغيب المقيت..!! فتوجه لهم الإسرائيليون بعرض كانوا يظنون أنهم سوف يقبلون به، قرية نموذجيه فيها كل وسائل الحياة الممكنة وبأعلى المواصفات، لكن هذا العرض المغري في ظاهره رفضه المواطنون ولم يحتفلوا به فهو عرض كمن يقدم العسل بداخله سماً، لقتل الكرامة قبل كل شيء..!!

هذا جزءٌ من حكاية، العذاب اليومية التي يخوضها عرب الرماضين وعرب أبو فردة في محافظة قلقيلية الفلسطينية، وهذه ليست المنطقة الوحيدة التي يغتالها الصهاينةُ بهذه الطريقة فهناكَ العديدُ من البلدات ممن جعلها الاحتلال " جيتوهات " معزولةً مقطعة الأوصال ، ولتكن هذه صرخة في أذن ضمير إنساني أصم، يمارسُ صمتاً غليظاً أمام الانتهاكات اليومية المتتالية في فلسطين بشكل عام وفي تلك المنطقة بشكل خاص، ربما يكون لها أثر في نفوس المراقبين والمتابعين لانتهاكات حقوق الإنسان، في زمن أكدت كل مواثيقه الدولية على صون كرامة الإنسان والارتقاء به بغض النظر عن اختلاف العرق والدين، ترى هل سينتظر المواطنون في تلك البقعة زمناً طويلاً كي يعيشوا بكرامة وسلام؟! سؤالٌ نبقه معلقاً للأيام ..







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخي إحمل سلاحكَ واقتلني .. !!
- ترانيم الوداع الاخير
- اغتيال الذاكرة


المزيد.....




- ترامب: لن نسمح لإيران بأي تخصيب لليورانيوم
- -سي إن إن-: الجولة السادسة من مفاوضات الاتفاق النووي بين الو ...
- أوربان: بروكسل قررت أن على أوكرانيا مواصلة النزاع
- مكتب -أوتشا-: حياة مئات الآلاف في كردفان غربي السودان على ال ...
- الرئاسة التركية: نأمل في وقف إطلاق النار بعد المفاوضات بين ر ...
- 20 ألف شخص يخلون مساكنهم في كولونيا بألمانيا والسبب وجود قنا ...
- مستشار عسكري سابق لميركل: تسليم صواريخ توروس إلى أوكرانيا يو ...
- محامون لأجل فلسطين: عناصر -غزة الإنسانية- همم جنود استخبارات ...
- ترامب: نجهز مخزوناتنا من الأسلحة بوتيرة غير مسبوقة
- دبلوماسي إيراني: طهران تعتزم رفض المقترح الأمريكي النووي وتع ...


المزيد.....

- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامح عودة - باقون ..(..!!..)..