أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نجيب غلاب - الفوضى والملاذ الآمن للقاعدة ..ما هي الحلول الصهيونية والإيرانية لحل المشكلة؟















المزيد.....


الفوضى والملاذ الآمن للقاعدة ..ما هي الحلول الصهيونية والإيرانية لحل المشكلة؟


نجيب غلاب

الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 01:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في معركة الدستور قبل الوحدة وبعد تحقيقها كانت الأوساط الحزبية الأصولية قد جعلت من المعركة آلة تعبوية لتمييز نفسها وتحديد أعدائها وتأصيل لمنهجها الإسلاموي، ولم تكن تلك التعبئة التي تبنتها بشكل رئيسي حركة الأخوان المسلمين إلا بداية لحشد المجتمع لصالح مشروعهم الحزبي القادم، معركة الدستور لم تكن بريئة فأهم أهدافها تمحورت في تشويه النخبة السياسية والفكرية القادمة من الجنوب وتخويف النخبة الشمالية القريبة من اليسار والنخبة ذات الميول العلمانية من مواجهة مولود الأخوان القادم، وتجرأ بعض الدعاة في المعمعة وطالب قيادات الحزب الاشتراكي بإعلان الشهادتين ليصبحوا مسلمين، وأرسلت رسائل حملت في طياتها خطاب دعوي بلغة الإعجاز العلمي بهدف إقناعهم ان الله موجود وهذه الرسائل حملت في طياتها التكفير بشكل غير مباشر.
بعد إعلان الوحدة وخوض غمار الفترة الانتقالية كانت القوى اليسارية قد رفعت شعار المواجهة مع القوى التقليدية ومع تعاظم أوار الصراع وبروز المشروع الحضاري للحزب الاشتراكي أصبح الصراع مصيري وحتمي بالنسبة للقوى الأصولية وباسم الله خاضوا معاركهم الفكرية والصحفية والسياسية ودفعوا بالجميع باتجاه صراع كانت نتائجه كارثية ومازالت حتى على أنفسهم.
لم يكن الأفغان العرب بعيدين عن المعركة، فحركات الجهاد التي أنتجتها الحروب الأمريكية في صراعها مع عدوها الأحمر كانت تعيش غليان شديد في اليمن، وتحدث بعضهم عن تحرير الجنوب من الشيوعيين، ومع الوحدة أصبح الحزب الاشتراكي شريكا أساسيا في الحكم، ومشروعهم اليساري بنزعته الليبرالية الفكرية والسياسية يتحرك بقوة وثقة، في هذه المرحلة ومع خطاب أسلاموي متطرف اغتيلت بعض الشخصيات المثقفة اليسارية ذات النزوع العلماني، وأيضا بعض قيادات الحزب المتحمسة والجريئة في مواجهة الخصوم، ومازال الفاعل مجهول حتى اللحظة.
كانت انتخابات 1993م أول معركة سلمية دخل الجميع فيها امتحان حقيقي للقوة وكانت النتائج بالنسبة للحزب محبطة فقد أصبح القوة الثالثة في الساحة بعد المؤتمر والإصلاح، تمكن حزب الإصلاح من أثبات وجوده ولعب خطابه السياسي والدعوي دورا كبيرا في أضعاف قوة الحزب، مثل دخول الإصلاح كشريك ثالث في الحكم بداية لصراع سياسي أعمق، وعندما بلغ الصراع السياسي بعد الانتخابات النيابية في عام 1993م حدّ القطيعة بين الحزب الاشتراكي وشريكه في الوحدة المؤتمر الشعبي العام، أنتقل جزء من النخبة الجنوبية إلى عدن، وعندما بدأت بعض الأطراف تلمح بالانفصال كخيار لحل الأزمة السياسية، أصبحت الحرب لدى الأطراف الشمالية والجنوبية جناح على ناصر محمد والمتمسكة بالوحدة خيار له الأولوية لمواجهة القيادات الجنوبية في الحزب الاشتراكي المهددة بالانفصال، ودخلت لعبة التحالف لمواجهة الحزب في هذه المرحلة القوى اليسارية الشمالية ذراع الحزب السابق في الشمال التي تم استبعدها من قبل قيادة الحزب في اتفاقياتها المعلنة والسرية مع شريكها الشمالي وتم عزلها وتهميشها ومن التحق بالحزب أصبح تابعا للحزب دون أن يكون له أي سلطة فعلية، كل ذلك أضعف الحزب وسهل للأقلية أن تقوده نحو سياسات مناهضة لتاريخه الوحدوي، والأخطر أن مراكز القوى المناهضة للحزب الاشتراكي تمكنت من أحتوى جناح الحزب في الشمال وتحويله إلى قوة لإضعاف الحزب.
ولتغطية ضعفه في المحافظات الشمالية بعد أن تخلى عن سنده الفعلي قام الحزب ببناء تحالف غير واضح المعالم وغامض نوعا ما مع قوى اسلاموية طائفية لها طموحات شديدة في تغيير تركيبة المنظومة السياسية وبعث الخريطة المذهبية التاريخية في المحافظات الشمالية وحتى الجنوبية بعد أن أصابها الخلل بفعل الثورة وتمكّن الأخوان من الهيمنة على التعليم والتشريع خصوصا في فترة الثمانينيات، أستغل الحزب الاشتراكي من الانتماءات العرقية لقياداته من توظيف تلك القوى التقليدية وبعض الشخصيات العصرية ذات الميول الطائفي وجعل منها ذراعا لمواجهة تجمع الإصلاح الاسلاموي وتمكن أيضا من استغلال خبرتها في تشتيت طاقة النخبة الشمالية وتوظيف المجتمع في صراعاته.
قاتلوا ولم تعجبهم الغنيمة
كانت الحرب أم الكوارث على الوحدة وعلى الحزب، يقال أن الرئيس صالح كان أشد الممانعين لفكرة الحرب خوفا من أن تصاب الوحدة بجرح عميق، وكان مقتنعا بإمكانية إعادة بناء الوحدة وفق مسارات لا تهددها من خلال استيعاب مصالح الآخرين، وأن أضرت بمصالح بعض الأطراف في الشمال والجنوب، تمكنت القوى التقليدية المتحالفة مع الرئيس صالح من فرض أجندتها ودفعت بالأزمة إلى حدودها القصوى، ولمح بعضهم بإمكانية الانقلاب عليه إن لم يقف مع خيار الحرب كحل وحيد، وأكدت له القوى المؤيدة للحرب أن الانتصار في المعركة مسألة محسومة.
كان المجاهدين من بداية الصراع الذي بدأ قبل إعلان الوحدة على دستور دولة الوحدة يطرحوا أنفسهم كقوة مساندة للأطراف المتصارعة مع الحزب الاشتراكي، ويقال أن بعضهم طرح أثناء الأزمة السياسية فكرة التخلص من قيادات الحزب الاشتراكي بتفجير انتحاري قادم من الجو يستهدف اللجنة المركزية للحزب عند اجتماعهم في مقرهم الحزبي، وبالتالي التخلص من الشيوعيين بضربة واحدة، تفاعل بعضهم مع هذا الخيار الكارثة، وتم رفضه بحسم وشدة ممن كان له قلب وألقى السمع وهو خبير.
مع تفجر الحرب الأهلية في 1994م وإعلان الانفصال وجد أنصار القتال فرصتهم، وتمكنت قوى التطرف الجهادية من لعب دور فاعل في المعركة، وأدارت معركتها بشعارات تكفيرية مثلها مثل تجمع الإصلاح الإسلامي، أم قوى الثأر الوحدوية من أنصار الرئيس المهزوم في يناير فقد بدأت معركتها التي انتظرتها طويلا.
كان لمشاركة الأفغان اليمنيين في الحرب وانتصار الشرعية الدستورية دورا أساسيا في تمكين بعضهم من بناء شبكة من العلاقات مع قيادات اجتماعية ورسمية، وهذا سهل حركتهم ومكنهم من ممارسة أنشطتهم دون خوف بل أن بعض أعضائها كما يطرح بعض الباحثين تمكّن من اختراق المؤسسة العسكرية والأمنية دون أن يواجهوا مشاكل كثيرة، فقد أصبح (المجاهد) جزء من شرعية المنتصرين للوحدة.
بعد الحرب لم تقتنع الحركة الجهادية بغنائم السلاح والمال وبما منح لها من مكافئات، وتعبيرا عن اعتراضها بدأت معركتها مع الحكم من خلال مناوشات عسكرية بينهم وبين القوات الحكومية في عدن وباستيلائهم على شرطة كريتر واجهتهم الدولة بصرامة وبدأت مرحلة جديدة من الصراع، وعندما شكل أفغان اليمن جيش عدن أبين الإسلامي بدأت الحرب الحقيقية مع الدولة واعتقل عدد من أعضاء جيشهم، وأنفلت حبل الإرهاب في عملية اختطاف السياح الأجانب في ابين وقتل عدد منهم، وفي هذا الوقت أدرك الرئيس مخاطر اللعبة مع الإرهاب.
تناقض الإرادات في اليمن عملة تقدرها القاعدة
كانت الحركة الجهادية تتحرك في اليمن ولديها خطة واضحة هدفها جعل اليمن مرتكزا مهما لنشاطها، فالأفغان العرب ينعموا بكرم الضيافة العربية الأصيلة، والبيئة مهيأة لإعداد المقاتلين لمواجهة أعداء الله في معاركهم القادمة فقد أسكرتهم هزيمة واشنطن في أرض الصومال، ومع تزايد القادمين لليمن من أفغان العرب الفارين من دولهم، وتزايد الأنشطة الإرهابية ضد المصالح الأجنبية داخل اليمن وخارجه، تعرضت اليمن لضغوط إقليمية ودولية، أدت تلك الضغوط إلى بروز صراعات داخل المنظومة السياسية، كانت أبرز نتائجها تمكن التيار شبه الليبرالي في الحكم من السيطرة على الحزب الحاكم تدعمه بعض القوى الطائفية المعادية للأصولية السنية، ومع تطور الاحداث تبنت أغلب النخبة السياسية الحاكمة سياسات واضحة لمواجهة الأصولية الجهادية والأخوانية وعملوا بشكل جاد للحدّ من أنشطة الإرهابيين وإخراج الأخوان من منظومة الحكم.
لم يحسم الصراع بشكل نهائي لصالح أي طرف رغم خروج الإصلاح إلى المعارضة ويعود السبب أن اليمن رغم معاناتها من التناقضات الفكرية والسياسية وتناقض المصالح إلا أن المراكز المؤثرة الماسكة على القوة في البلد تتمكن من بناء تحالفات متناقضة وغامضة، وما يساعد على التوافق رغم التناقضات الحادة هو طبيعة تركيبة المجتمع ونتيجة هيمنة روح الانتهازية في صراع الأفكار والمصالح، وأيضا نتيجة التدخلات الخارجية المختلفة التي غالبا ما تتعامل مع القوى السياسية أو الاجتماعية دون أن تلقى أي اعتراض قوي ممن يدير الدولة بل أن جزء من المنظومة السياسية يقبل المسألة كأمر طبيعي.
هذه الوضعية ضاعفت من ضعف الدولة وعمقت هشاشتها لصالح المراكز المتنافسة على غنائمها، ومع تراكم الأزمات تولدت فوضى عامة، وما يجعل تلك الفوضى متماسكة أن خيوط الفوضى تمسكها نخب متصارعة ومتوافقة في الوقت نفسه، هذه الفوضى تنتج بين الحين والآخر نقائض الدولة في المجتمع التي غالبا ما تعلن التمرد أما ضد الدولة أو ضد جزء من النخبة المهيمنة، كل ذلك جعل قرار الدولة مشتتا ومرتبكا حتى في مواجهة أعدائها، وهذه الوضعية هي البيئة الملائمة لعمل الإرهاب.
مع ملاحظة أن وضعية الصراع بين مراكز النفوذ جعلت من حركات الإرهاب في اليمن جزء من الصراع الداخلي لذا فقد ظل ملف مواجهتها مفتوحا ومغلقا في الوقت نفسه، وعندما تهدئ لعبة الصراعات في الساحة اليمنية يلاحق أعضاء الحركات الرافعة لشعار الجهاد بجدية من قبل الأجهزة المختصة، فتلجأ الحركات أما إلى ممارسة عمليات تكتيكية بما لا يقطع حبل العلاقة الساكنة مع المسئولين، أو بتخفيف حركتها وتفهم موقف الحكومة اليمنية في مواجهة الضغوط الخارجية، خصوصا واستراتيجيهم تقوم على إبعاد الأنظار على اليمن فالمشروع الجديد مع بروز تنظيم القاعدة كان يرى في اليمن بيئة ملائمة لإنتاج المقاتلين وملاذ آمن، وهذا لا يعني أن القاعدة لم تتخلى عن أنشطتها وعن تنفيذ عمليات نوعية، ففي لحظة معينة تكسر حاجز الصمت فجأة وتمارس إرهابها بلا هوادة.
من الواضح أن طبيعة العلاقة بين الحركات الإرهابية وبين النظام الحاكم وبعض القوى السياسية والاجتماعية كانت غامضة وهذا جعل المراقبين في حالة من الحيرة وبينما يؤكد البعض أن تواجد القاعدة ضعيف وما يحدث ليس إلا جزء من الصراع بين القوى المتنافسة على السلطة، أما البعض الآخر فكان يبالغ في طرحة ويعتقد أن أطراف محورية في النظام متورطة مع فرع القاعدة في اليمن، وهذا مكنها من ممارسة أنشطتها كالتجنيد وبناء المعسكرات التدريبية.
قوة القبيلة وضعف الدولة يخدم الإرهاب
بعد الحادي عشر من سبتمبر كان لدي أجهزت المخابرات الإقليمية والدولية رغم جهلها لأنشطة القاعدة في اليمن قناعة أن نفوذ أعضائها قويا، وأن وضع الدولة الضعيف وطبيعة المجتمع المتعاطف مع القوى الأصولية وطبيعة التحالفات ونتيجة قوة القبائل وضعف تواجد الدولة فيها، ربما يحول اليمن إلى مركز إقليمي للقاعدة في أي معركة قادمة مع الإرهاب، لذا فقد وضعت الولايات المتحدة اليمن بعد أفغانستان في حربها على الإرهاب.
أدرك القيادة اليمنية الخطر وخوفا على مصالحها ومصالح بلادها تمكنت من أن تحسم أمر المواجهة بسرعة وتبنت سياسة واضحة لا لبس فيها ضد الإرهاب، ومع دخول اليمن معسكر التحالف العالمي لمواجهة الإرهاب بدأ الصراع الفعلي بين جزء من النخبة التي تقود الدولة اليمنية وبين القاعدة، والغريب في الأمر أن القاعدة في هذه المرحلة لم تتبن إستراتيجية تدمير مؤسسات الدولة وإباحة قتل رجالاتها.
ولعلى السبب أن السياسات المتخذة لملاحقة أعضائها وأنصارها رغم قوتها وفاعليتها لم تكن مؤثرة عليها، فالواقع اليمني المعبأ ضد الولايات المتحدة، ونتيجة لهيمنة القبيلة ووعيها الذي يؤسس للفوضى في إرجاء المجتمع والدولة، ونتيجة سيطرة الخطاب الأصولي المتبني لخطاب معادي للآخر ولثقافة العصر، مكّن القاعدة من حماية نفسها في الوسط القبلي وجبال اليمن الشاهقة وتضاريسها الصعبة، وما أضعف من السياسات الحكومية أيضا أن بعض النخب القبلية والأصولية كانت مقتنعة أن أعضاء القاعدة قوى مؤمنة مطاردة من العدو الغربي والحكومة المركزية ليست إلا مضطرة في حربها وهذا جعلها تتعاطف معها وتوفر لها ملاذا آمنا.
وتأييد القاعدة في الوسط القبلي مسألة طبيعية فالقبيلة التي عزلتها النخب القبلية وجهلتها، وأحيت فيها ثقافتها التقليدية وبعثت فيها وعيها القبلي العصبوي في مواجهة الدولة ومواجهة المنافسين، حتى تتمكن تلك النخب من فرض إرادتها على من يحكم، ومع غلبت خطاب أصولي في هذا الوسط المغلق، كل ذلك جعل من ثقافة الحرب ومواجهة الأعداء هي الغالبة، وهذا سهل للقاعدة أن تخلق مجال متعاطف معها ومؤيد لأطروحاتها بل وعلى استعداد للقتال معها، ومن يستقرا الوضع في المجتمع القبلي في بداية الحرب المعلنة في اليمن على القاعدة سيجد أن المقاتل في صفوف القاعدة كان يمثل في الوعي القبلي نموذجا للفارس الشهم المقاتل على الشرف والكرامة، أما عندما يصبح العدو (كفار الأمريكان اليهود) فإن وعي القبيلة المعبئ والكاره للولايات المتحدة يتلبس بالوعي الأصولي وعندئذ يصبح ملاحقة أعضاء القاعدة من قبل الدولة هو الكفر بعينه، وحمايتهم والدفاع عنهم هو الإيمان ذاته.
واليمن لا تختلف عن غيرها من المجتمعات التي تلعب القبيلة فيها دورا قويا كأفغانستان وباكستان ودول الخليج والجزائر..الخ، فالقاعدة في هذه المجتمعات غالبا ما تكون فاعلة ومحمية نوعا ما، مع ملاحظة أن الخطاب الأصولي عادة ما يسهم في دفع القبيلة نحو العنف مستغلا وضعيتها ووعيها المحبذ للحرب والقتال وإمكانية أبنائها المهيئين لتحمل معارك الإرهاب.
الفوضى المنظمة بيئة الإرهاب المفضلة
بعد أن هدأت عاصفة الحادي عشر من سبتمبر حاول النظام السياسي ومؤيديه من خلال الأطراف المتعاطفة مع أعضاء القاعدة إقناعهم بعدم استهداف المصالح الغربية في اليمن وتجميد أنشطتهم، إلا أن القاعدة لم تكن قادرة على كبح نفسها من تحويل اليمن إلى مركز مهم في معركتها مع الغرب خصوصا والأجواء مهيأة، فالصراع السياسي وضعف الأجهزة الأمنية رغم جهودها الجبارة في ملاحقة القاعدة، وتمكن أعضاء القاعدة من الذوبان في المجتمع جعل المجال مفتوح للقاعدة أن تنفذ عملياتها في اليمن دون أن توجه لها ضربات موجعة.
وما يساعد القاعدة في اليمن أن الايدولوجيا المؤسسة لفعل القاعدة لم تواجه بالشكل المطلوب فمازالت أفكارها تلقى قبول لدى الكثير من الشباب المهيأ والمعزول عن العالم، فالمسارات التعبوية التي تتبناها قوى سياسية وثقافية في المجتمع لمعادة الآخر ورفض شرعية نظام الحكم تعيد تعبئة المجتمع لصالح أفكار القاعدة بل أن بعض القوى العلمانية لا تتحفظ في صراعها السياسي من الترويج للعقائد المنتجة للإرهاب.
وما ساعد القاعدة في اليمن من حماية نفسها هي إستراتيجية الحوار لأن الحوار نتائجه الواقعية هي تدعيم قوة الإرهاب، فأصولي القاعدة يوافق على سياسات الاحتواء وتجميد أنشطة من يكشف أمرهم كتكتيك طبيعي في معركة قائمة على الخداع، فهو يهادن حتى يتمكن من التوسع والانتشار وكان أبرز نتائج الحوار بروز الجيل الثاني من القاعدة، المشكلة ليست في من يدير الحوار بل في إستراتيجية القاعدة التي تبيح كل شيء في معاركها العبثية، عضو القاعدة خصوصا ذات الباع الطويل يحاور ولديه قناعة أن الدولة وحكامها أعداء مثلهم مثل الكفار وخداعهم أمر شرعي بل فرض عين، والخطر أن بعض أعضاء القاعدة تحول إلى مخبر سري للأجهزة الأمنية ولأنهم مدربين ومحترفين في التمويه وعقائدهم راسخة فقد تحولوا إلى قوى مقاتله بطريقة مختلفة وتمكنوا من صناعة رؤية ضبابية أصابت الأجهزة الأمنية برؤية مشوشة.
ونشير هنا أن البيئة اليمنية في ظل وضعية الفوضى المنظمة جعل من اليمن في إستراتيجية القاعدة مكان ملائم لأنشطتها وإدارة عملياتها وتدريب كوادرها، مع ملاحظة أن عملياتها الأخيرة والمتقطعة في اليمن لا تفصح عن قوتها الحقيقية، وهي عمليات انتقامية موجهة ضد المصالح الاقتصادية اليمنية وقوات الأمن وهي ردة فعل فقد تمكنت القوى الأمنية من توجيه ضربات مؤلمة للقاعدة، إلا أنه يمكن القول ان العمليات التي قامت بها القاعدة ليست إلا لتغطية أنشطتها وتشتيت طاقة الأمن في عمليات مدروسة بدقة هدفها حماية الأنشطة الفعلية للقاعدة في اليمن والتي تسعى جادة لتحويلها إلى منطقة لإدارة التوحش وهي مرحلة تأتي بعد سقوط الدولة ويتم توفير أساسيات الحياة للمجتمع ومراقبته من خلال جهاز امني سر وظيفته مراقبة المجتمع وتصفية الخصوم وتحويل اليمن إلى منطقة توحش يعني أن تتحول اليمن الى مركز عالمي للتدريب وإيواء المقاتلين وإرسالهم إلى الدول الأخرى بهدف إسقاط أنظمتها وجلب القوات الأمريكية لإنهاكهم في البيئة اليمنية وتشويه صورتهم العالمية كلما زاد سفك الدماء وتحريض العالم الإسلامي عليهم ليصبحوا مهيئين لفكر القاعدة في مجتمعاتهم.
فتنظيم القاعدة بعد ان حوصر في العراق والخليج سوف يستغل الوضع اليمني لتحقيق إستراتيجيته التدميرية في المنطقة، من خلال تحويل اليمن إلى مكان استراتيجي وملاذ آمن، فالجغرافيا الطبيعية والاجتماعية والثقافية تؤهل اليمن ليصبح موقع منيع للحماية وإنتاج المقاتلين الأشداء، فالانفجار السكاني وضعف التنمية وتناقض الإرادات في منظومة الحكم وبين الدولة والنخب الاجتماعية خصوصا القبلية والمناطقية ومع هيمنة روح القتال وانتشار الفقر والأمية والخطاب السياسي المعادي للغرب وغيرها من المشاكل كل ذلك مؤهلات مغرية للقاعدة لتحويل اليمن إلى مركز لإدارة أنشطتها وتجنيد الكثير من شبابها.
ونؤكد هنا أن القاعدة وأعوانها يتبنوا إستراتيجية أضعاف النظام السياسي وإنهاك الدولة وتشتيت طاقة القوى السياسية في صراعات عبثية نتائجها نشر الاضطرابات وعدم الاستقرار، فالفوضى هي المدخل الذي سوف يمكّن القاعدة من تحويل اليمن إلى مركز لأنشطتها في الجزيرة العربية والشرق الأوسط وجزء من أفريقيا وحتى شرق آسيا.
الصراع الطائفي خيار الأعداء
ونشير هنا أن أطراف صهيونية وغربية ذات ميول صهيونية تتبنى سياسات خطيرة في اليمن لمواجهة إستراتيجية التطرف الإسلامي تقوم على أساس تفتيت المجتمع وتدميره من الداخل من خلال تدعيم الأجواء الملائمة للصراعات الطائفية، فالصراع الطائفي كما يتصور بعض واضعي الاستراتيجيات نتائجه الفعلية أضعاف المجتمعات في صراعات معيقة للتقدم وأيضا تدمير طاقة المتطرفين في صراعات عبثية، وكلما تغلبت الصراعات الطائفية على المجتمع وطال أمدها فإن ذلك سيؤدي إلى إقناع الكثير من أبناء المجتمع بخيار علمنة الدولة والمجتمع.
وبروز طائفة متطرفة شيعية في اليمن في مواجهة السنية السلفية والاخوانية كما حدثني خبير سياسي محترف هي بداية لإعادة بعث الزيدية في مناطقها التاريخية وهذه المسألة كما يؤكد يتم ترتيبها بحيث تفعل في سياقات صراع طائفي، وإعادة تعبيئة المجال الزيدي في سياق طائفي ضرورة إستراتيجية وأبرز أهدافها هو إفشال أي مشاريع متطرفة قد تتمكن من السيطرة على حكم اليمن، والأهم من ذلك خنق أي تحولات إيجابية في المجتمع لصالح رؤى إسلامية معاصرة، فالقوى الأصولية الغربية لديها خطة واضحة لتشويه صورة الإسلام في بؤرة أخرى من العالم الإسلامي، فالصراع الطائفي يؤدي إلى نمو الإرهاب بطريقة تعمل على تدمير دون ان يتمكن الإرهاب من حكمه وهذا مهم جدا لكارهي الإسلام لأنه يسهم في إعادة تصوير الإسلام كدين بربري متخلف في العقل الغربي ويجعله منبوذ لدى الأجيال الجديدة في العالم الإسلامي الذي سيفضل الثقافة الإنسانية لا الدين الذي يقتل أبنائه.
ومن مخاطر الصراع الطائفي في اليمن قدوم إيران التي هي الأخر من الداعمين بشكل منظم للصراع الطائفي في المنطقة العربية فهو أهم المداخل التي تزيد من قوة إيران في المنطقة ويجعل منها لاعبا أساسيا في شئون المجتمعات العربية، وهذا مهم لأمنها القومي، فالشيعة العرب في سياق الصراع الطائفي يتجهون نحو إيران وكلما فرضت عقائدها على الشيعة في الدول العربية أصبحت أكثر قدر قادرة على فرض مصالحها، فالصراع الطائفي في اليمن سيجعل شيعة اليمن الزيود رغم التناقض العقائدي على المستوى الديني يتجهون بشكل تلقائي وطبيعي نحوها، وكثير من الباحثين يعتبرون الحوثية وهي تعبير عن الزيدية المتطرفة منتج إيراني، وتشيع الزيود على الأقل على المستوى السياسي في المرحلة الحالية سوف يحقق لها دعم استراتيجي في مواجهتها المحمومة لمحاصرة السعودية باعتبارها الدولة الأكثر قدرة على مواجهة طموحاتها في فرض هيمنتها على جزيرة العرب والحد من هيمنتها في المنطقة بعد أن أصبحت لاعب أساسي في العراق وبلاد الشام، وتدخل إيران في اليمن مع وجود استراتيجيات أخرى تتبنى نفس الخطط وأن أختلفت الأهداف ربما يحول اليمن ساحة لصراعات لا طائل من ورائها، وفي تصوري ستكون الزيدية أكبر الخاسرين، ولكن بعد أن يفقد اليمن الكثير.
بالنسبة للغرب رغم أن اليمن مسألة أمنية في استراتيجيهم فلن يشكل التواجد الإيراني خطر كبير على مصالحهم بل يخدم مصالحهم، فالوجود الإيراني في اليمن من ناحية إستراتيجية يشكل خطر على الأنظمة في الخليج وعلى مصر والأردن وقوة إيران واختراقها للمجتمعات العربية يسهم في تعميق تحالف هذه الدول مع الغرب وربما يزيد من التقارب مع سوريا وتهدف الولايات المتحدة من ذلك بناء محور عربي من الدول العربية الرئيسية بعد عملية السلام السورية الإسرائيلية وربما قبلها يجعل من السلام العربي الإسرائيلي وقبول إسرائيل خيار استراتيجي لمواجهة المخاطر الإيرانية التي ستتحالف مع الصين وروسيا.
والاحتمال الأكثر تحققا أن الصفقات الغربية مع إيران، التي ظهرت ملامحها في الحوافز الغربية التي تهدف إلى تشجيع إيران بأن تتخلي عن المسألة النووية، سوف تنهي حالة الصراع الطويل مع دولة ولاية الفقية وسوف تساعد على بناء علاقات إيجابية معها.
وتقوية إيران في المنطقة بالنسبة للغرب خصوصا الولايات المتحدة والسماح لها بالتدخل في شئونها من خلال تبني إستراتيجية التشييع الديني والسياسي في الأوساط العربية بما لا يخل بمصالح الغرب سوف يؤجج الصراع الطائفي ليصبح محوري في السياسات الإقليمية وهذا يمثل مدخل مهم لقبول الغرب كلاعب جوهري في شئون المنطقة، مما يساعده على تمرير مصالحة بلا مشاكل أو خسائر كثيرة، والصراع الطائفي أيضا مهم جدا لمواجهة المشروع الإسلاموي وتحويله إلى مشروع متناقض مع ذاته ومهموم بالتناقضات العقدية والنزاعات التاريخية ومهم لتوجيه طاقات المتطرفين نحو الداخل الإسلامي.
مالعمل؟
أفضل الخيارات بالنسبة للعرب واليمنيين لمواجهة الإرهاب وسياسات الخارج وأهدافهم التي تخدم مصالحهم لا مصالحنا يمكن أجمالها في التالي:
 تدعيم الدولة اليمنية الحديثة الموحدة وفرض هيبتها وسيطرتها الكاملة والتامة على كامل التراب الوطني.
 تبني إستراتيجية وطنية شاملة لترسيخ القيم الإنسانية كالتسامح والحرية وقبول الآخر وغيرها من القيم المعاصرة وإفساح المجال للقوى الحديثة في مؤسسات الدولة وتفعيل دورها في قيادة المجتمع.
 محاصرة ثقافة الفوضى والفساد فهي المدخل الذي يمكن القوى التقليدية من فرض أجندتها وخيارتها على الدولة والمجتمع.
 مواجهة التدخلات الإيرانية الطائفية بحسم وقوة وبناء علاقات متوازنة معها بما يخدم مصالحنا الوطنية ولا يتناقض مع علاقاتنا العربية.
 استيعاب القوى التي يمثلها المذهب الزيدي في تحالفات المصالح وترك الفاعلية الزيدية كمذهب تطور ذاتها من الداخل وترك القوى التي تمثله في التعبير عن ذاتها بحرية.
 مناهضة التشيع السياسي لصالح إيران ومصالحها خصوصا التشيع الذي يظهر في تعبيرات جماعية لأن التشيع السياسي يتناقض مع مصالحنا الوطنية والعربية ولا يخدم الإسلام ولا المذهب الزيدي.
 محاصرة الرؤى المتطرفة لدى المذاهب السنية والحد من انتشارها بالبديل المعتدل خصوصا السلفية المتطرفة التي تكفر المذاهب الأخرى ولابد من مواجهة دعاة التكفير بشكل جماعي وفرض قانون يعاقب من يكفر الآخرين أو يحرض ضد الطوائف الأخرى.
 مواجهة الزيدية المتطرفة بقوة الدولة والمجتمع لا بالفعل الطائفي.
 تشكيل تحالف مذهبي زيدي سني من المعتدلين ومن شيوخ القبائل ولا مانع من دعم عربي وبإشراف الدول لمواجهة القوى المتطرفة المؤسسة للصراع الطائفي ومواجهة القاعدة وأفكارها التدميريه.
 تعديل المناهج الدراسية بما يخدم مصالحنا الوطنية وينمو الروح الوطنية والقيم العربية الأصيلة ويعيد للإسلام نوره المتلألئ بالخير والتسامح والرحمة والحب..الخ.





#نجيب_غلاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاعدة منتج أصولي والإرهاب ينتج نفسه
- من أجل عقد اجتماعي جديد لبناء الدولة المدنية .. نقل العاصمة ...
- لماذا يُقدّر السياسي المثقف الانتهازي والداعية المُزوّر؟
- الإرهاب مهزوم وتبريره جريمة في حق الدين والوطن
- الايدولوجيا الحزبية الاسلاموية وصناعة الاستبداد والمصالح
- وحيد في بحر من ضياع
- ما علاقة قانون الانتخابات اليمني بأزمات حزب الإصلاح الاسلامو ...
- العلاقة بين أوهام إيران الخمينية وفشل ويأس الإسلاموية السنية
- هذيان
- جدلية الصراع بين السياسة والثقافة .. من أين يبدأ التغيير؟
- العشق في شقاوة أنثى من خيال
- دور الوعي القبلي التقليدي والمناطقي في تخلف اليمن
- خواطر شوقي التائه
- ضاع في عيون ساحرة
- الاسلاموية بين تخريب السياسة وتشويه الدين
- جسد الغياب
- رسالة لكل حر متمرد على ثقافة الموت
- اليمن ... تحالف هيئة الفضيلة وصراع المصالح المتناقضة
- الصراع في بنية الإيديولوجية الخمينية
- لبنان .. الطائفية وصراع المصالح


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نجيب غلاب - الفوضى والملاذ الآمن للقاعدة ..ما هي الحلول الصهيونية والإيرانية لحل المشكلة؟