أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مثنى الشلال - أسطورة الطوفان البابلية















المزيد.....


أسطورة الطوفان البابلية


مثنى الشلال

الحوار المتمدن-العدد: 2417 - 2008 / 9 / 27 - 03:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يتناول هذا الموضوع مسألة اثار الجدال عندها كثيراً وتحدث عنها شعوب الارض جميعهم وكافة الكتب السماوية , وهي قصة الطوفان وما آلت اليه والمقصود بها قصة نوح عليه السلام .... وارتأيت ان اكتبها باجزاء لمعرفة تاريخها ونشأتها ومن هم ابطالها حسب ماجاء من مدونات وأرقم طينية اخرجت من باطن ارض الرافدين وما كشف من اسرار .

ان اسطورة الطوفان قد اثارت اهتمام جيل بعد آخر من السومريين والبابليين والآشورين ,فضلاً عن اتباعهم الروحين وورثتهم وشعوب غربي آسيا , ودونت هذه القصة بالمسمارية وهي اقدم نظام كتابي والتي كانت اداة الحضارة لالاف السنين ... وكتبت من قبل السومريين الاوائل ومن ثم البابليين ومن بعدهم الآشورين وبالتأكيد قبل التوراة وكتابيها بازمن غابرة موغلة بالقدم .
حيث عثر على بعض الالواح الطينية التي دونت عليها القصة في نينوى وخاصة في اول واقدم مكتبة عرفتها البشرية وهي مكتبة الملك آشور بانيبال , وقد عثر عليها اثناء التحريات التي اجراها المتحف البريطاني في القرن التاسع عشر وعثر على الجزء الاول من القصة ومن ثم تتابعت الاكتشافات لتصل الى القصة بكاملها .
وقد تداولت هذه القصة او الاسطورة جميع حضارات العراق القديم السومرية والبابلية والآشورية ولنلقي الضوء باختصار على مواقع هذه الحضارات .... ان ماندعوه ببلاد بابل هي الجزء الجنوبي من العراق اي من بغداد جنوبا وحتى البصرة والخليج , وكانت مدينة بابل هي العاصمة الرئيسية لهذه الدولة نحو القرن التاسع عشر قبل الميلاد الى حين سقوطها على يد الاخمينيين , ويشار الى الجزء الجنوبي منها باسام سومر والقسم الشمالي منها باسم اكد ... وللعلم ان الحضارة السومرية هي اول حضارة واقدمها وكانت منبع ومهد للحضارات المتلاحقة بعدها وكانت وسوف تبقى ام الحضارات للانسانية جمعاء , اما الدولة الآشورية فهي تقع في شمال العراق وخاصة شمال بغداد الى الاراضي التركية شمالاً وسوريا غرباً وايران شرقاً .... وكل هذه الدول تدعى باسم " ميسوبوتاميا " اي بلاد مابين النهرين وهذا المصطلح اطلقها عليه الاغريق .

الطوفان العام في عيون كل الشعوب /

ان لمعظم شعوب العالم اساطير وذكريات عن فيضان هائل اجتاح العالم وفي عواقبه فاجعه حوّّله الخيال الشعبي الذي خفزه الشعراء وروائين القصص الشعبية وضخموه الى كارثة عالمية , لقد فسر هذا الطوفان بانه يمثل القوى الفوق طبيعية لا القوى الطبيعية , وكانه لابد من وجود سبب يمكن تصديقه لمثل هذا الطوفان , والسبب الاكثر وضوحاً هو ان شر الانسان وخطاياه وما يستحقه من عقوبة الالهة او الاله . وهكذا فان قصص الطوفان موجودة في آسيا وفي الهند والشرق الاوسط وحتى في استراليا عند السكان الاصليين ومعظم جزر المحيط الهادي وحتى بين الهنود الحمر السكان الاصليين للامريكيتين , واوربا وافريقيا .... وبالمناسة ان حضارة وادي النيل لم تتكلم عنه مطلقاً عبر تاريخها ولا وجد اي شئ ماكتب عن الطوفان .
ووجد كذلك في الحضارات الاغريقية والرومان ... والديانات جميعها .
وجميع هذه الدول او الحضارات على الرغم من اختلافها في تفاصيل اسطورة الطوفان الا انها تشترك بعدة امور اساسية وهي:
1- اثارة البشر لسخط الالهة
2-معاقبة البشر على شكل طوفان عام الهدف منه ابادة البشرية
3-الابقاء على رجل واحد عادل وحكيم وعائلته ليولد جيل جديد للبشرية من صلب هذا الرجل الصالح ويكون افضل من البشريه التي ابديت بالطوفان

لكن يجب الانتباه لايمكن لكل هذه الشعوب والحضارات ان تفكر او تخترع اسطورة من العدم وكلها تفكر في شئ واحد والكل يعرف ازمنة هذه الشعوب والحضارات اتت بازمنة متعاقبة ومتباعده احياناً.
لكن الذي يجب الاشارة اليه ان اول من كتب هذه الاسطورة ودونها على سطح البسيطه هو ما وجد في قلب هذه الارض وهي بلاد مابين النهرين وخصوصاً عند السومريين الاوائل ومن ثم انتقلت الى الحضارات العراقية الباقية ومن ثم شعوب وحضارت العالم ... اما قصة الطوفان في الكتاب المقدس فبالتاكيد استمدت على غرار كافه الحضارت هذه الاسطورو ودونوها , اذ في الازمنة المضطربة التي صاحبت واعقبت سقوط الامبراطورية السومرية والاكدية في عصر سلالة اور الثالثة (2170 - 2062 ق.م.) غادر قوم ابراهيم مدينة اور الكلدانيين بحثاً عن وطن جديد ومعهم نسائهم والخدم والماشية وجميع مايمتلكون فضلاً عن الثروة المهمة من الحضارة والتراث الادبي والمعتقدات الدينية السومرية والاكدية التي تمثل تراثهم واثّروا في مؤلفيين اسفار الكتاب المقدس وكانوا مصدر الهامهم ومن هذا التراث قصة او اسطورة الطوفان العراقية .


أكتشاف اسطورة الطوفان في العصور اللاحقة /

اول من كتب عن الطوفان البابلي بلغة اوربية كتبت بالاغريقية في سنة 275 ق.م. على يد بيروسس وهو احد كهنة الاله الكبير " مردول " في بابل . كتب بيروسس تاريخ بلاده مستمداً كل المعلومات من مصدرمهم وهو النصوص الكثيرة باللغتين السومرية والاكدية المدونة بالكتابة المسمارية ضمن آلاف الرقم الطينية والتي كانت حتماً موجوده ضمن مكتبة المعبد هذا . اهدى كتاباته او كتبه الى الملك الاغريقي انطيوخس الاول (279- 261 ق.م.) وكان عنوان كتبه يحمل اسم "بابيلونيكا " .... وروي في ثلاث كتب التاريخ الطويل لبلاد بابل منذ بدايتها الاولى -خلق العالم - وحتى استيلا الاسكندر عليها . حيث رويت قصة الطوفان البابلية في الكتاب الثاني الذي استهل ض لتاريخ ملوك بابل العشرة قبل الطوفان .

بعد بيروسس بنحو اثنين وعشرين قرناً وجد العالم جورج سمث قطعة من لوح طيني في مدينة نينوى يسرد فيها قصة الطوفان باللغة الآشورية . كان هذا العالم اول من يقراء القصة بعد اكثر من الفي سنة من النسيان وقد تبين من خلال البحث والتقصي لسنوات طوال ان هذه القصة التي عثر عليها تشبه لحد كبير ماكتب في كتاب التوراة لكن تسيقها بقرون كثيرة وقد اعلن نتائجه في 3 كانون الاول من عام 1872 م , ونشر البحث في مجلة الجمعية البريطانية في تموز من عام 1873 م ..... واثارت النتائج التي اعلنها هذا العالم ضجة كبيرة جعلت باصحاب صحيفة ديلي تلغراف فوراً الى عرض الف جنيه لتمويل رحلته وتشجعيه للذهاب مرة اخرى الى نينوى ليأتي بنصوص اخرى , وبالفعل قبل امّناء المتحف البريطاني هذا العرض السخي في هذاك الوقت ومنحوا سمث اجازة لمدة 6 شهور , فرحل الى نينوى واستأنف التنقيب وسرعان ماعثر على الواح اخرى تخص قصة الطوفان وتؤكد نتائجه السابقه وتكاد تكون متكاملة وهي الان محفوضة في المتحف البريطاني وتحمل اسم ديلي تلغراف .
والذي عثر عليه سمث كما ادرك هو نفسه لم يكن قصة الطوفان الاصلية بل نسخه متاخرة منها والذي وجده هو جزء من ملحمة كلكامش تروي الطوفان وهي من روائع الادب السومري والاكدي .
كذلك كانت قصة الطوفان جزءاً لايتجزأ من ملحمة اتراحاسس التي تروي قصة البشرية وهي ايظاً ملحمة بابلية .


نشر عالم السومريات الالماني ارنو بوبيل في عام 1914 لوحاً من العصر البابلي القديم تم العثور عليه اثناء تنقيبات البعثة التي اتت من بنسلفانيا في مدينة نفر (وهي مدينة موجودة الان في محافظة القادسية ) بوصفه اللوح الاول في النصوص التاريخية والنحوية , وعلى الرغم من ان القسم الاكبر من اللوح غير موجود ولم يبقى منه سوى الثلث الاسفل فهو ذو اهمية كبيرة .
ويتضمن النسخة السومرية من قصة الخليقة والطوفان وهو النموذج الاصلي لملحمة اتراحاسس البابلية وهي من الالواح الفريدة والنادرة لحد الان ...
ان قصة الطوفان بحسب وصف محتويات نسخها المختلفة رواية مثيرة جداً ... ابطالها الالهة والرجال .

الآلهة ....

كان انليل ابن آن , اله السماء , وكّي اله الارض , المعبود الرئيسي في مجمع الالهة السومرية والاكدية . وعلى الرغم من انه كان يخضع لقيادة ابيه , كان دوره اكبر في الحياة البابلية .
وكما تروي الاسطورة او المعتقدات وقتها , يوجد سبع الهة في الحياة السومرية عند اي قرار يخص البشر يجلسون ويتفقون على قرار واحد وينفذون .... لذلك يعلن آن وانليل القرار الاخير , وكانت مهمة انليل التثبت على وضع القرار الالهي موقع التنفيذ .... وهكذا كان انليل " ابو الالهة " يحكم السماء والارض , وكان يقيم في المعتاد في مدينة نفر , ومن هنا فانها مركز البلاد المقدس وهناك يستطيع هو وحده منح اي ملك كان عرش سومر واكد .
يعني اسم انليل باللغة السومرية اله الريح لانه الاله الذي يمنح الحياة والخير الوفير , وبما انهالاله الذي يعطي الخير فانه بالوقت نفسه هو الذي يعاقب بالريح العاتية المدمرة . لذا ليس غريباً انه في نسخ الطوفان البابلية كلها تجد اسمه هو الاله الذي اقنع بقية الالهة بضرورة احداث الطوفان . عدا الاله انّكي الذي رفض هذا القرار .
وانّكي هو ابن اخر للاله آن بعد انليل مباشرة موقعه في الهيكل الالهي السومري الاكدي .... يفسر اسمه حرفياً "بسيد الارض " , الا انه لامعنى لذلك لان انّكي هو اله المياه والمياه الجوفية العذبه والاسم الذي اطلق عليه الاكديين هو أياً وتعني "بيت الماء " .
كما ان انّكي من ناحية اخرى هو صديق الانسان الطبيعي وحاميه واله الحكمة والسحر والطب .نظّم العالم نيابة عن انليل فكيف يترك العالم يدمر ؟ انه اله الحكمة ويدرك ماساة ابادة البشر وحرمان الالهة من الخدم والعبيد ... فكيف يؤيد مثل هكذا سلوك ؟ كان طبيعياً ان يكون تدخله في كارثة الفيضان لمصلحة الانسان , ولم يستطيع نقض كلمة امرت بها الالهةة , لكنه يستطيع تخفيف عواقب الطوفان الفضيعة وانقاذ رجل واحد في سبيل المحافظة على البذرة البشرية . وقد فعل ذلك ببراعة , وتم ما اراد .


الــــرجال ....

ان النظير البابلي لكل الاسماء التي ذكرت من قبل الشعوب والاديان والحضارات ... لهذا الرجل العادل الذي لم يلق مصير البشر الاشرار والموجود في النسخ الاكدية من قصة الطوفان هو "أوتوبنشتم " . ويعني الاسم "لقد وجدت الحياة " . وفي النسخ السومرية نفسها يشار له ايظاً بأسم " اترحاسس " وتعني "المستغرق في الحكمة " . وهو موجود لافي قصة الطوفان وحدها بل في مؤلفات كثيرة اخرى .
ويرد اسم اترحاسس بوصفه اخر ملوك ماقبل الطوفان ويقال انه ابن الملك اوبار توتو , كانت عاصمته شروباك وهي مدينة تقع في موقع فارة التي تبعد 95 كم شرقي بغداد و40 كم شمال غربي أور . ويتفق هذا مع قصة الطوفان التي ترويها ملحمة جلجامش اذ يخاطب الاله أياً بانه "رجل شروباك ابن اوبار " .
كذلك يوجد رجل اخر ذو صلة بقصة الطوفان ورد اسمه على نحو غير مباشر وهو البطل جلجامش الذي يروي له أتونيشتم مغامراته . ويعني اسمه " العجوز البطل " وقد كان ملكاً سومرياً , فهو الملك الثامن والعشرين بعد الطوفان وقد حكم في مدينة أورك 126 سنة . ومدينة أورك هي نفسها الوركاء حالياً في جنوب العراق وكتبت بالتوراة ارك او ايريخ .
لقد كان الملك جلجامش احد الملوك المفضلين لدى الشعب وينسب اليه اقامة المترايس في عاصمته اورك ويعطي الاعمال المهمة في مجمع معابد نفر " العاصمة الروحية لسومر واكد " , واصبحت اعماله البطولية ومغامراته الطوال موضوع ملحمة وظهرت لنا على شكل الملحمة الرائعة المشهودة " ملحمة جلجامش ".

قصة الطوفان البابلية والسومرية ...

هذه الاسطورة هي فصل من فصول التاريخ البشري .. وتتكون من 300 سطر .. بدأت الملحمة بوصف خلق العالم ثم خلق الانسان وتشيد المدن وتأسيس الملكية التي انزلت الى الارض من الاعلى . ويذكر فيها اهم المدن السومرية والاكدية ومنها : أريدو , وباد ,تبيرا, لاراك , وسبار , وشروباك . وكل منها مكرمة لاله معين او الهة معينة .
وقد وصف كاتب الاسطورة كيفية سلوك الناس وكيف اثاروا غضب الالهة , ثم كيفية تصميم الالهة على تدمير البشرية باحداث الطوفان على الرغم من معارضة بعض اعضاء مجلس الالهة ومنهم على سبيل المثال , اينانا "اله الحب والحرب " الذي اطلق عليها الاكديون اسم عشتار " اذ ندبت اينانا شعبها " , وانّكي الذي عجز عن التاثير في انليل , وهناك ايظاً زيوسودرا الملك الورع الذي يخاف الالهة وقرر انّكي انقاذه . وهو نفسه النظير أوتونبشتم كيف تحدث اليه الاله انّكي ويخبره بالكارثة الوشيكة ويبلغه ايظاً كيف يصنع سفينة ينجو فيها مع عائلته .... ثم يواصل السرد القصصي من قصة الطوفان ... ويقول ثم مضت ستة ايام وسبع أماسي ولم تزل زوابع الطوفان تقصف وقد غطت الزوابع الجنوبية للبلاد ولما حّل اليوم السابع خفت شدة الطوفان .... كذلك يظهر اوتو , اله الشمس معيدا الضوء ويسجد زيوسودرا لأتو ثم يقدم ثوراً وخروفاً اضحيتيين .
ثم نصل الى نهاية السرد , نجد ان الالهة يعوضون الملك الورع او الرجل الصالح , حافظ بذرة البشرية " بمنحه الحياة الخالدة وكأنه احد الالهة ويختارون موطناًَ له اسمه دلمون المكان الذي ينهض من اله الشمس



ملحمة اتراحاسس :


اعتاد الكتبة البابليون عند كتابة انواع معينة من الالواح اضافة ملاحظة نهائية الى محتويات ماكتب سابقاً . وهذا هو تقليد كان سارياً عند امناء المكتبات البابلية ( والذي نسمية اليوم بالخلاصة ) ..... وهذا بدوره ساعد العلماء بوقتنا الحاضر وخاصة علماء السومريات والآشوريات , لانه من خلاله يمكنهم تحديد الالواح وتصنيفها حتى وان اجزاء فقدت منها .... وقد وجد هذا التصنيف في اللوح الثاني من ملحمة اتراحاسس والتي تعود للعصر البابلي القديم والذي يحتوي على 439 سطراً بخط اليت آيا , مساعد الكاتب .
ومن خلال هذا اللوح تم تحديد تاريخ كتابته وهي في نهاية العام الحادي عشر من حكم الملك آمي صدوقا (1692 ق.م. ). وتتألف الملحمة من 1245 سطراً وهي تتكون من ثلاثة الواح .... وباماكني عرض ماكان قد دوّن في هذه الالواح وخاصة ما كتب عن قصة الطوفان :


اللوح الأول :


[ بعد ان خلق العالم شعر الالهة بالحاجة الى من يتولى مسؤوليته . لذا طلبوا من الالهة الام مامي ( والتي تسمى نن هورسانكا ) - سيدة الجبل - ومن الالهة ننتو - السيدة التي تلد - , ان تخلق لولو , الانسان الاول لكي يتحمل عبء هذا العالم وتلبية لمشيئة الالهة تقّدر ذبح اله صغير ومزج لحمه ودمه بالطين ويصاغ منه الانسان ... وهكذا ولد البشر وأسست المدن واقيمت الملكية ]


اللوح الثاني :


[غير ان سكان الارض اصبحوا كثيريين جداً وصاخبين جداً حتى ان الاله (انليل ) , المعبود الرئيسي , انزعج من صخبهم ودعا مجلس الالهة الى الاجتماع وابلغهم بقراره وهو معاقبة الانسان باحداث المجاعة والجفاف والبلايا الاخرى , وبعد ان عجزت هذه عن اصلاح الانسان , اختار انليل العقوبة القصوى وهي ابادة البشر بالطوفان . حيث تدخل بعض الالهة لمصلحة الانسان وكان ابرزهم انّكي الحكيم والاله الطيب الذي ادرك ان حكم انليل كان سيفاً ذو حدين اذ كيف يكون حال الالهة اذا لم يبق بشر يقدمون لهم الاضاحي ؟ ويستطيع انّكي اقناع انليل بقيادة الطوفان نيابة عنه . وهكذا يستطيع ان رجل واحد مع عائلته دون ان يعرف انليل . ثم يتوجه الى اترحاسس , ملك شروباك الورع ليحذره ... لانه هو هذا الرجل ]


اللوح الثالث :


[ فتح اترحاسس فمه وتحدث الى سيده انّكي متوسلاً اليه ان يوصل رسالته . غير ان انّكي لايستطيع ان يبوح للانسان باسرار الالهة زملائه , لذا فانه يتحدث بدلاً من ذلك الى جدار القصب في بيت اتراحاسس . زهكذا يبلغ الملك ان يدمر بيته ويبني سفينة ويستخف بالسلع ويحتفظ بمعنوية عالية ..... وهكذا صنعت السفينة وفق تعليمات انّكي . ويصعد اتراحاسس وعائلته الى ظهر السفينة مع صناعها وممتلكاتهم ووحوش البرية وبعض الحيوانات .... ويحل الطوفان المدمر الى ابادة البشر عدا من لجأوا الى السفينة , بفضل حيطة وحكمة الاله الطيب انّكي]


هذه الملحمة كتبتها وحدها وذلك لان كثيريين لم يسمعوا باسمها فقط ملحمة جلجامش .. لكن يجب ان نعلم ان هناك عشرات الملاحم تركت لنا من قبل اجدادنا العظّام .. وحالها حال ملحمة جلجامش الخالدة ...



اســـطورة الطوفان كما دونت في ملحمة جلجامش الخالدة ....



عرف البابليون الملحمة بعنوان " هو الذي رأى كل شئ " وهي حقاً اثر بارز في اثني عشر قسماً تضم بمهارة كبيرة عدة حكايات سومرية من جلجامش ملك اروك ( الوركاء ) وصديقه المخلص انكيدو ... يموت انكيدو بعد مغامرات مثيرة وكثيرة . ويؤثر موته تاثيراً شديداً في جلجامش يدفعه الى الشروع في البحث عن الخلود .
كان افضل سبيل الى ذلك هو مقابلة الانسان الوحيد الذي نجى من الطوفان وحقق الخلود وهو اوتونبشتم . ولذا يشرع جلجامش في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر والصعاب صوب المكان الذي يقيم فيه اوتوبنشتم وزوجته منذ الطوفان .
يصل جلجامش الى المكان المقصود في القسم الاخير من اللوح العاشر من الملحمة ... وعند بداية اللوح الحادي عشر نجده يسأل اتونبشتم عن سر نجاته وهو سؤال يجيب عليه الشيخ الكبير بسرد قصة الطوفان لملك شاب يخاف الموت ويطلب الخلود ...
يقول اتوبنشتم لجلجامش في مدينة شروباك القديمة ان الالهة قررت احداث الفيضان . غير ان الاله أيا كرر الكلمات مو جها اياها الى كوخ القصب الذي كان يعيش فيه اوتونبشتم وهكذا تجنب البوح بسر الالهة لانسان واعطاه تعليماته . ثم بنى اوتونبشتم سفينة كبيرة على وفق الخطة التي رسمت له ... والتي كانت مكعبه وقسّم الهيكل الضخم الى سبعة طوابق وقسّم كل طابق الى سبعة مقاصير ... واستخدمت كميات هائلة من القار والزفت والنفط لكي تحول السفينة دون نفاذ الماء . وكان هناك ثمة باب او كوة واحدة في الاقل وربما دفة ايظاً ... وعندما نزلت السفينة الى الماء اصبح ثلث المكعب السفلي في الماء.
وهكذا فقد عرفوا البابليون كيف يجب ان تكون السفينه وتبدو .. وكان لابد ان تكون غريبة الشكل لانه مصممها هو الحكيم أيا....
بعد ان حمل اوتونبشتم الفلك بفضته وذهبه وماشيته وبحيوانات الحقل وحيوانات البر قاد عائلته وذوي اقرباءه وصنّاعه جميعاً . وعند اشارة معينة ولج السفينة مع ملاحه بوزو اموري واغلق الباب وانتظر حدوث الطوفان ....
ولما ظهرت انوار السحر ..
علت من الافق البعيد غمامة ظلماء ...
وفي داخلها ارعد الاله ادد ...
وكان يسير امامه " شلات , دخانيش , كنذيران , في الجبال والسهول ..
ونزع الاله ايركال الاعمدة , ثم اعقبه الاله ننورتا الذي فتق السدود ...
ورفع ال انوناكي المشاعل , وجعلوا الارض تلتهب بوهج انوارها , وبلغت رعود الاله ادد عنان السماء , فاحالت كل نور الى ظلمة ....
وحتى الالهة ذعروا من عباب الطوفان .... وصرخت عشتار كما تصرخ المرأة عند الوضع .... انتحبت سيدة الاهة وناحت بصوتها الشجي نادبة :
لقد سلطت الدمار على اناسي ...
وانا التي ولدت اناسي هؤلاء....
لقد ملأوا اليم كبيض السمك ...


ومضت ستة ايام وسبع اماسي , ولم تزل زوابع الطوفان تعصف وقد غطت الزوابع الجنوبية البلاد , ولما حل اليوم السابع خفت شدة وظأة زوابع الطوفان .. ثم هدأ البحر وسكنت العاصفه .. وتطلعت الى الجو , فوجدت سكون عاماً , ورايت البشر وقد عادوا جميعا الى الطين ...
رسا الفلك عند جبل نصير ,( الذي يعرف الان باسم بير عمران او بيرة مكرون وهوجبل ارتفاعه 8600 قدم شرقي نهر دجلة في حوض الزاب الاسفل). وانتظر اوتونبشتم سبعة ايام اخرى ثم اطلق (على ما كان عليه التقليد السائد بين البحارة في الازمنة القديمة) الطيور لتكشف اليابسة : اطلق اولاً حمامة لم تجد موضعاً تحط فيه فعادت ثم اطلق السنونو وعاد لانه لم يجد مكان يحط فيه واخيراً اطلق الغراب فذهب ولم يعد .... فسر هذا بانه علامة اكيدة على ان المياه انحسرت وان النزول من الفلك اصبح ممكناً فقدم القرابين تعبيراً عن الشكر الى الالهة ...
وقرر الاله انليل بعد كل الذي رأه انه يجعل اوتنوبشتم من الالهة او بمثابة الالهة (ويقصد به هنا نبي ) ..وقال : لم يكن اوتنوبشتم قبل الان سوى بشر ولكن منذ الان سيكون اوتنوبشتم وزوجه مثلنا نحن الالهة وسيعيش بعيداً عند فم الأنهار في مدينة دلمون ( وهي البحرين حالياً)...


اما جلجامش الذي قطع مسافه بعيده ليكتشف طريقة الخلاص ويصل الى هذا الرجل الصالح في دلمون , من مصيرالانسان العادي , فان اوتنوبشتم يخبره بوجود نبات يمنح الانسان سر الخلود .... يكتشف جلجامش النبتة الا انه في طريق العودة عندما كان يسبح في النهر تخرج أفعى من الماء وتسرق النبات وبهذه المغامرة يكشف لنا التأريخ ويصرح بأن مصير الانسان هو الموت وليس الحياة الابدية .
ولايعرف ان الذي قام فيه جلجامش وكتبه هو سر خلوده ... يا لا المفارقة !!!!


(مقتبسات من كتاب أسطورة الطوفان البابلية :تأليف Edmond Sollberger )



#مثنى_الشلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبذة عن آداب وادي الرافدين القديم
- سرجون الأكدي (سرجون العظيم )
- توراة بابل وآشور وليست توراة اليهود
- الزواج المقدس عند السومريين
- مهر النساء هل هو وسيلة لحفظ كرامة المرأة ام العكس
- الشعراء الصعاليك


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مثنى الشلال - أسطورة الطوفان البابلية