|
عمّ يتحاورون !
عبدالعزيز الفياض
الحوار المتمدن-العدد: 2410 - 2008 / 9 / 20 - 10:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عمّ يتحاورون ، .. عن الإفك ، والسفك ، وما يمكرون ! عن الأوطان التي عربدوا ، والأوطان التي ما زالوا ، فيها يعربدون
عمَّ ، .. عن الموت ، يجيّرونه لصالح المستضعفين ، والمساكين ، والعاملين على موتهم ، وموتهم دائمين عن موتنا ، وعن حياتهم ، عن قتلنا ، وعن رصاصاتهم ، عن سذاجاتنا ، وعن أكذوباتهم ، ..
عن فهمنا أيضا ، عن وعينا ، عن مالنا ، عن تاريخنا ، عن واقعنا ، عن أي شيء من أمرنا ، .. عنّا ، عنهم ، عن أيّ شيء فيهم ، عن الضحايا تستجدي جلاّديها ، عن الجلّادين ينصتون لأنين من جلدوا ومن جندلوا ، عن أي حوار يتحاورون ..
إنه لا مشكلة هنا ، فيمَ يتحاورون ، فيمن يحاورون ، .. المشكلة في قطيع العربان المسمّنة ، والشيوخ دائمي العضوية ، في مجلس الخوف ، والذلة ، والحض على طاعة ولي الأمر .
إشكالية هذا الحوار ، الذي تجشأته مدريد الأسبوع الفائت ـ إشكالية ليست مناخية ، ولا اقتصادية ، ولا تنظيمية حتى ، وأيضا ، لن أتحدث عن هذا ، سأتجاوزه ، لأتحدث عن مطلق أكذوبة الحوار ..
مطلق ، نعم ، أؤمن بالنسبية ، حتى فيما لا نسبية فيه ، إلا حين ترتصّ بجانب كرسي ولي الأمر ، حذائه ، بسطار جنديه الأمين.
أي حوار ، وعين من يحاورون ، هم إما عملاء الغرب ، وإما الغرب ، إذن ، ماذا سيحاور العميل من عمّله ، من وظّفه ، من شغّله قوّاد أوطان كبير.
ليس هذا حديثا عاطفيا ، انتهازيا لمجريات ما قبل السبعينات ، كلا ، .. إن بلدا مترعا بالنفط ، يأخذ من المال في اليوم ، ما يكفيه لسنة ، ويرصد من النقد في أسبوع ما يغنيه عقدا ، إنه بحاجة لثغرات صرف ، لتقديم خدمات جليلة لهذا الكون ، للبحث عن ضحايا أعاصير ، ومنكوبي براكين ، وأشلاء مدفونين تحت زلزال ما ، لتبيين كرمه ، وسخائه ، لتبيين أين تذهب هذه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والبراميل المسوّمة ! وهذا لا مانع منه يا رفيق ، لا مانع من أن يتكرّموا ، ولا من أن يبخلوا ، المانع أن أظل وحيدا ، شريدا ، فقيرا ، بائسا ، ومن بين أقدامنا يخرج النفط ، ومن فوق رؤوسنا ، ينصب الحميم ، لا بارد ولا كريم !
ثم إنه عبثا نقول هذا ، لنتجاوز إشكالية توزيع المستحقات ، لأنه أصلا ، لا مستحقات ، وإنما كل الأمر رهن مزاج جلالته: شرهات ، ومكرمات ، ومنح طويل العمر ، مده الله أكثر وأكثر ، ليوم ينظرون .
لنتجاوزه نحو إشكالية أخرى .. من نحاور ، من يحاورون ، .. قساوسة المسيحية ، أم حاخامات يهود ، أم من لا دين لهم أصلا ، أتباع كل ناعق أبكم ، وأحفاد كل شيطان مريد. إنّ من أكبر معضلات هذا الكون ، معضلة الأحقية ، من يملك الأحقية في هذا العالم المضطرب المائج ، إن كل صاحب طقس عبادي جنوب زائير ، يدين لضميره كل مساء ، بهلاك هذا العالم ، وعدم نجاته ، إذ لم يؤمنوا بهداه ، ولم يستقيموا على نهجه ، وإن أكبر قسيس بمالطه ، يرى ذلك ، وإن صاحب أطول بشت بالرياض ، يقول هذا .. إن إشكالية الأحقّية ، إشكالية كبرى ، قد يساهم في توفير تأجّجها ، لوقت متباعد ، حوار ما ، لكنه لن يطفئها ، ولن يميت جذوتها !
الحوار ، كما يقول الشيوخ ، الشيوخ الذين انتبهوا لنعمته لتوّهم ، وآمنوا بجدواه ، شيء طيب ، وعمل كويس ، يخدم الوطن ، ومن يقطنون الوطن ، لكنه يا سادتي الشيوخ ، حين يكون من جهة واحدة ، وبفكرة معدّة مسبقة ، وببنود لا مفاد منها ، وبأسئلة صيغت أجوبتها قبل أن تصاغ ، يصبح بوقا رخيصا ، عاريا في سكة الحقيقة ، يصرخ بالحض على الطاعة ، والإيمان ، والصلاة والسجود ، في معبد الذل ، والشكر لله الذي وهبنا وليّ أمر جيد ، يؤمن بالحوار ، ويحض عليه ، ويدعو إليه.
إن جزّار تشيلي البغيض ، يذكرون له كلمة شهيرة ، قالها وهو قد جازو التسعين ، يصرخ في من شنقوه: " يريدون منّي أن أعتذر ، وماذا صنعت لأعتذر " ! إنه منطق قوّادي هذه الأوطان ، أنّى كانوا ، أنّى وجدوا ، ماذا ، أتريد من البغي أن تحاورها ، لتصل لأمر مفاده أنها عاهرة ، وتصافحك ، وتبسم لك على هذه النتيجة ، وقد تحدّد لك ليلة ما ، كمكافأة على نتيجتك الرائعة ، إنها تعرف هذا من قبلك ، إنها تدركه ، إن كل ما عليك أن تتجاهلها ، وستكون بخير.
عن الحوار الوطني ، الحوار المذهبي ، الحوار الإصلاحي ، حوار الأديان ، وحوار الحضارات ، إنها أشياء جميلة ، وجيدة ، وستعطي الكون رونقا حضاريا ، وبهاء تاريخيا فريدا ، لكن ماذا سيكون نصيب مقديشو منه ، والصعيد ، والبقاع ، وجازان ، والقطيف ، وسكاكا ، والبصرة ، وصعدة ، ونزوى ، ومضايا ، وبقية المدن المنسيّة المهمّشة ، إنه حوار العواصم المزيفة ، الكاذبة ، التي اعتادت النفاق ، واستساغته ، وآمنت به عيش حياة !
ماذا يفيدني أن يحاور صاحب أكبر لحية في البلد ، شيخُ الصحوة ، وولي الله ، وخريج معهد القضاء العالي ، وأستاذ العقيدة الوهابية "السمحة" ، أن يحاور أكبر حاخام أمريكي ، أستاذ الأنثربلوجيا الإسرائيلية ، وعميد معهد ساش للدراسات الدينية ، ماذا يفيدني ، وإسرائيل لا زالت إسرائيل ، والرقيب عطية ، لا زال هو الرقيب عطية ، يقيم لي حاجزا أمنيا ، لئلا أحاور إسرائيل على طريقتي الخاصة ، لأنّ ولي الأمر حرّم الحوار ، إلا على مذهب الإمام ياسر عرفات ، والشيخ عريقات ، ولأن الشيوخ أيضا: أفتوا بحرمة الحوار على طريقتي ، ولأني ضائعٌ ، وصائعٌ ، ولم يدخل معي السجن فتيان !
إنها محنة التبختر الكاذب ، محنة أنّا مثقفون ، وفاهمون ، وعالمون ، ونجيد حركات القوم الصعبة ، نجتمع ، ونأكل ونشرب ، ونتصافح أمام الكاميرات ، ثم نرحل ، وفي الليل ، يدوس كل منا على كل ما صار !
إن من أسقط السقوط ، لأي مجتمع ما ، أن يفكر بفلسفة سقوطه ، قبل أن يفكر بطريقة صعوده ، بحجة أنه لا بد من فهم السقوط أكثر ، والتمعّن والإمعان فيه أكثر ، كي ننجو منه على بيّنة ، ونهرب منه على هدى ، إنها إحدى مصائد السقوط ، ومكائد الغي المبين.
لا مشكلة من أن تحاور من شئت ، أن تؤمن بالحوار ، أن تكون إنسان حضاريا ، وكويسا ومثقفا ، وتحاور كل دواب الأرض ، وناسها ، وحشراتها ، وعالمها ، وحجارتها ، وأشيائها لكنك ستغدو محض ديّوث ، ديّوث ، متمرّس في الدياثة ، معجب بها ، حين تبصر من ينام مع أختك ليلا ، وتأتيه صباحا لتبين له حكم الزنا ، وحرمة الأعراض ، وحدود حرمات الآخرين. إنها ليست ثقافة الحوار ، إنها فوق ذلك ، وقبله ، دياثة الحوار ، أن تحاور من يصفعك ، ليخفّف صفعك ، ليوقفه ، ليصفع خدّك الآخر ، أن تقول لمن يسرقك: أنت رجل كريم ، وماهر حتى على جيبي ، لكن ينبغي لك تعلم حكم السرقة ، والاكتفاء بجيوب الآخرين !
أخيرا .. إشكالية الحوار ، كما أزعم أني ارتأيتها ، وهي ليست كلاما تعبيريا ، بقدر ما هي مقاربة حقيقيّة مجازية ، تكمن في الثرثرة الفارغة الجوفاء ، لحمقى ولصوص ، اللصوص ، يضحكون ، والحمقى يستجدون ، ومن بينهما ، تمتد أيدي اللصوص ، تكمل نهبها ، ووقاحتها ، وتمتد هذه الأوطان عريضة ، يهبّ فيها بين الفينة والأخرى ، المسمّنون بالكوبونات ، وإيصالات النفط ، ليقولوا: الحوار .. الحوار ، ما دام ولي الأمر رأى به ، ما دام قد انتهجه ، فهو ركن ركين من أركان الإسلام ، وأحقية دعا إليها القران ، وحض عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولقد حاور عليه السلام اليهود ، وحاور المنافقين ، وحاور الملوك الكافرين , وراسلهم ، ولقد حضّ الله على الحوار ، في أكثر من موضع بالقران ، وتندلق دروس الإيمان ، من أفواههم النتنة ، داعية إلى الحوار ، الذي هو ركيزة شرعية ، وأمر رباني ، ومنهج إسلامي رسولي جميل ، .. يا حثالة ، وماذا عن سنوات الصمت الأسود الحزين ، وأين كان هذا العلم الكريم ، والإيمان القويم.
#عبدالعزيز_الفياض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركسي على سنّة الله ورسوله !
-
ملَكُ الموتِ ينجو بأعجوبة !
-
كاسترو .. وسروال سايكس بيكو !
المزيد.....
-
نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية
...
-
شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
-
دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
-
نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص
...
-
اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
-
رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي
...
-
الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق
...
-
شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
-
ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
-
وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|