أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - لماذا لم تحقق العلمانية العربية الحديثة أهدافها حتى الآن















المزيد.....

لماذا لم تحقق العلمانية العربية الحديثة أهدافها حتى الآن


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 03:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا فشل العلمانيون العرب ؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتذكر أن النهضة الأوربية الحديثة قامت على إعادة وصل جذور الثقافة الأوربية بمصادرها و أصولها قبل المسيحية و التي هي بشكل أساسي الرومانية و الإغريقية و هي أصلا ثقافات مادية لا دينية.
فبالنسبة لأمة قديمة كالايطاليين أو العرب يكاد يكون من المستحيل تصور أن الناس سيتمكنون البدء من الصفر ثقافيا ، بل حتى الأمم الحديثة كالأميركيين لهم أسلاف هم الانكليز ، و عملية بناء أمة ما ،ثقافيا من الصفر هي عملية شاقة تحتاج قرون طويلة كما أنها في نفس الوقت تحتاج أمم فتية لما تتأدلج بعد ؛ حيث من غير الممكن ملأ وعاء مملوء .
و هنا تكمن المشكلة ، فحتى العلمانيين العرب يعتبرون الإسلام هو نقطة الانطلاق الأولى للأمة، في مسلسل تلفزيوني سوري لمخرج علماني كمسلسل الجوارح يكون العدو الافتراضي هو الرومان ، و هذا ما تفعله مسرحيات ك بترا للرحابنة و فيروز ، طبيعي أن هذه الأعمال تقول بقوة أن الرومان هم أعداء العرب الافتراضيين قبل الإسلام ، و هذا يعني أنهم لا يصلحون ليكونوا سلفا لشعوب المتوسط العربية . و بالتاي فإنك تلاحظ أنه حتى العلمانيين العرب إسلاميين من حيث التاريخ و الثقافة العامة. مثل هذه الحالات شائعة لدى الأمم فما أكثر الأعمال التي تتحدث عن العداء بين انكلترا و اسكتلندا و لكن ليس إطلاقا للحد الذي تبدو عنده الأمتان متناقضتان و إلى الأبد كما هو الحال هنا .
في الكتب المدرسية للدول العربية العلمانية (سوريا) يتم التركيز على عظمة أسلافنا قبل الإسلام و هم إما الفراعنة أو الآشوريين أو الفينيقيين ( و من الملاحظ أن اللبنانيين المعاصرين يفاخرون بأنهم فينيقيين) و هذه مجموعة من الأمم الغابرة و القديمة جدا . أما المجموعة الثانية التي تبرز كأسلاف لنا قبل الإسلام فهم التدمريون و الأنباط و الغساسنة و المناذرة و هذه دول محدودة التأثير تاريخيا بشكل كبير . و على كل حال فإن هذه الأمم من الناحية الثقافية من المستحيل أن يكون لها أثر كبير مباشر على الفكر العربي المعاصر ،علاوة على أن تصبح مرجعا مدنيا له ، فأفكارها إما تجاوزها الزمن ، أو وهو الأصح قد استوعبت و تم تطويرها في الحضارات الكبرى التالية و التي كونت الثقافة البشرية كما نعرفها قبل الإسلام ، و هي بكل وضوح حضارات البحر المتوسط الكبرى( بشكل رئيسي اليونانية و الهلنستية و الرومانية ) و كمحاولة للإجابة على سؤال بسيط لمواطن عربي من مصر أو سوريا أو تونس (و ربما العراق في بعض الفترات) ، لأي دولة كنا مواطنين قبل الإسلام؟
إنها الإمبراطورية الرومانية ، ثم الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية ) فجميع الدول العربية المتوسطية ( و في حالات كثيرة حتى غير المتوسطية ) كانت جزءا أصيلا من الحضارة الإغريقية ثم الهلنستية ثم الرومانية .
و مناطق مثل الإسكندرية و دمشق و حمص و حوران و فلسطين و تونس كانت أجزاء أكثر حيوية بكثير من جنوب فرنسا مثلا ؛ في كل أو بعض هذه الحضارات ، ففي مصر مثلا أنجز الكثير من النظريات العلمية و الفلسفية الإغريقية و تقرر مصير الإمبراطورية الرومانية أكثر من مرة ، و من سوريا أتى عدد من الأباطرة الذين أداروا هذه الإمبراطورية و هذا كله على سبيل المثال لا الحصر ، نعم لقد كانت هذه المنطقة منطقة واحدة.
إن كون البيزنطيين قد غادروا هذه الأرض نتيجة الفتح العربي لا يغير من الوضع شيئا ، و كذلك كوننا عربا هو الآخر لا يغير من الوضع شيئا ، فقد أسقطت القبائل الألمانية الإمبراطورية الرومانية يوما ، و كانت ألمانيا محكومة من قبل روما في يوم آخر ، و ليس أي من الأمرين سببا ليكون الايطاليون أو الرومان أعداء تاريخيين للألمان و منفصلين عنهم ثقافيا .
قد يكون أحد أسباب تجاهل أن الشعوب العربية المتوسطية كانت جزءا أصيلا من الدولة الرومانية ، إضافة لآثار الصراع الإسلامي المسيحي الطويل ، هو أن جزء كبير إن لم يكن معظم رواد القومية العربية الأوائل هم مسيحيون عرب و بالتالي فضلوا عدم ربط القومية العربية الحديثة بدولة مسيحية قديمة .
إن أحدى أهم النتائج الكارثية للصراع الإسلامي المسيحي و التي لا تزال آثارها مستمرة حتى الآن : هي تقسيم منطقة المتوسط إلى عالمين منفصلين تماما بعد أن كانت حاضنة ثقافية عالمية واحدة حتى ظهور الإسلام، بحيث يدهش المرء تماما من أن الثقافة و التكنولوجيا الأوربية كان من الأسهل عيها الانتقال إلى العالم الجديدة من كندا شمالا حتى الأرجنتين جنوبا ثم تصل إلى الشرق الأقصى (اليابان) ، و هو ما احتاج إلى زمن يمتد لحوالي ثلاثة قرون، من أن تعبر المتوسط باتجاه مصر مثلا ، و التي كانت الفناء الخلفي لروما و أثينا في يوم ما ، و لم تكن المعارف تحتاج لأكثر من شهور معدودة لتنتقل من إحداها إلى الأخرى ، بوسائل التنقل البطيئة لذاك الزمان القديم ، بل إن الإسكندرية كانت في فترة من الفترات أهم حاضرة ثقافية للفكر الهلنستي في العالم . صحيح أن مركز ثقل الثقافة الأوربية قد انتقل من المتوسط إلى الأطلسي ولكن صحيح أيضا أن النهضة الأوربية بدأت في إيطاليا ، و أن شواطئ الأطلسي الشرقية أقرب إلى شواطئ المتوسط الشرقية و الجنوبية منها إلى شواطئ الأطلسي الغربية .
و من المفيد أن أنقل هنا عن المؤرخ الانكليزي الشهير ه. ج. ولز عدة عبارات توضح الأهمية التي بلغتها الإسكندرية كعاصمة ثقافية و تجارية للعالم في تلك العصور ، حيث يقول في كتابه (معالم تاريخ الإنسانية) :(و كان المتحف الذي أقامه – يقصد بطليموس – في الإسكندرية يعتبر أول جامعة في العالم ....... و أنتج المتحف الإسكندري بادئ ذي بدء ، وفي مدى جيلين أو ثلاثة ، نخبة من العلماء لم تستطع أي مدينة أن تضارعها حتى أثينا في أزهى عصورها) ص455 . و في الصفحة 469 يقول:( ....نستطيع أن نخبرك ها هنا أنه حدث في عهد الإمبراطورية – يقصد الرومانية - أن أصبحت الإسكندرية أعظم مركز للتجارة في العالم . و كان للتجار الإسكندريين مستقرات عديدة في جنوب الهند ) [ ه. ج. ولز معالم تاريخ الإنسانية – ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد – إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الرابعة – المجلد الثاني ).
إنه من الغريب تماما أن الحالة الثقافية لهذه الفترة من التاريخ قد مُحيت تماما أو كادت ، من أذهان الفريقين (العربي و الأوروبي) بل الأشد ضررا أن الجزء الباقي منها في الأذهان تم تحويره بشكل إيديولوجي مَرَضي لدعم الصراع فلم يبق من الصورة إلا نتف مثل الصراع الروماني – القرطاجي ، و الذي يصور كأنه بداية لصراع مرير مستمر بين جنوب و شمال المتوسط ، و كذلك تصور الانتفاضات الداخلية في الإمبراطورية الرومانية مثل حروب تدمر و البتراء على أنها استمرار للنزاع المتوهم بين العرب و الرومان قبل الإسلام، مع أن مثل هذه الانتفاضات هي أمر طبيعي بسبب طبيعة الإمبراطورية الرومانية و اتساعها الهائل ، و كانت تحدث في كل أجزاء الإمبراطورية شمال و جنوب المتوسط ( و ما أكثرها في الدولة الإسلامية) ، أما الحالة الأصلية الإيجابية ؛ و هي أن هذه المنطقة منطقة البحر المتوسط بكاملها كانت تشكل دولة واحدة ساهم الجميع فيها، لفترة تزيد عن ستة قرون ، كما أنها ظلت منطقة ثقافية حضارية واحدة قرابة الألف سنة فقد أصبحت نسيا منسيا . يقول ه. ج. ولز في كتابه معالم تاريخ الإنسانية: (و لبثت اليونانية الأتيكية – نسبة إلى المنطقة المحيطة بأثينا - بضعة قرون قبل المسيح و بعده لغة جميع المتعلمين من البحر الأدرياتي إلى الخليج الفارسي) {نفس المصدر – المجلد الثاني ص 455} .
و ليس أدل على ذلك من الآثار الرومانية الباقية رغم الإيديولوجية ، مرة أخرى لا بد من التعبير عن الأسف و المرارة لكون كل هذه الحقائق التاريخية الثقافية و المادية قد انمحت تماما و زالت من أذهان الفريقين ، و الأدهى أن كل ما هو سلبي بل كل ما كان طبيعيا حسب مجرى الأمور و لكن يمكن تحويله و تصويره على أنه سلبي ، قد تم تصويره على أنه شر صرف و هذا ما فعله الفريقان بإصرار و مثابرة وكفاءة يندر أن تصادف مثلها في التاريخ ، بالطبع هذا كله جرى و لا يزال يجري بتأثير جو العداء الديني التاريخي بين الإسلام و المسيحية و الذي لا يبدو أنه في طريقه لأن ينتهي .

إذا كان الكثيرون من الطرفين اعتبروا سقوط الدولة العثمانية و ما تبعه من إلغاء الخلافة في مطلع القرن العشرين هو التاريخ الرسمي لانتهاء الصراع الإسلامي المسيحي، فإن ذلك قد يكون صحيحا من الناحية المادية لا النفسية و لكن حتى من الناحية المادية فإن ذلك كان إلى حين .
لفترة تزيد عن نصف قرن بدا أن هذا الصراع قد انتهى و أن المعركة قد حُسمت لصالح الغرب (و ليس المسيحية ففي تلك الفترة فإنه حتى في الفكر العربي الإسلامي كان هناك فرق واضح بين العبارتين) و بدا أن الجميع راض بل مسرور بهذه النتيجة إذ يحس الغرب أنه أنهى أو كاد معركته لتحديث الفكر الإنساني بالنصر و التي بدء بها بنفسه متخليا عن قيم مسيحية القرون الوسطى التي اعتنقها قرابة ألف سنة، و في الحين ذاته شعر العرب أنهم أنهوا قرونا طويلة جدا من الظلام و التخلف و الجمود و العزلة تمتد أيضا لحوالي عشرة قرون و أنهم في طريقهم حثيثا للحاق بركب الحضارة الإنسانية المزدهرة .
سريعا ما تبين أن هذه كانت هدنة و انقضت و عاد الصراع بطابعه الديني و كأنه لم يتوقف يوما ، و تبين بوضوح أن العلمانية العربية فشلت فشلا ذريعا ، لماذا ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال من المهم تبيان الأسباب الرئيسية لتجدد الصراع الإسلامي – المسيحي وهذا يحتاج بحث خاص و لكن باختصار شديد فانه من الناحية المادية يمكن اعتبار أن العوامل الرئيسية في تجدد هذا الصراع هي :
اكتشاف النفط في المنطقة بكميات هائلة و الدور الذي لعبته بعض الدول النفطية نتيجة للثراء الهائل و بالتحديد السعودية و إيران .
إنشاء دولة إسرائيل و تداعيات القضية الفلسطينية .
الدعم الغربي اللامحدود و بالأخص الأميركي للحركات اليمينية بهدف مقاومة المد الشيوعي و اليساري بشكل عام .
مضافا إلى ذلك كله جو العداء التاريخي الناتج عن الصراع الإسلامي – المسيحي الطويل .
إن تجدد هذا الصراع كان يمكن أن يتم بطرق مختلفة بمعنى أن يأخذ طابع صراع مصالح أو صراع سياسي و ليس صراع ديني ، و بتقديري فان السبب الأكثر أهمية في اتخاذه الطابع الديني هو أن العلمانية العربية ، لم تكن قد تكونت بعد .
ما حصل في بداية القرن العشرين هو حركة إصلاح ديني خجولة و ناقصة و ليست حركة تحديث فكري بمعنى تبني المنهج العلمي في التفكير و الذي هو التعريف المبسط للعلمانية . و حتى حركة الإصلاح الديني تلك ، كانت بعيدة جدا عن أي إصلاح جوهري فبقيت ناقصة و سطحية ، لقد تبين أن ما يسمى بالعلمانيين العرب هم مجموعة من أبناء الطبقات العليا ، و ما أن انتشر التعليم في المجتمعات و طفا إلى السطح أبناء المجتمعات الحقيقيون اختفت العلمانية ، بل أكثر من ذلك كون العلمانيين العرب ( طبعا معظمهم و ليس جميعهم ) من الطبقات المخملية بينما الأصوليون من عامة الشعب ، فان معظم المعالجات التي قدمها الأصوليون أنجع من حلول العلمانيين (و هذا ما يجب الاعتراف به و للأسف ) الذين ما يزالون يطيرون في الجو دون جذور تضرب في الأرض ، هذا إن كان عندهم أي حلول . خذ مثلا على ذلك العلاقة بين الجنسين ، فبينما و استجابة لتغير ظروف الحياة ابتدع الإسلاميون طرق جديدة للزواج : كزواج المسيار و غيره ، لم يأت العلمانيين بفكرة عملية واضحة يقولونها علنا لحل هذه المشكلة ، و بينما يتبنى الإسلاميون محاربة الغرب و رفضه ثقافيا ، لا نزال نسمع عبارات غير مفهومة يقولها العلمانيون تتحدث عن الاحتفاظ بالأصالة و تبني التحديث في نفس الآن ،و المهم أن الإسلاميون يطرحون بوضوح أسلوبا عمليا لمقولاتهم بينما يكتفي العلمانيون بترديد أقوال غير مفهومة و هي على الغالب غير ممكنة التطبيق عمليا ففي الحالة السابقة مثلا : ما هو الأصيل الذي يجب أن نحافظ عليه ؟ و ما هو الذي يجب إن نتخلى عنه ؟ و النقطة الأهم: من هو الذي سيحدد ؟ إنني أجدها أسئلة من غير الممكن الإجابة عليها عمليا ، بينما و بكل سهولة و يسر يتمكن الإسلاميون عن طريق مؤسساتهم الدينية الراسخة الجذور ، من تحديد ما هو مقبول و ما هو مرفوض من الفكر الغربي .
ما أراه أن النهضة العربية الحديثة لم تتعثر ، بل هي لم تبدأ بعد . زد على ذلك أن هناك مسائل هامة كانت معالجتها تاريخيا أكثر تقدما من طروحات الإسلاميين المعاصرة ؛ و موضوع فصل الدين عن الدولة ، الذي يكاد يكون أهم المشاكل التي يواجهها إقامة مجتمع مدني حقيقي ، أحدها . أشير هنا إلى أن الضجة المثارة لدى المسلمين حول فصل الدين عن الدولة مبالغ فيها جدا، فالدولة الأموية كانت دولة مدنية إلى حد كبير و لم يكن الخلفاء بعد علي بن أبي طالب يمثلون سلطة دينية و حتى الخلفاء الراشدين لم يكونوا يمثلون سلطة دينية بالمعنى الدقيق للكلمة إن الحالة التي مثلها بابا روما في العصور الوسطى ليست موجودة في الإسلام (اللهم إلا في شخص النبي) إن التمثيل الديني الذي تمتع به الخلفاء هو رمزي تماما و هو يشبه إلى حد كبير وضع ملك انكلترا من حيث أنه يعتبر الرئيس الأعلى للكنيسة الإنكليزية و ليس وضع البابا.
و لا يخفى أنه بدأ من الدولة الأموية كان هناك مؤسسات دينية منفصلة تماما عن الدولة و بنفس الوقت كانت الدولة مستقلة عن هذه المؤسسات، بل معظم إن لم يكن جميع الدول التالية لم تكن دول دينية ، فإذا كان اختيار رأس الدولة على الطريقة الإسلامية التقليدية التي تم بها اختيار الخلفاء الأوائل قد تم ضرب عرض الحائط به ، فأي إسلام تمثل هذه الدول ، و ما استغربه من الأصوليين الإسلاميين المعاصرين (معظمهم) أنهم يرون أن كشف وجه المرأة قضية لا يمكن التساهل بها ، أما توريث أمور المسلمين و أموالهم ، و الذي هو مخالف تماما لسنة النبي و الراشدين من بعده ، و مع ذلك هو أمر مقبول ، بل مرحب به من قبلهم .
لم تطبق أي من الدول الإسلامية على مر التاريخ ؛ الشريعة . بل هي طبقت ما يناسبها منها ، و لوت عنق الشريعة حسب رغبتها حينا ، و ضربت بها عرض الحائط أحيانا دونما الحاجة حتى لتبرير ، و علينا أن نتذكر أن الفقه الإسلامي بالنسبة لتلك الدول لم يكن شريعة بقدر ما كان القانون المدني الوحيد المتوفر ، و مع ذلك فقد طبقوه حسب رغباتهم و أهوائهم و لم يكفرهم فقهاء تلك العصور ، بل هم حتى لم يكفروا الخليفة الذي ضرب المصحف بالسهم و قال فيه ما قال (الوليد بن اليزيد) .
و أنا أرى أن نقطة البداية هي في أن يكف العلمانيين العرب عن الخجل من كونهم علمانيين ، وبالتالي التصرف بجرأة و صدق على هذا الأساس ، و التوقف عن النفاق الذي لا يزالون يمارسونه منذ أكثر من قرن . و إلا فهم لن يكونوا قادرين على تحقيق أي شيء . و كمثال بسيط على ذلك أسوق هنا مسألة العلاقة بين الرجل و المرأة فعندما يساير العلماني( أو يقتنع ب) الرأي المتدين الذي يقول أن أي علاقة جنسية خارج الزواج هي خطيئة فهو بشكل غير مباشر يدمر كل أسس التفكير العلماني الحقيقية ، المنطلقة من الحرية الشخصية و تساوي حقوق الجنسين . و لطالما استمعت لمثل هذا النفاق من العلمانيين و تعجبت منه ، إن القضية تؤول إلى الشكل التالي :
يجادل المدافع عن وجهة النظر الدينية التقليدية : بما أنه حتى خصمنا العلماني يعترف أن العلاقات الجنسية خارج الزواج خطيئة عظمى ، بالتالي يجب بذل كل ما يمكن لمنعها ، فهل الاختلاط و الخلوة مما يساعد على منعها أم العكس؟
و هنا يحاول العلماني إعطاء أجوبة و تحاليل ضعيفة و متناقضة.
إذا لم يمتلك العلماني الجرأة منذ البداية للقول أنه يعتقد أن الرجال و النساء لهم كامل الحرية للتصرف بحياتهم و أجسادهم و أنه حتى عندما تتعارض هذه الحرية مع التزامات أخرى تعهدوا بها فإنهم يظلوا هم الوحيدين المسئولين عن ذلك ، و ليس رجل الدين أو المحتسب و لا حتى عائلاتهم (آباءهم و أمهاتهم) ، و أنه حتى لو أدى ذلك إلى ضرر ما ، فانه يجب أن تتم تسويته بطرق مدنية متحضرة القصد منها إزالة الضرر أو التعويض عنه ، و ليس الانتقام و التعذيب بجلد الناس أو رجمهم بالحجارة حتى الموت ؛ أو التشهير بهم ، إذا لم يمتلك هذه الجرأة ، فما معنى أن يكون علماني . و ما أقصده هنا أن ربط جزء هام للغاية من حياة البشر كالعلاقة بين نصفي هذا الجنس البشري ، بشروط لا تمت لأي تفكير علمي بصلة لا يترك أمامنا مجالا للإدعاء أننا نفكر بشكل علمي و بالتالي نكون علمانيين ، علماً أن جميع شرائح مجتمعاتنا تقريبا ،العلمانية منها و الأصولية لا ترى مشكلة فيما يخص العلاقات الجنسية للرجال ، و المشكلة منحصرة بالعلاقات الجنسية للنساء . و إذا كان هذا أمر مفهوم بالنسبة للأصوليين ، فهو ذو معنى وحيد بالنسبة للعلمانيين : هو أنهم ليسوا علمانيين .
في القرون الخمسة الأخيرة خطت البشرية خطوات جبارة نحو التقدم و هذا ما يجب أن يكلل يوما ما بإقامة حكومة عالمية ، فبعد أن جعلت الثورات المتلاحقة بدءا بالثورة الصناعية وصولا إلى ثورة الاتصالات العالم قرية صغيرة كما يردد كل أحد هذه الأيام ، لم يعد من الممكن التعامل مع العالم على أنه عوالم مختلفة و هذا يحتاج إلى بحث خاص ، و في القرن المنصرم بعد أن كانت العلمانية فكرا أوربيا خالصا انتشرت تماما و أصبحت فكرا مقبولا بل معتنقا من جميع أمم الأرض باستثناء المسلمين ، و بدون دخولنا إلى ساحة الفكر البشري الحديث و اعتناق طرق تفكيره العلمية ، لن نتمكن حتى من الوقوف حيث نحن ، بل سنثابر على تراجعنا نحو التخلف المادي و الفكري و بسرعة كبيرة .



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأديان الشمولية و تأليه الإنسان – النبي
- أيديولوجيا و حتمية


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - لماذا لم تحقق العلمانية العربية الحديثة أهدافها حتى الآن